تأجيل الانتخابات التشريعية الفلسطينية .. ذرائعوحقائق ومواقف
تقارير
تأجيل الانتخابات التشريعية الفلسطينية .. ذرائع وحقائق ومواقف
فضل عرابي
حمّل الملف BDF
الملخص
أعلن الرئيس محمود عباس تأجيل موعد الانتخابات التشريعية إلى حين ضمان مشاركة الفلسطينيين في مدينة القدس المحتلة.
وقال عباس في ختام اجتماع فصائل منظمة التحرير يوم الخميس 29 نيسان/ أبريل إن القرار "يأتي بعد فشل كافة الجهود الدولية بإقناع إسرائيل بمشاركة القدس في الانتخابات"، مؤكدًا أن القيادة الفلسطينية ستعمل على تشكيل حكومة وحدة وطنية تلتزم بالقرارات الدولية.
وأضاف أن الفصائل الفلسطينية ستواصل اجتماعاتها والحوار والعمل على تعزيز منظمة التحرير.
وأكد عباس أنه لن تجري الانتخابات دون مدينة القدس المحتلة، مشيرًا إلى أن هناك رسائل وصلت من "إسرائيل" بأنهم لا يستطيعون إعطاء جواب (بشأن إجراء الانتخابات في القدس) لعدم وجود حكومة إسرائيلية تتخذ قرارًا بهذا الشأن.
وشهدت مدن فلسطينية مسيرات واحتجاجات ضد القرار، إذ نظمت قوائم انتخابية وفصائل ونشطاء، تظاهرة وسط مدينة رام الله؛ رفضًا لتأجيل الانتخابات التشريعية.
وخرج كذلك مئات الفلسطينيين في مسيرات جماهيرية بعدة مناطق في قطاع غزّة، رفضًا لتأجيل الانتخابات. [1]
تعرض هذه الورقة المرسوم الرئاسي، وتداعياته على الساحة الفلسطينية، وموقف لجنة الانتخابات المركزية، والفصائل الفلسطينية، والقوائم الانتخابية، والمواقف الدولية، كما تعرض آراء نخبة من الخبراء والمحللين السياسيين.
المرسوم
أصدر الرئيس محمود عباس الجمعة 30 نيسان/ أبريل مرسومًا رئاسيًا يقضي بتأجيل الانتخابات العامة التي جرت الدعوة إليها في 15 كانون الثاني/ يناير الماضي، "وذلك بعد منع سلطات الاحتلال الإسرائيلي التحضير للانتخابات وإجرائها في القدس المحتلة، وعلى ضوء قرار اجتماع القيادة الفلسطينية الموسع، الذي شمل اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، واللجنة المركزية لحركة فتح، وقادة فصائل العمل الوطني الفلسطيني، وشخصيات وطنية". [2]
ووفق مرسوم رئاسي، كان من المقرر أن تجرى الانتخابات الفلسطينية على ثلاث مراحل خلال العام الجاري: تشريعية (برلمانية) في 22 أيار/ مايو، ورئاسية في 31 تموز/ يوليو، وانتخابات المجلس الوطني في 31 آب/ أغسطس. [3]
وتتضمن "اتفاقية المرحلة الانتقالية"، المبرمة بين منظمة التحرير الفلسطينية و"إسرائيل"، الموقعة في واشنطن عام 1995، بندًا صريحًا عن إجراء الانتخابات في القدس،وينصّ على أن الاقتراع يجري في مكاتب بريد تتبع سلطات الاحتلال. [4]
موقف لجنة الانتخابات المركزية
أصدرت لجنة الانتخابات المركزية بيانًا جاء فيه: "تنفيذًا لقرار القيادة الفلسطينية في الاجتماع الذي عُقد برئاسة الرئيس محمود عباس بتأجيل الانتخابات العامة، تُعلن لجنة الانتخابات المركزية عن إيقاف العملية الانتخابية".
وأضاف البيان: "هذا وتأمل اللجنة أن تتمكن من استكمال تنفيذ الانتخابات الفلسطينية في أقرب فرصة ممكنة". [5]
موقف مجلس منظمات حقوق الإنسان الفلسطيني
تحدث المجلس في بيان عن "تآكل الشرعية الشعبية والدستورية لمؤسستي الرئاسة والمجلس التشريعي منذ انتهاء ولايتهما بعد انتخابات عام 2005 و2006".
وأعرب البيان عن "الأسف إزاء حالة التفرد في قرار تأجيل الانتخابات التشريعية التي كانت مقررة في 22 من الشهر الجاري (أيار/ مايو) بدعوى منع إسرائيل إجرائها في القدس".
وانتقد البيان عدم إجراء أي حوار حقيقي يضم كافة مكونات المجتمع الفلسطيني بما فيها القوائم الانتخابية المترشحة للانتخابات التشريعية والمجتمع المدني بشأن مصير الانتخابات.
وأكد البيان على ضرورة إجراء الانتخابات العامة وتحديد موعد جديد قريب لإجرائها، بما يساهم في تجديد شرعية المؤسسات التي تآكلت منذ الانقسام السياسي، ويمكّن جيلاً كاملاً حُرم من حقه في المشاركة السياسية. [6]
موقف الفصائل والقوائم الانتخابية
أعلنت فصائل وقوائم انتخابية رفضها قرار الرئيس محمود عباس تأجيل الانتخابات، بينما رحبت به فصائل أخرى.
أولاً- الفصائل والقوائم الرافضة للقرار
قال رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) إسماعيل هنية إن الأسباب وراء قرار تأجيل الانتخابات غير مقنعة إطلاقًا، وإن ذلك يعني إلغاء حق الشعب الفلسطيني ومصادرته.
وأضاف هنية - في كلمة متلفزة - إن حركته كانت وما زالت مع إجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية والمجلس الوطني في تواريخها المحددة (في أيار/ مايو)، وأن توضع صناديق الاقتراع في المسجد الأقصى وكنيسة القيامة، على حد قوله.
وتابع: "طالما أن القرار الفلسطيني يريد أن يكون مرهونًا للإرادة الإسرائيلية، وأننا نرفض الدخول في اشتباك سياسي وميداني، معنى ذلك أن التأجيل يعني الإلغاء ومصادرة حق الشعب الفلسطيني في أن يمارس حقه الطبيعي المكفول له في كل الأعراف والقوانين الدولية".
وذكر هنية أنه "لا يوجد خلاف مع حركة فتح ولا أي جهة على ضرورة إجراء الانتخابات في القدس، ولكن الخلاف مع أبو مازن حينما رهن قرارنا الفلسطيني وإرادة شعبنا بقرار الاحتلال الإسرائيلي"، مشيرًا إلى أنه كان يجب خوض هذه العملية، وإجراء الانتخابات في القدس.
ودعا هنية إلى لقاء وطني جامع لتدارس كيفية تجاوز هذه المحطة، معتبرًا أن تأجيل الانتخابات قرار مؤسف، ويضع الفلسطينيين في منطقة تشبه الفراغ. [7]
وأكدت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في بيان لها: رفضها تأجيل الانتخابات، وتمسكها بالاتفاقيات الوطنيّة لإجراء الانتخابات بمراحلها الثلاث.
وحذرت الجبهة من التداعيات السلبية المتوقعة لقرار التأجيل، مؤكدة أن ذلك يتطلب من الجميع معالجة وطنية مسؤولة خاصة، وأنه يوقف عملية المصالحة وجهود إنهاء الانقسام، ويفتح على تعميق الأزمة الداخلية أكثر فأكثر.
كما حذرت من اللجوء لأيّ قرارات أو إجراءات للهروب من تداعيات القرار، التي يمكن أن تساهم باستمرار حالة الانقسام على ما هي عليه، بل وتعمّق منها، معربة عن رفضها لأي محاولات للاستجابة لشروط اللجنة الرباعية بالعودة إلى المفاوضات.
وتابعت "كان على القيادة الفلسطينيّة ألّا ترهن قرارها بشأن الانتخابات بموافقة الاحتلال لإجرائها في مدينة القدس، بل أن تسعى لفرضها كشكل من أشكال إدارة الاشتباك حول عروبتها، فالانتخابات في القدس أو في أي مكان في فلسطين لا تحتاج لإذن إسرائيلي".
وأكدت "إن قرار تأجيل الانتخابات يضع علامة سؤال على مدى جديّة الفريق المتنفذ والمهيمن على منظمة التحرير حول إنهاء الانقسام واستعادة الوحدة الوطنيّة وبناء منظمة التحرير، فقد صيغت المراسيم في البداية بحساباتٍ فئويّة تجعلنا غير مستغربين هذا القرار". [8]
من جانبها، أعلنت حركة المبادرة الوطنية الفلسطينية، رفضها لقرار تأجيل الانتخابات، ودعت إلى التراجع عنه والإصرار على إجرائها في موعدها، بما في ذلك داخل مدينة القدس.
وقالت المبادرة في بيان: "إننا نرفض قرارات الاحتلال ونرفض مؤامرته لاستثناء القدس من الانتخابات لتمرير صفقة القرن، ولكننا نرفض أيضًا إعطاء الاحتلال حق الفيتو على الانتخابات الديمقراطية الفلسطينية".
وأضافت: "لذلك نعيد تأكيد موقفنا بضرورة إجراء الانتخابات في القدس رغم أنف الاحتلال، وجعلها معركة مقاومة شعبية، وأداة للوحدة الوطنية في مواجهة الاحتلال".
وأكدت أن "الانتخابات الرئاسية والتشريعية والمجلس الوطني، هي حق للشعب قبل أن تكون حقًا للفصائل والقوى والقوائم، وهو حق حرم منه الشعب، خاصة أجيال الشباب لخمسة عشر عامًا وقد آن أوانه".
ودعت إلى "تضافر الجهود الشعبية والوطنية للعمل من أجل استعادة حق الشعب في إجراء الانتخابات الديمقراطية، وجعلها فرصة لتوحيد الصف الوطني في مواجهة الاحتلال". [9]
وقال رئيس قائمة "التغيير الديمقراطي"، إبراهيم أبو حجلة: "إن قرار التأجيل الصادر عن الاجتماع القيادي، كان بحجة ضمان مشاركة القدس، ولكن وفق رؤية القيادة السياسية المتنفذة، فقط من خلال التمسك باتفاق أوسلو والبروتوكول الخاص بالانتخابات في القدس، أي انتظار موافقة إسرائيلية للسماح للمقدسيين بإدلاء أصواتهم في مراكز البريد الإسرائيلي تحت إشراف موظفين إسرائيليين، بمعنى منح حكومة نتنياهو واليمين الحق الحصري في قبول أو منع المقدسيين من المشاركة في الانتخابات".
وأضاف أبو حجلة: "إن الجبهة الديمقراطية أعلنت موقفها بشكل واضح ضد التأجيل خلال اجتماع القيادة الفلسطينية، وقبلها اجتماع اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، بذريعة انتظار الحصول على موافقة إسرائيلية وفق اتفاق أوسلو، إذ إنّ من المعيب رهن مشاركة المقدسيين بتلك الموافقة"، معتبرًا أن القدس يجب أن تكون حاضرة بقوة من خلال الاشتباك السياسي.
وأكد أبو حجلة أن التأجيل يلقي بظلاله على ملف الانقسام ويبدد آمالاً كبيرة للفلسطينيين، لإعادة بناء النظام السياسي، الذي يعاني ترهلاً وشيخوخة في السلطة والمنظمة. [10]
من جانبه، قال مسؤول الدائرة السياسية لحركة الجهاد الإسلامي، وعضو مكتبها السياسي، محمد الهندي إن قرار تأجيل الانتخابات اتخذ قبل اجتماع اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير بأيام، والاجتماع هو مجرد اجتماع شكلي للإعلان عن القرار.
ولفت إلى أن إجراء الانتخابات ضمن سياق أوسلو وإعادة ترميم مؤسسات سلطة مرتهنة للعدو وشريكة له، ومن ثم نشتكي من تحكم العدو بهذه الانتخابات وعدم السماح لنا بإجرائها في القدس فهذا هو المضحك المبكي.
وأضاف لو كان هناك جدية في إجراء الانتخابات لكان أصبح هذا عاملاً للصراع مع العدو وليس استسلامًا لإرادته وانتظار موافقته. [11]
بدورها، قالت لجان المقاومة الشعبية؛ إنه "لا يجب إعطاء الاحتلال ذريعة لتأجيل الانتخابات أو التدخل في الشؤون الداخلية لشعبنا، في ظل حالة الإجماع الوطني على طي صفحة الانقسام، وتحقيق المصالحة الوطنية، وعدم الانصياع للتهديدات الإسرائيلية في استعادة الوحدة الوطنية".
وأكدت في بيان أن "شعبنا وقواه الحريصة على مصلحته العليا، لها القدرة على عقد الانتخابات في مدينة القدس، رغم أنف الاحتلال وممارساته العنصرية".
ودعت إلى "مزيد من التشاور مع الفصائل وقوى شعبنا، حول الخيارات الممكنة لعقد الانتخابات في القدس". [12]
وقال قائد ما يعرف بالتيار الإصلاحي بحركة فتح محمد دحلان إن "تأجيل الانتخابات قرار غير قانوني صادر عن رئيس فاقد للشرعية منذ عقد من الزمان، وهو قرار خطير يعرّض حاضر ومستقبل الشعب الفلسطيني لخطر المجهول". وأضاف: أن "دوافع هذا القرار مكشوفة ومعروفة، ولا علاقة لها بالقدس".
ورفضت قائمة "المستقبل" التابعة لدحلان تأجيل الانتخابات، ووصفت القرار بأنه خطوة في الاتجاه الخاطئ، كونها تُكرس الانقسام الفلسطيني وتعطى لكل المتنفذين فرصة للاستمرار بمشروعهم الشخصي. [13]
من جانبه قال رئيس قائمة "الحرية"، ناصر القدوة، إذا لم يتم إجراء الانتخابات في الموعد المتفق عليه، قبل قرار التأجيل، فيجب أن يكون على الأقل قبل نهاية العام الحالي دون انتظار للموقف "الإسرائيلي".
وأكد أن "الانتخابات حق ديمقراطي للشعب الفلسطيني ولا يجوز التلاعب به من قبل أي جهة كانت"، حسب وصفه.
وتابع: القدس عاصمة فلسطين وهي في القلب، ولا يوجد مشروع سياسي جدي ومحترم لا تكون القدس في قلبه، ونقول لا انتخابات دون القدس وهذا موقف يتفق عليه الفلسطينيون.
وأردف: "لكن أن يقال أننا أجلنا لضمان إجراء الانتخابات في القدس، يعني ارتهان الموقف الفلسطيني للإسرائيليين، وهو أمر غير مقبول على الإطلاق، وندعو لإجراء الانتخابات في كل مكان بما في ذلك القدس، دون إذن من إسرائيل".
وتساءل القدوة: ماذا الآن عن الشرعيات غير المتجددة دون الانتخابات؟ وأوضح: من الواضح أن لدينا مشكلة كبيرة يجب أن نعالجها بحكمة، لنعود جميعًا لقبول التغيير الديمقراطي والحوار والتوافق وننتهي جميعًا للأبد من فكرة إبقاء الوضع القائم. [14]
ودعا حسن خريشة الذي تزعم قائمة "وطن" للمستقلين، لمواجهة آثار تأجيل الانتخابات بإعادة تنصيب المجلس التشريعي الذي حله الرئيس عباس نهاية عام 2018، حتى إجراء انتخابات جديدة، كي لا يقع الفلسطينيون في فراغ تشريعي دائم.
وتوقع خريشة تراجع حاد لصورة السلطة وعلى رأسها الرئيس عباس أمام الجمهور الفلسطيني، إلى جانب تعزيز المفهوم المتداول بأن "السلطة أداة بيد الاحتلال الإسرائيلي"، وهذا قد يفتح الباب أمام احتجاجات شعبية على سياسات السلطة.
وهو الأمر، الذي بحسب خريشة، سيفتح شهية الاحتلال على مزيد من الاستيطان والتهويد مستندًا إلى أن السلطة الفلسطينية فقدت صلاحيتها فعلا.
وقال إن التأجيل باسم القدس "كلمة حق أريد بها باطل"، بينما "القصة الحقيقية هي إدراك القيادة للتغيرات التي طرأت على خارطة القوى في الساحة الفلسطينية والأزمات الداخلية التي تعيشها حركة فتح خاصة". [15]
فيما طالبت قائمة "الحرية والكرامة" المترشحة للانتخابات الاتحاد الأوروبي بوقف الدعم المالي عن السلطة الفلسطينية، إثر قرار تأجيل الانتخابات، ووجهت القائمة رسالة إلى ممثلي الاتحاد الأوروبي قالت فيها "إن قرار تأجيل الانتخابات غير شرعي وغير دستوري، ويمثل اغتصاب للسلطة وجريمة بحق الشعب الفلسطيني وقضيته".
وأعلنت القائمة عزمها التوجه إلى المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان "للمطالبة بوقف الدعم المالي للسلطة، وبفتح ملف التحقيق للأموال المهدورة لدافعي الضرائب الأوروبيين من خلال ملفات الفساد المرفقة". [16]
ثانيًا- الفصائل المؤيدة للقرار
قال عضو اللجنة المركزية لحركة فتح عباس زكي: "إن قرار الرئيس تأجيل الانتخابات قرار صعب وثقيل وقاس، لكننا لا نرى فلسطين دون القدس، باعتبارنا كنا نسعى منذ البداية إلى أن تجري الانتخابات في كافة الاراضي الفلسطينية".
وأضاف: "بعد أن قطعنا شوطًا هامًا وكبيرًا في التحضير للانتخابات فوجئنا بإجراءات إسرائيلية تعيق هذه العملية، أبرزها اعتقال مرشحين من القدس ومنعهم من ممارسة حياتهم اليومية والاعتداء على كافة اجتماعاتهم".
ولفت زكي إلى أنه إذا ما توجهنا إلى الانتخابات على قاعدة الاشتباك مع "إسرائيل" فمن الممكن أن تشترط علينا أن تسلمنا هي صناديق الاقتراع، وتابع: "كان الأمر محل دراسة ففكرنا بإمكانية مواجهة إسرائيل باستراتيجية جديدة وهذا ما طرحه الرئيس الذي كان متمسكًا بضرورة اجراء الانتخابات في القدس".
وبين: "نحن في صدد وضع هذه الاستراتيجية، والرئيس أكد عدم التوقف عن إصلاح البيت الداخلي والحوار وتشكيل حكومة وحدة وطنية وممارسة كل أشكال تطوير منظمة التحرير، واستخدام كل الضغط فيما يخص نصرة القدس، والتمسك بالديمقراطية في كافة اجتماعات القيادة". [17]
من جهته قال عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، الأمين العام لجبهة النضال الشعبي أحمد مجدلاني: "رغم قناعتنا بأن الانتخابات حق دستوري وديمقراطي لأبناء شعبنا، إلا أننا نرى أن المغامرة بإجراء الانتخابات دون القدس يعني تفريطًا وتنازلًا مجانيًا للاحتلال عن قدسنا وعاصمتنا وقبولا بنتائج صفقة القرن".[18]
بدوره وصف مسؤول حزب الشعب الفلسطيني في لبنان غسان أيوب، قرار تأجيل الانتخابات لعدم سماح سلطات الاحتلال بإجرائها في القدس بالمهم، "لأنه يحفظ حق شعبنا في كافة الاراضي الفلسطينية".[19]
من جانبه، قال عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير أمين عام حزب فدا صالح رأفت: "إن قرار القيادة بتأجيل الانتخابات لحين ضمان إجرائها في القدس، جاء لأنه لا يمكن للقيادة الفلسطينية أن تستسلم للإجراءات الإسرائيلية، واتخذت قرارًا بالتأجيل حتى تتمكن من انتزاع الحق الفلسطيني بإجراء الانتخابات في القدس".[20]
كما أكد عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، أمين عام جبهة التحرير الفلسطينية واصل أبو يوسف: "إن كافة المداخلات التي جرت في اجتماع القيادة لمناقشة قرار تأجيل الانتخابات أكدت خطورة الذهاب للانتخابات دون القدس".[21]
المواقف الدولية
دعت لجنة الأمم المتحدة المعنية بممارسة الشعب الفلسطيني لحقوقه غير القابلة للتصرف، إلى ضمان إجراء الانتخابات في الأراضي الفلسطينية المحتلة، بما فيها القدس.
وقالت اللجنة في بيان، إن رئيس اللجنة الممثل الأممي الدائم للسنغال شيخ نيانغ، وجه رسالة بهذا الخصوص إلى رئيس مجلس الأمن دينه كوي دانغ، الممثل الدائم لفيتنام لدى الأمم المتحدة.
وقال رئيس اللجنة إن "الشعب الفلسطيني متعطش لتولي المسؤولية عن مصيره، والمشاركة في الانتخابات في جميع أنحاء الأرض الفلسطينية المحتلة، بما فيها القدس الشرقية".
وأشار إلى "الأعمال التحضيرية المتقدمة للجنة الانتخابات الفلسطينية، والعدد الكبير من الناخبين المؤهلين المسجلين، بمن فيهم النساء والشباب".
من جهته، أكد رئيس مجلس الأمن على أن بلاده ستعمم الرسالة على أعضاء مجلس الأمن، وتلفت انتباههم إلى الوضع على الأرض.
وشددت لجنة فلسطين على أن "الانتخابات الديمقراطية عامل حاسم في الإعمال الكامل لحقوق الشعب الفلسطيني غير القابلة للتصرف، من أجل إيجاد حل عادل لقضية فلسطين". [22]
كما دعا منسق الأمم المتحدة الخاص لعملية السلام في الشرق الأوسط، تور وينسلاند، القيادة الفلسطينية لتحديد موعد جديد للانتخابات التشريعية.
وقال وينسلاند في بيان: "لقد أحطت علمًا بقرار القيادة الفلسطينية بتأجيل انتخابات المجلس التشريعي، وأتفهم تمامًا خيبة أمل العديد من الفلسطينيين الذين أعربوا بوضوح عن رغبتهم في ممارسة حقوقهم الديمقراطية بعد قرابة 16 عامًا دون انتخابات".
وأضاف: "اعترافًا بالدعم الدولي الواسع، أشجع الفلسطينيين على مواصلة السير على الطريق الديمقراطي. لا يزال إجراء انتخابات شفافة وشاملة في جميع أنحاء الأراضي الفلسطينية، بما في ذلك القدس الشرقية على النحو المنصوص عليه في الاتفاقات السابقة، أمرًا ضروريًا لتجديد شرعية ومصداقية المؤسسات الفلسطينية وفتح الطريق أمام إعادة ترسيخ الوحدة الوطنية الفلسطينية".
واعتبر أن "تحديد موعد جديد وفي الوقت المناسب للانتخابات سيكون خطوة مهمة في طمأنة الشعب الفلسطيني بأن أصواتهم ستُسمع"، محذرًا من أن "فترة عدم اليقين الطويلة قد تؤدي إلى تفاقم الوضع الهش". [23]
كما قالت الخارجية الأميركية إن إجراء انتخابات فلسطينية أمر مهم، ويعود تحديده للشعب وقيادته، وأضافت أنها تشجع الجميع على الهدوء. [24]
بدوره قال مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل إن تأجيل الانتخابات الفلسطينية أمر مخيب للآمال بشدة.
وأعرب بوريل في بيان عن أسفه لقرار تأجيل الانتخابات، ودعا إلى تحديد موعد جديد للانتخابات دون تأخير.
وجدد دعوة الاتحاد الأوروبي "إسرائيل" إلى تسهيل إجراء هذه الانتخابات في أنحاء الأراضي الفلسطينية، بما في ذلك القدس الشرقية، مشيرًا إلى أن الاتحاد شدد باستمرار على دعمه لإجراء انتخابات ذات مصداقية وشاملة وشفافة لجميع الفلسطينيين. [25]
من جانبها، قالت فرنسا وألمانيا وإيطاليا وإسبانيا وبريطانيا إنها تشعر بخيبة أمل إزاء قرار عباس تأجيل الانتخابات البرلمانية، وحثته على تحديد موعد جديد لها على وجه السرعة.
ودعت الدول الأربع الأولى - في بيان مشترك – "السلطة الفلسطينية إلى تحديد موعد جديد للانتخابات في أقرب وقت ممكن" ودعت "إسرائيل" "إلى تسهيل إجراء مثل هذه الانتخابات في كل الأراضي الفلسطينية، بما في ذلك القدس الشرقية وفقًا للاتفاقيات السابقة".
وعبّر وزير الخارجية البريطاني دومينيك راب عن خيبة أمله لتأجيل الانتخابات التي وصفها بأنها تأخرت كثيرًا، داعيًا إلى تحديد موعد جديد لها على وجه السرعة. [26]
وقد أعربت الخارجية التركية، عن أسفها لتأجيل الانتخابات البرلمانية والرئاسية الفلسطينية، التي ستجري لأول مرة منذ عام 2006، ودعت الحكومة الإسرائيلية لاحترام بنود اتفاقية أوسلو 1995، وإنهاء موقفها الذي يمنع الانتخابات الفلسطينية في القدس.
واعتبرت الخارجية التركية، اضطرار الفلسطينيين لتأجيل انتخاباتهم، سببه "إسرائيل" من خلال عدم ردها على الطلب الفلسطيني لإجراء الانتخابات في القدس الشرقية ومنعها إجراء الحملات الدعائية للمرشحين في المدينة.
وتمنّت الخارجية التركية عدم تأثير قرار تأجيل الانتخابات سلبًا على عملية المصالحة بين القوى الفلسطينية. [27]
من جهتها، استهجنت الهيئة الدولية لدعم حقوق الشعب الفلسطيني "حشد"، بشدة إعلان عباس تأجيل الانتخابات، معتبرة في بيان، أن "الإعلان الرئاسي بإرجاء المسار الانتخابي لأجل غير مسمى، "هو انعكاس جديد لحالة التفرد التي تتملك مؤسسة الرئاسة الفلسطينية".
وأكدت أن قرار إيقاف العملية الانتخابية في هذا الوقت في الذات، "يعد من قبيل الرضوخ غير المبرر للغطرسة الإسرائيلية، في ظل حالة الانتصار المعنوي والمادي الذي حققه أهل مدينة القدس وشبابها".
واعتبرت يوم إصدار الإعلان الرئاسي "يوما أسود في تاريخ الديمقراطية الفلسطينية"، مؤكدة على أنه لا يوجد نص واضح لا في القانون الأساسي ولا قانون الانتخابات يعطي أي جهة حق تأجيل أو إلغاء الانتخابات.
وأشارت إلى أن لجنة الانتخابات المركزية "قد تجاوزت صلاحياتها وولاياتها القانونية عند قبولها للإعلان الرئاسي، وتجاهلت طبيعتها القانونية بوصفها لجنة مستقلة، لافتة إلى أن تعطيل المسار الانتخابي يعني مصادرة الحقوق السياسية للمواطنين".
وحثت الهيئة القيادة الفلسطينية على ضرورة وأهمية التراجع الفوري عن قرار وقف المسار الانتخابي، والسعي الجاد لضرورة فرض إجرائها في القدس، وعدم الرضوخ لغطرسة الاحتلال الإسرائيلي. [28]
آراء الخبراء
في حديث خاص لـ"مركز القدس للدراسات" ذهب المحلل القانوني والسياسي ماجد العاروري إلى اعتبار ما حدث "إلغاء للانتخابات وليس تأجيلًا".
ويقول إن عدم موافقة الاحتلال على الانتخابات في القدس أمر متوقع، خاصة في ظل سياسات التهويد وتفريغها من سكانها الأصليين و"اعتبارها عاصمته الأبدية".
وأوضح أن "إسرائيل" لن تعطي رخصة بالانتخابات في القدس لا الآن ولا مستقبلًا.
ورأى فيما جرى "نوعًا من المراوغة السياسية التي لم تقنع سوى أصحابها"، لأن جميع الفلسطينيين مقتنعون بأن الانتخابات كان يجب أن تجري في القدس رغم المنع الإسرائيلي.
وشكك العاروري وهو خبير في الشأن القانوني، في دستورية قرار تأجيل الانتخابات الذي يجب أن يسند بإعلان لجنة الانتخابات المركزية تعذر إجرائها في موقع ما أو لسبب ما، وقال إن الإعلان بهذا الشكل يعني أن الفلسطينيين يعيشون في نظام غير ديمقراطي "يمارس لعبة البقاء في السلطة".
وحذر من أنّ الحالة الفلسطينية بعد التأجيل أصبحت تعاني من فراغ دستوري، يستوجب البحث عن آلية لتجديد الحياة الدستورية بعد فشل الانتخابات.
ويعتقد أن الفلسطينيين الآن بحاجة إلى عقد اجتماعي جديد يحدد آلية لاختيار قيادتهم، يشارك فيه كل أطراف المجتمع.
وأضاف: "نحن أمام مرحلة جديدة تتعلق بضرورة بناء النظام السياسي في شكل ائتلافي بعد أن فقدت أي قوة بمفردها القدرة على إدارة القضية والمجتمع وحدها". [29]
بدوره قال مسؤول البحث القانوني والمناصرة المحلية في مؤسسة الحق أشرف أبو حية: أنه لم يتم التعامل مع موضوع القدس بالشكل الصحيح من أجل أن تجرى الانتخابات فيها، "فنحن قلنا من اليوم الأول، أن الانتخابات في القدس يجب أن تكون عنوانًا للاشتباك، كي تستعيد القدس كقضية مركزية إطار الصراع مع الاحتلال في مواجهة انتهاكاته بحق الفلسطينيين".
وتابع: "تأجيل الانتخابات لا يستند على مبدأ لا انتخابات بدون القدس، فالكل الفلسطيني يجمع على أنه لا انتخابات بدون القدس، ولكن هناك اختلاف على معنى لا انتخابات بدون القدس، فهناك من يري لا انتخابات بدون القدس فيلغي ويؤجل الانتخابات إلى أجل غير مسمى، ويرهن الإرادة الفلسطينية بشأن المشاركة السياسية والانتخابات بقرار الاحتلال، وهناك من يرى لا انتخابات بدون القدس يعني فرض الانتخابات في القدس من خلال الاشتباك مع الاحتلال، والعمل على الساحة الدولية من أجل إظهار الوجه القبيح للاحتلال بشأن منعه للمشاركة السياسية والديمقراطية للفلسطينيين، وهو الذي يتغنى بأنه الدولة الديمقراطية الوحيدة في المنطقة".
وواصل أبو حية في حديث خاص لـ"مركز القدس للدراسات": "تأجيل الانتخابات بحجة ضمان مشاركة المقدسيين فيها لم يكن السبب الحقيقي وراء اتخاذ هذا القرار، وإنما هناك من شعر بأنه سيخسر حال إجراء الانتخابات فقرر التأجيل بذريعة القدس".
وأوضح: "أن القرار بقانون لانتخابات 2017 منح لجنة الانتخابات المركزية صلاحيات اتخاذ ما يلزم من إجراءات لتنظيم الانتخابات في القدس، واللجنة لم تعلن تعذر إجراء الانتخابات في القدس، بل بالعكس قالت إنها جاهزة لمناقشة كافة الخيارات مع كل القوى السياسية بشأن إجراء الانتخابات فيها".
وعن قانونية قرار التأجيل، قال أبو حية: "أن القرار غير قانوني وغير دستوري، فلا يوجد في القانون الأساسي ولا القرار بقانون بشأن إجراء الانتخابات لعام 2007 ما يمنح الرئيس أو أي جهة أخرى صلاحية إصدار أي قرار أو مرسوم بإلغاء أو تأجيل الانتخابات، وإنما هناك صلاحيات ممنوحة للجنة الانتخابات المركزية، في حالات غير منصوص عليها في القانونين، وهي حالة القوة القاهرة التي يتعذر معها إجراء الانتخابات مثل: الزلازل والبراكين وتسونامي والحروب". [30]
فيما أكد الباحث والأكاديمي المختص بشؤون الانتخابات الدكتور عمر رحال في حديث خاص لـ"مركز القدس للدراسات" على أن قرار التأجيل "قرار منعدم، لا يترتب عليه أي أثر، وهو جريمة دستورية، وانقلاب على القانون الأساسي الفلسطيني، لأنه لا يحق للرئيس وفقًا للقانون الأساسي، والقرار بقانون رقم 1 لعام 2007 وتعديلاته للعام 2021 أن يصدر مرسومًا بتأجيل أو إلغاء الانتخابات، ولا يجوز تأجيل الانتخابات إلا في حالة إعلان لجنة الانتخابات المركزية عن تعذر إجرائها في دائرة انتخابية ما، وهو ما لم يحدث".
وأضاف: "هناك جدل قانوني حول هذا الموضوع بين المختصين بالقانون الدستوري والقانون الإداري، فهناك وجهة نظر تقول أن من أصدر المرسوم الرئاسي لإجراء الانتخابات، هو الأولى والأحق بإصدار قرار التأجيل أو الإلغاء، وهذه وجهة نظر يتبناها المختصون من القانونيين القريبين من السلطة وحركة فتح، أما وجهة النظر الثانية، فتقول أن الرئيس لا يملك هذا الحق، استنادًا للقاعدة القانونية التي تقول لا اجتهاد في مورد النص".
وتابع: "قرار التأجيل هو قرار سياسي تنظيمي فئوي مصلحي، ليس له أي مسوغ قانوني بالمطلق، القرار جاء لشراء المزيد من الوقت، من أجل ترتيب أوضاع داخلية لبعض الفصائل، وهذا تقدير خاطئ، لأن أزمة الفصائل لا تحل بهذا الشكل ولا بهذه الطريقة، وإنما تحل من خلال احترام عناصرها للأطر التنظيمية ولوائحها الداخلية، وبالتالي هذا التأجيل ليس له أي مبرر على الإطلاق سوى أنه استخفاف بالشعب الفلسطيني، وعدم احترام لتاريخه، ولعب بحاضره، وعبث بمستقبله، وهذا التأجيل شكل من أشكال الأنانية السياسية".
وواصل: "الانتخابات حق دستوري وقانوني للشعب الفلسطيني، استنادًا للقانون الأساسي، لاسيما المادة الثانية التي تتحدث بأن الشعب مصدر السلطات، وتأجيل الانتخابات يعد خرقنًا للقانون، وعدم احترام للإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وللعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، التي انضمت فلسطين لها".
وعن جدل الشرعيات قال رحال: "هذا الجدل لا فائدة منه، لأن بلادنا لا تتصف بأنها دولة سيادة القانون، فما يحصل في بلادنا لم يحصل في النظم الشمولية والدكتاتورية، فلا يوجد احترام للقانون الأساسي الذي يعتبر بمثابة الدستور، وإنما في كثير من الأحيان يتم اختراقه والالتفاف عليه ولي لعنق النصوص القانونية، من أجل خدمة هذا التنظيم أو ذاك، وبالتالي فالحديث عن الشرعيات يظل كلامًا نظريًا". [31]
أما مدير المرصد العربي للرقابة على الانتخابات عارف جفال، وفي حديث خاص لـ"مركز القدس للدراسات" فقد اعتبر ما حدث "إلغاء للانتخابات وليس تأجيلًا، لأن التأجيل يكون من خلال إعلان موعد جديد، لكن التأجيل دون تحديد موعد جديد هو إلغاء".
وعن دوافع القرار قال جفال: "تعدد القوائم المشاركة في العملية الانتخابية، أخاف البعض، وجعلهم يخشون عدم ضمان نسبة الحسم، بالإضافة لموضوع القدس وحساسيتها السياسية، التي لا نريد التقليل منها، ولكن كان بالإمكان التوافق مع القوائم المختلفة حول آليات التعامل مع عدم الرد الإسرائيلي على الطلب الفلسطيني والمطالب الأوروبية التي وجهت للإسرائيليين، من أجل السماح بإجراء الانتخابات في القدس، بالعودة للبروتوكول الخاص بإجراء الانتخابات بالقدس، والموقع بين إسرائيل ومنظمة التحرير، معتبرًا أن البعض استخدم قضية القدس حجة لتأجيل الانتخابات، فيما أخذ البعض الآخر موقفًا سياسيًا حريصًا ووطنيًا".
ونوه إلى أن "الانقسام داخل حركة فتح كان له أثر كبير في اتخاذ القرار، والدليل أن بعض أعضاء اللجنة المركزية لحركة فتح الذين قالوا فلتكن القدس ساحة صراع سياسي من خلال الانتخابات، هم أنفسهم من صالبوا بتأجيلها إذا لم يوافق الاحتلال، وهناك من يخشى أن يفقد الامتيازات التي يتمتع بها منذ سنوات بناءً على إرثه السياسي، وليس بناءً على قوته الشعبية في الشارع الفلسطيني".
وأصاف: "في 2006 كانت الإدارة الأمريكية تدفع بقوة نحو إجراء الانتخابات، وهو ما جعل الاحتلال يوافق على إجرائها في القدس قبل 10 أيام من تاريخ إجرائها، لكن هذه المرة لم تبد الإدارة الأمريكية اهتمامًا كافيًا بالموضوع، معتبرًا أنه لا توجد مصلحة أمريكية إسرائيلية في إجراء الانتخابات، والإسرائيليون تحديدًا معنيون بأن تكون السلطة الفلسطينية ضعيفة، وفاقدة للشرعية الشعبية، لتعاملها كجهة إدارية، وليس كجهة سياسية ممثلة للفلسطينيين". [32]
من جانبه، اعتبر الباحث في مؤسسة يبوس للاستشارات والدراسات الاستراتيجية سليمان بشارات: أن تأجيل الانتخابات بالاستناد على مبرر ضمان مشاركة المقدسيين بمثابة مخرج لحفظ ماء الوجه، لأن حركة فتح أدركت أنها ستخسر الكثير إذا ما جرت الانتخابات خصوصًا بعد تشكيل قائمة الحرية التي يدعمها مروان البرغوثي.
وأضاف: هذا ما يثير القلق فيما لو تم التوافق مجددًا على إجراء الانتخابات، إذ يمكن البحث عن أي ذريعة لعدم عقدها في وقتها المناسب، إن لم تكن وفقًا لرؤية حركة فتح.
وتابع: هذه الخطوة أيضًا تخيف من أنه في حال جرت أي انتخابات قد لا يتم التعامل مع نتائجها أو القبول بنتائجها وهذا يعدينا إلى مربع ما جرى في العام 2006.
وبين بشارات في حديث خاص لـ"مركز القدس للدراسات" أن خطاب الرئيس حمل الكثير من التبرير، وأراد اظهار التأجيل على أنه مصلحة فلسطينية حتى يتم قبوله جماهيريًا، وربما أراد أن يذكر الفلسطينيين أنه في حال عدم رضى "إسرائيل" عن إجراء الانتخابات ستدخل الحالة الفلسطينية بأزمة مالية وخطوات عقابية قد تقدم عليها "إسرائيل"، في محاولة لإيجاد حالة من القبول الضمني للمواطنين بأن التأجيل جاء تماشيًا مع مصالحهم وحرصًا عليها، وهذا مبرر غير واقعي، فالاحتلال يمارس مخططاته باتجاه الفلسطينيين سواء بالانتخابات أو بغيرها.
وشدد على ضرورة إجراء الانتخابات لتعمل على إعادة ترتيب مؤسسات النظام السياسي وفق أسس ديمقراطية تشاركية، لأنه من الناحية الدستورية ووفقًا للنظام الأساسي الفلسطيني، فإنّ جميع المؤسسات تحتاج إلى تجديد الشرعيات فقد مضى عليها ما يزيد عن 15 عامًا دون انتخابات حقيقية.
وعن دعوة رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية لعقد لقاء وطني يشمل كل الفصائل والقوائم الانتخابية، قال بشارات: الدعوة لحوار وطني شامل أمر مهم حتى يتم البناء على نقاط التوافق، والخروج من حالة فقدان الثقة لدى المواطنين في النظام السياسي، لكن يبقى السؤال عن شكل وطبيعة هذا الحوار ومرتكزاته، والأطراف التي يمكن أن توافق على المشاركة فيه، والخيارات التي سيخرج بها، وقدرة المشاركين على تحويل الخيارات إلى سياسات تنفذ على الأرض، والأهم من ذلك قبول الجميع بتنفيذها دون أي تهرب أو استثناء.
ورأى بشارات أن المصالحة الفلسطينية بمفهومها الشامل ستبقى تراوح مكانها، رغم تحقيق بعض التقارب، إلا أن المصالحة على الأرض تحتاج المزيد من العمل ومزيدًا من الخطوات على سياق توحيد عمل المؤسسات، وتحقيق مفهوم الشراكة، وإعادة مفهوم العمل الفلسطيني إلى عناوين واضحة ومتوافق عليها.
وواصل: الذهاب باتجاه تشكيل حكومة وحدة وطنية لن يكون مخرجًا للحالة الراهنة، لأنها لو تشكلت لن تكون ذات صلاحيات كبيرة، ولن تكون قادرة على تحقيق الأهداف التي كان ينتظرها المواطنون، وسبق أن تم تجريب هذه الخطوة في حكومة الدكتور رامي الحمد لله ولكن لم يتحقق شيء منها، ووضع الرئيس اشتراطات مسبقة على شكل الحكومة وقبولها بالاتفاقيات الدولية هو بمثابة تعزيز لمفهوم أن أي حكومة مقبلة ستكون تكرارًا لحكومات سابقة، ولن تكون مشجعه لدخول حركة حماس وغيرها من الأطراف ضمن تشكيلتها. [33]
أما أستاذ الإعلام في جامعة بيرزيت الدكتور نشأت الأقطش، وفي حديث خاص لـ"مركز القدس للدراسات" فقد اعتبر أن تأجيل الانتخابات بمبرر ضمان مشاركة المقدسيين فيها، "حجة غير مقنعة لأحد، ولكنها أسكتت الجميع، لكن السبب الحقيقي هو الخوف من نتائج الانتخابات، ثم لأن إسرائيل لن تسمح بإجراء الانتخابات في القدس، فمن يؤمن بأن القدس عاصمة دولة الاحتلال، لا يمكن أن يقبل بإجراء الانتخابات فيها، لأن الانتخابات شكل من أشكال السيادة، وبالتالي فنحن خسرنا معركة كبيرة قبل أن تبدأ، وقدمنا للاحتلال ما يتمناه قبل أن يطلبه".
وعن قول الرئيس محمود عباس بأن تنظيم الانتخابات في القدس ليست مسألة فنية، وإنما قضية سياسية وطنية بالدرجة الأولى قال الأقطش: "أن الرئيس يقصد بأنه إذا سمحنا بالتنازل عن ملحق اتفاق أوسلو الخاص بإجراء الانتخابات في القدس، فهذا يغير في مضمون الاتفاق بين منظمة التحرير وإسرائيل، وبالتالي لا يريد منح الفرصة لإسرائيل من أجل التغيير، هذا كلام مفحم لكنه غير مقنع".
وأضاف: " كان بالإمكان أن يتم الاشتباك مع الاحتلال، ونضع الصناديق في كل الشوارع العربية، وليأتي الاحتلال ويصادرها، ونفضحه في العالم، لا أن نرفع الحرج عنه بوقف الانتخابات".
وعن مصير المصالحة قال الأقطش: "المصالحة أكذوبة، حماس تريد من المصالحة نصيبها من الضفة، وفتح تريد عودة غزة لحضن السلطة، لا هذا سيحصل ولا ذاك سيحصل، لأن قوة الاحتلال ستمنع حدوث ذلك، ومن ثم لا يوجد قاسم مشترك وطني بين حماس وفتح، وإنما يوجد بينهم خلافات عميقة لا يمكن أن نوجزها، وعلى رأس هذه الخلافات المصالح الشخصية". [34]
من جانبه، قال أستاذ العلوم السياسية في جامعة بيرزيت، الدكتور سعد نمر: "أن تأجيل الانتخابات بمبرر القدس غير مقنع".
وأضاف في حديث خاص لـ"مركز القدس للدراسات": "شعر الرئيس عباس أنه في حال ما تمت الانتخابات الرئاسية، سيخسر منصبه كرئيس للسلطة، واللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، بعدما أعلن مروان البرغوثي نيته الترشح للانتخابات الرئاسة، وهو ما أعلنه الدكتور ناصر القدوة بأن البرغوثي سيكون مرشح قائمة الحرية للانتخابات الرئاسية، مما يعني أن أبو مازن سيذهب للتقاعد مباشرة بعد الانتخابات".
وتابع: "أن حركة فتح باتت في مأزق بسبب وجود ثلاث قوائم تمثلها في الانتخابات: قائمة الحركة الرسمية، وقائمة الحرية، وقائمة المستقبل التابعة لمحمد دحلان، لذلك اتخد قرار التأجيل".
وبين نمر أن قرار التأجيل تم دون توافق الفصائل، فقد عارضته حماس والجبهة الشعبية والجبهة الديمقراطية، والمبادرة الوطنية كما عارضته معظم القوائم الانتخابية وعلى رأسها قائمتا الحرية والمستقبل، فيما وافقت عليه حركة فتح، وجبهة النضال الشعبي، وجبهة التحرير الفلسطينية وكلاهما لن تخوض الانتخابات، وحزبا الشعب وفدا، متسائلًا عن حجم هذه الأحزاب التي أيدت قرار التأجيل على الساحة الفلسطينية.
وأضاف: "إذا رهنّا الانتخابات بموافقة إسرائيل من عدمها، لن يكون هناك انتخابات في القدس بالمطلق، وبالتالي لن يكون هناك انتخابات فلسطينية بالمطلق، لأن إسرائيل لن تسمح بوجود دور سيادي للفلسطينيين في القدس، التي تعتبرها عاصمتها الموحدة، وإنما كان يجب أن تكون القدس ساحة اشتباك مع الاحتلال، لتثبيت الحق الفلسطيني فيها"
وأكد نمر: "أنه وبعد تأجيل الانتخابات أصبحت الشرعيات كلها تحت علامة استفهام كبيرة، لأننا كنا نريد الانتخابات من أجل تجديد الشرعيات، وتجديد منظمة التحرير، وإدخال كافة الفصائل فيها، فهذا هو الضمان الحقيقي لوجود قيادة شرعية فلسطينية قادرة على إيجاد الحلول المناسبة لقضايا الشعب الفلسطيني، واتخاذ القرارات التي تتناسب مع مصالح الشعب الفلسطيني في موضع الصراع مع الاحتلال". [35]
الخاتمة
كان من المقرر أن تجرى الانتخابات التشريعية الفلسطينية في الثاني والعشرين من الشهر الجاري (أيار/ مايو)، لكن الرئيس محمود عباس أعلن تأجيلها إلى حين ضمان مشاركة المقدسيين فيها، دون أن يحدد موعدًا جديدًا لإجرائها، مبررًا القرار "بفشل كافة الجهود الدولية بإقناع إسرائيل بمشاركة القدس في الانتخابات".
لكن هذا القرار قوبل بالرفض من قبل غالبية الفصائل والقوائم الانتخابية، كما رفضه مجلس منظمات حقوق الإنسان الفلسطيني، وخرجت مسيرات شعبية في مدن مختلفة من الضفة الغربية وقطاع غزة رفضًا لقرار التأجيل.
كما خلف القرار ردود فعل متباينة دوليًا، لكنها اتفقت جميعها على ضرورة تحديد موعد جديد لإجراء الانتخابات في أقرب وقت ممكن، وفي كافة الأراضي الفلسطينية، كما دعت "إسرائيل" لتسهيل ضمان إجراء الانتخابات في القدس.
ويجمع المراقبون على أن قرار التأجيل غير قانوني وغير دستوري، إذ لا يملك الرئيس أو أي جهة أخرى الحق في تأجيل الانتخابات أو إلغائها، وإنما هناك صلاحيات ممنوحة للجنة الانتخابات المركزية، في حالات غير منصوص عليها في القانونين، وهي حالت القوة القاهرة التي يتعذر معها إجراء الانتخابات مثل: الزلازل والبراكين وتسونامي والحروب.
ويتفق المراقبون على أن السبب الذي دفع ما يسمى بالقيادة الفلسطينية لاتخاذ قرار التأجيل، هو خوف حركة فتح وقائمتها الرسمية من عدم تحقق النجاح الذي تريده في الانتخابات في ظل انقسامها على نفسها، وخوضها الانتخابات من خلال ثلاث قوائم محسوبة عليها، فضلاً عن قائمة حركة حماس الموحدة، والقوائم الأخرى المتنافسة في الانتخابات، وأن من وافق على التأجيل من الفصائل الأخرى، يريد الحفاظ على مكاسبه الحالية، التي لا تستند على قاعدة جماهرية لها في الشارع الفلسطيني.
كما أثيرت التساؤلات في الشارع الفلسطيني عن شرعية النظام السياسي القائم، وما هو السبيل لتجديد الشرعيات بعد تعطيل الانتخابات، وعن مصير المصالحة وإنهاء الانقسام، في ظل الخلاف حول تأجيل الانتخابات التي اعتبرت مدخلًا لإنهاء الانقسام واتمام المصالحة، وهو ما دفع الكثيرين للقول بأن هناك نية مبيتة لتأجيل الانتخابات، وأن المصالحة سترواح مكانها.
[1] - https://2u.pw/5BPdZ
[2] - https://2u.pw/p22C3
[3] - https://2u.pw/GPKvO
[4] - https://2u.pw/MD1GD
[5] - https://2u.pw/wDbVt
[6] - https://2u.pw/NuYHo
ويتكون مجلس منظمات حقوق الإنسان الفلسطيني من المنظمات التالية: مؤسسة الحق، مركز الميزان لحقوق الإنسان / غزة، الحركة العالمية للدفاع عن الأطفال- فرع فلسطين، مركز القدس للمساعدة القانونية وحقوق الإنسان، مؤسسة الضمير لرعاية الأسير وحقوق الإنسان، مركز رام الله لدراسات حقوق الإنسان، مركز إنسان للديمقراطية وحقوق الإنسان، مركز المرأة للإرشاد القانوني والاجتماعي، مؤسسة الضمير لحقوق الإنسان/ غزة.
[7] - https://2u.pw/48wgq
[8] - https://2u.pw/MqLSV
[9] - https://2u.pw/h9dTC
[10] - https://2u.pw/rX8BC
[11] - https://2u.pw/Idjp4
[12] - https://2u.pw/vQAr9
[13] - https://2u.pw/A8CO9
[14] - https://2u.pw/6Tcnl
[15] - https://2u.pw/pwquS
[16] - https://2u.pw/E2g0f
[17] - https://2u.pw/8NScw
[18] - https://2u.pw/HgJmz
[19] - https://t.co/cq5FIS71eL?amp=1
[20] - https://2u.pw/k7OcI
[21] - https://2u.pw/eVOTB
[22] - https://2u.pw/KSk9n
[23] - https://2u.pw/iInrX
[24] - https://2u.pw/RdhJL
[25] - https://2u.pw/u5vkH
[26] - https://2u.pw/p4LBe
[27] - https://2u.pw/mT8q8
[28] - https://2u.pw/M8sFz
[29] - أجرى الباحث المقابلة في 4-5-2021
[30] - أجرى الباحث المقابلة في 4-5-2021
[31] - أجرى الباحث المقابلة في 3-5-2021
[32] - أجرى الباحث المقابلة في 3-5-2021
[33] - أجرى الباحث المقابلة في 4-5-2021
[34] - أجرى الباحث المقابلة في 4-5-2021
[35] - أجرى الباحث المقابلة في 4-5-2021