تقليص الصراع

معتصم سمارة
30-08-2021

رأي

تقليص الصراع

معتصم سمارة

 

كل رئيس وزراء جاء لرئاسة حكومة الاحتلال حاول أن يقدّم فلسفته الخاصة في التعامل مع الملفات الساخنة التي تواجه حكومته، وبالطبع فإن أعقد الملفات وأهمها التي رافقت الكيان منذ نشأته هو الصراع مع الشعب الفلسطيني، وبالرغم من أن سياسة دولة الاحتلال تميزت باستراتيجية ثابتة تشكلت من عنصرين أساسيين هما السيطرة على الأرض والسعي إلى التخلص من السكان العرب الذين يقطنونها، إلا أن كل رئيس وزراء للكيان حاول صياغة فلسفة خاصة به، وحسب ما تمليه عليه الظروف والمعطيات السياسية والواقع على الأرض،  فنجد أن رابين رفع شعار الأرض مقابل السلام، بينما تبنى بيرس فكرة الشرق الأوسط الكبير، وقام شارون بتنفيذ الانفصال الأحادي الجانب عن قطاع غزة في حين سعى نتنياهو إلى فرض مبدأ السلام يقابله سلام، أو ما عرف بالسلام الاقتصادي وها هو نفتالي بينت (ذو الخلفية اليمينية المتطرفة) يتبنى مبدأ تقليص الصراع، وهو مفهوم، وإن يبدو جديدًا، إلا أنه لايختلف من حيث المضمون عن مفاهيم سبقته، مثل حل الصراع وإدارة الصراع في الفكر والسياسة الصهيونية.

المفهوم الذي صاغه المفكر ميخا غودمان المقرب من بينت يأتي بهدف الخلاص من أعباء الاحتلال وجعله أقل كلفه،  فحل الصراع مع الفلسطينيين لم يكن يومًا على الأجندة الصهيونية، وإنما محاولات للخلاص من أعباء حكم الفلسطينيين دون التخلي عن السيطرة على الأرض، ودون المساس بأمن "إسرائيل"، فالرؤية الصهيونية المجمع عليها في دوائر صنع القرار لاتقوم على أساس التنازل للفلسطينيين عن الأرض، وإنما بنمحهم الحكم على من يقطنونها.

يطور نفتالي بينت المفهوم، بحيث يتم منح الفلسطينيين الوهم بسيادتهم على الأرض، ويتخلص هو من تكليف متابعة وإدارة نواحي حياتهم المختلفة، بينما في الواقع يتحكم هو وجيشه في الأرض والسكان معًا من وراء الكواليس.

يؤمن بينت بحلم "إسرائيل الكبرى"، ولكنه يدرك جيدًا أن طرد الفلسطينيين لم يعد ممكنًا، كما أن فكرة ضم الضفة لم تعد أمرًا سهلاً خاصة مع رحيل ترامب ومشاريعه، لذلك يبحث ومستشاروه عن صيغة فعلية تؤمن له استمرار السيطرة على الضفة الغربية بأقل كلفة ممكنة، في ظل اقتراب احتمالات التوصل لصيغة حل مع الفلسطينيين إلى الصفر.

إلى جانب ما ذكر يسعى بينت من وراء فكرته إلى تحقيق أمرين في غاية الأهمية من وجهة نظره، أولهما استمرار مسلسل فرض الوقائع على الأرض عبر زيادة مصادرة الأراضي وبناء المزيد من المستوطنات (يواجه مشكلة عدم قدرته على مواكبة ملئها بالمستوطنين)، وثانيهما مواصلة مسلسل جلب المزيد من الدول العربية إلى مستنقع التطبيع مع احتلاله دون حل مسبق للقضية الفلسطينية، وهو الأمر الذي بدأه خصمه نتنياهو، ويريد أن يسجل اسمه أيضًا في سجل إنجازات التطبيع المجاني للأنظمة العربية مع الكيان المحتل.

لا بد من الإشارة إلى أن النقاط التي يرتكز عليها مفهوم تقليص الصراع لا تتعدى كونها تكرار للأفكار القديمة، وإعادة صياغة لها، مثل تقديم تسهيلات اقتصادية للفلسطينيين أو زيادة تصاريح العمل لسكان الضفة داخل "إسرائيل" وتوسعة المعابر الحدودية مع إبقائها تحت السيطرة والرقابة الإسرائيلية، إضافة إلى ربط المناطق الفلسطينية بعضها ببعض عبر شبكة من الأنفاق والجسور للحدّ من الاحتكاك مع قوات الاحتلال والمستوطنين، إضافة إلى أفكار عديدة بخصوص إقامة مناطق صناعية كبرى على الأراضي الفلسطينية يبقى فيها الفلسطيني عاملاً والصهيوني مشغلاً ومالكًا.

إن كل ما سبق لا يدع مجالاً للشك أن فكرة استمرار الاحتلال وبقاء السيطرة على الضفة الغربية تسري في الـ DNA الجمعي للصهاينة، وباتت قناعاتهم بضرورة أن يتنازل الفلسطيني عن معظم حقوقة ضرورة لابد منها لكي يتحقق السلام المزعوم، وهذا يستدعي من صاحب القرار الفلسطيني أن يتخلى عن كل أوهام تحقيق اتفاق يحقق الحد الأدنى من الحقوق الفلسطينية، كما يحتم أن يتداعى الجميع إلى وضع رؤية للخروج من المأزق الحالي الذي وصلت إليه القضية الفلسطينية، ولا يعني الاستمرار في الوضع الحالي إلا إعطاء الاحتلال المزيد من الوقت لتحقيق أهدافه على حساب جوهر القضية.

 

  • المقالات والمواد المنشورة في موقع مركز القدس للدراسات تعبر عن آراء كتابها، ولا تعبر بالضرورة عن موقف المركز.