تغيير المسار ؟!

وليد الهودلي
16-02-2020



كتب: الاديب وليد الهودلي

اصطدام المفاوضات في حائط مسدود كما هو الحال مدعاة لنا الى تغيير المسار وليس اجراء بعض التعديلات أو التكتيكات في ذات المسار، أما إذا بلغ الامر أن تصاغ الصفقات دون الرجوع اليك أو التفاوض معك أو اعطائك أي اعتبار فقد غيّر خصمك مساره مائة وثمانين درجة فهل نبقى متمترسين في مثل هذا الذي يوصلنا الى جحيم الذي يريدونه لنا والى سقف منخفض لا يسعنا الا أن نخفض رؤوسنا ولا نرفعها أبدا ؟

ثبت بما لاشكّ فيه أن العنت القديم لبني إسرائيل مع نبيهم عندما خاضوا معه الجولات التفاوضية حول ذبح البقرة بكل التفاصيل المملة لم تكن سوى شيء يسير مما يحدث اليوم ، سابقا وصلوا الى مقولتهم : ان البقر تشابه علينا ، اليوم كلّ شيء حتى في الحقوق التي لا يختلف عليها اثنان قد تشابهت عليهم وأصبحوا متنكرين جاهزين للتفاوض عليها سنوات طويلة دون أن يعطوا حقا ولا باطلا.

واضح أن تغيير الوضع الوظيفي أو اجراء بعض التعديلات هنا وهناك باتت لا تسمن ولا تغني من جوع مع هذا الصنف من البشر، لذلك كان لا بدّ من تغيير جوهري يؤدي الى الخروج الكامل من هذا المسار التفاوضي والتحوّل الى مسار آخر، وقد كان فريق أوسلوا يسألون المعارضين لهم عن البديل ويرد المعارضون عليهم : ماذا لو وصلتم الى طريق مسدود فهل لديكم بديل؟ فالبديل مطلوب من أية سياسة والعمل على عدة خيارات هو السياسة الناجحة بينما المراوحة والمراهنة على خيار وحيد وأوحد هو عملة الفشل السياسي .

والخيارات المتعددة تحتاج الى بنى تحتية والاستعداد لها وفق مسار طويل فلا تأتي وفق هبّة عاطفية أو حماسة ارتجالية فمسار المقاومة يحتاج الى استعدادات مناسبة لهذا الخيار ، فلا يمكن أن نأتي به فجأة من جارور الطاولة أو بعد عملية استرخاء طويلة استغرقت قرابة عقدين من الزمن ونحن ندير ظهورنا له ترانا نعود اليه دون أية مقدمات ، من أراد الخروج فليعدّ له عدّته ( ولو أرادوا الخروج لأعدوا له عدة )، لا يمكن بعد تقويض بنيته واستثنائه من حياتنا فترة طويلة استجابة لشروط عدوّنا على طاولة المفاوضات أن نذهب اليه مجرد اكتشافنا لخبث عدوّنا وسوء ما انطوت عليه سياسته. لقد كان خطأ كبير أن نفاوض دون مقاومة فالفيتناميين مثلا أصروا على ان تبقى مقاومتهم وكفاحهم المسلح قائما أثناء اجراء المفاوضات، لن يعطي محتل أو مستعمر شيئا الا تحت الضغط وأن تكون كلفة احتلاله عالية الثمن ، أما أن نتوقع أن يعطي شفقة أو شعورا إنسانيا نبيلا أو بعد اظهار الحجة والبرهان فهذا بعيد جدا إذ لو كانت عنده هذه لما احتل شعبا آخر من الاساس .

لقد بات المطلوب بكل وضوح تغيير المسار بشكل كامل وأن تصل متأخرا خير من أن لا تصل ومصارحة أبو مازن الأخيرة في خطاباته لا تدع مجالا للشك بأن خيار المفاوضات مع هذا المحتل أصبح خيارا عبثيا لا جدوى منه سوى كسبهم للوقت ووضع قضيتنا في حالة من التيه والضياع.