خلافة محمود عباس

معتصم سمارة
18-06-2023

خلافة محمود عباس "ابومازن"
                                                                                                                                                 .تقدير موقف

ربما السؤال الأكثر تداولا في الأوساط الفلسطينية اليوم هو، من سيخلف الرئيس عباس في قيادة السلطة الفلسطينية؟
وبما اننا نتناول خلافة الرئيس عباس، فمن المفيد الإشارة إلى أن الأمر الذي يعطي أهمية كبرى لهذه المسألة أن المجلس التشريعي معطل منذ سنوات طويلة، إذ إن شغور منصب الرئيس في الوضع الطبيعي لأي سبب كان يترتب عليه تلقائيًا حلول رئيس المجلس التشريعي محله لمدة ستين يومًا تجرى فيها الانتخابات وفقًا للقانون الأساسي ، لكن المجلس لم يعقد منذ سنوات، الامر الذي أوجد أزمة دستورية وسياسية واجتهادات مختلفة حول كيفية حلها.
وكون الانتخابات الرئاسية والبرلمانية معطلة، ومؤجلة منذ 17 عاما، والرئيس عباس يحكم منذ ذلك الحين، والانتخابات التي دعا لها قبل عامين أرجأها بحجة أن إسرائيل لم تسمح بالتصويت في القدس الشرقية، وحقيقة الأمر أن حركة فتح شعرت أنها الخاسر الأكبر بالانتخابات بسبب تشرذمها، وصراعاتها. فان ذلك كله يجعل من اشغال منصب الرئيس دون انتخابات امرا صعبا.
هناك من يقول انه بالإمكان حل معضلة الخلافة من خلال الاتفاق على إنهاء الانقسام، وعقد جلسة للمجلس التشريعي، يتم فيها الاتفاق على هيئة رئاسة جديدة للمجلس. ولكن مثل هذا الاتفاق يبدو مستبعد جدًا إن لم يكن مستحيلًا، في ظل تمترس الرئيس أبو مازن حول اخراج حماس من المشهد السياسي للسلطة.

من هي الأطراف الفاعلة في الامر؟

حماس واعضاءها في المجلس التشريعي والأعضاء المحسوبون على محمد دحلان، اضافة الى عدد من فصائل المقاومة والشخصيات المستقلة، الذين لهم رأي يصر على ضرورة تفعيل القانون الأساسي في حالة حدوث شغور بمنصب الرئيس، لأنهم لا يعترفون بأن المجلس التشريعي منحل، بل يتم تغييبه عمدا، ويدعون للتصرف تمامًا كما حدث بعد اغتيال الرئيس ياسر عرفات حين ترأس روحي فتوح السلطة إلى حين إجراء الانتخابات الرئاسية.
داخليًا يهم حركة حماس أن تشارك في تقرير هوية الرئيس المقبل، بل تعتبر ان من حقها ذلك كونها تحظى بأغلبية مقاعد المجلس التشريعي، إضافة الى فوز قوائمها المتواصل في الغالبية العظمى من انتخابات البلديات ومجالس طلبة الجامعات منذ عدة سنوات، ولا سيما أن القضية الفلسطينية تمر بمرحلة حرجة في ظل هرولة بعض الأنظمة العربية الى مسار التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي بعيدا عن حساب المصلحة الفلسطينية، وفي ظل دعم دولي للاحتلال الذي يسعى إلى تمرير الحل الإسرائيلي بالقوة.


الداخل الفلسطيني مهم، ولكن السلطة الفلسطينية حاصل مسار سياسي دولي واقليمي، وفي هذه المعادلة تقف إسرائيل، التي تسعى أن يكون رئيس السلطة  غير معاديا لها، وهذا ما تتبناه أميركا وأوروبا ، وهما في الاغلب ستدعمان من تمنحه إسرائيل الأفضلية، مع هوامش قليلة تراعي رؤية محور التطبيع العربي،  والتوازنات الداخلية خاصة المعادلات داخل حركة فتح.
كما ان إسرائيل، التي تلعب دورًا رئيسيًا في تعزيز فرص بعض المرشحين، كونها تملك أوراق عديدة تستطيع التأثير من خلالها. كما في حالة القيادي مروان البرغوثي عضو مركزية فتح المعتقل في السجون الإسرائيلية، الذي يحظى بأكبر شعبية بين المتنافسين، والذي يمكن أن يحول اعتقاله دون قدرته على المنافسة.


التدخل في المشهد الداخلي الفلسطيني ليس حكرا على إسرائيل، فمصر والأردن تجريان اتصالات أمنية، وسياسية، وتفاضل بين الأسماء المتداولة، وفي اللقاءات التي تحدث بشكل متزايد مؤخرا حول خلافة عباس، لا يمكن تجاهل مشورة السعودية، والامارات أيضا.
كما أن هناك عددًا من الدول العربية والإقليمية والأطراف الدولية، وخاصة الولايات المتحدة، التي تستطيع التأثير على مسألة رئاسة السلطة، وهي لاشك تريد شخصا  يتمسك ا بالتزامات أوسلو، خصوصًا التنسيق الأمني.


الخلفاء المحتملون
يوجد عدد كبير نسبيًا من قيادات فتح والسلطة يمكن أن يتنافسوا على الخلافة، ما يجعل الأمر، في ظل عدم وجود آلية قانونية متفق عليها، مفتوحًا على احتمالات عدة، بما في ذلك الدخول في الفوضى والصدام المسلح، وما يمكن أن يجرانه من ويلات، فضلًا عن ان خوض صراع على السلطة والرئاسة يمكن أن يؤدي الى انهيار السلطة نهائيا، خصوصًا أن المتنافسين لا يتنافسون في كوكب اخر، فهناك أطراف داخلية وخارجية تؤثر على تحديد هوية

الرئيس المنتظر

المرشحون لوراثة عباس كلهم انتاج فتحاوي خالص، بعضهم يطرح اسمه باعتباره خيارا شعبيا فلسطينيا خالصا، وآخرون يقدمون في التقارير الدبلوماسية، والإعلامية على أنهم الأكثر قبولا إسرائيليا، ودوليا، وعربيا، وأنهم يستطيعون الاستمرار في العملية السياسية.
أكثر الأسماء تداولا هو حسين الشيخ رئيس الهيئة العامة للشؤون المدنية، والذي أصبح أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، ويسود اعتقاد لدى كثيرين أنه يتقدم على منافسيه الذين ربما يحظون بشعبية أكثر في الشارع، وفي اوساط حركة فتح.
 محمود العالول الذي يتقلد موقع نائب رئيس حركة فتح لا يقل أهمية، ويراه أبناء فتح أكثر حضورا داخل الحركة، وأكثر تعبيرا عن مواقفها، وخطها النضالي، ويُنافسه على شرعية حركة فتح جبريل الرجوب امين سر الحركة والشخصية الحاضرة بقوة في الملف الأمني نظرا لتاريخه في قيادة جهاز الامن الوقائي .
لا يغيب عن ساحة التنافس ناصر القدوة الذي شغل موقع ممثل فلسطين في الأمم المتحدة وعضو اللجنة المركزية لفتح، ورغم اقصائه من صفوف الحركة مؤخرا الا ان ذلك لا يقلل من حظوظه في المنافسة.
 القيادي محمد دحلان الذي فصلته حركة فتح، وحوكم، ورغم ذلك  ظل لاعبا رئيسيا في الخارج، وقويا وله تيار يناصره خاصة في قطاع غزة وبعض معاقل فتح في الضفة الغربية. 
الأسير مروان البرغوثي الغائب الحاضر، ولا أحد يستطيع التشكيك بشعبيته الجارفة في الشارع الفلسطيني، وبين قواعد فتح، وفي الانتخابات التي تأجلت كان اسمه الأكثر منافسة للرئيس أبو مازن.


سيناريوهات

 هناك ثلاثة سيناريوهات في التعامل مع خلافة الرئيس أولها، وأفضلها العودة للقواعد، وإجراء انتخابات رئاسية، وبرلمانية، بما يضمن إعادة الشرعية، وتفعيل المؤسسات، في حين أن السيناريو الثاني هو توفر توافق وطني داخلي في صفوف فتح أولًا وبين فتح وحماس ثانيًا، ويمكن اللجوء إلى منظمة التحرير المرجعية  السياسية  للسلطة لملء الفراغ، وتستطيع اختيار رئيس  مؤقت للسلطة من أعضاء اللجنة التنفيذية أو من خارجها إلى حين إجراء الانتخابات الرئاسية.
 وأخر سيناريو، والأسوأ انهيار السلطة بعد رحيل أبو مازن، والدخول في دوامة العنف، والصراع. كل الأفكار التي يتم تداولها وتهدف الى القفز على إرادة الفلسطينيين الهدف منها حفاظ فئة معينة على مصالحها الشخصية وهي لن تجلب أي استقرار او تقدم في مشروع التحرر والاستقلال.
هناك فكرة تجد بعض القبول داخل حركة فتح تقوم على توزيع مناصب الرئيس على عدد من الأشخاص، بحيث يكون هناك رئيس لحركة فتح، وآخر للسلطة، وثالث للمنظمة. وهي صيغة لها فوائد وأضرار. فهي تخفف من حدة المنافسة من خلال مشاركة عدد من الأشخاص في المناصب ما قد يقلل حدة التنافس. ولكنها ستكون فادحة جدًا إذا لم تأتي في سياق تحقيق وحدة وطنية فلسطينية، وإذا لم يكن هناك مؤسسات إجماع وطني قوية على أسس الشراكة والتعددية، وإستراتيجية سياسية ونضالية تجسد القواسم المشتركة، لأن توزيع السلطات على عدد من الأشخاص في ظل حالة الترهل والضعف والتقادم والانقسام التي تعاني منها المؤسسات الفلسطينية؛ سيؤدي إلى مزيد من التشرذم والفرقة.


 في نهاية المطاف يتوقع ان تقرر اللجنة المركزية لحركة فتح، وتحسم الأمر، وقد يتفقوا على خليفة عباس، والأغلب أن لا يتفقوا، وإن وقع ذلك فإن الحكومة ستُدير السلطة، ومن المحتمل تعيين رئيس المجلس الوطني الفلسطيني رئيسا مؤقتا باعتبار منظمة التحرير المرجعية، وفي ظل تغييب المجلس التشريعي، تستمر المفاوضات بين المتنافسين للوصول لتفاهمات، لكن الأمر المتوقع انهم لن يشهروا السلاح بوجه بعضهم البعض. فهم يدركون جيدا ان السلطة فاقدة لدورها السياسي، وأكثر ما تفعله إدارة مدنية تُسيّر أمور الناس، والخدمات تحت حراب الاحتلال.


الصورة السابقة للمسارات، والتحالفات ليست حاسمة، وقد تخضع لمتغيرات لأسباب داخلية، أو خارجية، وما يمكن قوله إن هناك عوامل مؤثرة تعطي أفضلية للمتزاحمين على خلافة الرئيس، وإن لم يعلنوا، أو يجاهروا برغبتهم بذلك.