تقدير موقف حول توسّع العملية العسكرية في الضفة الغربية

فريق المركز
07-02-2025

دخلت الضفة الغربية مرحلة جديدة في العمليات الهجومية التي ينفذها جيش الاحتلال الإسرائيلي بعد العملية العسكرية الأخيرة التي بدأت على مدينة جنين منذ 21/12/2024 والتي تعرف بعملية السور الحديدي.

العملية جاءت بعد قرار المجلس الوزاري والسياسي الإسرائيلي بإدراج مواجهة المقاومة في الضفة الغربية كهدف من أهداف الحرب، وما يعنيه ذلك من إجراءات نقل المجهود العسكري من قطاع غزة للضفة الغربية سواء على مستوى عديد القوات أو كثافة العمليات العسكرية، واستنساخ بعض النماذج من الحرب على غزة في مخيم جنين مثل عمليات النسف الواسعة للمنازل وتدمير البنية التحتية في مدينتي طولكرم وجنين. 

وجاء إدراج الضفة الغربية كهدف من أهداف الحرب في سياق ضغوط الصهيونية الدينية، فقد حاولت إدراجها في المرة الأولى خلال نقاش تصعيد الحرب قبل الهجوم على حزب الله، وجرى نقاش في داخل الكابينيت بين إدراج عودة المستوطنين لمستوطنات الشمال كهدف من أهداف الحرب أو تنفيذ مناورة برية في الضفة الغربية كهدف من أهداف الحرب، رجحت الحرب على لبنان بسبب الضغوط التي مارسها المستوطنون النازحين والمعارضة على نتنياهو والذي أصبح محرجا أمامهم في ملف المستوطنين النازحين من الشمال.  

عملية عسكرية بأهداف سياسية:

ظل تنفيذ مناورة برية في الضفة الغربية هدفا من أهداف الصهيونية الدينية لأنه يرضي خزانها الانتخابي الذي تعيش غالبيته في مستوطنات الضفة الغربية، وهي ترى في ظروف الحرب الناشئة بعد السابع من أكتوبر فرصة من أجل إحداث تغيير جذري في مستوى التعامل الأمني مع الضفة الغربية باعتبارها منطقة حرب، بالإضافة لما تعنيه عملية عسكرية ضخمة في الضفة من تسهيل للمشاريع الاستيطانية وتوسعها دون مقاومة بأي مستوى من المستويات نتيجة حالة الردع التي ستخلقها المناورة البرية في الضفة الغربية.

يمكن تلخيص أهداف عملية "السور الحديدي" على شمال الضفة بالنقاط التالية:

  1. استراتيجية “الحسم” الإسرائيلي: تهدف إسرائيل إلى استكمال مشروعها الاستيطاني وإنهاء أي تهديد عسكري وأمني في الضفة الغربية، مستغلة الظرف الإقليمي والدولي.
  2. إضعاف المقاومة المسلحة: تسعى إسرائيل إلى توجيه ضربات قاسية للبنية التحتية للفصائل المسلحة، وخاصةً في جنين ونابلس.
  3. تصفية حسابات مع المقاومة الشعبية والمجتمع المدني: تشن إسرائيل حملة اعتقالات ضد النشطاء السياسيين والاجتماعيين والنقابيين في محاولة لخنق أي حراك شعبي.
  4. زيادة الانقسام في البيئة السياسية المنقسمة: توتر العلاقة بين السلطة الفلسطينية والفصائل الأخرى يعطي (إسرائيل) مساحة لتنفيذ خططها دون رد فعل سياسي موحد.

الحالة الفلسطينية

تنقسم الحالة الفلسطينية في الضفة الغربية بين تيارين، وهذا الانقسام تحول لانقسام اجتماعي أضعف القدرة الجماعية للمجتمع الفلسطينية على مواجهة التهديد الوجودي الذي يخلقه مشروع الصهيونية الدينية في الضم والتهجير من الضفة الغربية. 

أولا: السلطة وبنيتها الحزبية والاجتماعية، والتي تصر على تطبيق الاتفاقات السياسية مع الاحتلال خاصة الاتفاقات الأمنية، وذلك في إطار سردية تاريخية سوقتها السلطة والتي تقوم على سحب الذرائع من دولة الاحتلال والمستوطنين لتجنب خلق تصعيد عسكري، يتم فيه استثمار فارق القوة العسكرية التي تميل لصالح " إسرائيل" من أجل خلق حقائق سياسية، ووجهة النظر فقدت أهميتها في ظل تصاعد الاستيطان منذ توقف الانتفاضة الثانية " انتفاضة الأقصى" حيث نجح اليمين الصهيوني في مضاعفة عدد المستوطنين في الضفة الغربية ورفع عددهم من 300 ألف مستوطن لـ 700 ألف مستوطن، وخلق أغلبية ديموغرافية في مناطق " ج" لمصلحة المستوطنين جعلت ضم المنطقة ج أمرا واقعا.

ثانيا: تيار المقاومة والذي يضم الفصائل المعارضة لاتفاقية أوسلو على رأسهم حركة حماس، والتي اعتبرت أن الاتفاقيات المرحلية دون حسم مسألة السيطرة على الأرض، وتعليق مسألة السيادة على الأرض لمراحل لاحقة والقبول بالاتفاقيات المرحلية، سيمكن "إسرائيل" من السيطرة على الأرض بدون ضجيج ويسهل عملية الاستيطان في ظروف أمنية مناسبة للمستوطنين القادمين من أوروبا وأمريكا، وهذا التيار بدأت فكرته في مواجهة المشروع الاستيطاني تلقى رواجا في أوساط الأجيال الشابة في الضفة التي ترى كيف تسرق الأرض والحقوق الوطنية أمام أعينها في ظل ما تعتقد أنه " عجز القيادة السياسية  للسلطة عن تغيير الواقع نتيجة تكبيلها بالاتفاقيات السياسية والأمنية، ولذلك قررت أخذ المبادرة للمقاومة فيما بات يعرف بالكتائب المسلحة.

المقاومة المسلحة:

شهدت المقاومة في الضفة الغربية تطورا يختلف عن سياقاتها التاريخية التي اعتمدت على الخلايا السرية التي تنفذ عمليات هجومية بصورة مشابهة لحرب العصابات، لكن منذ آيار 2021 بصورة متزامنة مع حرب سيف القدس، ظهرت التشكيلات العسكرية التي نفذت في حينه عشرات عمليات إطلاق النار تجاه الحواجز العسكرية المنتشرة في محيط مدينتي جنين ونابلس.

المقدمات التي ظهرت في عمليات إطلاق النار على الحواجز وظاهرة الاشتباكات المسلحة داخل المدن خلال التصدي لاقتحامات قوات الاحتلال، كانت أحد المؤشرات على عودة تشكيلات المقاومة للميدان، والتي ظلت حتى شهر آذار 2022 تقتصر على عمليات الاشتباك بالرصاص فقط، لكن ذات الشهر شهد بداية استخدام العبوات الناسفة في مواجهة اقتحامات قوات الاحتلال، بعدها تحول زرع العبوات وتفجيرها لجزء مركزي من مجهود فصائل المقاومة في التصدي لاقتحامات قوات الاحتلال.

وعلى الرغم من قدرة المقاومة في الضفة الغربية على صناعة العبوات المحلية، إلا أنها لا تمتلك القدرة على مواجهة العمليات العسكرية لجيش الاحتلال الإسرائيلي، لفارق القوة الذي يميل لصالح الجيش الإسرائيلي الذي استخدم كافة أنواع الأسلحة في العمليات العسكرية في الضفة بما فيها السلاح الجو.

كما أن نوعية السلاح الذي تمتلكه التشكيلات العسكرية لا يؤهلها لخوض مواجهة جبهوية تقليدية خاصة مع غياب الأسلحة المضادة للدروع، التي استخدمتها المقاومة في غزة والتي كان لها الكلمة الفصل في ميدان المعركة، بتدمير الآليات الإسرائيلية وتعطيل قدرة الجنود على الحركة عبر القذائف المضادة للأفراد، ومع ذلك لجأت المقاومة في غزة خلال المرحلة الأخيرة لإدارة معركتها بطريقة الحروب "اللامتناظرة" عبر إدارة مجموعة من الهجمات المميتة على الجيش الإسرائيلي بصورة مشابهة لحرب العصابات.

المقاومة الشعبية:

رغم الإجماع على أهمية المقاومة الشعبية فلسطينيا، إلا أنها تواجه معضلة تاريخية في الضفة الغربية في ظل حالة الانقسام السياسي التي تعيشها الساحة الفلسطينية، ورغم مصيرية المواجهة في الضفة الغربية والضغط العسكري المرتبط بأهداف سياسية بمشروع اليمين الصهيوني المتطرف الذي يخطط بشكل دائم وفي كل مرة وصل فيها للسلطة بطرد الفلسطينيين وترحيلهم، لكن يلاحظ غياب الحالة الجماهيرية حتى عن التفاعل مع الأحداث في داخل الضفة الغربية، أهم أشكال الحراك الشعبي التي مارستها الجماهيرية الفلسطينية سابقا ويمكن ممارستها اليوم:

  1. الحراك الجماهيري في كل المدن والقرى لخلق بيئة مقاومة شاملة ضد مشاريع الاحتلال التوسعية.
  2. الإضرابات والعصيان المدني والتي ترسل رسالة داخلية وخارجية، بالاستعداد لتحول الحراك الفلسطيني لحالة شعبية شاملة.
  3. دور المجتمع المدني والنقابات التي شاركت تاريخيا في دعم صمود الفلسطينيين، سواء من خلال توفير الدعم الإغاثي أو تعزيز العمل التوعوي.
  4. فضح ممارسات الاحتلال دوليًا عبر الحملات الحقوقية والإعلامية التي توصل صوت الفلسطينيين إلى المحافل الدولية.

الخلاصة:

من المتوقع أن تستمر العملية العسكرية في الضفة الغربية، لأنها مرتبطة بمصالح مكون رئيسي بالائتلاف الحاكم وهو تيار الصهيونية الدينية، كما أن طرح مسألة التهجير والحسم أصبحت ضمن أجندة الرئيس الأمريكي الذي لم يقل موقفه النهائي مما يدور في الضفة الغربية ورؤيته السياسية لمستقبل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي ككل، والذي تنتظر حكومة نتنياهو أن يكون الموقف الأمريكي باتجاه حسم مصير الضفة وشرعنة ضمها لدولة الاحتلال، وهذا يجعل المجتمع الفلسطيني أمام حالة مصيرية سيحسم خياراته فيها نحو المواجهة والتصدي لمشروع اليمين الذي سيبدأ بفرض الحقائق على الأرض عبر القوة العسكرية.