حالة حزب الله  ولبنان مختلفة عن حالتنا

سري سمور
08-09-2022
تحميل المادة بصيغة PDF

رأي

حالة حزب الله  ولبنان مختلفة عن حالتنا

سري سمّور

تحدّثت في المقالين السابقين عن ثلاثة عوامل أو أحداث أثّرت في انتفاضة الأقصى من حيث التصاعد ورفع الروح المعنوية وتأجج الغضب والرغبة في الانتقام وتحوّلات المزاج الشعبي العام: إجرام العدو ودمويته، وهبة أكتوبر، والقنوات الفضائية خاصة الجزيرة، وفي هذه المقالة والتي ستليها -وربما أكثر-سأتحدث عن العامل الرابع وهو حزب الله والذي أفردت له مساحة طويلة نسبيًّا في سلسلة المقالات هذه، ولكن من زاويا غير التي سأتناولها في السطور التالية، حيث سأتحدث عن تأثير الحزب على انتفاضة الأقصى ومجريات الأحداث، خاصة مقارنة حالة حزب الله مع الحالة الفلسطينية، وتوهم إمكانية استنساخ التجربة بإجبار العدو على الانسحاب من الضفة الغربية تحديدًا.

 

العامل الجيولوجي فارق كبير

الأرض والتضاريس التي قاتل حزب الله فيها جيش العدو الصهيوني وجيش العميل لحد، تبدو وكأنها مخصصة للقتال المعتمد على الكرّ والفر ونصب الكمائن وسهولة نسبية في التخفي، وتبدو لقطات القتال وكأنك تشاهد أحد الأفلام السينمائية، بل يمكن توظيف تلك اللقطات فعلاً في فيلم سينمائي، وهذا من صنع الخالق -سبحانه وتعالى- ولأنني لست خبيرًا عسكريًّا يمكن التأكد من هذه المعلومة من الخبراء، خاصة من عاشوا أو حتى قاتلوا في تلك المنطقة من الفلسطينيين، وطبيعتها الملائمة للقتال والحرب، وهذا يختلف عن حال الضفة الغربية وقطاع غزة؛ فالقطاع سهل ساحلي ضيق مكتظ بالسكان، انتشرت فيه مستوطنات ومعسكرات، وزرع في داخله عملاء سريّون، والضفة الغربية جبالها الرئيسة مسيطر عليها عسكريًّا وأمنيًّا، وتنتشر فيها المعسكرات والمستوطنات الموزعة لاعتبارات أمنية بالدرجة الأولى، وليس عندنا لا غابات فيتنام ولا جبال الجزائر، وبالتأكيد نختلف عن جنوب لبنان، والحواجز التي نشرتها قوات الاحتلال فيها بعيد انتفاضة الأقصى قطعت أوصالها ومنعت التواصل إلا عبر طرق وعرة ووديان وجبال سيرًا على الأقدام أو بركوب الدواب؛ وأذكر هنا مثلاً قريتي بزارية وبرقة على طريق جنين-نابلس وكونهما بالقرب من مستوطنة حومش، المقامة على هضبة ترى منها مناطق48 بله القرى والبلدات المجاورة (أخليت حومش في 2005 وحاليًّا عاد إليها المستوطنون ليقيموا مدرسة دينية وما شابه)، تم منع الحركة والتنقل بين القريتين مع أن ما يفصلهما عن بعضهما شارع ولو نادى أحد في طرف أي منهما لسمعه ابن القرية المقابلة، وكان هناك عروس ستزف إلى عريسها (لنفرض أن العروس من برقة ستزف إلى بزارية) فلم تسمح سلطات الاحتلال إلا بسيارة واحدة تقلها بعد تدخلات الصليب الأحمر وغيره من المؤسسات، في مشهد يعكس إلى أي حد مزّق الاحتلال أوصال الضفة الغربية، أما عن التنقل بين أي مدينتين خاصة الوصول إلى نابلس الواقعة بين جبلين قمتيهما مسيطر عليهما بمعسكرات ونقاط مراقبة، فحدث ولا حرج ، وأنا شخصيًّا عايشت العبور الصعب إلى نابلس عن كثب.

فماذا عن جنوب لبنان المفتوحة طرقه نحو بيروت وغيرها من المدن اللبنانية؟

 

دولة ضعيفة وحلفاء أقوياء

 وفي لبنان دولة ضعيفة السيطرة إن لم تكن معدومة، ووجود عسكري وأمني سوري منذ 1976 تحالف مع إيران وتلقائيًّا مع حزب الله (بغض النظر عن بعض محطات التوتر التي أتيت على ذكرها سابقًا)، فالأمر مختلف تمامًا عن حالة الضفة الغربية وقطاع غزة.

كما أن الحاضنة الشعبية لحزب الله قوية عمادها البعد الطائفي في بلد موزع بين طوائف عدة، واستطاع الحزب احتكار قرار الهجوم والرد والدفاع دون أية قوة أخرى خاصة في العقد الأخير من مقاومة الاحتلال في الشريط المحتل، وتم تحجيم كل جهة أو شخصية يمكن أن تضر بمخططات الحزب، بما في ذلك أمين عام الحزب السابق صبحي الطفيلي، الذي حاول إطلاق ما أسماه (ثورة الجياع) فتصدى له من كان قائدًا لهم بكل قوة وشدة، لأن الحزب ومن خلفه إيران، لا يريد للجنوب والبقاع أن يكون مرتعًا لأية نزاعات وتدخلات من هنا وهناك تحرف البوصلة، وطبيعة عامة الشيعة الاحتكام إلى المرجعية الدينية في التوجيهات المختلفة، بما في ذلك الأمور السياسية، وحاز الحزب على مباركة المرجعيات من قم حتى بيروت.

 

ليس هناك اتفاقيات بين لبنان والكيان

وليس هناك اتفاق ترعاه دول عظمى وكبرى بين "إسرائيل" والدولة اللبنانية، يلزم الدولة بشيء يحدّ من مقاومة الاحتلال، وهو احتلال تجرمه قرارات الأمم المتحدة أصلاً، وتجربة اتفاق 17 أيار 1983 لقنت العالم الغربي ومعه "إسرائيل" درسًا قاسيًّا بأن هذا البلد ليس كغيره ولن يبرم اتفاقًا منفردًا أو بعيدًا عن إرادة النظام السوري وحلفائه في الداخل والخارج.

أما الحالة الفلسطينية فإن اتفاقيات أوسلو وملحقاتها واضحة في هذا الخصوص، صحيح أنه مع اندلاع الانتفاضة بدا أن التنصل من تلك الالتزامات صار أمرًا واقعًا، ولكن هذا نسبي لأبعد مدى، نظرًا لحجم وقوة الداعمين للاتفاق وملحقاته، ومنهم من دفع الأموال الطائلة للحفاظ عليه، وقدرتهم على ممارسة الضغوط الشديدة على السلطة الفلسطينية، ويضاف إلى ذلك أن السلطة ليست دولة ولو امتلكت مؤسسات تحاكي مؤسسات الدولة، والآلة العسكرية الإسرائيلية قررت ضرب مقرات السلطة ومؤسساتها ومحاصرة رئيسها، باعتباره مسؤولاً عن انتفاضة الأقصى، حتى لو كانت العمليات التي تنفذ من الجانب الفلسطيني من قبل حركات وفصائل مناهضة لأوسلو، وليست ذات علاقة دافئة مع السلطة، كما أن طبيعة الاتفاقيات تخلي مسؤولية "إسرائيل" عن أمور السكان المدنية مثل التعليم والصحة والشؤون البلدية، وتضعها تحت مسؤولية السلطة التي تقصف مقراتها وتحاصر رئيسها!

  • وهذا حال وواقع يختلف عن لبنان تمامًا. كما أن الضفة الغربية تحديدًا تقع في مركز التفكير الصهيوني الديني والعلماني، باعتبارها (يهودا والسامرة) وفق المعتقد اليهودي، وتشكل قيمة استراتيجية كبيرة، وحوض مياه مهم، ويجب ألا يكون فيها أية قوة صغيرة أو كبيرة تهدد مركز الكيان وتجمعاته الملاصقة للضفة بل المتداخلة معها، وفيها القدس التي يوجد إجماع إسرائيلي على أنها (عاصمة إسرائيل الموحدة).

والكيان بكل أركان قياداته السياسية والعسكرية والأمنية شدّد على أن سابقة الانسحاب تحت النار من لبنان لن تتكرر في الضفة الغربية، بل أضمر منذ الهزيمة المذلة في لبنان، تحقيق (نصر ساحق) في الساحة الفلسطينية يضرب فيه عدة عصافير بحجر واحد يبدأ باستعادة روح جمهوره وجيشه المعنوية، وينتهي بإحكام السيطرة على الضفة الغربية وترسيخ الاستيطان فيها، ويمر بإشباع نهمة الكيان في القتل والتدمير.

ولا ننسى أن وعد بلفور نص على إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين، وليس خارجها، ولكن الدول العظمى ترخي الحبل للكيان للتوسع، فإذا تمكن من البقاء في بقعة جديدة خارج فلسطين واستقرت أموره فيها، فهي تتغاضى عن قرارات الأمم المتحدة والقانون الدولي، بل تشرعنه كما حدث مع الجولان بعد قرار ترمب، ولكنها تساعده للخروج منها خروجًا يحفظ ماء وجهه، إذا لقي مقاومة تستنزفه وتجعل كلفة الاحتلال باهظة، وهذا ما حدث بانسحاب "إسرائيل" من الشريط المحتل بالاتكاء على قرار مجلس الأمن 425، أما قرار مجلس الأمن 242 وقرار 338 فإننا نعلم الجدل حول الانسحاب (من أراض بالنص الإنجليزي، أو من الأراضي بالنص الفرنسي) وتعتبر "إسرائيل" الضفة الغربية استثناء ضمنته إزالة (ال التعريف)!

 

حدود مفتوحة لحزب الله

وحزب الله بسهولة تمكن من تدريب عناصره عسكريًّا وأمنيًّا وإعدادهم معنويًّا، سواء فوق الأرض اللبنانية أو في إيران أو حتى سورية، بعكس الشبان الفلسطينيين الذين تظل خبرتهم محدودة جدًّا وعتادهم لا يمكن مقارنته بما لدى الحزب، ولذا اضطر بعض المقاومين لبيع مصاغ زوجاتهم لشراء قطعة سلاح خفيفة.

 ويضاف إلى التدريب الجيد في ظروف ملائمة مريحة،  قدرة الحزب على إدخال الأسلحة عبر البحر أو حتى المطار أو عبر الحدود السورية، سواء أكان برضى وعلم الدولة السورية، أو باستغلال ما هو معروف عن الأمن والجيش السوري بتلقي الرشاوى، ولا ننسى الظهير الإيراني صاحب الدالة على النظام السوري، ولو مقابل دفعات مالية للنظام.

وماذا عنا؟

هذا ما سأناقشه في المقال القادم بمشيئة الله تعالى؟

  • المواد المنشورة في موقع مركز القدس للدراسات تعبّر عن وجهة نظر كتّابها وقد لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المركز.