خلاف اليمين الإسرائيلي على أبواب غزة

عماد أبو عواد
22-11-2018
عماد أبو عوّاد - مدير مركز القدس لدراسات الشأن الإسرائيلي والفلسطيني

اختلفت رؤى اليمين الحاكم حول الطريقة المُثلى المرجوة في التعامل مع القطاع، حيث انقسمت الى تيارين أساسيين، الأول طالب باحتلالها، فيما تيّار آخر طالب بضرورة أن تحفظ "إسرائيل" لنفسها قوّة الردع التي افتقدتها في الجولة الأخيرة ضد القطاع، حيث أجمع طيفٌ أمني وسياسيٌ واسعٌ في الدولة العبرية، أنّ "إسرائيل" فقدت الردع لصالح حماس في الجولة الأخيرة.

التيار الأول والذي لا يرى حلّاً سوى بإعادة احتلال غزة، ينتمي غالبية أعضاءه للصهيونية الدينية، والتي يُمثلها البيت اليهودي، حيث اعتبرت قيادات بارزة في الحزب، وعلى رأسها بتسلال سموتريتس أنّ الحلّ يكمن في إعادة احتلال غزة، والقضاء على المقاومة فيها، وهذا ما ذهب اليه أيضاً المتطرف والليكودي السابق موشيه فيجلين، والذي طالب بأنّ الجيش يجب أن يحسم المعركة ضد غزة وبسرعة.

لا يُمكن الحكم على مدى جدّية هذا التيار في طرحه، فهو يتساوق مع روح اليمينية التي باتت تنتشر في الأوساط اليهودية، هذا إلى جانب ايمانه المُطلق بقوّة جيشه، دون النظر الى التغيرات التي حصلت في العقدين الأخيرين، من حيث وجود مقاومات أحرجت هذا الجيش وانتصرت عليه، إلى جانب تراجع قوّة الجيش الإسرائيلي، هذا إلى جانب تجاهل هذا التيار، حقيقة أنّ وزير الجيش السابق موشيه يعالون وقيادات أمنية أخرى، اعتبرت أنّ إعادة احتلال القطاع ستكون مكلفة جداً، للحد الذي لن يحتمله المجتمع الصهيوني.

على الطرف الآخر، فإنّ التيار الثاني يؤكد على ضرورة أن تحفظ "إسرائيل" لنفسها قوّة الردع التي تراجعت أمام مقاومة غزة، دون الوصول لحالة حرب قد تقود لاحتلال القطاع، ينقسم في رؤيته حول آلية التنفيذ، فمنهم من أسس استراتيجيته على ردع حماس دون الوصول إلى تفاهمات مع الحركة، تحت قاعدة الهدوء يُقابل بتحسين الظروف المعيشية، فيما الشق الآخر فقد ذهب باتجاه أن حفظ قوّة الردع، لا تتناقض مع إمكانية الوصول لتفاهمات سيكون لها عوائد سياسية على "إسرائيل".

وزير الجيش المستقيل ليبرمان، ينتمي للمدرسة الأولى من هذا التيار، حيث كان يُطالب باستمرار بأن يكون التعامل مع غزة، ضمن سياسة تخفيف الحصار مقابل وقف المقاومة لحراكها، سواءً المسيرات على الحدود، أو بناء قدراتها، دون الوصول إلى تفاهمات مكتوبة مع الحركة من خلال وسطاء اقليميين ودوليين، بمعنى أنّ سياسة ليبرمان تأتي ضمن معادلة خذ وهات.

هذا الفريق يعلّل موقفه من منطلق أنّ ترتيبات مكتوبة مع حماس، ستُعطي حماس شرعية محلية ودولية، إلى جانب أنّ ذلك سيقود إلى إقرار الخضوع للمنظمات "الإرهابية" على حد تعبيرهم، وسيعطي انطباعاً داخلياً اسرائيلياً، أنّ حكومة اليمين كانت ضعيفة في تعاملها مع غزة، ومنحتها فرصة الحياة، والقدرة على تطوير قدراتها التي ستنفجر في وجه "إسرائيل"، طال الزمان أم قصر.

فيما على الطرف الآخر فإنّ تيار رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، يدعم خطوات اتفاق التهدئة مع غزة، وبهذا يُمكن أن يُحقق مجموعة من الإنجازات في آنٍ معاً، رغم مخاطر ذلك من الناحية الإسرائيلية، وفق المعارضين اللذين يرون ذلك طوق نجاة لحماس، وفرصة لتعاظم المقاومة، ويُمكن فهم توجه نتنياهو في السياقات التالية:

  1. من الناحية العملية، فإنّ احتلال غزة شعار غير قابل للتطبيق، وإن كان كذلك فإنّ تكلفته ستكون عالية جداً على الاحتلال الإسرائيلي، وحتى وإن تم ذلك، وإن كان مستبعداً، فإنّ "إسرائيل" ستجد نفسها مضطرة لإدارة القطاع، والعودة لمربع المسؤولية مرة أخرى عن قرابة مليونين فلسطيني، وهذا ما لا يريده نتنياهو، الذي يسعى للتخلص من العبء الديموغرافي الفلسطيني.

  2. اتفاق التهدئة مع غزة، سيُساهم عملياً في تجسيد الانقسام الفلسطيني، وسيدعم الرؤية الإسرائيلية في التعامل مع فلسطين ضمن سياسات منفصلة، تضمن هدوءً في الجنوب واستفراداً في الضفة، من حيث الاستيطان والتهويد وربما العمل على ضم الضفة أو أجزاء منها.

  3. هذه الخطوة ستُسهل تجسيد الخطاب الإسرائيلي في المنصات الدولية، حيث ذلك سيحسن من قيمة الخطاب الذي يتنكر لوجود شريك فلسطيني للسلام، ولطالما طرحت "إسرائيل" أنّ إدارة ظهرها لاتفاقيات السلام، ينبع من كون السلطة الفلسطينية لا تُسيطر على كل الأراضي الفلسطينية.

  4. تهدئة جبهة غزة، تعطي فرصة جيدة ل"إسرائيل" للتفرغ لمخاطر الجبهة الشمالية، في ظل الوجود الإيراني في سوريا، وتعاظم قوّة حزب الله.


آلية العمل التي يُفضلها نتنياهو، في ظل التخوّف الكبير من حرب تُهزم فيها "إسرائيل" على أبواب غزة، هي التكتيك الأقرب إلى فكر المؤسسة الأمنية، التي ترى أنّ أفضل طريق لحفظ أمن الجنوب، هو التوصل إلى تفاهمات، تمنح غزة الحياة، وتُعطيها ما تخشى عليه، على قاعدة أنّ أخطر انسان، هو الذي لا يملك شيئاً ليخسره.

ختاماً، لا يمتلك اليمين الإسرائيلي حلولاً سحرية للملف الغزي، وإن كانت التصريحات والصقورية بادية وواضحة، فإنّ الميدان مرعب ومخيف، فلو أدركت "إسرائيل" بأنّها تستطيع احتلال غزة لما توانت، ولو أدركت أنّها ستهزم المقاومة لفضلت ذلك رغم الخسائر الكبيرة، تبقى السياسة المرجحة أن تذهب "إسرائيل" باتجاه ضربة تُحقق فيها جزءً من الهيبة المفقودة، لكن حتى هذه لا يُمكن التبؤ بنتائجها.