جامعات الضفة الغربية بؤرة التنافس والاستقطاب

فريق المركز
28-12-2021

رأي

جامعات الضفة الغربية بؤرة التنافس والاستقطاب

سري سمور

لا نبتعد عن الحقيقة إذا قلنا إنّ ساحة التنافس والاستقطاب الرئيسة والمركزية -إذا لم تكن الوحيدة- في الضفة الغربية أو حتى على مستوى المناطق التي صارت تحت إدارة السلطة الفلسطينية (قطاع غزة والضفة) بين حركة فتح وحلفائها من جهة وحركة حماس وحلفائها من جهة أخرى في فترة ما بعد توقيع اتفاق إعلان المبادئ (أوسلو) وحتى انتفاضة الأقصى، هي الجامعات في الضفة الغربية، لا سيما جامعة النجاح الوطنية في نابلس وجامعة بير زيت في منطقة رام الله.

ذلك أن الجامعتين الكبيرتين في غزة مقسمتان سواء بانتماءات الطلبة أو الهيئة الإدارية والتعليمية؛ فالجامعة الإسلامية تتبع حركة حماس وجامعة الأزهر تتبع حركة فتح، مع وجود أعداد أو نسبة قليلة من الطلبة في كل منهما يؤيدون التنظيم المنافس، وهذا التقسيم الصارخ الحادّ ليس موجودًا في جامعات الضفة الغربية، على الأقل في الفترة التي نتحدث عنها.

كما أنه لم تعقد انتخابات بلدية إلا في 2005، وكان يمكن أن تكون هذه ساحة منافسة، والنقابات أيضًا ولو أجريت فيها انتخابات، ولكنها تظل نخبوية عمومًا، ولكن انتخابات مجالس الطلبة في الجامعات كان لها وقع وتأثير خاصّ، وسعي حثيث من قِبَل فتح وحماس على السواء على تحقيق مكاسب فيها.

انتخابات سياسية

من الناحية النظرية أو حقيقة الأشياء؛ فإن مجلس الطلبة في الجامعة مهمته العمل على خدمة الطلبة والنضال من أجل حقوقهم وتحصيل ما يمكن منها من إدارات الجامعات، بالدرجة الأولى.

ولكن واقع الحال في الأراضي المحتلة لم يبق لهذه المهمة الرئيسة والتي يفترض أنها تتقدم على غيرها مكانًا؛ فالانتخابات سياسية بمعنى الكلمة، وغالبية الطلبة كانوا –وربما ما زالوا- يعطون أصواتهم لمن يتوافقون معه سياسيًّا، بغض النظر عن قدرته على تقديم خدمات لهم، مثلهم مثل القادة، يهتمون بلحظة إعلان فوز طرف على طرف، أكثر من اهتمامهم بما يليه من أمور.

فالانتخابات في الجامعة هي بمثابة استفتاء سياسي بغطاء/ قناع خدماتي أو نقابي، مع أن هناك طلبة وطالبات كانوا يمتعضون ويقولون إنهم يريدون من المتنافسين، التركيز على قضايا تتعلق بهم وبدراستهم وإيجاد حلول لقضايا مثل الاكتظاظ في القاعات أو الساحات، وتطوير الأداء الأكاديمي وتحسين الخدمات والمرافق وغير ذلك مما يصعب حصره؛ ولكنها ظلت أصواتًا ضعيفة قليلة معزولة، ولم تتأثر نسبة التصويت في الفترة التي نتحدث عنها بمن قاطعوا الانتخابات احتجاجًا على تقدّم السياسة والتسييس على الخدمات.

ومما أتذكره في هذا الشأن؛ عينة على هذا الصوت الضعيف؛ أن ممثلاً لإحدى الكتل الطلابية اليسارية دار بينه وبين أحد الطلبة نقاش عبر مكبرات الصوت، وملخص حجة الطالب أننا هنا في الجامعة ولدينا هموم ومشكلات وحاجيات ومتطلبات فلننشغل بها ولنترك الوضع السياسي وكل ما هو خارج أسوار الجامعة، ولكن ممثل الكتلة الطلابية اليساري الذي كان متمرسًا في العمل السياسي والطلابي ردّ عليه: الآن حين تعود إلى بيتك ويعترض حاجز عسكري إسرائيلي الحافلة التي تستقلها، هل سيقوم بمثل هذا الفرز بين من هو مسيس ومن هو (مالوش دخل بحدا) أم أنه سيعامل الجميع بنفس الطريقة؟ فردّ الطالب:أكيد كلنا سننزل ويفتشون ويدققون في الهويات، فرد عليه:شفت كيف كلنا في الهوا سوا فكيف أنسى أو أتجاهل الوضع السياسي، إننا جميعًا نتأثر به ومحكومون لتداعياته.

ومن الطريف أن كتلة طلابية صغيرة لم تكن تستطيع الوصول إلى نسبة الحسم، كانت تسخر وتنتقد الكتلتين الكبيرتين (الإسلامية والشبيبة)، وتقول إنها لن تفعل مثلهما بل هي تنادي بحقوق الطلبة، وضرورة تطوير مختبرات الكليات العلمية وتزويد المكتبات بالمراجع الحديثة وتحسين المرافق بما يقي الطالب برد الشتاء وحرارة الصيف...إلخ، ولكن لم يكن الطلبة يأخذون كلامها على محمل الجدّ، مع إقرارهم بأنهم يسلطون الضوء على مشكلات حقيقية، نظرًا لقناعة غالبية الطلبةالذاتية بمركزية البعد السياسي للانتخابات، وأنه إذا عجزت الكتل الطلابية الكبيرة بما تمثله من ثقل عن تحقيق خدمات كبيرة للطلبة، فأنّى لكتلة لا يتعدى عدد أعضائها وأنصارها أصابع اليدين بذلك؟

الكتلة الإسلامية...صعود ملحوظ

تأسست الكتلة الإسلامية أواخر سبعينيات القرن الماضي، ونشطت في مختلف الجامعات وخاضت انتخابات طلابية، ولكنها قلّما كانت تحقق فوزًا على منافستها الرئيسة حركة فتح وذراعها الطلابي (الشبيبة الطلابية) وبقية فصائل م.ت.ف بأذرعها الطلابية.

كانت الكتلة الإسلامية امتدادًا طلابيًّا لحركة الإخوان المسلمين في فلسطين، وركزت جهدها على إثبات وتميز الهوية الإسلامية للمجتمع، ولأفرادها على نحو خاص، ذلك أن تلك الفترة شهدت تأثرًا بالموجات التغريبية وكان الطلاب والطالبات ممن لفحتهم تلك الموجة على أكثر من صعيد.

وحين نتحدث عن التغريب لا يقتصر الحديث على الرأسمالية والنمط السائد في الولايات المتحدة وأوروبا الغربية، بل هذا يشمل التيار الماركسي، الذي هو أيضًاغربي بالنسبة إلى مجتمعنا الفلسطيني، وقد وجد له من يتبناه ويتماهى معه علنًا.

وفي خضم تلك المرحلة كان نضال الكتلة الإسلامية صعبًا، فالتيارات المنافسة كانت تعيّر الكتلة الإسلامية بأنها لا تمثل تيارًا يخوض غمار المواجهة المباشرة مع الاحتلال، مع أن هذا الكلام ليس دقيقًا تمامًا فقد خاضت الكتلة الإسلامية غمار مواجهات مع الاحتلال في 1986 في جامعة بير زيت ارتقى على إثره الشهيدان صائب ذهب وجواد أبو سلمية من قطاع غزة وحدثني الراحل د.عدنان أبو تبانة في حوار علني مفتوح عبر موقع فيسبوك  في معرض استذكار تلك الأحداث؛ أنه على إثر استشهاد ذهب وأبو سلمية في بيرزيت، قام مع إخوته في الكتلة الإسلامية بإشعال مواجهات مع قوات الاحتلال في مدينة نابلس حيث كانوا يدرسون في جامعة النجاح الوطنية، ولم تمنعهم قيادة الإخوان من ذلك، وقد أطلقت قوات الاحتلال الرصاص والغاز المدمع وانضم إليهم آخرون في تلك المواجهات.

ولكن التوجه العام كان وقتها تربويًّا دعويًّا أكثر منه فعل ثوري مقاوم ضد الاحتلال.

وكان فوز الذراع الطلابي لحركة فتح حاسمًا وملحوظًا، لدرجة أن بعض كوادرها تلك الفترة قالوا: كنا إذا لم نحصل على 95% أو  92%  أو لنقل 85% في الحد أدنى لا نعتبر هذا فوزًا ولا نصرًا ونجري إعادة تقييم وبحث في أسباب (التراجع).

ومع أن حركة حماس انطلقت بالتزامن مع إغلاق الجامعات بقرار عسكري إسرائيلي، ولكنها وجدت لها بسرعة موطئ قدم ثابتة ومتجذرة مبنية على بنية وتجربة الكتلة الإسلامية خلال سنوات ما قبل انتفاضة الحجارة، مع العمل على تطويرها واستثمار الواقع الجديد، فور إعادة افتتاح الجامعات تدريجيًّا منذ 1991 وبدأت تنافس حركة فتح وبقية فصائل م.ت.ف وتحقق فوزًا أو ما يقترب من الفوز، في أكثر من جامعة أو كلية.

وفي الجامعات التي لا تفوز فيها الكتلة الإسلامية كان فوز فتح بفارق ليس كبيرًا ولا مميزًا، لدرجة أن الكتلة الإسلامية كانت تنظم احتفالات بالفوز أحيانًا، مع أن الشبيبة تكون قد حصلت على أغلبية المقاعد أو نسبة أصوات أكثر من 50%.

ولكن كما قلت إنّ فتح اعتادت على فوز ساحق واضح غير متأرجح، ومنافستها تصعد وتتقدم.

ومع أن الكتلة الإسلامية كان معروفًا ومعلومًا للقاصي والداني أنها تمثل  حركة حماس في أروقة الجامعات، وتطرح وجهة نظر الحركة السياسية علنًا، وتستضيف قادة ورموز الحركة في ندوات ومؤتمرات، إلا أنها لم تكن تصرح بذلك، بل كان يمكن حتى لرئيس مجلس طلبة عن الكتلة الإسلامية أن يخوض نقاشًا ويقول إنه ليس عضوًا في حماس، وكان أيضًا إذا اعتقلته مخابرات الاحتلال يتحجج بهذه الحجة، وقد يجد مخرجًا في مرحلة ما.

ولكن بعيد اتفاق إعلان المبادئ (أوسلو) وتحوّله مع تداعياته إلى مادة محور استقطاب واضح، تغيرت أمور كثيرة؛ فمن جهة انفض تمامًا عقد التحالف بين فصائل م.ت.ف الذي كان لفتح حصة الأسد فيه، وتبلورت تحالفات جديدة بين حماس (الكتلة الإسلامية) وجبهة العمل الطلابي التقدمية (الجبهة الشعبية) وكتلة الوحدة الطلابية (الجبهة الديموقراطية) ضد تحالف فتح وفدا وحزب الشعب، سواء أكان التحالف مباشرًا كما حصل في جامعة بير زيت في 1993 عبر تشكيل كتلة واحدة، أو عبر بلورة ائتلافات بعد العملية الانتخابية.

ومن جهة أخرى وفي العام 1993 أيضا أعلنت حركة حماس في بيان رسمي أن الكتلة الإسلامية هي ذراعها الطلابي، وبهذا انتهى أسلوب المناورة والتورية سالف الذكر، وكانت سلطات الاحتلال قد أعلنت الحرب -وما زالت- على الكتلة الإسلامية وقادتها ونشطائها، وصارت تحكم عليهم بالسجن فترات تشبه كما لو أنهم أعضاء خلايا عسكرية!

وهنا دخلت الجامعات الفلسطينية مرحلة جديدة، بتقدم الكتلة الإسلامية، والتي كانت كثيرًا ما تخوض الانتخابات الطلابية مع الذراع الطلابي لحركة الجهاد الإسلامي (الجماعة الإسلامية) والذي صار اسمه حاليًّا (الرابطة الإسلامية)، ضمن قائمة واحدة (كان اسمها في جامعة النجاح مثلا:كتلة فلسطين المسلمة).

وتَقدُّم وفوز الكتلة الإسلامية المتواصل المتصاعد في معظم الجامعات الفلسطينية في الضفة الغربية، كان يحمل رسالة سياسية لا يغيب عن أحد مغزاها، وهي رفض طبقة شبابية مهمة متعلمة للمسار السياسي الذي تنتهجه حركة فتح، وتأييد هذه الطبقة لنهج حركة حماس، أو على الأقل لأعمالها العسكرية ضد الاحتلال الإسرائيلي، وخاصة أن تَقدُّم الكتلة الإسلامية جاء بعد تصاعد العمليات الاستشهادية.

فهل الطالب الذي ربما والده ممتعض وغاضب وقد يشتم حماس بسبب تنفيذها عملية أدت إلى منعه من الوصول إلى عمله داخل الخط الأخضر، يمثل حالة مختلفة عن المجتمع ونظرته؟

أم أن الجامعات ونتائج الانتخابات فيها هي مرآة حقيقية لمزاج الناس وأفكارهم ورؤيتهم السياسية؟

الجواب يحتاج إلى نقاش مكانه في مقال أو مقالات قادمة بعون الله تعالى.

  • المواد المنشورة في موقع مركز القدس تعبّر عن وجهات نظر أصحابها، وقد لا تعبّر بالضرورة عن موقف المركز.