حوارات في تاريخ الحركة الإسلامية في فلسطين المحتلة سنة 1948 مع الشيخ رائد صلاح

عوني فارس
24-08-2022
تحميل المادة بصيغة PDF

عرض كتاب

 

حوارات في تاريخ الحركة الإسلامية في فلسطين المحتلة سنة 1948 مع الشيخ رائد صلاح

عوني فارس

 

 

عنوان الكتاب: حوارات في تاريخ الحركة الإسلامية في فلسطين المحتلة سنة 1948 مع الشيخ رائد صلاح

إعداد: وائل خالد أبو هلال

الناشر: مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات.

تاريخ النشر: 2018

عدد الصفحات: 155

 

حقَّقت الحركة الإسلامية في أراضي عام 1948 إنجازًا كبيرًا في انتخابات السلطات المحلية عام 1989، فلفتت الأنظار، ومنذ ذلك الحين شغلت حيِّزًا من اهتمام وسائل الإعلام، وتوالت الكتابة عنها في الصحف والمجلات، وأصبحت موضوعًا مرغوبًا في الأوساط الأكاديمية، وبعد أكثر من ثلاثة عقود على تأسيسها خطَّ الشيخ رائد صلاح كتابه الأول عنها بعنوان إضاءات على ميلاد الحركة الإسلامية المحظورة إسرائيليًّا (2016)، ثم َّتلاه كتاب حوارات في تاريخ الحركة الإسلامية في فلسطين المحتلة سنة 1948 مع الشيخ رائد صلاح (2018)، والذي نعرضه في هذا المقال، ثمَّ صدرت مذكرات الشيخ كمال الخطيب (2021)[1].

 

حول الكتاب ومحتوياته

هذا الكتاب خلاصة حوارات أجراها الكاتب وائل خالد أبو هلال مع الشيخ رائد صلاح في بريطانيا في الفترة ما بين 5-13 تشرين أول/ أكتوبر عام 2011.

يتكوَّن الكتاب من فصلين، حيث يتناول الأول تجربة الشيخ رائد صلاح داخل الحركة الإسلامية، ويبدأ بالحديث عن تديُّنه وهو طالب في الثانوية، ثم دراسته للشريعة، وانخراطه في العمل الدعوي، ثمَّ مساهمته في تأسيس الحركة الإسلامية، وتشكيل بناها المؤسساتية، وتكريس دورها الاجتماعي، وبلورة مواقفها السياسية والفكرية، ونسْج علاقاتها مع التيارات المختلفة، ومع محيطها الفلسطيني والعربي، ويُعرِّج على رؤيته للتدافع داخلها، ويروي قصة انقسامها بين شمالية وجنوبية، ويشرح جوانب من معاناته جراء استهدافه المستمر من قبل المؤسسة الأمنية الإسرائيلية. 

ويحوي الكتاب في الفصل الثاني شهادتين مختصرتين للشيخين كمال الخطيب وهاشم عبد الرحمن، وهما استكمال وتأكيد على ما قاله الشيخ رائد صلاح أكثر من كونهما مستقلتين، وفي الكتاب ملاحق تحوي خمس صور فوتوغرافية، واثنتين وثلاثين رسمة للشيخ رائد صلاح جسَّد فيها معاناة الفلسطينيين في النكبة واللجوء والأَسْر.

 

الشيخ رائد صلاح.. سيرة مكثَّفة   

ولد الشيخ رائد صلاح سليمان أبو شقرة محاجنة في مدينة أم الفحم في العاشر من تشرين الثاني/ نوفمبر عام 1958، وهو حاصل على البكالوريوس في الشريعة الإسلامية من جامعة الخليل عام 1980. شارك في تأسيس الحركة الإسلامية في الداخل المحتل، وفاز برئاسة بلدية أم الفحم في ثلاث دورات انتخابية بين عامي (1989-2001)، وكان نائبًا لرئيس اللجنة القطرية لرؤساء السلطات المحلية العربية، ونائبًا لرئيس لجنة المتابعة العليا للمواطنين العرب، ورئيسًا لمؤسسة الأقصى لإعمار المقدسات الإسلامية منذ عام 2000، ورئيسًا للجنة أسرى الحرية المنبثقة عن لجنة المتابعة العليا عام 2005. ويُعَدّ من أهم قيادات المجتمع الفلسطيني في الداخل المحتل.

استهدفه الاحتلال منذ عام 1980، فمنعه من العمل في المدارس الحكومية، وفرض عليه الإقامة الجبرية لمدد متفاوتة، واستجوبته مخابراته مراتٍ كثيرة، واعتقلته منذ عام 1980 مراتٍ عديدة، وداهمت بيته ومكتبه وفتَّشته عدة مرات، ومنعته من دخول القدس والأقصى مرات عديدة منذ عام 2009، وحاول الاحتلال اغتياله عام 2010، واعتقلته السلطات البريطانية عام 2012، ومنعه الاحتلال من السفر عام 2017، وعام 2022.

كتب الشيخ رائد صلاح مقالات وتقارير صحفية أيام كان محررًا لمجلة الصراط بين عامي (1986-1989)، وصدر له عدد من الكتب، منها: "رسالة من المسجد الأقصى إلى كل غيور" (2007)، و"الحياة في السجن" (2017)، و"يوميات سجين" (2017)، و"مطارد مع سبق الإصرار" (2017)، و"قراءة سياسية في توراة اليوم"(2020)، وله ديوانا شعر هما: "زغاريد السجون" (2007)، و"الربيع النبوي" (2022)، والشيخ رسّام، رسم عددًا من اللوحات جسَّدت معاناة الشعب الفلسطيني منذ النكبة حتى الآن.  

 

الصحوة الإسلامية.. جذور وبدايات

يؤكد الشيخ رائد صلاح أن بدايات الصحوة الإسلامية في الداخل المحتل فطرية وبلا تخطيط، ولا يذكر لها سببًا مركزِيًّا مباشرًا، سوى هداية المولى سبحانه وتعالى لمجموعة من الشباب العصاة، وتوجه مجموعة من طلبة المدارس لدراسة الشريعة في جامعة الخليل، لكنَّه لا يغفل عن الإشارة إلى تأثير الضفة الغربية وقطاع غزة، عبر المدرسين من ذوي التوجه الإسلامي الذين كانوا يدرِّسون في المدارس الثانوية في الداخل المحتل، والزيارات الدعوية المكثَّفة التي نفَّذها عدد من المشايخ مثل أحمد ياسين، وحامد البيتاوي، وسعيد بلال، ومحمد فؤاد أبو زيد، وإبراهيم أبو سالم.

 تركَّزت النشاطات في البدايات في الأمور التعبدية والاجتماعية مثل إقامة صلاة العيد في العراء، والبدء بصلاة التراويح، وتشكيل لجان الزكاة، وإقامة الأعراس الإسلامية، وإغلاق المطاعم في نهار رمضان، ومحاربة مظاهر سبّ الذات الإلهية والإفطار في نهار رمضان، ونشر الحجاب، ثمَّ أخذ العمل طابعًا منظَّمًا بعد عقد اجتماع في باقة الغربية عام 1980 بحضور الشيخين عبد الله نمر درويش ورائد صلاح، وممثلين عن بلدات جت، وباقة الغربية، وقلنسوة، والطيرة، حيث أسندت في الاجتماع مسؤولية العمل للشيخ عبد الله نمر درويش، وتوافق الحضور على السعي لبناء نواة للإدارة العامة للعمل الإسلامي، مثَّل فيها الشيخ رائد صلاح أم الفحم، وكمال الخطيب كفر كنا، وعبد الرحمن وتد وعدنان كفر قاسم، وعبد الحكيم سمارة الطيرة، وكمال هنية النقب.

 

تأسيس الحركة الإسلامية

شهدت نهاية عام 1983 وبداية عام 1984 ميلاد الحركة الإسلامية في الداخل المحتل، بعد اجتماع مهم عُقد في بيت الشيخ عبد الله نمر درويش ناقش فيه الحضور سؤال الهوية والانتماء، ووِفْق شهادة الشيخ رائد صلاح، فقد جرت الإشارة بوضوح إلى انتماء الجسم الجديد إلى الحركة الإسلامية العالمية، وتكونت القيادة في حينه من عبد الله نمر درويش (رئيسًا)، وإبراهيم العبد ناطقًا رسميًّا، وعضوية كل من رائد صلاح، وكمال الخطيب، وسعيد أبو توفيق (باقة الغربية)، وعدنان، وكمال هنية، ويوسف أبو شريعة (اللد)، وعبد المالك دهامشة.

شُرع في هذه المرحلة بتأسيس دور القرآن الكريم، وأقيمت معسكرات العمل الإسلامي، والمهرجانات الإسلامية، وبدأت عمليات ترميم المساجد والمقابر الإسلامية، والمشاركة في إحياء المناسبات الوطنية.

 ويَعُدّ الشيخ رائد صلاح انتصار الحركة الإسلامية في انتخابات السلطات المحلية عام 1989 نقطة تحول مركزية، إذ توسَّع انخراطها في الشأن العام، وانفتحت على الأجسام التمثيلية فوق الحزبية، ونسجت علاقات مع المحيطين العربي والإسلامي، والتقت بقيادات العمل الإسلامي حول العالم، ثمَّ تقدَّمت الحركة الإسلامية خطوة إلى الأمام باتجاه إبراز معاني الوحدة الوطنية بين أبناء الشعب الفلسطيني الواحد في فلسطين التاريخية، والتطلع للمساهمة في المشروع الفلسطيني الوطني التحرري، عبر تطوير علاقاتها مع رموز العمل الإسلامي والوطني في القدس والضفة الغربية وقطاع غزة، كما في العلاقة المتينة التي قامت بين الشيخ رائد صلاح والقيادي الراحل حسن القيق منذ عام 1988، والتي أثمرت مشاريع إغاثية وإعلامية واجتماعية، استمرت فعَّالةً لسنوات طويلة.  

 

انقسام الحركة الإسلامية.. الجذور والمآلات

تعود جذور الانقسام داخل الحركة الإسلامية إلى بدايات تأسيسها، وترتبط، وفق رواية الشيخ رائد صلاح، برؤية الشيخ عبد الله نمر درويش لماهية الحركة الإسلامية ودورها، والتي خالف فيها الأسس والأهداف التي قامت من أجلها الحركة الإسلامية، فقد أرادها حركة إسلامية محلية، تعمل ضمن سقف المؤسسة الرسمية الإسرائيلية، ومنقطعة عن الحركة الإسلامية العالمية، ولا ترتبط بنضال الفلسطينيين خارج أراضي عام 1948، وتناصر مسيرة السلام بين منظمة التحرير ودولة الاحتلال، ويشير الشيخ رائد صلاح إلى أن جزءًا من الخلاف كان حول بعض مسلكيات الشيخ عبد الله التنظيمية ومواقفه العملية، وكانت محاولات الشيخ عبد الله دفع الحركة الإسلامية للدخول في الكنيست، واحدة من المسائل الخلافية الكبرى، وقد نتج عن هذه الخلافات خطان، الأول بزعامة الشيخين رائد صلاح وكمال الخطيب وشمل المثلث الشمالي، وأغلب الشمال، وقلنسوة، وتبعه صحيفة صوت الحق والحرية، ولجنة الإغاثة الإسلامية، وكلية الدعوة، ولجنة الزكاة القُطرية، والثاني بزعامة الشيخ عبد الله وشمل أغلب المثلث الجنوبي، وكفر قرع، والنقب عدا اللقية، ويافا والرملة وعكا، ودبوريا وسخنين.

 

ميلاد الحركة الإسلامية الجناح الشمالي

ولدت الحركة الإسلامية الجناح الشمالي عام 1996، بعد لقاءات أسبوعية مكثَّفة حضرها الشيخ رائد صلاح ومجموعة من الكوادر، واعتُمدت هيكلية تنظيمية جديدة على رأسها الشيخ رائد صلاح، ونائبه الشيخ كمال الخطيب، وأصبح سكرتير الحركة زياد زرعيني (طرعان)، ومثَّل وحدات الحركة علي أبو قرن (النقب)، ومؤيد العقبة (المثلث الجنوبي)، وخالد حمدان (المثلث الشمالي)، ومنير أبو الهيجا (شفاعمرو)، وعبد الكريم حجاجرة (منطقة الغابة)، وحسام شرقية (عكا)، وحسام أبو ليل (الناصرة)، وخالد غنايم (الشاغور)، ونمر سلفيتي (المروج)، وكان ضمن الهيكلية الجديدة لجان متخصصة وهي: التربية، ونشر الدعوة، والتوجيه والإشراف، والمكتب السياسي (منذ عام 2005)، ومكتب العلاقات الخارجية، والمجلس الإسلامي للإفتاء، واللجنة التنفيذية، ومكتب الدعوة والتربية، والقضاء، وبلغ عدد مؤسسات الحركة 30، وعدد منتسبيها عشرة آلاف (عام 2011).

 

الحركة الإسلامية والمسجد الأقصى

تعود بداية اهتمام الحركة الإسلامية في المسجد الأقصى إلى عام 1990، حين شرع الشيخ رائد صلاح بالتواصل مع هيئة الأوقاف الإسلامية في القدس، وهو نفس العام الذي ارتقى فيه الشهيد عدنان خلف مواسي في ساحات المسجد الأقصى، وهو أول شهيد للحركة الإسلامية، ووفقا لشهادة الشيخ رائد صلاح فقد افتتحت الحركة الإسلامية باكورة أنشطتها داخل المسجد الأقصى بيوم عمل تطوعي لتنظيف الساحات عام 1994، ثمَّ شرعت بإقامة وحدات حمامات في أبواب حطة والأسباط وفيصل، وإعمار المصلى المرواني، والمسجد الأقصى القديم، وقسم من المسجد القبلي، وفتح البوابات الكبيرة في المرواني وإقامة المدرجات، وتنفيذ إفطارات جماعية، وعمل مهرجان الأقصى في خطر سنويًّا (منذ عام 1996)، وتسيير مسيرة البيارق نحو الأقصى منذ عام 1999، وافتتاح مشروع مصاطب العلم منذ عام 2000، وإقامة مهرجان طفل الأقصى، كما اهتم الشيخ رائد صلاح بالكشف عن الحفريات الصهيونية أسفل الأقصى.

 

الحركة الإسلامية والمرأة  

ربط الشيخ رائد صلاح حديثه عن المرأة في الحركة الإسلامية ببدايات انتشار التدين في صفوف النساء في أم الفحم، وذكر أن الشيخ ماهر الخراز (نابلس) كان أول من طرح قضية التزام المرأة بالحجاب في خطبة جمعة في أم الفحم عام 1977، وعلى إثر هذه الخطبة قام عدد من الشباب الفحماوي بالذهاب إلى جنين لشراء اللباس الشرعي لنسائهم، وتشجَّع المشايخ لاحقًا، فأعطى الشيخ نصوح الراميني (رامين - طولكرم) دروسًا للنساء في مساجد أم الفحم، ثم شرعت الشيخة حسنة من الداخل بإعطائهنَّ الدروس، وقد زاد عدد الملتحقات بالصحوة الإسلامية، وبدأت بعض الأخوات بدراسة الشريعة في كلية أصول الدين في القدس والمعهد الشرعي في القدس منهن زوجة الشيخ رائد صلاح.

دخل العمل النسائي الإسلامي إلى قطاعات جديدة منها الجامعات، وتأسست داخل الحركة الإسلامية إدارة قُطْرية نسائية، وظهرت العديد من المؤسسات النسائية مثل: مسلمات من أجل الأقصى، ومؤسسة سند للأمومة والطفولة، وجمعية إقرأ للطالبات الجامعيات، والقسم النسائي لجمعية حراء لتحفيظ القرآن، ثمَّ إن نساء الحركة الإسلامية دخلن في السلطات المحلية مثل عفاف قاسم، وجهاد جبارين، وليلي غليون، اللواتي أصبحن عضوات في بلدية أم الفحم.

 

خاتمة

يهدف العرض أعلاه إلى مشاركة القارئ الكريم الخطوط العامة لذكريات الشيخ رائد صلاح مع الحركة الإسلامية كما رواها في حواره مع أبو هلال، وإبراز بعض التفاصيل المهمة والمفيدة في فهم التجربة، وتعريف القارئ على رموزها، وما عايشوه من أحداث وتطورات، آخذين بعين الاعتبار ندرة وجود نسخ من هذا الكتاب وأمثاله في المكتبات العامة ومتاجر الكتب في الضفة الغربية وقطاع غزة، ورغم أهمية هذا الكتاب إلا أنَّه لا يغطي تجربة غنية بحجم تجربة الحركة الإسلامية في الداخل، ويحتاج المهتم لقراءة المزيد من الإصدارات عنها، وعلَّ ذلك يدفعنا إلى عرض كتبٍ جديدةٍ في هذا الباب في قادم الأيام.      

 

[1] انظر عرضي لمذكرات الشيخ كمال الخطيب على الموقع الالكتروني لمركز القدس للدراسات: https://bit.ly/3ChGEQX. أشير هنا إلى ظهور مذكرات لعدد محدود من رموز العمل الإسلامي في القدس والضفة الغربية وقطاع غزة، منها مذكرات الشيخ أحمد ياسين (شاهد على العصر، 2004)، وعدنان مسودة (2013)، ومحمد أبو طير (2017). أمَّا إخوان فلسطين ممن عاشوا في الخارج، فصدر عنهم بعض المذكرات مثل: عبد الله أبو عزة (1992)، وإبراهيم غوشة (2008)، وإسماعيل عبد العزيز الخالدي (2011)، وموسى أبو مرزوق (2019، 2021)، وهنالك لقاءات تذكرية منشورة مثل حوارات خالد مشعل مع غسان شربل (2006)، إضافة إلى بعض الحوارات المتلفزة منها على سبيل المثال: مراجعات فضائية الحوار مع سليمان الحمد في ثلاث حلقات (2010).