دويلة غزة وكانتونات الضفة!

عماد أبو عواد
15-10-2018
عماد أبو عوّاد\ مركز القدس لدراسات الشأن الإسرائيلي والفلسطيني

ليس سرّاً أنّ محاولات دؤوبة تجري الآن من أجل تصفية القضية الفلسطينية، وما تسارع الأحداث في الفترة الأخيرة، إلّا تأكيد على تنفيذ مُخطط، قد يبدو للمشاهد عن بعد بأنّه حديث عهد، إلّا أنّ الواقع على الأرض، يؤكد أنّ مجريات الأحداث وإن كانت تأتي في إطار إدارة الصراع اسرائيلياً، ولكنّها واقعٌ سعت "إسرائيل" للوصول إليه.

وهنا لا بدّ من استحضار السلوك الإسرائيلي، ما بعد التوقيع مباشرة على اتفاق أوسلو، والذي نصّ على أن تكون دولة فلسطينية، في الضفة الغربية وغزة، بمعنى أنّ الاستيطان في الضفة، سيكون بمثابة المنتهي عملياً وفق الاتفاق، لتكون المفاجئة، بالنسبة للجانب الفلسطيني، أنّ التوسع الاستيطاني أخذ وتيرة التزايد والتسارع.

وربما أنّ استثناء المنطقة "ج" في الضفة الغربية من السيادة الفلسطينية، وتركها تحت السيادة الإسرائيلية، رغم أنّها تُشكل 60% من الضفة الغربية، كانت تكفي للإشارة إلى عدم جدّية الطرف الإسرائيلي في تنفيذ الاتفاق، ولربما كانت دليلاً كافياً على أنّ اجتزاء تلك المنطقة تحديداً، والتي تتواصل جغرافياً وتسمح للاحتلال بالتوسع فيها وبسهولة، على أنّ دولة الاستيطان في الضفة، باقية وستتمدد.

بالعودة إلى ما وصلت إليه الأوضاع مؤخراً، وفي ظل الانقسام الفلسطيني، أو لربما وبدونه، كانت السياسة الإسرائيلية، ستقودنا للوصول إلى هذه المحطة، وكان السلوك الفلسطيني، والذي أعطى من خلال مسيرة التفاوض الطويلة شرياناً للاستيطان للتوسع، هو الآخر سبباً لمنح تل أبيب، القدرة على تجسيد الواقع على ماهيّته.

ويُمكن قراءة ما يُحاك للقضية الفلسطينية، من خلال هذا السلوك، بأنّنا بتنا نتجه نحو قضم القضية وتقزيمها، حيث بات فرض الوقائع على الأرض، يقود باتجاه ربّما غير مرغوب لدى الغالبية الفلسطينية، في الضفة الغربية وغزة.

و باتت تلوح في الأفق دويلة فلسطينية في غزة، تتحمل مسؤولية ذاتها، دون أن يكون لها ارتباط بالضفة الغربية، وفق التصور الحالي، فغزة التي حوصرت، ولا زالت تتعرض لضغط مهوول، يُراد لها أن تلملم شعثها بنفسها، وأن تلجأ لخيار المحادثات الأحادية، للتخفيف من حدّة الحصار، ولتحميل المقاومة فيها كافة الأعباء، الأمر الذي سيجعل منها، تتحمل الهمّ العام، وحينها ستكون أكثر ضبطاً لسلاحها، وهي المعادلة الأهم بالنسبة للاحتلال.

هذه الدويلة إن وُجدت، يُراد لها أن تُعاني بتحمّل همّ المقيمين في غزة، وربط كلّ ما يُمنح لها، بمزيد من ضبط النفس، بمعنى إعطاء غزة ما تخشى عليها، لتُصبح أكثر ضبطاً للنفس، وأكثر حرصاً على هدوءٍ لم يستطع الاحتلال تحقيقه في ظل حصار ظالم على القطاع، وهُنا يجب أن نتساءل كفلسطينيين، ألسنا سبباً في ذلك، وألم نكن جزءاً من الانقسام، والحصار المفروض على أكثر من مليون وثمانمائة ألف فلسطيني.

فيما الضفة ستبقى الساحة الأهم، والتي سيتمدد فيها سرطان الاستيطان دون معيقات كبيرة، فمخطط تقسيمها إلى كانتونات تُدير نفسها، بات الراجح لدى الاحتلال، وما تسارع الاستيطان، وفرض القوانين التي تجعل من المستوطنات شبه مدنٍ إسرائيلية، إلّا مؤشرات، تدفع باتجاه حقيقة أن لا دولة فلسطينية في الضفة الغربية، أو بكلمات أخرى، لن تكون الضفة جزءاً من أي تفاهمات مستقبلية، قد تُعطي الفلسطينيين دولة، ولكنّ بعض أجزاء الضفة مرجحٌ لأن يكون ضمن الاتفاق.

ويُمكن لنا أن نستنتج بعضاً من عوائد خطة، دويلة غزة وكانتونات الضفة على الاحتلال الإسرائيلي، والذي بات يرى في الظروف الحالية، على الأقل على المستوى التكتيكي القريب، بأنّها مواتية لتحقيق مكاسبَ كبيرة، تتجلى في:

أولاً: على المستوى السياسي، ستستطيع "إسرائيل" تقوية طرحها بأن لا جسم فلسطيني، يُمكن الحديث معه، في ظل قدرتها على نسج تفاهمات منفصلة في غزة، -وهنا لا تتحمل غزة المسؤولية، وبالتالي فإن بعض الدول التي تضغط على "إسرائيل" في سبيل حلّ الدولتين، ستجد "إسرائيل" أمامها فرصة تبديد الرواية الفلسطينية، وتحميل الفلسطينيين ما وصلت اليه الأوضاع، وإن كانت الضفة الغربية، ومنذ أوسلو لم تشهد توقفاً للاستيطان.

ثانياً: على المستوى الأمني، قد تقود تلك التفاهمات، لنوع من الهدوء في الساحة الجنوبية، مع قطاع غزة، هذا الهدوء والذي ستدفع تل أبيب ثمناً مقابلاً له، يعني قدرتها للتفرغ بشكل أكبر على مواجهة تحديات أمنية أخرى، سواءً في الضفة الغربية أو الجبهة الشمالية.

ثالثاً: على الأرض، سيكون المزيد من الاستيطان وفرض الهوية اليهودية على القدس، هو المشروع الأكثر أهمية لليمين الإسرائيلي، والذي سيبدأ فرض معادلة الضم للمستوطنات، وإبقاء كانتونات الضفة الغربية تحت الحكم الفلسطيني، ولربما التفكير في ضمّها مستقبلاً، إن رأت "إسرائيل" في ذلك، أكثر تحقيقاً للأمن، وأجدى للطرح السياسي.

ختاماً نُقاد كفلسطينيين إلى مربع لسنا نرغبه جميعاً، ولكنّ يدنا لها الدور الأكبر فيه، فقد انقسمنا وحاصرنا بعضنا، وبتنا على مربع انقسام سياسي يُضاف لذلك الجغرافي، وبتنا نقترب من أن يعزف كلاّ منّا ألحانه بشكل منفرد، ولست أدري ما حالنا بعدها.