خطيئة الانسحاب من الضفة الغربية
عماد أبو عواد
11-05-2019
قراءة عماد أبو عوّاد\ مركز القدس لدراسات الشأن الإسرائيلي والفلسطيني
قدم الباحث البارز في مركز بيجن-سادات للدراسات، جرشون هكوهين، والذي يحمل رتبة لواء في الاحتياط في الجيش الإسرائيلي، دراسة مطولة تحت عنوان "الانسحاب من الضفة الغربية يُعتبر خطر وجودي".
حيث أشار هكوهين، إلى أنّ سحب قوات الجيش الإسرائيلي من الضفة الغربية، وتحديدا من المنطقة C التي تشكل 60% من مساحة الضفة الغربية، يضع أمام دولة إسرائيل احتمال تهديد وجودي، واعتبر أن عدم تواجد عسكري إسرائيلي في مناطق الضفة الغربية، وخاصة في الأغوار، سيسمح بنشوء كيان وفق النموذج الغزي الذي سيهدد السهل الساحلي، ومخاطر انسحاب كهذا يزج إسرائيل في حدود لا يمكن الدفاع عنها، وستزيد المخاطر على الدولة العبرية خاصة في ظل التغييرات التي رافقت طبيعة الحرب خلال السنوات الأخيرة، والتي لم تعد على شاكلة جيش دولة مقابل دولة أخرى، إنّما أشبه بحرب عصابات واستنزاف.
وأضاف هكوهين أن وجود قوّات دولية في الضفة الغربية، لن يمنع من وجود تنظيمات ستعمل ضد "إسرائيل"، كما أنها لن تمنع دخول جيوش معادية إلى أراضيها، واستغلالها كقاعدة لشن هجمات عدائية ضد "إسرائيل"، الأمر الذي سيجعل المنطقة أكثر اشتعالاً، وسيضع "إسرائيل" أمام جبهة أخرى شبيه لتلك في غزة.
ويرى هكوهين أنّ كل الحلول المرحلية المطروحة ستمس بقدرات الجيش الإسرائيلي، وستزيد من ضائقته في الموارد البشرية، حيث بتراجع الكتلة السكانية في الضفة الغربية، ويقصد هنا المستوطنين، ستجد "إسرائيل" نفسها، أمام حالة من نقص في عدد الجنود النظاميين، في ظل أنّ الجيش النظامي موجود حالياً وفق الحاجة للوجود في الضفة الغربية إلى جانب المناطق الأخرى، فتراجع المساحة، يعني تراجع عدد الجيش النظامي والاعتماد أكبر على الاحتياط والدخول في أزمة جديدة.
كما أنّه ذهب أبعد من ذلك، ورفض فكرة حتى الانسحاب من المستوطنات العشوائية، والتي يصل عدد المستوطنين فيها إلى نحو 80 ألف، حيث تُشكل هذه المستوطنات نقطة انطلاق مهمة لعمل الجيش الإسرائيلي في عُمق الأراضي الفلسطينية، فهي توفر له مساحة وكذلك تُقرّب عليه المسافات، وتجعل من مساحة الأمان لتحرك الجيش أكبر.
ولم ينس هكوهين التنويه إلى أن ما ذكره أعلاه، هو الرؤية التي عبر عنها رئيس الحكومة الإسرائيلية الأسبق، إسحق رابين، الذي وقع على اتفاقية أوسلو، عام 1993، ورفض لاحقا تطبيق هذه الاتفاقية.
ووفق هكوهين فإنّ رابين في خطابه الأخير في الكنيست، قبل اغتياله، قال أنّ حدود دولة إسرائيل لفترة الحل الدائم ستكون وراء الخطوط التي كانت قائمة قبل حرب حزيران عام 1967، وأنّ الحدود الآمنة لحماية أمن دولة إسرائيل ستكون في غور الأردن، وستشمل القدس الكُبرى ومعاليه أدوميم، وهذا يعني أنّ "إسرائيل" منذ توقيعها اتفاق أوسلو، ورسمها لخريطة الضفة الغربية، كانت تعي أنّ تطبيق أوسلو هو وهم، وإنّما خطوة جيدة من أجل القضاء على القضية الفلسطينية، بعد ادخال مقاومتها في متاهة السلطة والمفاوضات.
وهُنا يُفهم أنّ الإطار النظري لاتفاق أوسلو، كان مجرد خديعة بعد عام من توقيع الاتفاق، حيث أنّ الاستيطان بدأ يزدهر، والمستوطنات أخذت في التمدد، وأعداد المستوطنين في ارتفاع مهم، ووفق منظمة السلام الآن، فإنّ مسيرة الاستيطان شهدت في تلك الفترة نمواً، هو ذاته الذي سارت عليه "إسرائيل" إلى الآن، بمعنى أنّ المُخطط لم يختلف ما بين يمين ومركز بخصوص مناطق "ج" في الضفة الغربية، لكن الذي اختلف طبيعة الخطاب.
وأكثر ما يُقلق هكوهين هو العمل الأمني في حال انسحبت "إسرائيل" من مناطق "ج"، في الضفة الغربية، حيث استحر نموذج غزة مراراً أثناء استعراضه المخاطر، معتبراً أنّ الضفة الغربية هي بعد أمني مهم، وهو ذاته هكوهين اعتبرها أيضاً، متنفساً مهمّاً لتقليل الكثافة السكانية الإسرائيلية في الساحل المحتل.
أمام ذلك رأى هكوهين، أنّ الضفة يجب أن يكون فيها حالة جديدة من التعامل والتعايش، داعياً إلى اتباع خطة في الضفة الغربية، يعيش فيها كيانان قوميان إلى جانب بعضهما ومن خلال تعايش مشترك، في جميع منظومات البنية التحتية، مواصلات، ماء، كهرباء، أعمال تجارية، صناعة وما إلى ذلك، على أن تضمن "إسرائيل" حالة أمنية تمنع حدوث أي انفجار في المستقبل، ويبدو هكوهين هنا يتقاطع بشكل كبير مع رؤية اليمين الصهيوني، الذي يرى بالسلام الاقتصادي، الخيار الأفضل للتعامل مع الفلسطينيين في الضفة الغربية.