حبائل إسرائيل والفلسطيني الجديد

ياسر مناع
05-11-2018

كتب: ياسر مناع  - مركز القدس لدراسات الشأن الإسرائيلي والفلسطيني


قيل قديماً "بأن الحرب الخدعة" وما دامت أنها جزء من السياسة في الدولة فإنه ومن البديهي أن تكون السياسة أم الخدع والحبائل، من السذاجة أن نعتقد لبرهةٍ من الوقت بأن "إسرائيل" من الممكن أن تقدم لنا شيئاً، أو إن تمنحنا طوعاً وعن طيب خاطر ما نريد ونسعى.




عصفت في الآونة الأخير الكثير من النقاشات والحوارات حول التهدئة مع قطاع غزة، وما يدور في جوفها وفلكها من نوايا ونتائج، في حقيقة الأمر لا أعتقد بأن هنالك فلسطيني واحد يحب أن يرى قطاع غزة محاصراً أو أن هنالك اتفاق ما قد أُبرم أزال معه مشهد أطفال جياع، وعوائل أثقلهم التعفف، لا يسألون العالم إلحافا لأنهم يعلمون بأن ثمن الحرية أغلى.




تقف "إسرائيل" الجهة المقابلة، ومن خلال إستقراء الأحداث والتصريحات الأخيرة يمكن لنا أن نستنتج أن " إسرائيل" تحاول أن تقدم الاتفاق على هيئة انجاز إستراتيجي لعدوها اللدود "حماس" – وهذا في الحقيقة لا ينطلي على احد- ، حيث من أنها تسعى وراء ذلك الى تحقق هدفٍ استراتيجي رئيس بالنسبة لها ، ويتمثل في فصل قطاع غزة عن الضفة الغربية فصلاً تاماً ، ومن ثم تحاول العودة على المدى المتوسط إلى سياسة الاحتكاك بحماس والسلطة الفلسطينية ، بعد أن تكون قد اوهمت على مدار أشهر انها صاحبة الشأن بكل ما يتعلق بالفلسطينيين، وترى إلى أن تلك الخطوة هي المطلوبة الان مباشرة او عبر مناورة محكمة.




على الضفة المقابة تجتهد حماس في المحافظة على قدراتها وبراغمتيتها من غير تقديم اي تنازلات سياسية، ولكن في حال قام ابو مازن بالخطوة الأخيرة ضد قطاع غزة سيكون قد هنالك تحول تلقائي في صبغة تلك المناورة التي تخوضها حماس أمام "إسرائيل" الى خطوة ذات إبعاد سياسية إستراتيجية، وبالتالي تكن "إسرائيل" قد نجحت في فض التوأم السياسي عبر مناورة كبرى قامت بها سواء بالقوة الفظة اوالناعمة، بالإضافة إلى استخدام وسائل استخبارية وأمنية مرئية وغير مرئية، أضف إلى ذلك أنها قد نجحت في غرس فكرة ان حماس وفتح هما من قاما بالانفصال عن بعضهما من غير إعداد مسبق من" إسرائيل" داخل عقل المجتمع الفلسطيني، بمعنى أن "إسرائيل" غير مسؤولة عن ذلك الإنفصال.




في الواقع على الرغم من ذلك فإنه ليس من السهل تنفيذ الاتفاق، ربما هذا ما تريده " إسرائيل" حيث يقوم ابو مازن باسم منظمة التحرير الفلسطينية بالانفصال عن غزة، وفي ذلك يبدأ فصل جديد من تفكيك المجتمع الفلسطيني في الضفة الغربية.



لم تخفي "إسرائيل" ما تسعى إليه، حيث تحدث العديد من الساسة عن الأمر، الكاتب جرشون هكوهين وهو ميجر جنرال احتياط وخبيراستراتيجي في مركز بيغن السادات تطرق إلى الفكرة واعتبرها بمثابة استراتيجية يقودها نتنياهو لفصل الضفة عن غزة, وان المرحله الاولى لاحقا سيكون من السهل فصل الضفة الى ثلاث كانتونات او اكثر، وربما كانتون غزة، والتي لن تسمح "إسرائيل" بعد ان يتم ابو مازن المطلوب منه ببقاء حماس.



 



المهم اسرائيليا في ظل ما يسمى المعركة على الوعي ان ينقش بوعي الفلسطيني المتوسط كارثية الزعامة القومية الفلسطينية المتمثله في منظمة التحرير الفلسطينية وعدم مسؤوليتها، وعبثية خيار المقاومة الذي جل ما يبحث عنه هو البقاء في السلطة والحصول على المال.



 



ختاماً، تحاول " إسرائيل " في الفترة الحالية عرض أي اتفاق على أنه انجاز استراتيجي لغزة، على الدوام كانت " إسرائيل " تتحدث عن الانتصار في المعركه (הכרעת העימות)، لكن يبدو ان "اسرائيل" ومنذ اوسلو وعبر القوة الناعمة والخشنة احياناً تسعى لحسم الصراع, اي تحقيق نصر تاريخي على الحركة الوطنية الفلسطينية مشابه في بذلك لما وقع عام 1948 مع الفارق ان الفلسطيني الجديد الذي بحثت عنه "اسرائيل" بعد عام 1948 وأطلقت عليه "عربي اسرائيلي "، وتعمل على تشكيله اليوم من اسفل الى اعلى اي انه يبدو كأنه تشكل قبل الهزيمة، في الوقت الذي وقعت فيه الهزيمه منذ وقت الفلسطيني الجديد الذي تشكل على نحو متسارع بعد عام 2007، حيث يعاني من انفصام بالشخصية جعلته تائهاً تماماً يريد ان يقاتل "اسرائيل" احياناً ويريد ان يتنعم بشواطئها والعمل فيها احيانا أخرى, باتت "إسرائيل" لا تحتاج للبحث عن الفلسطيني الجديد بل هو الذي يقوم بالبحث عن نفسه على نحو يرضي عدوه الذي استلبه كل شئ.