ذكرى إحراق المسجد القصى ... والنار القادمة

جودت صيصان
21-08-2021

رأي

ذكرى إحراق المسجد القصى ... والنار القادمة

جودت صيصان

تمرُ علينا الذكرى الثانية والخمسون لحريق المسجد الأقصى، الذي أقدم عليه اليهودي الأسترالي الجنسية مايكل روهان في 21/8/1969، حيث يستذكرُ الفلسطينيون ذلك الحدث الذي هبّ فيه أهل القدس من الرجال والنساء وحتى كبار السن إلى المسجد الأقصى، فقد سابقت فيه دموعهم الماء في إطفاء النيران المشتعلة في جنباته.

 فرغم أن رد الفعل العربي والإسلامي لم يرتق لمستوى هذا الحدث أو غيره، واقتصر على المظاهرات والاعتصامات على المستوى الشعبي والشجب والاستنكار على المستوى الرسمي، إلا أن المقدسيون شكلوا دائما خط الدفاع الأول والأقوى للدفاع عن الأقصى والمقدسات.

إن النيران التي أشعلها ذلك المجرم لم تنطفئ حتى يومنا هذا، فالاحتلال ما زال يُشعل نيرانه بمختلف أشكالها، لتحرق كل ما هو عربي أو إسلامي أو مقدس لدى الفلسطينين، فمن الحريق إلى الاقتحامات المتكررة من قبل قطعان المستوطنين إلى باحات المسجد الأقصى وبحراسةٍ كبيرة من قبل جنود الاحتلال، لفرض الأمر الواقع والسماح لهم بأداء طقوسهم التلمودية تمهيدا لتقسيمه، بالإضافة إلى الحفريات أسفل أحياء القدس بشكل عام وأسفل المسجد الأقصى بشكل خاص، وتزايد الدعوات لإقامة الهيكل المزعوم على أنقاضه.

لقد كان وما زال الفلسطينيون من أبناء القدس والمدن الفلسطينية المحتلة عام 1948، يتقدمون الصفوف بصدورهم العارية للرباط في المسجد الأقصى وبواباته وفي أحياء القدس وأزقتها، ويخوضون معارك يومية مع جنود الاحتلال وقطعان مستوطنيه، يقدمون خلالها أنفسهم وأموالهم وأولادهم ليشكلوا درعًا حاميًا للدفاع عن أولى القبلتين وثالث الحرمين، والذين ينظر إليهم الاحتلال كحجر عثرة يقوض ويؤخر عليه إنجاز مخططاته التهويدية.

وما زالت قلوب هؤلاء المرابطين تحترق من إجراءات الاحتلال المشددة بحقهم، والمتمثلة بالضرب والتنكيل بهم وترهيبهم بالاعتقالات، والاستدعاءات، والمحاكمات الصورية، والغرامات المالية الباهظة أو إبعادهم عن المسجد الأقصى لأطول فترة ممكنة، والتي تتراوح ما بين أيام وأسابيع وحتى أشهر وقد تُجدد وتُمدد عقب انتهائها، كلها تُثقل كاهلهم ضمن محاولات الاحتلال لردعهم وتثبيط عزيمتهم وثنيهم عن نصرتهم للأقصى والمقدسات، لتكون صدمة الاحتلال بعودتهم للرباط مرة أخرى وبهمة وعزيمة أقوى فور انتهاء هذه الإجراءات.

يعتقد الكثير من المحللين والمراقبين أن الاحتلال قد فشل حتى الآن في السيطرة على المسجد الأقصى، إلا أنه ما زال يعمل على تسعير نيرانه يومًا بعد يوم لتحقيق ما عجز عن تحقيقه، مما سيزيد لا محالة من مستوى لهيب هذه النار في قلوب أعداد أكبر من الفلسطينين والعرب والمسلمين، الذين يجمعهم تاريخ واحد ومستقبل واحد، وتستفزهم هذه الأفعال الصهيونية المتغطرسة والإجرامية تجاه هذه القضية المصيرية والهامة المتعلقة بعقيدة الأمة وكرامتها، مما يبعثُ على الاعتقاد بأن الأيام القادمة قد تحمل في طياتها من الخير والبشائر التي ستثلج وتشفي صدور قوم مؤمنين، وكما يبدو فإن معركة سيف القدس لم تكن سوى أول الغيث.

المقالات والمواد المنشورة في موقع مركز القدس للدراسات تعبر عن آراء كتابها، ولا تعبر بالضرورة عن موقف المركز.