تقنيب العشب وصمود غزة.. معركة مستمرة
عماد أبو عواد
28-04-2018
عماد أبو عوّاد\ مركز القدس لدراسات الشأن الإسرائيلي والفلسطيني
منذ أن انتهت الدول العربية من تشكيل خطر عسكري على "إسرائيل"، سواء كان هذا الخطر فعلياً على الأرض، أم مجرد تهديدات ووعود، دأبت بعض أنظمة الدول العربية على اطلاقها، اضطرت "إسرائيل" لتحويل نظريات ردعها وأمنها لتواجه خطراً لم تكن تتوقع أن يظهر لها بين جنباتها وعلى حدودها، وهو خطر مواجهة التنظيمات المسلحة، والتي باتت شبه جيوش نظامية دون أن تكون دولة، تستطيع "تل ابيب" مواجهتها بالوسائل التي انتهجتها ضد الجيوش العربية.
من ضمن أبرز نظريات الردع المتبعة، هي سياسة تقنيب "جزّ" العشب، والتي تستخدمها "إسرائيل" ضد خصومها، بتقنيب قوّتهم كلّما ظهرت، دون منحهم الكثير من الوقت لالتقاط انفاسهم، والهدف من ذلك منع امتلاكهم قوّة تهدد الكيان، إلى جانب الإيحاء الدائم لهم بأنّهم أمام قوّة لا يمكن هزيمتها، وبعث اليأس في نفوسهم للتسليم بقوّتها المطلقة، ويدها الطولى دون حراك.
هدفت هذه السياسية، وفق معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي، والتي طبقتها "إسرائيل" ضد قوى المقاومة، سواء في الشمال ضد حزب الله، أو في الجنوب ضد المقاومة الفلسطينية، لمنع وجود مواجهة خطيرة، قد تشكل خطراً استراتيجياً على دولة الاحتلال، وصولاً إلى مرحلة عدم وجود مواجهات بالمطلق، وتحقيق أمن متكامل لمستوطنيها في الشمال والجنوب.
بالنظر إلى الواقع على الأرض، وتحديداً عند الاتجاه جنوباً نحو قطاع غزة، فإنّ هذه السياسة انتهجتها "إسرائيل"، منذ عقدين أو يزيد من الزمن، حيث تركز التقنيب وفق الرؤية الإسرائيلية على أمرين، الأول تقنيب القوى البشرية، واغتيال القيادات ذات التأثير الكبير، والثاني تقنيب قوّة المقاومة المادية، بحيث تبقى على ذات القوّة، التي تمتلكها، مع ضمان اضعافها مع مرور الزمن.
إلّا أنّ السنوات العشر الأخيرة، اثبتت أنّ تقنيب العشب سياسة لم تؤتي أكلها، حيث بالنظر إلى حروب غزة الثلاث، 2008، 2012، و2014، نجد أنّ المقاومة الفلسطينية كانت أكثر امتلاكاً للقوّة المادية، وأكثر قدرة على استخدامها في المكان والزمان الأنسبين، وهنا يُستذكر، الكلام الشهير لأحد مستوطني غلاف غزة، حينما قال مخاطباً دولته، لقد خضتم الحرب من أجل إيقاف الصواريخ ومنعها من الوصول إلى سديروت، فإذا بها تصل إلى تل ابيب.
ويرى مركز القدس في قراءته أنّ سياسة تقنيب العشب، فشلت في النطاقات الثلاث الأهم، والتي يُمكن حصرها بعناوين أربعة بارزة:
أولاً: الجانب الفكري وهو الأهم، حيث لم تُفلح السياسة الإسرائيلية بقتل روح المقاومة لدى الشباب الفلسطيني، لا بل والأبعد من ذلك، ووفق معطيات إسرائيلية، فإنّ ايمان الشعب الفلسطيني بنهج المقاومة في تصاعد، وباتت أكثريته ترى في المقاومة السبيل الأوحد والأكثر نجاعة للتخلص من الاحتلال[1]، والوصول إلى حلم الاستقلال.
ولعلّ الجانب الأكثر بعثاً للأمل فلسطينياُ، والأكثر بعثاً للإحباط إسرائيليا، أنّ هذا الجانب يتركز بشكل كبير عند الجيل الصاعد، والذي بات أكثر قدرة على تحمّل المسؤولية، والأخذ بزمام المبادرة، وأن يكون قائداً في الميدان، دون توجيه، أو رعاية تنظيمية في الكثير من الأحيان، وهذا ما تؤكده المعطيات التي تُشير إلى أنّ غالبية منفذي العمليات في الضفة على سبيل المثال، هم من الجيل الشاب، غير المنتمي تنظيمياً، والذي بادر لتنفيذ عمليته بشكل احادي، ايماناً بأنّ حرية شعبه، تبزغ شمسها من هذا الطريق.
ثانياً: ثبات قيادة المقاومة الفلسطينية على ذات النهج، حيث لم تنجح الاغتيالات التي انتهجتها "إسرائيل"، في دفع المقاومة وقياداتها لتغيير النهج، أو التفريط بالمبادئ المعلنة، والأهم من ذلك أنّ المقاومة أثبتت، رغم كاريزمية الشخصيات التي تم اغتيالها، أنّها ولّادة، حيث استطاعت تخريج قيادات كاريزمية، ذات حضور كبير، وقدرة على التعاطي بواقعية مع المتغيرات، إلى جانب استخدامها تكتيكات جديدة، فاجأت تل أبيب، لتكون سياسة تقنيب العشب، التي انتهجتها "إسرائيل"، كتقنيب أغصان الشجرة، والتي تزيدها قوّة وتماسك.
ثالثاً: تجهيزات وقدرات المقاومة في تصاعد مستمر، حيث بالنظر إلى الحروب المتكررة على القطاع، فقد اثبتت المقاومة تطوراً مستمراً، إلى جانب قدرة كبيرة على التطوير الذاتي، رغم شح الموارد، بحيث استطاعت المقاومة البدء ببناء اعتماد ذاتي على النفس، من خلال تطوير منظومة صاروخية، ووحدات نخبة مقاتلة، واستغلال طاقة الداعمين للقضية الفلسطينية، لتصب في صالح مشروع المقاومة وتطويره.
رابعاً: باتت المقاومة الفلسطينية وتحديداً في قطاع غزة، مثالاً يُحتذى به اسلامياً، على المستوى الشعبي، حيث لا يُمكن إخفاء حجم التعاطف والدعم المعنوي الذي تحظا به المقاومة في ساحات عربية وإسلامية مختلفة، ويدلل على ذلك، ما قاله ليبرمان مؤخراُ، بأنّ دولته أحرزت تقدماً في العلاقات مع الدول العربية على مستوى الأنظمة، إلّا أنّ الاختراق لم يحدث على مستوى الشعوب، وهو الأهم من وجهة نظره.
ختاماُ، ما بين سياسة تقنيب العشب، وصبر غزة، وعضها على الجراح، مساحة للتفكير، ورسالة واضحة، بأنّ نظرية "إسرائيل" ومحاولة وأدها المولود في بداياته لم تنجح، فغزة المحاصرة، والتي يراد لها التجويع، شربت المقاومة فكراُ، وحوّلته إلى واقع معاش على الأرض، يصعب استئصاله، بل وبات فكراً ينبعث من غزة، يُنير محيطها، ولعلّ ما يجعله أكثر تأثيراً هو حجم الصبر، الذي بات يُخجل مشاهديه عن بعد.
[1] https://www.ynet.co.il/articles/0,7340,L-4935352,00.html
منذ أن انتهت الدول العربية من تشكيل خطر عسكري على "إسرائيل"، سواء كان هذا الخطر فعلياً على الأرض، أم مجرد تهديدات ووعود، دأبت بعض أنظمة الدول العربية على اطلاقها، اضطرت "إسرائيل" لتحويل نظريات ردعها وأمنها لتواجه خطراً لم تكن تتوقع أن يظهر لها بين جنباتها وعلى حدودها، وهو خطر مواجهة التنظيمات المسلحة، والتي باتت شبه جيوش نظامية دون أن تكون دولة، تستطيع "تل ابيب" مواجهتها بالوسائل التي انتهجتها ضد الجيوش العربية.
من ضمن أبرز نظريات الردع المتبعة، هي سياسة تقنيب "جزّ" العشب، والتي تستخدمها "إسرائيل" ضد خصومها، بتقنيب قوّتهم كلّما ظهرت، دون منحهم الكثير من الوقت لالتقاط انفاسهم، والهدف من ذلك منع امتلاكهم قوّة تهدد الكيان، إلى جانب الإيحاء الدائم لهم بأنّهم أمام قوّة لا يمكن هزيمتها، وبعث اليأس في نفوسهم للتسليم بقوّتها المطلقة، ويدها الطولى دون حراك.
هدفت هذه السياسية، وفق معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي، والتي طبقتها "إسرائيل" ضد قوى المقاومة، سواء في الشمال ضد حزب الله، أو في الجنوب ضد المقاومة الفلسطينية، لمنع وجود مواجهة خطيرة، قد تشكل خطراً استراتيجياً على دولة الاحتلال، وصولاً إلى مرحلة عدم وجود مواجهات بالمطلق، وتحقيق أمن متكامل لمستوطنيها في الشمال والجنوب.
بالنظر إلى الواقع على الأرض، وتحديداً عند الاتجاه جنوباً نحو قطاع غزة، فإنّ هذه السياسة انتهجتها "إسرائيل"، منذ عقدين أو يزيد من الزمن، حيث تركز التقنيب وفق الرؤية الإسرائيلية على أمرين، الأول تقنيب القوى البشرية، واغتيال القيادات ذات التأثير الكبير، والثاني تقنيب قوّة المقاومة المادية، بحيث تبقى على ذات القوّة، التي تمتلكها، مع ضمان اضعافها مع مرور الزمن.
إلّا أنّ السنوات العشر الأخيرة، اثبتت أنّ تقنيب العشب سياسة لم تؤتي أكلها، حيث بالنظر إلى حروب غزة الثلاث، 2008، 2012، و2014، نجد أنّ المقاومة الفلسطينية كانت أكثر امتلاكاً للقوّة المادية، وأكثر قدرة على استخدامها في المكان والزمان الأنسبين، وهنا يُستذكر، الكلام الشهير لأحد مستوطني غلاف غزة، حينما قال مخاطباً دولته، لقد خضتم الحرب من أجل إيقاف الصواريخ ومنعها من الوصول إلى سديروت، فإذا بها تصل إلى تل ابيب.
ويرى مركز القدس في قراءته أنّ سياسة تقنيب العشب، فشلت في النطاقات الثلاث الأهم، والتي يُمكن حصرها بعناوين أربعة بارزة:
أولاً: الجانب الفكري وهو الأهم، حيث لم تُفلح السياسة الإسرائيلية بقتل روح المقاومة لدى الشباب الفلسطيني، لا بل والأبعد من ذلك، ووفق معطيات إسرائيلية، فإنّ ايمان الشعب الفلسطيني بنهج المقاومة في تصاعد، وباتت أكثريته ترى في المقاومة السبيل الأوحد والأكثر نجاعة للتخلص من الاحتلال[1]، والوصول إلى حلم الاستقلال.
ولعلّ الجانب الأكثر بعثاً للأمل فلسطينياُ، والأكثر بعثاً للإحباط إسرائيليا، أنّ هذا الجانب يتركز بشكل كبير عند الجيل الصاعد، والذي بات أكثر قدرة على تحمّل المسؤولية، والأخذ بزمام المبادرة، وأن يكون قائداً في الميدان، دون توجيه، أو رعاية تنظيمية في الكثير من الأحيان، وهذا ما تؤكده المعطيات التي تُشير إلى أنّ غالبية منفذي العمليات في الضفة على سبيل المثال، هم من الجيل الشاب، غير المنتمي تنظيمياً، والذي بادر لتنفيذ عمليته بشكل احادي، ايماناً بأنّ حرية شعبه، تبزغ شمسها من هذا الطريق.
ثانياً: ثبات قيادة المقاومة الفلسطينية على ذات النهج، حيث لم تنجح الاغتيالات التي انتهجتها "إسرائيل"، في دفع المقاومة وقياداتها لتغيير النهج، أو التفريط بالمبادئ المعلنة، والأهم من ذلك أنّ المقاومة أثبتت، رغم كاريزمية الشخصيات التي تم اغتيالها، أنّها ولّادة، حيث استطاعت تخريج قيادات كاريزمية، ذات حضور كبير، وقدرة على التعاطي بواقعية مع المتغيرات، إلى جانب استخدامها تكتيكات جديدة، فاجأت تل أبيب، لتكون سياسة تقنيب العشب، التي انتهجتها "إسرائيل"، كتقنيب أغصان الشجرة، والتي تزيدها قوّة وتماسك.
ثالثاً: تجهيزات وقدرات المقاومة في تصاعد مستمر، حيث بالنظر إلى الحروب المتكررة على القطاع، فقد اثبتت المقاومة تطوراً مستمراً، إلى جانب قدرة كبيرة على التطوير الذاتي، رغم شح الموارد، بحيث استطاعت المقاومة البدء ببناء اعتماد ذاتي على النفس، من خلال تطوير منظومة صاروخية، ووحدات نخبة مقاتلة، واستغلال طاقة الداعمين للقضية الفلسطينية، لتصب في صالح مشروع المقاومة وتطويره.
رابعاً: باتت المقاومة الفلسطينية وتحديداً في قطاع غزة، مثالاً يُحتذى به اسلامياً، على المستوى الشعبي، حيث لا يُمكن إخفاء حجم التعاطف والدعم المعنوي الذي تحظا به المقاومة في ساحات عربية وإسلامية مختلفة، ويدلل على ذلك، ما قاله ليبرمان مؤخراُ، بأنّ دولته أحرزت تقدماً في العلاقات مع الدول العربية على مستوى الأنظمة، إلّا أنّ الاختراق لم يحدث على مستوى الشعوب، وهو الأهم من وجهة نظره.
ختاماُ، ما بين سياسة تقنيب العشب، وصبر غزة، وعضها على الجراح، مساحة للتفكير، ورسالة واضحة، بأنّ نظرية "إسرائيل" ومحاولة وأدها المولود في بداياته لم تنجح، فغزة المحاصرة، والتي يراد لها التجويع، شربت المقاومة فكراُ، وحوّلته إلى واقع معاش على الأرض، يصعب استئصاله، بل وبات فكراً ينبعث من غزة، يُنير محيطها، ولعلّ ما يجعله أكثر تأثيراً هو حجم الصبر، الذي بات يُخجل مشاهديه عن بعد.
[1] https://www.ynet.co.il/articles/0,7340,L-4935352,00.html