جنين...المدينة التي لا تتعب
جنين .. المدينة التي لا تتعب
بعد أكثر من 50 ساعة من الاجتياح البري الواسع الذي تعرضت له مدينة جنين، خرجت قوات الاحتلال تحمل قتلاها ومصابيها وتجر الخيبات؛ حيث فشلت في تحقيق الهدف المعلن من معركة " البيت والحديقة" كما أسمتها وهو العودة لمرحلة العمل براحة لقواتها في المنطقة دون اطلاق نار، وكذلك عدم تحويل المخيم لمكان آمن يتوجه إليه الراغبون في العمل ضد المحتل، ورغم الدمار الهائل الذي ينتظر الصباح حتى تظهر الصورة إلا أن الالاف خرجوا وبينهم مقاومون عجزت حكومة نتنياهو على تحييدهم بل اعطتهم دفعة معنوية أكبر نحو مزيد من التحصن والتعامل مع المخيم كنقطة ارتكاز لمشروع المواجهة، ويأتي هذا الاجتياح المحدود المخطط لها مسبقا بسبب الحاجة الميدانية الملحة التي فرضت على اليمين الاسرائيلي القيام بها كما قالت.
حيث شهدت مدينة جنين يوم الإثنين 19 حزيران الماضي حدثا استثنائيا حسب الاعلام العبري و المتابعين بعد بطولة استثنائية قدمتها كتائب المقاومة حين وجهت ضربة مؤلمة للآلة العسكرية الاسرائيلية وأخرجت قواتها بين مصاب وبين آلية معطوبة؛ ففي هذا اليوم كانت قوات الاحتلال تقوم بأعمالها اليومية الاعتيادية من اعتقالات وفي لحظات الانسحاب واجهت عبوات شديدة الانفجار أخرجت دبابة النمر التي أدخلت للخدمة مؤخرا عن الخدمة، وتابع الجميع عشرة ساعات من محاولات سحب الآليات العالقة على حدود المخيم.
الحدث في جنين وان كان استثنائيا من حيث النتائج ولكنه اعتيادي من زاوية النظر لتاريخ المدينة التي لطالما واجهت المحتلين ببطولة مشهودة ، فقد كانت مركزا للثورة الفلسطينية في ثلاثينات القرن الماضي،واحتضنت أحراشها عز الدين القسام حتى استشهاده, كما عجزت العصابات الصهيونية في حرب النكبة عن احتلالها وعادت مكسورة ببسالة أبنائها والجيش العراقي الذي رفض الانسحاب، وشاركت أيضا في كل مراحل الثورة والانتفاضات الفلسطيينة وسجلت حضورا مشرفا في انتفاضة الحجارة ثم حضورا مميزا في انتفاضة الاقصى وليس من المبالغة أن أي وصف أو حديث عن تلك الانتفاضة يستثني ذكر جنين يعد ناقصا اذ كانت مركزا مهما للعمل الفدائي ثم قاوم مخيمها في السور الواقي ببسالة نادرة سجلت اسمها واسم المدينة بشكل كبير في نفوس الناس واضطرت إسرائيل لهدمه بعد أن تكبدت خسائرها الأكبر في اجتياح الضفة .
وعندما هدأت الأوضاع بعد إنهاء انتفاضة الاقصى بقي مطاردو المدينة يقاتلون حتى عام 2010 ثم عادت سريعا للعمل النضالي وقدمت ايقونات أثرت لاحقا في الجيل كالشهيد حمزة أبو الهيجا والشهيد احمد نصر جرار ونافع السعدي وعزالدين بن غرة وغيرهم.
وسجلت المدينة حضورا بارزا في الحالة الثورية المتشكلة منذ عامين؛ حيث شكلت بداياتها بعد أن خرجت أشهر العمليات من المدينة كعملية حومش وعمليات ضياء حمارشة ورعد خازم ومستوطنة العاد وعملية الغور وحاجز الجلمة اضافة لما سبق من تاثيرات نفق الحرية ومع تلك المرحلة واثناءها بدأت تظهر التشكيلات المسلحة ولاحقا الاشتباكات المباشرة التي وصلت لمرحلة وقوف الاحتلال عاجزا اقتحام المخيم بعد عشرين عاما على هدمه في الاجتياح الكبير اثناء عملية السور الواقي. وينسب للمخيم والمدينة الأثر والدور في ظهور التشكيلات المسلحة في أرياف المحافظة والمدن الأخرى .
لقد شاءت الأقدار أن تحمل جنين في هذه المرحلة عبئا كبيرا ووقع على عاتقها استمرار روح المواجهة مثلما فعلت غزة والشتات الفلسطيني قبل ذلك وفي ذلك استمرار لخط الصمود والمواجهة إلى أن يتحقق النصر والتحرير.