ثبوت ضرورة دخول فتح في المواجهة.. كتائب شهداء الأقصى

سري سمور
17-08-2022
تحميل المادة بصيغة PDF

رأي

ثبوت ضرورة دخول فتح في المواجهة.. كتائب شهداء الأقصى

سري سمّور

انفجرت انتفاضة الأقصى كما نعلم في 28 أيلول/ سبتمبر 2000 وقد ظهر فورًا دخول وانخراط قطاعات واسعة من حركة فتح سواء التنظيم أم مجموعات من أجهزة الأمن الفلسطيني في المواجهات؛ ولكن هل كان الهدف هو إقناع الرأي العام الفلسطيني والجمهور الإسرائيلي بضرورة التوصل إلى حل وتسوية سياسية؟ هذه نظرية كان لها رواج خاصة بعد فشل "كامب ديفيد2" ووجود ثقافة شعبية تؤمن -ذكرت هذا في مقال سابق-بأن الأحداث الميدانية تندرج في إطار خطة للخروج بحل سياسي وما شابه.

حقيقة هذه نظرية واهية، والواقع يكذبها؛ فالمؤسسة الأمنية والعسكرية والسياسية الصهيونية أخذت قرارًا نهائيًّا باستغلال الأحداث لتركيع الشعب الفلسطيني، بل والأمة بأسرها، وهي أرادت حلاًّ إسرائيليًّا صرفًا، ولم تجلس وتخطط للأحداث مع الفلسطينيين نهائيًّا.

بالنسبة للفلسطينيين فإنهم كانوا في حالة دفاع عن النفس، ولم يكن بيدهم أي خيار سوى خوض غمار المواجهة وتحمل أكلافها الباهظة، ولكنهم بالتأكيد لم يتوقعوا أن تتدحرج الأمور وتتصاعد إلى المسارات التي سارتها.

ولكن هل فكر فلسطينيون بأن صمودهم ومقاومتهم عبر الانتفاضة الثانية سيجبر الجانب الإسرائيلي على تقديم تنازلات؟ نعم لا شك في ذلك، وحتى بعض قادة حماس في خطاباتهم أعلنوا أن القاسم المشترك بين المجاميع الفلسطينية هو تحرير المناطق المحتلة في حزيران/ يونيو 1967 وأن هذا ممكن عبر تصعيد الانتفاضة وتطويرها، ولكن هذا النمط من التفكير شيء وأن يقال أن هناك مخططًا أعد سلفًا بين الطرفين شيء آخر.

 

فتح صاعق تفجير ضروري

تمتلك حركة فتح خزانًا بشريًّا كبيرًا، فهي حركة ليست تنظيمًا بالمعنى الكلاسيكي للكلمة، وقد فشلت-نعم فشلت-كل محاولات حماس والجهاد الإسلامي في السنوات السبع (1993-2000) في تفجير حالة مقاومة عامة، مع كل الأعمال البطولية والضربات الموجعة والنوعية التي قام بها مقاومون من الحركتين، بما في ذلك إفرازهم لظواهر نوعية دخلت سفر المقاومة الطاهر (المهندس يحيى عياش وخلفاؤه مثلاً).

فقد بحّ صوت حماس والجهاد الإسلامي وهم يتحدثون عن ضرورة تبني خيار المقاومة، واستدعوا كل وسائل التحريض والتذكير بمجازر الاحتلال والحركة الصهيونية منذ عقود، ومعها ما يجري من استيطان وتهويد ومخططات آنية، ولكن دون تدخّل أو دخول حركة فتح أو قطاع مؤثّر منها، فلا جدوى.

ووصل الجميع إلى حقيقة كون فتح صاعق تفجير مهم وضروري لاستئناف العمل المقاوم، حتى لو تراجعت قليلاً، وهذه القناعة حتى تبناها حزب الله، عبر نداء ظلت فضائية وتلفزيون المنار التابع للحزب يبثه يوميًّا لفترة طويلة نسبيًّا، بلسان أمين عام الحزب حسن نصر الله: "أقول لحركة فتح وضباطها ومناضليها ووو.. أنتم أولاً". مردفًا نداءه بأن لا تسمع الحركة لقيادتها!

بالطبع فإن قواعد وتنظيم فتح لن يأخذ تعليماته من الرجل، إلا إذا توفر شرط تطابق الدعوة مع توجهات القيادة، والقائد هنا وصاحب القرار هو (الختيار) سواء بتشجيعه أو تمويله أو أوامر مباشرة، أو على الأقل بغضه النظر عما يقوم به أبناء تنظيمه وهو ما كان.

طبعًا لم يكتف الحزب بنداءات إعلامية عاطفية، ففتح خطوط التواصل والدعم عبر طرق مختلفة مع كل المقاومين بمن فيهم مجموعات وأفراد من حركة فتح.

وقد تعزز وتصاعد انضمام عناصر وكوادر من فتح إلى الانتفاضة، خاصة بعد ارتقاء شهداء من الحركة وأجهزة الأمن، ومنهم مثلاً (جهاد) نجل محمود العالول الذي كان وقتها محافظ نابلس، فأصبحت المواجهة مكشوفة وتصاعد الغضب، ولم يكن هناك مجال للحديث عن السلام والتسوية، لدرجة أنه حين كانت عقيلة الرئيس عرفات (سهى الطويل) تزور بعض الجرحى في مشافي القطاع سألها أحد الصحافيين: "ما الرسالة التي تودّين توجيهها"، طبعًا هو يريد حديثا عن السلام وغير ذلك، فردت: "الرسالة شوف الجثث وشوف الإصابات بتعرف الرسالة"!

ونفذت عمليات نوعية منذ بداية المواجهات مثل قيام الشرطي الفلسطيني (نائل محمد ياسين) بفتح النار أثناء دورية مشتركة قرب قلقيلية في 30 أيلول/ سبتمبر 2000، وقتل جندي إسرائيلي (حاليًّا يقضي حكمًا بالمؤبد بعد اعتقاله من الاحتلال)، وقيام ضابط الأمن الوقائي (بهاء الدين سعيد) الذي التحق بألوية الناصر صلاح الدين الذراع العسكري للجان المقاومة الشعبية باقتحام مستوطنة (كفار داروم) في قطاع غزة، مسلّحًا برشاش كلاشينكوف وخنجر، وقتل وجرح عدة جنود وضباط صهاينة قبل استشهادة في تشرين الثاني/ نوفمبر 2000 وغيرها من العمليات التي نفذها عناصر من فتح والأجهزة الأمنية مما جعل الأمور تتصاعد باطراد غير مسبوق.

 

هل كانت الانتفاضة شعبية ثم تعسكرت؟

هذه مقولة رائجة عن انتفاضة الأقصى بأنها كانت شعبية تقتصر على مظاهرات ومسيرات تتجه نحو نقاط التماس وتلقى فيها الحجارة والزجاجات الفارغة والحارقة، ولكنها لاحقًا تحولت إلى النمط المسلح، وهو ما يراه بعض الناس مضرًّا وأعطى "إسرائيل" فرصة البطش بالفلسطينيين!

حقيقة منذ اليوم الأول للانتفاضة دخلت الاشتباكات المسلحة وعمليات إطلاق النار، خاصة بعد انتهاء المسيرات والمظاهرات، ولكن أسلوب العمليات الاستشهادية صار علامة مميزة وفارقة لانتفاضة الأقصى لاحقًا وذلك ردًّا على جرائم الاحتلال المتواصلة، وتوقفت المسيرات والمظاهرات المتوجهة نحو نقاط التماس، وأرى أنه كان يجب أن تتوقف قبل ذلك بوقت طويل (سأتحدث عن هذا لاحقًا).

 

كتائب شهداء الأقصى

من أبرز معالم انتفاضة الأقصى تأسيس (كتائب شهداء الأقصى) ذراعًا عسكريًّا لحركة فتح؛ وكانت حركة فتح بعد حوالي سنتين من اندلاع انتفاضة الحجارة قد أفرزت عدة مجموعات مسلحة عناصرها صاروا مطاردين مطلوبين لأجهزة الاحتلال، في مناطق مختلفة تحمل أسماء متنوعة، بهدف قتل العملاء والجواسيس والتحقيق معهم، وتنفيذ بعض العمليات ضد قوات الاحتلال والمستوطنين، ولكن ظل تأثيرها محدودًا، وتمكنت قوات الاحتلال من اغتيال واعتقال معظم عناصرها، وتمكن عدد قليل جدًّا من النجاة والتخفي وغادر عدد قليل أيضًا قطاع غزة عبر الأنفاق أو من فتحات في السياج، وكانت أسلحتهم خفيفة وبسيطة (مسدسات وبنادق وخناجر) وأبرز تلك المجموعات:

  • صقور فتح، ونشطت في قطاع غزة.
  • الفهد الأسود ونشطت في جنين ونابلس، وهي ربما أكثر من نفذ عمليات ناجحة مقارنة مع كل المجموعات الفتحاوية الأخرى.
  • النمور السود ونشطت في طولكرم.
  • الأسد المقنع ونشطت في رام الله وخاصة مخيم الأمعري وأبرز قادتها أسير يعاني من السرطان وهو ناصر أبو حميد.

وقد تراجع نشاط تلك المجموعات بعد انعقاد مؤتمر مدريد، ثم توقف بعد توقيع اتفاق أوسلو، مع أن الاحتلال لم يتوقف عن ملاحقة عناصرها، حتى مع تجميد نشاطهم، بل قام بتصفية 6 من صقور فتح بعد توقيع اتفاق أوسلو وعشية الانسحاب من قطاع غزة.

وبعد تسلم السلطة الفلسطينية مسؤولياتها، انخرط من لم يستشهد أو يعتقل من تلك المجموعات، في أجهزة الأمن الفلسطينية المختلفة، ومن أفرجت عنهم سلطات الاحتلال على مراحل ممن حوكموا على قتل عملاء أيضًا التحقوا بأجهزة الأمن الفلسطينية، وبقي من رفضت "إسرائيل" الإفراج عنهم بدعوى قتلهم (يهودًا) في السجون والمعتقلات الإسرائيلية وهم ضمن من سبقهم يعرفون بـ (أسرى ما قبل أوسلو) وقامت بالإفراج عن بعضهم في 2013 وبقي بعض آخر حتى اللحظة.

نلاحظ أن أسماء المجموعات يختلف من منطقة إلى أخرى، باستثناء نابلس وجنين (الفهد الأسود) مع محدودية العمليات التي أوقعت قتلى في صفوف الصهاينة، الآن (كتائب شهداء الأقصى) في الضفة الغربية وقطاع غزة اسم جامع لمجموعات فتح المقاتلة، ولكن كان لكل مجموعة خصوصيتها وقيادتها وخطوط اتصالاتها وتمويلها.

وقد أجريت مقابلة مكتوبة مع أمين سر المجلس الثوري لحركة فتح سابقًا (أمين مقبول) نشرتها جريدة الحياة الجديدة التابعة لحركة فتح، وسألته عن كتائب شهداء الأقصى فأجاب بأنها أعادت لفتح حيويتها وشبابها، وحين سألته هل لها قيادة واحدة ؟ أجاب: "ليس لها قيادة واحدة حتى على مستوى أي مدينة".

وكان من مزايا كتائب شهداء الأقصى تنفيذ عمليات استشهادية بعضها أدى لوقوع عدد كبير من القتلى والجرحى في صفوف الصهاينة في الداخل المحتل، لا سيما بعد قيام الاحتلال باغتيال أحد قادة (ك.ش الأقصى) وهو رائد الكرمي.

وهذه أول مرة تشارك فيها مجموعات من فتح بهذا النوع من العمليات الذي بدأته حماس في أوائل التسعينيات.

وثمة معالم وميزات أخرى وملابسات تخص انتفاضة الأقصى هي محور حديثنا في المقالات القادمة إن شاء الله تعالى.

  • المواد المنشورة في موقع مركز القدس للدراسات تعبّر عن آراء كتابها ولا تعبّر بالضرورة عن رأي المركز.