ردا على سرقة القرن ... يجب إعادة الحصان أمام العربة

عبدالله سلمان الخطيب
03-02-2020
كتب: عبدالله سلمان الخطيب

لم يكن مفاجئا اعلان " سرقة القرن" وما جاء فيها .. فهي واقعا موجودة ، حيث عمل الاحتلال على تغيير الواقع على الأرض بشكل متسارع منذ بداية مشروع التسوية تحديدا ضمن رؤية استراتيجية لدولة الكيان التي لم تكن يوما مستعدة لأي مشروع تسوية سياسية مهما بلغ تنازل الفلسطينيين .. فهذا في صلب مفاهيم ومبادئ الحركة الصهيونية التوسعية العنصرية .

كذلك هي نتيجة كانت متوقعة بعد 26 عام من مشروع التسوية وتحديدا بعد حصر خياراتنا في المفاوضات والعمل الدبلوماسي وما نتج عن هذا المشروع والبيئة التي وجدت بما تحمل من ثقافة وتبدل في القيم والمفاهيم وتمييع لحالة الصراع مع المحتل .. اضف الانقسام وتداعياته الكارثية على صلابة الموقف الفلسطيني والتماسك الشعبي والحالة المعنوية للشعب الفلسطيني ، حيث تراجع بشكل كبير الحس الجمعي وساد الهم الفردي والغرق فيه ، ساهم بذلك طبقة من رأس المال الجشع الذي ارهق الناس وجعلهم لا يفكرون الا بقوت يومهم فوق المعاناة من الاحتلال اليومية وفي كل تفاصيل الحياة .

هذا على المستوى الفلسطيني .. اما على مستوى الإقليم الذي يغرق بالدماء ، حيث استغلت قوى الاستعمار واقعا موضوعيا لتحقيق مشروعها التفتيتي في المنطقة العربية المعلن من الامريكان والصهاينة وبتمويل خليجي وأدوات ظلامية تكفيرية ، لخلق حالة الفوضى الخلاقة وإنتاج شرق أوسط جديد يتكون من كيانات طائفية واثنية هشة غارقة بالدماء ، تكون القوة الرئيسية والسيطرة فيه " لإسرائيل " .
كل هذا كان محفزا وفرصة ذهبية لإعلان صفقة العار والذل ..

ما كان ملفت طريقة الإخراج المسرحي لمخرج محدود الموهبة ، بطلها المهرج ترامب والسحيج نتنياهو .. الإخراج غبي وتافه ، وفقير جدا ، لم يحضره أي احد من زعماء العالم كما جرت العادة بهكذا صفقات او مبادرات ، واكتفى بمجموعة من الكومبارس المجهولين في عالم السياسة من عصابة المهرجين ، وكم ذليل من العرب كشهاد زور مهمتهم التصفيق والابتسام .. حتى ان الكاميرا لم تلتقط وجوه هؤلاء النكرات .
بكل الأحوال الأهم من هذا كله ، هو ما يليه من إجراءات سيقوم بها الاحتلال على الأرض استنادا الى الغطاء الأمريكي الذي اخذه من اعلان ترامب ..

والاهم ماذا سيكون الفعل الفلسطيني ردا على هذه الصفقة ؟؟
اعتقد ان الرد الفلسطيني يجب ان يتسم أولا بالمبادرة بالفعل وليس الانتظار وردة الفعل .. يجب ان يكون بحجم الخطورة للفعل الصهيوني على الأرض .. ولا مجال في هذه اللحظات للمجاملات ، وانصاف المواقف ، والتدليس .
هذا ان كنا صادقين في مواجهة هذه السرقة بشكل جدي ، وهذا السطو والبلطجة الامريكية الصهيونية .. يتجاوز حالة الرفض العلني والتصريحات من اليمين واليسار والوسط ، والتي هي مطلوبة لكن مقرونة بالفعل .

بداية كل الأطراف السياسية الفلسطينية والقوى الأساسية الفاعلة والتي تستحوذ على القرار ، ورؤوس الصراع المحلي ، عليها جميعها ان تعترف بأخطائها الاستراتيجية ورهاناتها الخاطئة التي اوصلتنا الى هنا ، وتحالفاتها التي خرجت أحيانا عن المعيار الوطني لخدمة مشروع اخر لا علاقة له بفلسطين وقضيتها الوطنية ... على من راهن على الامريكان ان يصحو الان من هذا الوهم ، وعلى من صفق لتدمير سوريا وارتمى في أحضان اعدائها ان يبكي .. لا ضير من الاعتراف بالخطأ للخروج من انفاق الوهم التي حرفت البوصلة عن وجهتها الصحيحة .

هذا كله يترجم عمليا بإعادة الحصان امام العربة .. بعد ان كان خلفها لمدة لا بأس بها من الزمن جلبت علينا الكوارث .. حيث اخذت السلطة المحكومة باتفاق أوسلو والذي هو اطارها القانوني وشرعية وجودها القانوني ، اخذت مكان منظمة التحرير كاطار جامع للكل الفلسطيني في الداخل والشتات ، والتي اطارها القانوني الميثاق الوطني الفلسطيني وشرعية وجودها الشعب الفلسطيني .. تهميش منظمة التحرير لصالح السلطة بحد ذاته كان كارثة ادي الى ضعف القوى الوطنية والشعبية ودورها .. وانتج بيئة جديدة غيرت المفاهيم والقيم والثقافة السائدة واداوت القياس .

ولفعل ذلك، بداية تشكيل قيادة وطنية موحدة تضم جميع القوى الوطنية والإسلامية والشعبية ، وتتسلم الملف السياسي وتستعيد الالتحام مع الجماهير وتكتسب احترامها ، وبذلك تستطيع قيادتها بناء على هذه الثقة .. وإبقاء السلطة لتسيير الأمور الإدارية واليومية والحفاظ على الامن الداخلي فقط ..وبهذا يحقق الرئيس أبو مازن ما قاله " تغيير الدور الوظيفي للسلطة " .
هذه يتطلب تغيير مفردات الخطاب السياسي الفلسطيني وسقفه .. والخروج من دائرة أوسلو وأدبياتها وتصريحاتها المكررة والمملة والمستفزة ، والسقف الهابط لها .

هذا يتطلب تغيير الأدوات والوجوه .. لأنه لا يعقل ان تواجه هذه " الصفقة " وتداعياتها الخطرة بذات الأدوات السابقة والوجوه الباهتة التي فقدت ثقة الناس ، واصبح لا يصدقهم احد حتى لو قالوا اكثر العبارات ثورية .. لا يمكن ان تبقى ذات القطط السمان التي تتجشأ فسادا ، ولا تستطيع الهرولة من كروشها المنتفخة ، فكيف ستنزل تحت الأرض ان استوجب الامر ذلك .. حتى الساذج لا يمكن ان يقتنع بهذا .

اعتقد ان أبو مازن كونه الرئيس ، ولا احد يرغب في حصول أي فراغ في مرحلة خطرة كهذه ، يمتلك القدرة على فعل ذلك ، ولديه فرصة تاريخية لتصويب الوضع وتصويب أي خطأ استراتيجي حدث منذ زمن ، وذلك للمصلحة الوطنية العليا ..الان ... الان ولا وقت للتأجيل .. يستطيع أبو مازن إعادة الحصان امام العربة ، واسقاط #سرقة_القرن ... وانا أقول أبو مازن لأنه الرئيس بمعنى رأس الهرم ..كذلك ينطبق الامر على اطراف الانقسام كلها وباقي القوى والفصائل للخروج من دائرة الحسابات الضيقة ، وخدمة اهداف بعيدة كل البعد عن قضية الوطن لخدمة قضية أخرى ومشروع اخر .

كما آن الأوان لاستبعاد عناوين ترسيخ الانقسام والمستفيدة منه ، الرهان على شعبنا " شعب الجبارين " حاضر دائما ، وهذا الشعب العظيم الذي اختبر في محطات عديدة ، وحمل قضية اكبر منه بكثير نيابة عن الامة العربية بأكملها ، لم يتراجع يوما ولم يستكين ، ولم يبخل في العطاء والتضحية يوما ..وسابق لقيادته في النضال بمئة عام .
اذا تشكلت قيادة وطنية موحدة ، واستطاعت ان تكسب ثقة الجماهير ، والتحمت به .. أي كانت قيادات عضوية ، سيدهشكم شعبنا بعطائه وصموده وتضحياته وابداعه في وسائل النضال ان وثق انه لن يكون من هنالك من يساوم عليها ويقايضها بامتيازات تافهة .. ويبيعها في سوق النخاسة .

في هذه المرحلة الدقيقة علينا ان نعيد صياغة تحالفاتنا ، وأين نتموضع وممن نقترب .. حد ادنى اذا كنا لا نريد ان نحسب على محور ما ، علما ان حالة الفرز بعد اعلان هذه " الصفعة " بات واضحا ولا مكان للمساحات الرمادية فيه بمن هو جزء من او تابع ذليل للمحور الأمريكي الصهيوني او من هو مقاوم وممانع لهذا المحور ... على الأقل لا بد وبشكل واضح تحديد المتآمرين والمشاركين في مشروع تصفية قضيتنا دون دبلوماسية او مجاملة ، وبشكل علني ... لا يقبل تحت أي مسوغ مجاملة المتآمرين مقابل المال ، الذي يدفع فقط ثمنا للسكوت او بناء على طلب المعلم الأمريكي للاحتواء .. ولا يمكن المقايضة على ثوابتنا والمتاجرة بها .. غير مقبول اليوم تحت أي ظرف شكر دولة شاركت بهذه " الصفعة سواء علانية او بالسر ... وجب الاستدارة وبناء علاقة استراتيجية مع محور المقاومة الذي رفض هذه " الصفعة " قولا وفعلا .. وواجه الهيمنة الامريكية الصهيونية تاريخيا .
وكذلك على المستوى الداخلي ، فان حالة المواجهة مع الاحتلال ستفرز الغث من السمين ، والانتهازيين من الثوار ، من تاجر بدماء الناس ومن دفع الدماء من اجل الوطن .

قلت يا اخ أبو مازن " لن انهي حياتي بخيانة " وهذا بديهيا لقائد فلسطيني يقود " شعب الجبارين .. لكن المطلوب ان تترك بصمة يتذكرها الأجيال ويكتبها التاريخ باحرف من عز وكرامة ، وها هي الفرصة مؤاتية فلا تفقدها في تصحيح المسار وتوجيه البوصلة نحو الهدف الصحيح ،بدأتها ب " لا " مدوية في وجه ترامب وزبانيته .. اكملها بلملة البيت الفلسطيني تحت اطار جامع .
اذا تم تشكيل هذه القيادة الجامعة ، ومن ثم وبشكل سريع عقد مؤتمر أوسع يضم الاتحادات الطلابية والعمالية والنقابات ومفكرين واكاديميين وطنيين ومناضلين وشخصيات وطنية مستقلة ، ليشارك الجميع في صياغة استراتيجية المواجهة ، واستنهاض شعبنا وقواه الحية ،لإسقاط مشروع التصفية الجديد المسمى " صفقة القرن " لتكون صفعة القرن على وجه ترامب ونتنياهو واذنابهم من العرب .

تأكدوا ان قضيتنا حجمها كبير جدا .. وتأثيرها كبير جدا في العالم وعدالتها واضحة وضوح الشمس ، فلا يستدخل احد الهزيمة في نفوسكم وعقولكم .. ودوما المقاومة ممكنة في كل الظروف ، وحتما ستسقط #صفقة_القرن .