جولة في مراكز البحث الصهيونية، تموز 2020

عماد أبو عواد
07-07-2020



عماد أبو عوّاد\ مركز القدس لدراسات الشأن الفلسطيني والصهيوني




في الكيان تنشغل المراكز البحثية بالتحديات الداخلية والخارجية، إلى جانب نقاش القضايا ذات الصلة بيهود الخارج، اللذين يعيشون تحديداً في الولايات المتحدة وأوروبا.

شهد الشهر الأخير تركيزاً من قبل المراكز البحثية على جائحة كورونا، وكذلك الحديث عن الضم الصهيوني لمناطق في الضفة الغربية، إلى جانب مواضيع متنوعة أخرى. اخترنا أربعة مراكز بحثية لنتناول أهم ما أصدرته.

  1. مركز الاستراتيجية الصهيونية.


تناول المركز قضيتين محوريتين، الأولى، ارتفاع العداء لليهود في ثلاث دول أوروبية، بريطانيا، فرنسا وألمانيا، حيث أشارت المُعطيات البحثية إلى ارتفاع الاعتداءات التي يتعرض لها اليهود في تلك الدول، حيث تصل في فرنسا إلى 500 اعتداء سنوياً. لكن البحث خالف النظرة السائدة بأنّ ارتفاع الاعتداءات مرتبط بارتفاع أسهم اليمين المتطرف، فيما أشار إلى أنّ ارتفاع العداء لليهود في بريطانيا، كان مع اقتراب خروجها من الاتحاد الأوروبي.

قضية ارتفاع العداء لليهود تحديداً في أوروبا والولايات المتحدة، باتت تشغل حيّزاً واسعاً من النقاش الصهيوني الداخلي، خاصة في ظل كذلك اتساع الفجوة بين "إسرائيل" ويهود الخارج بسبب الخلاف بين التيارين على طبيعة الحكم في الدولة.

ووفق المُعطيات الصهيونية فإنّ ارتفاع حالات الاعتداء على يهود الولايات المتحدة، ترافق مع وصول دونالد ترامب إلى الحكم في البيت الأبيض، فيما كانت المؤشرات الأخرى تُشير إلى أنّ اليمين في أوروبا هو مُسبب آخر في ارتفاع كراهية اليهود، إلى أنّ البحث الصادر هنا، ينفي هذا التوجه، ويُشير إلى أنّ الظاهرة في سياقها الطبيعي التاريخي، المبني على كراهية الغرب لليهود، وربما هذا ما يُفسر حجم المجازر التاريخية التي ارتكبها الغرب بحق اليهود.

وفي بحث آخر، أشار المركز إلى أنّ العام الأخير شهد مقتل 92 فلسطيني في الداخل، بما نسبته 62% ممن قُتلوا في المشاكل الداخلية وفلتان السلاح، علماً أنّ نسبة الفلسطينيين فقط 20%، والغريب أنّ البحث حمّل المسؤولية للفلسطينيين، وسوء تعاطيهم مع الشرطة الصهيونية، ولطبيعة الثقافة الداخلية العربية، مُعفياً الشرطة والحكومة الصهيونية من المسؤولية، في ظل اهمالهم المتعمّد للوسط الفلسطيني.

وهذا يتناقض تماماً مع السلوك الصهيوني الداخلي تجاه الفلسطينيين، حيث ساهمت الحكومة الصهيونية بانتشار السلاح في الوسط الفلسطيني ليُستخدم في اتجاه الجريمة الداخلية، ونشر المخدرات والسلوكيات المدمرة للمجتمعات، إلى جانب التقصير المتعمد في حل المشاكل، وتأخر الشرطة في الوصول لمكان الجرائم، ودفن الملفات المختلفة، والسماح للمجرمين بالبقاء خارج السجون بحرية تامة، رغم وضع يد الشرطة على الكثير من الملفات التي تُدينهم، وهذا ما يؤكده ممثلو القائمة العربية المشتركة، في سياق تحميلهم للحكومة الصهيونية، ارتفاع نسبة الجريمة في الوسط الفلسطيني في الداخل المحتل.

  1. مركز بيجن-سادات للدراسات الاستراتيجية.


قضية الضم ساهمت بزيادة حدّة التقاطب الداخلي في "إسرائيل"، هذا ما ورد في قراءة الباحث اللواء جرشون هكوهين، حيث أشار إلى أنّ المساحة التي تفصل بين التيارين الداعم والمعارض لضم المناطق في الضفة الغربية، أخذت حيّزاً أكبر، وساهمت بالمزيد من الشدّ بين الاتجاهين.

يُذكر أنّ قضية الضم كشفت أنّ التوجه العام منقسم نحوها، لكنّ هذا الانقسام أظهر شرخاً في المجتمع الصهيوني، حيث أنّ غالبية من أرادوا الضم كانوا من المستوطنين، والمتدينين الصهاينة، وغالبية من عارضوه علمانيون ليبراليون عير متدينين، ليُضاف هذا الشرخ إلى مساحات أخرى من عدم قبول الآخر في المجتمع الصهيوني، ولينسحب هذا الشرخ على نفس الفئات في المجتمع، والتي تتناحر بينها في الكثير من القضايا.

  1. معهد دراسات الأمن القومي.


الباحثان في معهد دراسات الأمن القومي، اودي ديكل ونوعا شوسترمان، تناولا قضية الضم، وقاما بمحاكاة ماذا كان سيحدث لو أعلن نتنياهو الضم في الأول من تموز، حيث توقع الباحثان السيناريو التالي، أن يُعلن الرئيس الفلسطيني أبو مازن عن دولة فلسطينية، اشتباكات عنيفة في مناطق الضفة الغربية، صواريخ تنهمر من قطاع غزة باتجاه "إسرائيل"، توتر كبير في العلاقات مع الأردن، وادانات قوّية من المجتمع الدولي.

وأضاف الباحثان، أنّ "إسرائيل" لربما نجحت في تحويل الرأي العام العلمي عن القضية الفلسطينية، لكنّ مسألة الضم أعادت لها البريق، وأظهرت "إسرائيل" على أنّها دولة معزولة في هذا السياق وتتلقى فقط دعم أمريكي، قد يتحوّل في حال تغيّر الحاكم في البيت الأبيض.

من جانبه جال بينكل، تناول قضية الجيش البري في دولة الاحتلال، حيث أشار بينكل أنّه في ظل الأزمة المالية والحديث عن تقليصات من الميزانيات، هناك إشارات إلى تقليص الاهتمام بسلاح البر، لصالح الاهتمام بالجانب التكنولوجي، وتطوير الوسائل الأكثر فتكاً.

وتأتي هذه القضية في ظل البيانات التي تُشير الى تراجع حافزية التجنيد لدى الشباب الصهيوني، حيث أنّ سلاح البرّ والمدرعات يُعاني من عزوف الشباب عن الانضمام بهما، ويُضيف بينكل أنّ اهمال سلاح البرّ في ظل التحديات الكبيرة على الجبهة الجنوبية مع حماس، والجبهة الشمالية مع حزب الله، يدق ناقوس الخطر، في ظل تقديرات الجيش، بأنّ المرحلة القادمة ربما تشهد اقتحام حماس أو حزب الله للحدود "الإسرائيلية". منوهاً أنّ عدم الاهتمام الكافي بسلاح البر، سيؤدي إلى إطالة عُمر أي حرب قادمة.

  1. مركز الدمقراطية الإسرائيلي.


تناول المركز قضيتان اساسيتان، الأولى مرتبطة بالاقتصاد في ظل الكورونا، حيث تطرقت دفنا نيتسان للحديث عن الأزمة الاقتصادية ما بعد كورونا، من بين 950 ألف عاطل عن العمل بسبب الكورونا، أشارت دفنا أنّ نصفهم بين الأعمار 30 الى 54 عاماً، وهي الفئة العمرية التي تُعتبر قلب الاقتصاد في أي دولة.

وفق دفنا فإنّ الأزمة وإن كانت قد تبدو مؤقتة، لكنّها باتت تنعكس سلباً على فئات اجتماعية واسعة، حيث يدور الحديث عن 25% من اليد العاملة وجدت نفسها ولو مؤقتاً من دون عمل، بمعنى أن مصدر دخلهم تأثر سلباً، الأمر الذي أفقدهم القدرة على اعالة عائلاتهم، كون ما تدفعه الحكومة لهم لا يُغطي سوى جزء من الاحتياجات الأساسية.

من جانبه الدكتور شوقي فريدمان، تناول قضية دولة تل ابيب، في إشارة إلى النظام الخاص الذي تعيشه تل ابيب، حيث يقطن المدينة غالبية عُظمى من العلمانيين، حيث وفق فردمان أقدمت بلدية تل ابيب على تأسيس سجل مدني للأزواج مثليي الجنس، الأمر الذي يُشير إلى أزمة العلاقة ما بين الدولة والدين، في ظل اشتداد التوتر على خلفية شكل الدولة المرغوب.

سلوك دولة تل ابيب وفق فريدمان، يُشير إلى تجاهلها الوضع القائم والي يُنظم العلاقة ما بين الدين والدولة، تل ابيب تتجه نحو إقرار المواصلات العامة يوم السبت، وافتتاح الأسواق التجارية في السبت كذلك، وهي مما لا شك فيه ستمد يدها لبقية المناطق لتحذو حذوها.

تل ابيب، أو تكساس "إسرائيل" كما يحلو للكثيرين تسميتها، باتت دولة داخل الدولة، حيث الانتقال داخل حدودها يُشعرك بأنّك انتقلت إلى مكان بعيد وليس ملاصقٍ لبيقة المناطق في "إسرائيل"، تل ابيب هي مثال الدولة داخل الدولة، وهي بالتأكيد ردّة فعل على دول أخرى باتت تظهر، فالمستوطنون دولة، والمتدينون بفكرهم دولة خاصة، وجمع هذا الشتات لا زال على أسس ضعيفة، وليست مؤسسة على دستور يُنظم الحياة، أو قوانين صلبة تضمن الاستمرارية.