تأجيل مرسوم الانتخابات.. أزمة تُعمق أزمات أخرى

فريق المركز
09-01-2020



القراءة الأسبوعية لمركز القدس (2)

منذ أن أعلن الرئيس الفلسطيني محمود عباس، عن نية السلطة الفلسطينية اجراء انتخابات عامة تشريعية ورئاسية، في كافة المناطق الفلسطينية، غزة، الضفة وكذلك القدس، سارعت القوى الفلسطينية إلى تلقف الإعلان على أنّه قد يكون فرصة عظيمة من أجل الخروج من المأزق الفلسطيني الأهم، وهو الانقسام.

ليس المُهم في هذا الصدد الحديث عن خلفية الإعلان عن الانتخابات، وهل جاءت كما يُشاع بضغوط أوروبية مرتبطة بالتمويل، وهل كان اعلان الرئيس الفلسطيني بمثابة مجرد الإعلان، مُعتمدين على رفض حماس -التي وافقت مباشرة على الانتخابات، على خلاف توقع البعض-وبالتالي تحميلها المسؤولية، فقد جاء الإعلان وأعطى متنفساً للحديث عن إمكانية ترميم البيت الفلسطيني، في ظل تعمق الانقسام.

القدس هي العنوان الأهم في الصراع مع الاحتلال، ولربما يقف غالبية الفلسطينيين خلف الرئيس الفلسطيني بأنّه لا انتخابات دون القدس، لكن يبقى السؤال المفتوح، هل الرفض الإسرائيلي بوابة الخروج من استحقاق الانتخابات؟، وهل لا مجال لإجراء الانتخابات بما فيها في القدس، من خلال فرض ذلك على الاحتلال، أو الالتفاف على القرار بوسائل أخرى؟.

كثيرون تحدثوا عن وسائل متنوعة لفرض ذلك على الاحتلال، من خلال الضغط الدبلوماسي الجدي، وتدخل دول أوروبية وربما اسلامية كتركيا، أو حتى الالتفاف على القرار من خلال استخدام التكنولوجيا الحديثة في تصويت أهل القدس.

أمام هذا الواقع، فإنّ قراءة المشهد مرتبطة إلى حدٍ كبيرٍ في الانتخابات وفي مرسومها الرئاسي، فبعد أنّ وصل الاحتقان الفلسطيني حدّاً غير محتمل، في ظل الحصار الكبير للقطاع، وتيه الضفة في بحر الاستيطان والتهويد، حتى وإن لم يكن البعض متفائلاً بإمكانية أن تُحدث الانتخابات قفزة إلى الامام في لملمة الصف الفلسطيني، فإنّها كانت ستكون على الأقل فرصة جيدة لربما في تخفيف حدّة الاحتقان، والوصول إلى حدود تفاهمات تجعل من الحالة الفلسطينية أكثر ديناميكية داخلياُ أمام تجديد الشرعيات، وربما قفزة لتيار سياسي يستطيع أن يكون بيضة قبان، لذلك فإنّ تأخر الانتخابات سينجم عنه تداعيات كبيرة، وربما مفصلية في تاريخ القضية الفلسطينية.

أولاً: استمرار حالة الاحتقان الداخلي، وأخذ الانقسام مساحة أوسع، ليس فقط بين شقي الوطن، بل لربما سيكون له استمرار في الانعكاسات المجتمعية المُختلفة، والتي باتت تشهد الساحة الفلسطينية لها ارتدادات.

ثانياً: الضفة الغربية ستكون أمام مُعضلة استمرار واقعها الحالي، وبصورة متسارعة نحو المزيد من فقدان الأرض لصالح الاستيطان، واغراق السلطة في مشاكل مالية، مرتبطة بالمقاصة وتخفيف التمويل، تحت شعارات فقدان الشرعية وغيرها، الأمر الذي سيُفقدها القدرة على مواجهة المُخططات الاستيطانية، وتجد نفسها غارقة في ظل حقيقة فقدان المشروع السياسي، لصالح سلطة باتت خدماتية، ارتبطت مصالح الكثير من النخب الاقتصادية بوجودها، الأمر الذي سيجعلها تقبل باستمرار هذا الواقع، دون القدرة على مواجهته.

ثالثاً: استمرار الحصار على غزة، وفي ظل فقدان الأمل بالمصالحة، سيدفع حماس للاستمرار في البحث عن طرق أخرى للتخلص من الحصار، فأمام مشهد التفاهمات والتي من الواضح أنّها باتت تأخذ منحنى تصاعدي، قد تصل الأمور إلى مرحلة الهدنة الشاملة، والتي بمقتضاها سيكون هناك ترتيبات لاحقة اقتصادية ومالية.

رابعاً: هذه الحالة ما بين الضفة وغزة، ستصل برام الله وغزة، إلى تصعيد اللهجة المتبادلة، الأمر الذي سيقود إلى المزيد من الاحتقان الفلسطيني الداخلي، ودفع عجلة الانقسام خطوات إلى الأمام.

خامساً: أمام حقيقة أنّ غزة ضاقت بها السبل، ولربما من وجهة نظر الكثيرين من حقها البحث عن مخارج لمأزقها، وأمام رفض السلطة الفلسطينية أي حلول وسط للمصالحة الفلسطينية، في ظل تحميل كل طرف المسؤولية للآخر، فإنّ المشهد ربما سيقودنا إلى مرحلة الانفصال بين الضفة وغزة، لنصبح كفلسطينيين نمتلك كيانين برأسين، يُمثلان ساحة فلسطينية واحدة.

من هُنا فإنّ تأخر المرسوم الرئاسي، سيدفع عجلة الفرقة الفلسطينية بسرعة، غزة ستبحث عن حقها في الحياة، في الضفة مقلمة الأظافر، سيبتلع الاستيطان ما تبقى من الأرض، وليس من المعلوم هل من الممكن أن تتخذ السلطة إجراءات للحد منه. وتبقى الحقيقة الراسخة أنّ القضية الفلسطينية أمام هذا المشهد ستكون الخاسر الأكبر، في ظل تنكر القريب قبل البعيد للحق الفلسطيني، وفي ظل أنّ الملف القوي بيد الرئيس الفلسطيني، وهي قوة حماس في غزة، لم تُحسن الدبلوماسية الفلسطينية استثمارها، بل ودنا أنفسنا في صراعٍ بين القوّة والدبلوماسية بدل اتحادهما.