حماس وفتح والتيار الثالث

عماد أبو عواد
10-06-2023

تتفق شريحة عريضة من الجمهور الفلسطيني أنّ وجود تيار ثالث، أمر حيوي ومهم في سبيل تهيئة الواقع الفلسطيني نحو مرحلة انتقالية تقود إلى وحدة حقيقية، حيث تميل الغالبية العظمى أنّ الوصول إلى ترتيبات بين حركتي حماس وفتح أمر ليس بالسهل، وأنّ الانقسام الذي كانت نواته فلسطينية، فإنّ العودة عنه لم تعد شأناً فلسطينياً خالصاً، حيث أصابع الغرب وجزء من الشرق، "إسرائيل" ومن لف لفيفها تقفان وستبقيان كذلك عثرة في وجه أي مسار يقود إلى التغلب على الواقع الفلسطيني المترهل.

والحقيقة أنّ هناك محاولات كثيرة كانت ولا زالت باتجاه خلق تيار يوازن ويُشكل حالة ضاغطة، حراكات جماهيرية، وتيارات أوجدت لنفسها مسميات مختلفة تحت هذا الشعار، إلّا أنّ الواقع وفي كلّ مرّة يُكذب حقيقة ثقل هذه التيارات، وينبئ على أنّ احتمالية أن تتبلور أخرى جديدة بألوان أخرى ومسميات مختلفة أيضاً ليس بالأمر السهل، ما بات يخلق حالة من استسلام رجالات هذا التوجه والتسليم بحقيقة أنّ الشارع بغالبيته يدعم حركتي حماس وفتح.

الناظر إلى نتائج أي انتخابات منذ أن شاركت حماس عام 2005 في انتخابات البلديات وبعدها التشريعي، وما سبقها وتبعها من انتخابات نقابية وجامعات، يجد أنّ حماس وفتح سوياً تستحوذان على 90% من الخزان الانتخابي، ويُمكن القول إن هذا الخزان إلى حدٍ بعيد موزع بالتساوي بينهما، وإن كانت حماس تسبق فتح بنسبة قليلة، ربما لاعتبارات مختلفة، أهمها الواقع المزري للسلطة، الذي إن تغيّر ربما سيعيد التكافؤ ما بينهما إلى حد بعيد.

ليس في الكلام أعلاه أي استخفاف بوجود تنظيمات ذات ثقل، كالجبهة الشعبية التي تحظى بدعم شريحة ليست بالقليلة والتي تؤهلها انتخابيا لتكون بعد حماس وفتح وإن كان بفارق كبير، لكن في هذا إشارة إلى ضرورة إعادة التفكير بجدوى تلك المحاولات وربما استبدالها بوسائل أخرى من أجل التأثير والظفر بإمكانية إعادة بلورة جهد قد يقود إلى تحقيق ما فشلنا به فلسطينياً إلى الآن.

وفي ذات السياق فإنّ المزاج العام في الشارع وإن كان يميل إلى حماس وفتح بغالبيته العظمى، لكن هذا الميل قابل للتأثر في حال وجود ثقل ثالث مقنع للشارع الفلسطيني، وإن كانت السلطة لا ترى أو تغض الطرف عن حراك الجيل الشاب المُتبني للمقاومة بشكل كبير، لكنها تعي أنّ تشكلاً جديداً وجديا بات يظهر شيئا فشيئا إلى سطح التأثير العام، وسيكون له انعكاسات مستقبلية، ليس بالضرورة باتجاه خلق تيار جديد، إنّما بإعادة بلورة فتح في سياقها التاريخي الأقرب للنهج المقاوم، وبالتالي أن تتغلب على التيار الذي ساهم بترهلها تحت عناوين السلطة والاتفاقيات الدولية، وليس من نافلة القول إنّ فتح حملت أداء السلطة وبعض رجالاتها الخسائر الانتخابية في جامعتي النجاح وبير زيت، وهناك من رفع شعار اتركوا فتح لوحدها.

وربما الناظر إلى تاريخ حركتي فتح وحماس، يُمكن القول إنّ ابن حماس سيجد نفسه فتحاوياً في ستينيات القرن الماضي، وابن فتح الذي يتغنى بأمجادها، سيجد نفسه أقرب لحماس ومقاومتها اليوم، ما يؤشر أنّ الحراك على الأرض الذي يقوده الشباب حديثي السنان أقرب لنهج المقاومة، ما يؤشر أنّ القادم سيكون باتجاه ضغط كبير في اتجاه بلورة الواقع الفلسطيني الداخلي حول هذا النهج المتصاعد.

خلاصة القول في هذا السياق إنّنا أمام تغيّر وإن كان ليس بالقريب، سيؤدي إلى جسر الهوّة من خلال ذوبان تيار وابتعاده، وحلول تيار جامعٍ يجمع حوله الغالبية المؤمنة بمواجهة الاحتلال، بغض النظر عن انتمائها وتوجهها، لكنّها ستؤسس لمرحلة تُعاد فيها القيمة الحقيقية للقضية الفلسطينية، وتنهار فيها كل أسباب التعطيل والمشاريع البعيدة عن الخط الأصيل الذي يجب أن يكون.