حينما يتم تسييس القضاء.. المحكمة العُليا في الكيان تحت المقصلة

وليد الهودلي
06-05-2020



عماد أبو عواد\ مركز القدس لدراسات الشأن الفلسطيني والإسرائيلي

بمكان أن يكون على رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو في مواجهة المحاكم والقضاة، انقلبت الصورة في الكيان ليكون عليها هي مواجهة نتنياهو، المُتسلح بتغيير النهج التفكيري والسلوكي للجمهور الصهيوني خلال العقد الأخير، محولاً إيّاه إلى أداة تُصارع المؤسسات التي قامت عليها الدولة، ومُهدداً باستخدام كافة الوسائل للوصول إلى هذا الهدف.

قُدسية المحكمة العليا في الكيان، ورمزيتها التي اكتسبتها عبر السنين، لم تكن يوماً تحت الخدش إلى هذا الحد، حتى مناحم بيجن أوّل من اعتلى سدّة الحكم من اليمين، حينما اشتكلت مسألة معينة، قال "هناك قضاة في القدس"، في إشارة واضحة إلى احترام هذه المؤسسة.

بنيامين نتنياهو، الذي يُعيد صياغة الفكر اليميني من جديد، محوّلاً إيّاه إلى مجموعة صلبة تحمل ذات التوجه، حيال قضايا متنوعة، في ظل تغييب التفكير لديهم والموازنة الشخصية، فقط القائد هو الذي يُفكر ونحن علينا الطاعة، هو وحده الصادق وغيره يكذب، هو البريء من تُهم الفساد، وتم تلفيق هذه التهم لعجز الآخرين عن هزيمته انتخابياً، إمّا نتنياهو وحكم "إسرائيل" لنفسها، وإمّا الارتهان لحكم الأعداء، غياب نتنياهو يعني عودة اليسار والتفجيرات في تل ابيب، نتنياهو أو الطوفان، نتنياهو انتخبه 2.3 مليون يهودي. هذه عينة من العبارات التي يُرددها أنصار اليمين كالببغاوات.

حتى من رجالات السياسة، لم يعد هناك من يجرؤ حتى للحديث عن منافسة الرجل، جدعون ساعر حينما أراد منافسة نتنياهو انتخابياً داخل الحزب، ورغم أنّ الرجل بمواقفه اليمينية على يمين نتنياهو، انهالت عليه أوساط اليمين، واصفة ايّاه بالخيانة العظمى، وبالاصطفاف إلى جانب أعداء "إسرائيل"، ليدخل الرجل حلبة المنفيين على الساحة السياسية، وكما يُقال بالمثل العامي، "لا حس ولا خبر".

ازدادت التبعية تعقيداً حينما قام يولي ادلشتاين، رئيس الكنيست بعدم الانصياع لقرار المحكمة العليا في سابقة خطيرة، واشارة واضحة أنّ مصلحة نتنياهو أهم من الالتزام بقيم فصل السلطات، لا وبل اعتبر اليمين أنّ ذلك حماية للدمقراطية ومنعاً للمحكمة في التدخل بغير اختصاصها.

كما أنّ الصورة ليست وردية حتى عند المركز، فبني جانتس زعيم أزرق أبيض، والذي شتت شمل حزبه من أجل كرسي الحكم الذي يبدو كالسراب، عملياً باتفاقه مع نتنياهو لم يراعي قوانين ارتكزت عليها المؤسسات، بل وخالف باتفاقه قوانين الأساس، ووافق على تحييد المحكمة العليا، وعملياً شلّ ما يُعرف بفصل السلطات.

هذه الصورة يؤكدها استطلاع للرأي مؤخراً، استطلع آراء الجمهور الصهيوني حول نظرته للمحكمة العليا، 70% من جمهور الليكود اليميني يرى بأنّ المحكمة العليا تتحرك ضمن أجندات سياسية، في ظل مُعطيات استطلاعية في صحيفة "إسرائيل اليوم"[1] أنّ 46% من الجمهور لا يثقون بالمحكمة، وفقط 40% منهم يثقون بها، و14% ما بين بين، بمعنى أنّ الغالبية تميل إلى قطع رقبة المؤسسة التي مثلت بيضة القبان طوال سني الحكم في الكيان.

ومن يرى التخبط القضائي الكبير في الكيان، بحق رئيس وزراء متهم، يحظى بدعم جماهيري بشكل غير مسبوق، ورافضاً الاستقالة في سابقة تاريخية، يُدرك أنّ القضاء يتجه نحو المزيد من الانحسار والدفاع عن الذات، فهو الآن محل اتهام بدل أن يكون المنصة العليا التي تحسم الخلافات، وعلى المحكمة العليا مواجهة مصيرها، الذي بدأ بأن فقدت ثقة الجمهور الذي بناه نتنياهو، وربما ينتهي بتشريعات برلمانية تجعل من وجودها صورياً.













 

[1]  https://www.israelhayom.co.il/article/758029?fbclid=IwAR2mu0OX2_mHzQrpvB0QUX0X1lmZzYsAHL5aQh1LsZqaPTlR6dhEr0iEUVc