خداع الهدوء في الضفة الغربية

عماد أبو عواد
18-03-2019
عماد أبو عوّاد\ مركز القدس لدراسات الشأن الإسرائيلي والفلسطيني




لو كانت العملية قرب ارئيل، والتي اعتبرها الإعلام العبري فاجعة ومركبة، مجرد عملية عابرة، لكانت بالنسبة للاحتلال أمر يسير في الموازين الأمنية، التي تقيس وفقها المنظومة الأمنية الإسرائيلية، إلّا أنّ العملية جاءت كاستمرار لنهج مستمر في الضفة الغربية، وانقلب ليكون روتيناً مؤثراً في الحياة اليومية للمستوطن الإسرائيلي في الضفة.




حيث لم تنتهي مفاخرات حكومة الاحتلال بالوصول إلى منفذي عمليتي عوفرا، حتى استفاق الاحتلال على عملية من نفس العيار الثقيل، والذي يمتاز بعدم قدرة الاحتلال على تتبعه، فلا سلاح بيد المنفذ، بل سيطر على سلاح جندي يؤدي وظيفة، واستخدمه للوصول إلى مراده.




هنا يكمن الغضب الراسخ في الضفة الغربية، فالجيل الذي ينشأ في الضفة عاف الواقع، فلا السلام حقق له شيء، سوى المزيد من الاستيطان، ولا ظروفه الاقتصادية في تحسن، ولا هو في أمن وأمان، إلى جانب أنّ ارضه محتلة، فلم يعد يرى سوى بالمزيد من المقاومة، كوسيلة وحيدة لمواجهة هذه التحديات.




ولعلّ ما يميز الجيل الناشئ في الضفة الغربية مجموعة من النقاط التي يرى فيها الاحتلال خطراً شديداً، متصاعداً ليس من السهول مواجهته:




أولاً: غالبيتهم ممن ليسوا في دائرة الحسابات الأمنية، حيث ليس لهم سابق عهد مقاوم.

ثانياً: نسبتهم الغالبة من الجيل الشاب الصغير، الذي قد لا تكون تظهر عليه علامات الانتماء الفكري، أو الحزبي.

ثالثاً: جيل لديه قدرة على أخذ زمام المبادرة، وعدم انتظار مظلة تنظيمية، أو جهة للتبني والتوجيه في الغالب.

رابعاً: حالة الاشتباك الجغرافي في الضفة الغربية، جعلت من السهولة بمكان تنفيذ مثل هذا النوع من العمليات.

خامساً: إمكانية تنفيذ العمليات بأدوات بسيطة ومن ثم التدحرج فيها، في ظل الانتشار الكبير للمستوطنين على الشوارع.

سادساً: جزء من العمليات آنية التفكير وبنات لحظتها، بمعنى أنّ التخطيط قبل العملية قد يكون استغرق ساعات معدودة وليس اياماً.

سابعاً: حالة المقاومة باتت ملهمة لهذا الجيل الشاب، والذي إن بدت عليه علامات البعد عن هموم الوطن، لكنّها متجذرة فيه، ويتحلى بشجاعة كبيرة.




من هنا فإنّ اعتقاد "إسرائيل" أنّها في مأمن في الضفة الغربية، وأنّها أمام حالة عابرة من العمليات ستنتهي، هو اعتقاد واهم، حيث شهدت السنوات الأخيرة، سلسلة من العمليات المتواصلة، والتي تُسجل بمعدل عملية مؤثرة شهريا على الأقل، هذا في ظل أنّ حالة الاحتقان في ازدياد مستمر.




وأمام هذه المعادلة، فإنّ "إسرائيل" من الناحية الثانية، إلى جانب أنّها لا تمتلك استراتيجية واضحة للتعامل في الضفة الغربية، فإنّها كذلك باتت مرتكزة على رؤية غير واضحة المعالم، تتجه نحو المزيد من الاستيطان والسيطرة، تحركها وتوجهها في هذا الاتجاه، قطاعات المستوطنين، والتي باتت هي الأخرى تُشكل عبئاً من منظور البعض الإسرائيلي، حتى اقتربت "إسرائيل" من فجوة جديدة، مستوطن وغير مستوطن، إلى جانب الفجوات الأخرى، ديني-علماني، يسار-يمين وغيرهما الكثير.




"إسرائيل" تُدرك أنّ سياساتها في الضفة ستوّلد المزيد من المقاومة الفلسطينية، وإن كان اليمين قد اعتمد على الاستيطان كبيضة قبان في حكوماته الأخيرة، فإنّ حالات الهدوء ما بين العمليات ما هي إلّا حالات هدوء خدّاعة، سرعان ما تُثبت رؤية الشاباك الذي يؤكد بشكل مستمر أنّ الضفة الغربية على قنبلة موقوتة قد تنفجر في أي لحظة.




والأكثر رسوخاً وما لا تُريد عقلية اليمين الإسرائيلي استيعابه، هو أنّ الضفة الغربية، وهي الساحة الأهم اسرائيلياً والأكثر خطورة من الجانب الآخر على الأمن الإسرائيلي، بالتأكيد لن تكون إلّا ساحة أخرى أكثر تطوراً في الصراع مع الاحتلال الأمر الذي سيجعل الوجود الاستيطاني فيها، فرصة مهمّة للمقاوم الفلسطيني لضرب المشروع الصهيوني، ومن الجانب الآخر عبئاً ثقيلاً على الاحتلال من حيث تكبده للخسائر، ونقش مسمار مهم في نعش الاحتلال.




وإن كانت “إسرائيل” تنجح في وأد الكثير من العمليات في مهدها، وتتبع الخلايا المُنفذة والوصول إليها، فإن ذلك لم يفي غرض القضاء على فكرة المقاومة، التي باتت تخرج للاحتلال من حيث لا يحتسب، وبالتالي فإنّ استمرار الحالة الراهنة وتطورها هو الأمر الطبيعي الذي يتوقعه الشاباك والجيش الإسرائيلي، لكنّ السياسي لا يُريد تصديقه، أو تحمل تبعاته سوى بمزيد من التطرف والتضييق على الفلسطيني، الأمر الذي سيكلّف الاحتلال كثيراً.




ختاماً، اعتاد اليمين الإسرائيلي على دفع الثمن بعد تكبد خسائر كبيرة، وما انفصال شارون عن غزة ببعيد، لقد تغولت “إسرائيل” كثيراً، فساهمت من حيث لا تشعر، بجعل المقاومة الخيار الأول فلسطينياً، كما هو في غزة هو في الضفة، الفرق أنّ الصوت في غزة عالياً وظروفه أكثر سماحا بتبني الخيار علناً، وإن اختلف الحال في الضفة، فإنّها الساحة التي تؤلم “إسرائيل” بأقل الإمكانات، وإن كانت الأوضاع لم تصل إلى انتفاضة عارمة، فإنها في نفس الوقت لم تصل للهدوء المطلوب اسرائيلياً، الأمر الذي يعني أننا أمام حالة انتفاضة وللانتفاضة، وهو بحد ذاته كافٍ لضرب المشروع الصهيوني الاستيطاني في الضفة.