حروب بتكلفة صفرية
جودت صيصان
07-11-2020
جودت صيصان
منذ بدء الخليقة كانت الحروب والصراعات بين الأفراد والجماعات بالسلاح الأبيض ثم تطور إلى استخدام السلاح الناري فالنووي كما حصل في الحرب العالمية الثانية،أما اليوم فنحن أمام حروب يقاتل فيها الغرب وعلى رأسه أمريكا والصهيونية بالتكلفة الصفرية فعدوهم المفترض هو من يشتري منهم السلاح ويدفع ثمنه،ليجبر شعبه على القبول بالعبودية والأمر الواقع ثم يسخر كل امكانياته وقدراته لمعاونة هذا الحلف على إخضاع الشعوب والدول الأخرى الرافضة، من خلال شن حرب علبه والاستنجاد بأسياده طالباَ منهم التدخل لإنقاذه فلا يستجيبوا فيأتوا بغيره ليُكمل المهمة .
إن هذه الحرب تقودها الآن بعض الأنظمة العربية والإسلامية الاستبدادية التي تستمد شرعيتها واستمراريتها وقوتها من هذا التحالف الذي يخشى الأنظمة الخاضعة لمساءلة شعوبها،خاصة وأن جميع استطلاعات الرأي التي تقوم بها مراكز الأبحاث ودراسة السياسات تُظهر بأن موقف الغالبية العظمى من الشعوب العربية والإسلامية ثابتة في مناصرة القضية الفلسطينيّة والعداء للكيان الصهيوني وحليفه الأمريكي، لذلك من مصلحة هذا التحالف نشر الاستبداد، وتثبيت الأنظمة المستبدة، وتعزيز القمع.
إن التقاء السياسة الصهيونية والأمريكية والأنظمة الانقلابية والدكتاتورية التي تخشى إرادة الشّعوب الحرّة وتخاف من الثورات العربيّة وقوى الإسلام السياسي التي تعتبرها خطرا على مصالحها السياسيّة في المنطقة من جهة أخرى، عوامل سرّعت وعمقت من المجاهرة والمفاخرة بهذا الحلف وبهذه الحرب .وهذا ما ظهر بوضوح من خلال العديد من الأحداث سأتناول خمسة منها على سبيل المثال لا الحصر:
أولاَ: مشروع التطبيع مع الكيان الصهيوني الذي قادته أنظمة عربية نفطية وفق خطة مدروسة من حيث الزمان والمكان والمضمون بحيث يكون لها أفدح الأضرار والأثار السلبية على القضايا العربية والإسلامية وفي مقدمتها القضية الفلسطينية من جهة ومن جهة أخرى تحقق أعظم الفوائد للتحالف الصهيوني والأمريكي .
ثانيا: تقاطع مصالح هذا الحلف وسعيه الحثيث لتصفية الحسابات مع تركيا بسبب انزعاجهم من صعودها في الداخل والخارج وبعثرتها لعش الدبابير في أكثر من مكان في المنطقة،وهذ ما ظهر جلياَ في دعم المحاولة الانقلابية،وسحب الاستثمارات السعودية والإماراتية من تركيا مرورا بدعم اليونان وفرنسا في مواقفها ضد تركيا وليس آخرها الدعوة لمقاطعة البضائع التركية لضرب الاقتصاد التركي تمهيداَ لتغيير نظام الحكم فيها أو على أقل تقدير ضبط حركة الإيقاع فيها بعد إرباكها وإضعافها داخليا وخارجيا. وأخشى ما أخشاه أن يتحول ما يحدث اليوم من محاربة عربية لتركيا سياسياَ واقتصادياَ وأمنياَ إلى أن يصبح عسكرياَ.
ثالثاَ: إجبار هذا التحالف الضحية على القبول بالأمر الواقع، واقع عبوديتها، ومعاونة الجلاد في استعبادها واستعباد غيرها من الضحايا والسودان مثالا على هذا التوجه من خلال تقديم الإغراءات المالية من قبل السعودية والإمارات لدفع السودان على تطبيع علاقاته مع الكيان الصهيوني .
رابعاَ: تمزيق الوطن العربي وتشجيع الفرقة والانقسام والحروب بين أبناء الشعب الواحد كما يحدث اليوم في كل من اليمن وليبيا وغيرها من البلدان العربية وبأموال خليجية .
أما المشروع الخامس فكان دعم التحالف الصهيوني والأمريكي والعربي للانقلاب على الديمقراطية في مصر بعدما أعلن الرئيس المصري محمد مرسي سياسته منذ اليوم الأول له في الحكم بقوله: "علينا أن ننتج غذاءنا ودواءنا وسلاحنا.. " وبدأ أولى خطواته لتجسيد هذه السياسة واقعاَ على الأرض من خلال زيادة انتاج القمح بنسبة 10% ودعم المزارعين والمصانع الوطنية والبدء بتعزيز التعاون العسكري مع روسيا .
تلك هي حروب التكلفة الصفرية بمعنى أن الصهيونية والغرب لا يخسران شيئاَ في هذه الحروب التي تمولها بعض الأنظمة العربية وتسخر لها كل إمكانياتها خدمة لمصالح أسيادها .