حماس والحمل الذي يزداد ثقلاً
عماد أبو عواد
16-12-2018
عماد أبو عوّاد\ مدير مركز القدس لدراسات الشأن الإسرائيلي والفلسطيني
دخلت حركة المقاومة الإسلامية حماس اليوم عامها الثاني والثلاثين، في ظل مشاركة جماهيرية واسعة في مهرجانها المركزي في غزة، الذي شهد تنظيماً كبيراً، ورسائل داخلية إيجابية، وخارجية أكدّت على الحق الفلسطيني في كامل حقوقه، وأمام إنجازات عظيمة خلال مسيرة الثلاثين عاماً ونيف الماضية، فإنّ الحركة تجد نفسها رُغم ازدياد قوّتها أكثر حملاً، وأعظم مسؤولية.
إنّ العدد الكبير من المُشاركين، اللذين تحمّلوا ما تحمّلوا من حصارٍ وجوعٍ، واصطبروا على أشد أنواع المكر بهم، حاملين أرواحهم على أكفهم، مقدمين الهمّ العام على المصلحة الشخصية، مجسدين قوله تعالى "ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة"، يضع أمام متخذ القرار في حركة حماس، أمانةً ثقيلةً تبدأ بزيادة التركيز على حمل همِّ هذه الجموع، اللذين بدونهم لربما لأُكلت المُقاومة في مهدها.
لربما تكون العودة اثني عشر عاماً للوراء، ونقاش هل كانت حماس محقةً أم لا في دخولها العملية السياسية، ليس سوى عبثٍ لن يُغير من الواقع شيء، لكنّ هذه المشاركة في ظل قدرة الحركة على الحفاظ على الرصيد الجماهيري، رغم تراجع أوضاعهم الاقتصادية، تزيد من الحمل الذي لا مفر منه، بضرورة العمل الدؤوب لتوفير حياةٍ كريمةٍ تحفظ للبيوت الحدّ الأدنى من قدرة الصمود واحتضان المقاومة.
وفي الوقت الذي ليس من الغريب أن يكون جزءٌ كبيرٌ من المشاركين، هم من عوائل القابضين على سلاحهم على الحدود، وفي أنفاق المقاومة، انتظاراً لأحدى الحسنيين، فإنّ التأكيد على أن يكون مستوى حياة القائد كالجندي، وحياة المسؤول في غزة كالمواطن العادي، في ظل الظروف العصيبة، قد لا يكون مناسباً ممن يراقبون عن بعد، ولكنّه كلامٌ لا بدّ أن يُقال، وإن كان حُسن ظنّنا أنّ ما أُشير إليه هو في الغالب الأمر الواقع.
على الجانب الآخر فإنّ الحركة باتت تسير في حقل من الأشواك أوسع، وإن كانت أبدت قدرة كبيرة على التعامل مع الحقول السابقة، إلّا أنّها تُدرك أنّ ما يُحاق بها ليس على المستوى المحلي الإقليمي، ولكنّه تجاوز ذلك لمساحات أخرى، بُغية اسقاط لربما الشعلة الوحيدة إلى جانب أخواتها، والتي لا زالت تُذكر ليس بالحق الفلسطيني بحسب، وإنّما بالحق الإنساني الفطري لكل المظلومين في العالم.
فالحركة التي وجدت نفسها مضطرة لعلاقاتٍ، تُذكرني بمن يمضغ العلقم أملاً في قليل من الحلاوة، بالطبع لن يبلغها، تُدرك أن من يمد لها يد العون من جانب، يطمع في تحقيق مكاسب من جانب آخر، ويأمل في دفعها لقبول صفقات تُخالف النهج العام لها، مقابل تخفيف للحصار، على أمل رفعه كاملاً في المستقبل.
على عاتق الحركة في ظل الجماهيرية التي ترسخت، أن تُبادر كما جاء في كلمة رئيس مكتبها السياسي، لمحاولة رأب الصدع الفلسطيني، ولربما ليس على قاعدة التعادل، فلا بأس لو كان ذلك ولو بالرضى بتجاوز هذه المعادلة، شريطة ألّا تمس بمبادئ الشعب الفلسطيني، الحريص على مقاومته، كحرصه على ذاته.
يُضاف إلى ذلك أنّ التكتيك ضمن الاستراتيجية لا يُفقد الاستراتيجية قيمتها، بل في أحيان كثيرة هو أحد أركانها، فالمبالغة بالقوّة اعلامياً، قد يكون مسوّغاً لباغتة الحركة ومهاجمتها، فالاكتفاء بما تُقدمه على الأرض، أفضل بكثير من التهديد والوعيد، خاصةً أنّ الخطاب الإعلامي في المرحلة المُقبلة كما كان سابقاً، هو يقرع في الساحات الخارجية، وليس موجهاً فقط للداخل المحتل.
فالحركة التي تجاوزت بمعجزة قرار وصمها بالحركة الإرهابية قبل أسبوعين من الآن، هي تُدرك أنّ الكرة قريبة، وأنّ هذا القرار سيُناقش لربما في وقت لاحقٍ قريب، فتحسين لغة الخطاب وتركيزه، ودراسته جيّداً ستُساهم في تجاوز ذلك، ولربما فتح آفاق علاقات جديدة، تُساهم في حصار الدولة العبرية، ونسف بحثها عن الشرعية.
كما أنّ الحركة تحمل همّ تحسين علاقاتها بالدول العربية، وإن كانت اتخذت مواقف سابقة ربما قد تكون متسرعة مع بداية الربيع العربي، عليها تبني استراتيجية واضحة بعدم اتخاذ مواقف تُبنى عليها علاقات، بسبب الأحداث الداخلية تحديداً في الدول العربية، فقد وجدت نفسها مضطرة للبدء بالتراجع، رغم مبدأيّة القرارات التي اتخذتها، لكنّ من يكون في موقع المُتحملِ لهمّ الناس، فعليه يقع حمل فنّ اتقان السياسية.
ما بين القدرة على الحفاظ على حياة كريمة للناس وتوفيرها، والعمل الدؤوب لتحقيق الوحدة الفلسطينية، وتجسيد خطاب دبلوماسي واضح وتكتيكي يحفظ للحركة علاقات مع أنظمة عالمية، والقدرة على عودة تحسين العلاقات مع الدول العربية، تجد نفسها الحركة الجماهيرية وقائدة المقاومة الفلسطينية أمام حملٍ ثقيلٍ ومُتعب، يحتاج اجتهاداً كبيراً للعبور فيه إلى بر الأمان.