ركائز اقتصاد الكيان.. إلى أين؟
عماد أبو عواد
18-04-2020
عماد أبو عوّاد\ مركز القدس لدراسات الشأن "الاسرائيلي" والفلسطيني
تُصنف "إسرائيل" على أنّها من الاقتصاديات المهمة والقوية، وتتميز باستقرار اقتصادي وقدرة على المنافسة[1]، حيث أنّها تستطيع في ظل الظروف الأمنية والموضوعية تحقيق قفزات اقتصادية، وقدرة على المنافسة، جعلها تُصنف على أنّها ذات ناتج محلي أعلى من ذلك في دول OECD[2].
انتقلت "إسرائيل" في مراحل متصاعدة نحو اقتصاد قوي، ورغم أنّ للحكومة جزء ليس بالقليل في التدخل الاقتصادي، فإنّ الجانب الخاص متطور وذو ثقل كبير، في ظل تحوّل السوق “الاسرائيلي” إلى سوقٍ جاذبٍ للاستثمارات. مع صادرات وصلت في العام 2019 إلى نحو 114 مليار دولار[3].
تُعتبر الصناعات "الإسرائيلية"، هي الجانب الأهم والأبرز في جعل الاقتصاد “الاسرائيلي” ذو قيمة كبيرة، وقوي وقادر على الصمود والمواجهة، كما أنّ للزراعة كذلك دور جيد في تشغيل الكثيرين ودرّ الأرباح على الدولة، إلى جانب قطاع السياحة وكذلك البناء والانشاءات.
التطور التاريخي للاقتصاد "الإسرائيلي"
اتسم الاقتصاد “الاسرائيلي” طوال نصف قرن بالنمو والتطور والتقدم؛ حيث زاد عدد السكان خمسة أضعاف؛ ففي عام 1948م كان متوسط دخل الفرد اليهودي ضعفي أجر مثيله العربي؛ أما الآن فيبلغ ثمانية أضعاف. وتشرف النسبة على المقاربة مع الأجور في بريطانيا وإيطاليا[4]
انعطافات ومراحل تطور الاقتصاد "الإسرائيلي"[5]
- فترة التقشف والتأسيس 1949-1954
وتميزت هذه الفترة التي كان مهندسها "بن جوريون"، ومن أولوياتها
• استيعاب المهاجرين.
• بناء جيش عصري.
• بناء مؤسسات الدولة التعليمية والصحية.
- فترة النمو السريع. 1954-1972.
تدفق رأس المال الأجنبي من ألمانيا، وزيادة الهجرة والأيدي العاملة، عوامل ساعدت على نمو سريع. وكان معدل نمو الناتج القومي 2%، وأصبح 17%. ومعدل الاستهلاك الشخصي 9%. وأدت إلى انتهاء النمو الزراعي الكبير، ودخول النمو الصناعي.
- فترة الكساد والتضخم 1973-1985.
كان السبب الرئيسي في التضخم هو انتهاء مفعول العوامل الثلاثة المهمة ( المساعدات الخارجية، ومشاريع البنية التحتية، والبيروقراطية العقلانية التي منعت التشوهات الجزئية في الاقتصاد من التأثير على الانجازات الكلية). وتراجع النمو بمعدلات عالية عن الفترة السابقة، وارتفع التضخم المالي، وارتفعت الأسعار، كنتيجة للتكاليف الباهظة لحرب 1973 م، وارتفاع أسعار النفط، وتسبب ذلك بعجز كبير بالميزانية، وميزان المدفوعات الحكومي التجاري.
- فترة الإصلاح الاقتصادي، 1985-1994.
استمر الكساد منذ منتصف السبعينات حتى الثمانينات، وتفاقم مع حكم الليكود؛ حيث ارتفع العجز بالميزان التجاري، وارتفعت الأسعار وحتى كاد ينهار الاقتصاد، ثم ساعدت أمريكا بإنقاذ الاقتصاد "الإسرائيلي"؛ حيث منحت “اسرائيل” مليار ونصف المليار دولار.
ثم تشكلت حكومة وحدة وطنية (من العمل والليكود، في 1\7\85)، وتبنت برنامج الإصلاح الذي شمل على ثلاث نقاط، وهي:
• خفض الإنفاق الحكومي.
• قبول الهستدروت خفض أجور العمال الحقيقية.
• قبول الشركات الرأسمالية خفض الأرباح، حيث تم فرض ضرائب على الذين يعملون لحسابهم، وكذلك خفض ميزانية الجيش من خلال سحب جزء منه من جنوب لبنان.
حقق هذا البرنامج نجاحًا كبيرًا؛ حيث بلغ معدل ارتفاع الأسعار السنوي 195%، وانخفض إلى 18% في عامي 86 -90، وتراجع العجز بميزان الحكومة إلى 2%، ولكن مع سياسة الحكومة النقدية والانتفاضة؛ توقف الانتعاش وأربك الاقتصاد مرة ثانية.
- فترة نمو التسعينات: العملية السلمية والهجرة والعولمة
بعد سنوات من خطة الإصلاح تم حل مشكلة التضخم ثم الخصخصة وتقليص حجم القطاع العام والانفتاح على السوق العالمي عن طريق خفض القيود على حرية البضائع من "إسرائيل". وتميزت فترة التسعينات بعاملين هامين:
أ- موجة الهجرة الروسية إلى "إسرائيل": ما يزيد عن مليون مهاجر. أدى إلى تراكم مادي ومالي بفائدة منخفضة جدًا، مكن “اسرائيل” من استيعاب المهاجرين . كذلك اختلاف الهجرة نوعاً وكما حيث كانوا من ذوي الثقافة والمستوى العلمي المتقدم؛ ما رفع حجم الرأسمال البشري.
ب- العملية السلمية: من مدريد إلى أسلو إلى اتفاقية وادي عربة مع الأردن. شكلت هذه المحطات السلمية فرصة تاريخية ل”اسرائيل” مكنتها من الدخول إلى الأسواق العالمية، خاصة التي كانت تقاطع “اسرائيل” اقتصاديًا؛ فقد رفعت المقاطعة الاقتصادية عن "إسرائيل" ، وساعدت العلاقات الدبلوماسية الحسنة وأجواء الاستقرار، التي نشأت مع هذه الأجواء على زيادة مستوى التصدير والاستثمار “الاسرائيلي” بالخارج والاستثمار الأجنبي في "إسرائيل".
ركائز الاقتصاد "الإسرائيلي" ومراحل تطوره
منذ أن وطئت أقدام الصهاينة الأراضي الفلسطينية بدأ العمل المُبكر نحو تطوير الاقتصاد الذي سيخدم التجمعات اليهودية وفيما بعد الدولة العبرية، حيث تحول الاقتصاد مع مرور الزمن من اقتصاد اشتراكي، إلى اقتصاد رأسمالي، يعتمد على الصناعة كأساس مهم، إلى جانب قطاعات أخرى كالزراعة والسياحة.
الاقتصاد الصهيوني في الأراضي الفلسطينية قبل الدولة
مع دخول الاحتلال البريطاني إلى فلسطين، بدأ المستوطنون اليهود، في الأراضي الفلسطينية وعلى رأسهم المؤسسات القومية والهستدروت[6]، بجمع منظم للمعطيات الاقتصادية، وبناء منظومة معلومات متنوعة[7] تهدِف إلى الوصول إلى الحاجات الاقتصادية، والإمكانات التي من خلالها يستطيع اليشوف، اختراق الساحة الصناعية، ليكون لهُ دور فعال، وأساس اقتصادي يعتمد عليه، من أجل توطين وجلب اليهود من كل العالم إلى الأراضي الفلسطينية.
تميز اليشوف اليهودي بالزراعة، والتي كانت تُعتبر الركن الأساس في اقتصاده، بجانب الدعم الخارجي الذي كان يَصُب لصالح اليهود عن طريق الوكالة اليهودية، التميز الزراعي هذا، فتح المجال أمام قيام بعض المعامل اليهودية الصغرى، والتي اعتمدت بشكل كبير على تصنيع المواد الغذائية، وقد بدأت في العام 1906 إقامة مصانع استخراج "الجفت"[8]، وكان يتم استخدام "الجفت[9]" كوقود للمحرك الحراري.
ومع توالي الهجرات اليهودية الاستيطانية إلى الأراضي الفلسطينية، بدأ قطاع الصناعة اليهودية بالتطور شيئا فشيئاً، حيث كان للقادمين من اوروبا وتحديداً الألمان في سنوات الثلاثينيات من القرن الماضي أثراً واضحاً في ذلك، حيث كان لهم الدور الأبرز في انشاء 60% من المعامل في تلك الفترة[10]، كما وصل عدد المعامل اليهودية في الأراضي الفلسطينية، عام 1943 إلى 2120 معملاً، عَمِل فيها ما يزيد عن 45 الف عامل[11]، وقد تنوعت الصناعات في تلك الفترة، ما بين الغذائية، والخشبية، والاكسسواراتية، والكيميائية والدوائية وغيرها.
إلا أن الحرب العالمية الثانية، وبالتحديد مع اقترابها من النهاية، بدأت تُدخل الصناعة اليهودية في أزمة حادّة، حيث بعد أن وصلت الصادرات اليهودية إلى الخارج نحو 11 مليون ليرة "اسرائيلية" في العام 1945، نزلت في العام 1946 إلى نحو 9 مليون ليرة "اسرائيلية"[12]، مسجلةً تراجع ملحوظ[13].
ونبع هذا التراجع من انتهاء الحرب، وتراجع حاجة الجيش البريطاني للصناعات اليهودية وتحديداً الغذائية منها، وكذلك المقاطعة العربية التي انتهجتها الدول والاراضي الفلسطينية، ومع اقتراب الإعلان عن قيام الدولة العبرية، دخلت الصناعة العبرية في أزمة جديدة[14]، ولم تفلح محاولاتها في طرق أبواب دول الشرق الأوسط.
الاقتصاد “الاسرائيلي” ما بعد تأسيس الدولة.
مع الإعلان عن تأسيس الدولة العبرية، والتي عانت في بداياتها اقتصادياً، الأمر الذي استدعى حكومتها إلى فرض التقشف[15]، حيث اعتمد اقتصادها في البداية على أمرين، الزراعة والصناعة التقليدية[16]، في ظل وجود حالة ركود كبيرة، صعبت على الدولة الناشئة اقتصادياً.
في العام 1955 انتهجت "إسرائيل" ، سياسية صناعية جديدة، حيث تم استغلال جزء كبير من أموال التعويضات الألمانية المقدمة ل "إسرائيل"، في دعم الصناعة، علاوة على تخصيص 20% من الميزانية المخصصة للتطوير لقطاع الصناعة، وكانت النتائج جيدة، حيث ارتفع عدد العاملين في الصناعة 50% ما بين السنوات 1956-1961[17]، إلا أن التطور السريع واجه العديد من المشاكل والتي على رأسها فشل العديد من القطاعات الصناعية، ساهم في انهيارها بشكل متسارع وعلى رأسها صناعات النسيج، والسيارات وقطعها[18]، حيث ساهم نقص التمويل وكذلك نقص الأيدي العاملة المهنية في تدهور جزء من القطاعات.
مع منتصف ستينيات القرن الماضي، وتحديداً الأعوام 1966، وإلى ما قبل حرب حزيران 1967، بدأت الصناعة “الاسرائيلية” تدخل مرحلة ركود مقلقة، حيث شهد السوق “الاسرائيلي” تراجع في كافة القطاعات، ومنها القطاع الصناعي، وأصبحت الواردات "الإسرائيلية"، أعلى من الصادرات بنسبة 14%[19]، ومع اندلاع حرب حزيران عام 1967، دخلت الصناعة “الاسرائيلية” مراحل جديدة من الانفتاح والتطور، محققة تقدم كبير في الجودة وزيادة في التصدير.
القفزة الاقتصادية ما بعد 1967، ومكونات الاقتصاد "الإسرائيلي"
تُعتبر حرب حزيران 1967، أحد أهم القفزات التي ساهمت ببناء فكرة الاقتصاد المتطور لدى الدولة العبرية، والذي مثل انتقالاً نحو الاقتصاد الصناعي المتطور، والذي بات يُشكل عصب الأساس في الاقتصاد "الإسرائيلي".
- الصناعة "الإسرائيلية".
يعتبر عام 1967، وتحديداً بعد نهاية حرب حزيران من العام 1967، نقطة تحول مهمة في تاريخ الصناعة "الإسرائيلية"، حيث اتجهت "إسرائيل" وبقوّة نحو تطوير صناعاتها العسكرية، نتيجة الخوف من تغير الموازنات والتحالفات ما بعد الحرب، وأيضاً بسبب حظر بيع الأسلحة التي انتهجته فرنسا ضد "إسرائيل" خلال الحرب[20]، وقد حققت تلك الصناعات نجاحات جيدة، أمر ساهم في انتشارها العالمي، حيث ارتفعت قيمة الصادرات العسكرية، من عشرات الملايين، إلى حوالي ثلاثة مليارات دولار، مشكّلة 17% من الصادرات الصناعية[21]، لتصبح ركناً أساس في الصناعة "الإسرائيلية".
إلى جانب الصناعات العسكرية التقليدية، بدأت في "إسرائيل" كذلك مرحلة جديدة من الصناعات التكنولوجية المتنوعة، وذلك بفضل البحث العلمي في مختبرات الصناعات العسكرية، والتي أخذت حيّزاً هاماً في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، لتصل إلى ذروتها في منتصف التسعينيات، حيث بادرت شركات كبرى، كمايكروسوفت، ويو اس روبوتكس، وسيمنس وافلاييد، للاستثمار في "إسرائيل"[22]، ومع بداية عملية السلام أصبحت صناعات الهاي تك ( التكنولوجيا المتقدمة ) "الإسرائيلية"، المحرك الأساسي لعجلة الاقتصاد “الاسرائيلي” منذ ذلك الوقت.
كما استطاعت "إسرائيل"، أن تجد نفسها في تطوير صناعة التكنولوجيا الحيوية، وأصبحت ضمن صناعاتها المتطورة المُصَدرة بكثرة نحو العالم الخارجي، وأحد أعمدة صناعتها الأساسية، والذي يشغل 6500 عامل، علاوة على دره دخلا يُقدر بثمانمائة مليون دولار، إلا أن هذا القطاع لم يستطع أن يجاري في تطوره قطاع صناعات الهاي تك، وتحديداً الحاسوب والاتصالات[23]، وتأمل "إسرائيل" أن تحقق تقدماً كبيراً في المستقبل القريب، في ظل امتلاكها قطاعاً واسعاً من أصحاب الشهادات العليا، وتحديداً في الكيمياء والأحياء.
كما استطاعت "إسرائيل" أن تحقق نجاحات جيدة في قطاع الصناعة الغذائية، وذلك بفضل عملها الدؤوب على تطوير زراعتها، لتصبح بشكل عام من الدول الصناعية الجيدة، بالمقارنة مع مساحتها وعدد سكانها، حيث استطاعت منذ اعلان الدولة العبرية على الأراضي الفلسطينية، أن تضاعف من عدد مصانعها وعامليها في مجال الصناعة، والأهم من ذلك الدخل الكبير الذي باتت تدره تلك الصناعة لخزينة الدولة، كما هو موضح أدناه:
جدول رقم (1)، مقارنة تُظهر تطور قطاع الصناعة في "إسرائيل"[24].
عام 1948 | عام 2019 | |
عدد المصانع والمعامل | 2300 | 12900 |
عدد العاملين | 65 الف | 450 الف |
الصادرات نحو الخارج | 5 مليون دولار | 55 مليار دولار |
لا يمكن التقليل من الانجازات الكبيرة في قطاع الصناعة العبرية، وسرعة تطورها وحلولها بديلاً لحقيقة أنها ليست دولة ذات موارد نفطية، ويمكن تلخيص عوامل النجاح بالآتي:
أولا: جاء ذلك على حساب العديد من المبادئ التي تجاهلتها الحكومات “الاسرائيلية” المتعاقبة، فذهاب ديفيد بن غوريون أول رئيس للوزراء في "إسرائيل" إلى مصالحة تاريخية مع المانيا رغم المعارضة الداخلية الكبيرة آنذاك، من أجل كسب تعويضات مالية، لسد النقص الكبير في مواردها، يُظهر أن الدولة العبرية تتجاوز الكثير من المبادئ المرسومة من أجل البقاء والاستمرار، ومن الممكن القول أن التضخيم المتعمد للمحارق النازية بحق اليهود، جاء لأهداف تتعلق بكسب الدعم وبناء الدولة.
ثانياً: لا يُمكن تجاهل التراجع العربي في المساهمة بتلك التطورات الكبيرة، حيث أسهمت الهزيمة الكبيرة والضعف الكبير للجيوش العربية في حرب حزيران عام 1967، في ابراز دور الصناعات العسكرية “الاسرائيلية” ودورها في الحرب، الأمر الذي وضع تلك الصناعات في مقدمة ما يتم تصديره، وبناء عليها استطاعت "إسرائيل" أن تطور الصناعات التكنولوجية المتطورة، والتي وُلِدت من رحم الصناعات العسكرية.
ثالثاً: الدور الغربي الحليف للدولة العبرية ومساهمته في تطوير صناعاتها، فاستثمار الشركات الكبرى كمايكروسوفت وغيرها في "إسرائيل"، يوضح حجم الحرص الغربي الكبير على استمرار ها واستمرار قوتها، وتُدرك "إسرائيل" جيداً أن تلك الاستثمارات لها فضل كبير في تقوية صناعاتها وانعكاسها ايجاباً على السوق الاقتصادي بشكل كبير.
رابعاً: استقدام الخبرات من الخارج، فقد دأبت الحكومات المتعاقبة على اقناع العُنصر اليهودي الفعّال، وتحديداً قطاع المهندسين للهجرة إلى الدولة العبرية، وكان لتلك الهجرات وتحديداً من الاتحاد السوفياتي سابقاً دور ايجابي في تطوير صناعات الهايتك، ولوحظ ذلك من خلال ارتفاع نسبة صادراتها مع مطلع التسعينيات وهي ذات الفترة التي شهدت هجرة واسعة لليهود من الاتحاد السوفيتي سابقاً إلى "إسرائيل".
خامساً: مجموعة من المهندسين الكبار، اللذين وضعوا الأسس ودربوا جيل كامل من المهندسين[25]، حيث بدأوا منذ ستينات القرن الماضي العمل من أجل تطوير التكنولوجيا القتالية، لسد النقص في السلاح خاصة بعد حرب حزيران 1967، لتتطور الصناعات وتشمل الجوانب المدنية كما شملت العسكرية، ولتُصبح الصناعات العليا، الرافد الأساس للصناعة "الإسرائيلية"، وذات أثر كبير على اقتصادها.
سادساً: الرغبة بتحقيق حُلم الوطن، حيث عاش غالبية الجيل المؤسس فترة من الشتات في كثير من دول العالم، الأمر الذي ولّد عندهم حاجة الوطن القومي، أمر ساهم بتجسيد الكل طاقاته في سبيل انشاءه وتقويته، فكانت الرغبة والارادة عاملاً مهماً في تجاوز الكثير من المعيقات.
أبرز قطاعات الصناعة "الاسرائيلية"، ومساهمتها في الاقتصاد "الاسرائيلي".
اعتمدت "إسرائيل" على تنويع انتاجاتها الصناعية، والتي شملت العديد من القطاعات كقطاع الصناعات التكنولوجية العليا "الهاي تك" والتي تشكل الصناعات التكنولوجية، والطبية، والعسكرية المتقدمة، وقطاع الصناعات التقليدية، كالغذاء والمشروبات، وبعض أنواع النسيج، وقطاع الصناعات المتوسط المختلط، والذي يُصنف على أنه ما بين القطاعين، "الهايتك"، والتقليدي، علاوة على قطاع صناعة الماس، والذي اصطفت فيه "إسرائيل" إلى جانب الدول المتقدمة في تصنيعه وتصديره. لتعتبر القطاعات الأربع أبرز صناعات الدولة العبرية، والتي نقلتها إلى مربع الدول الصناعية، التي اعتمدت على الصناعة كعمود فقاري في اقتصادها.
جدول رقم ( 2 ) أبرز المنتجات “الاسرائيلية” وقيمة صادراتها[26].
الصنف | قيمة الصادرات في العام 2019 بالمليار دولار |
قطاع الأدوية | 6.8 |
قطع الطيران | 3.1 |
الكترونيات | 6.2 |
المواد الكيميائية | 8 |
آلات وتجهيزات | 5.3 |
مطاط وبلاستك | 1.9 |
تجهيزات كهربائية | 1.2 |
طعام وشراب | 1 |
منسوجات وملابس | 8. |
مجوهرات ومشغولات ذهبية | 6. |
معادن | 6. |
صناعات التكنولوجيا المتقدمة "الهايتك".
تعتبر الصناعات العليا في "إسرائيل" والتي تُعرف باسم "الهايتك"، أبرز القطاعات الصناعية، وقد ازدهرت الصناعات العليا “الاسرائيلية” داخل مختبرات الصناعات العسكرية[27]، وقد بدأت تلك الصناعات تحت رعاية الدولة الناشئة، حيث تأخرت المبادرات الفردية الخاصة في هذا القطاع إلى سنوات الستين[28]، وتعتبر سنوات السبعين من القرن الماضي نقطة التحول المركزية في انطلاق صناعات الهايتك نحو العالمية، وهنا يُمكن ملاحظة الدور الحاجة الماسة، ودور حرب حزيران في اعطاء مكانة كبيرة للصناعات العسكرية، والتي أسست نقطة تحول وانطلاق لما بعدها من الصناعات المتقدمة.
وتُشكل تلك الصناعات ما نسبته 47% من مجموع الصادرات “الاسرائيلية” – باستثناء صادرات الماس - إلى الخارج[29]، وتعتبر "إسرائيل" هذا النوع من الصناعات مصدر الفخر العالمي لها، ويُعتبر قطاع الهايتك أبرز القطاعات المفضلة للعامل "الإسرائيلي"، حيث يبلغ متوسط الرواتب الشهرية للعامل فيه قرابة 6 آلاف دولار، أي بزيادة تصل إلى 22% عن بقية القطاعات الصناعية[30]، في الدولة، لذا تحرص الدولة العبرية على قوّة الصناعات المتقدمة، حيث تراجعها سيُشكل ضربة قوّية للاقتصاد "الإسرائيلي"، فهي تُشكل نصف الصادرات الصناعية إلى الخارج، ما يعني أنها تحوز على ربع الصادرات بشكل عام.
ويُشغل قطاع الهايتك ما يربو عن 269 ألف عامل (10% من سوق العمل) و5900 شركة، موزعين إلى القطاعات التالية:
جدول رقم (3) أبرز شركات الهايتك وعدد العاملين فيها[31].
الشركة | عدد العملين |
الصناعات الجوية المتقدمة | 16200 |
البت معرخت ( تكنولوجيا متقدمة ) | 10000 |
انتل (حاسوب ولوازمه ) | 9000 |
تيبع ( صناعات أدوية ) | 6500 |
رافائيل ( منظومة سلاح متقدم ) | 6000 |
HP | 5000 |
امدوكس ( ادارة علاقات الزبائن ) | 4000 |
راد بنت ( تكنولوجيا الاتصالات ) | 4000 |
تاعس ( الصناعات العسكرية متقدمة ) | 3500 |
نيس ( أيضا تخصص تكنولوجيا اتصالات ) | 3500 |
لذلك دأبت ولا زالت "إسرائيل" على تطوير فروع صناعات الهايتك، لما لها من تأثير واضح على الاقتصاد "الإسرائيلي"، حيث وفق لجنة الإحصاء المركزية في "إسرائيل"، فإن تراجع قطاع الهايتك، سيكون له انعكاسات اقتصادية كبيرة على السوق بشكل عام[32]، خاصة أن هذا القطاع ركيزة أساسية ليس فحسب في دعم الاقتصاد، بل في جلب المستثمرين وتهجير العقول إلى الدولة العبرية، وابقاء نزعة الابتكار لدى الأجيال العبرية المتتالية، لما يُمثل من نموذج عالمي يُحتذى به، ويرفع المكانة “الاسرائيلية” لتُنافس على الساحة الأوروبية التي ترى "إسرائيل" فيها نفسها، كنظام غربي لا شرقي.
الصناعات التقليدية.
إلى جانب الصناعات العليا المتقدمة تتميز "إسرائيل" بوجود صناعات تقليدية فعّالة، حيث تعتبر هذه الصناعات ذات مستوى تكنولوجي متدني، لكن ذات قوَة تشغيلية بمليارات الدولارات، وعدد كبير من المصانع والعاملين، وتمثل الصناعات التقليدية ما نسبته 13.9% من الناتج المحلي[33]، وتشمل الصناعة التقليدية، الصناعات الغذائية، المشروبات، صناعات الجلد والملابس، الصناعات الخشبية والأثاث، وصناعات النسيج المختلفة، وتمثل ما نسبته 6.4% من الصادرات إلى الخارج:
جدول رقم ( 4 )، الصناعة التقليدية في "“اسرائيل” بالمقارنة مع الصناعة ككل في[34].
المُعطى | الرقم | نسبته من مجموع الصناعة بشكل عام |
عدد المصانع التقليدية | 6,794 | 51.8% |
عدد العاملين في الصناعة التقليدية | 114,200 | 31.4% |
متوسط أجر العامل في الصناعة التقليدية | 2200 دولار | 66.3% |
مجموع المبيعات للصناعات التقليدية | 21 مليار دولار | 22.5% |
مجموع الصادرات للصناعات التقليدية | 3.3 مليار دولار | 6.4% |
الصناعات المتوسطة، "ما بين التقليدية والمتقدمة".
ما بين الصناعات المتقدمة "الهايتك" والصناعات التقليدية، فإن قطاع الصناعات المتوسطة، أو المتداخلة ما بين القطاعين، لها ثقل كبير كذلك في الدولة العبرية، ويشمل هذا القطاع، الصناعات الكيميائية، والتجهيزات الآلية، وتجهيزات وسائل النقل، ومنتجات لها علاقة باستخراج النفط والغاز، وكذلك انتاج التجهيزات الطبية[35]، وغيرها من الصناعات، وتُشغل ما نسبته 40% من القوى العاملة في الصناعة:
جدول رقم ( 5 ) الصناعات المتوسطة بالمقارنة مع الصناعة بشكل عام في العام [36]2018.
المُعطى | الرقم | نسبته من مجموع الصناعة بشكل عام |
عدد المصانع المتوسطة | 5600 | 43% |
عدد العاملين في الصناعة المتوسطة | 161,500 | 41% |
متوسط أجر العامل في الصناعة المتوسطة | 3100 دولار | 120% |
مجموع المبيعات في الصناعة المتوسطة | 29 مليار دولار | 52% |
مجموع الصادرات في الصناعة المتوسطة | 16 مليار دولار | 37% |
صناعة الماس في "إسرائيل".
ما قبل قيام الدولة العبرية، وفي فترة "اليشوف"، بدأ المهاجرين اليهود العمل على تطوير صناعة الماس، وهذا ما استمرت عليه الدولة منذ نشأتها، حيث عملت حكومة ديفيد بن جوريون على تطوير قطاع صناعة الماس من خلال مضاعفة المواد الخام المستوردة إلى ثلاثة أضعاف، لتصل في العام 1957 إلى نحو 28.8 مليون دولار[37]، لتستمر الدولة في تطوير قطاع صناعة الماس، ليصل إلى مراحل مقدمة، ولينقلب ليصبح جزء أساس من الصادرات الصناعية "الإسرائيلية"، ولتصبح "إسرائيل" احدى أهم ثلاث دول في صناعة الماس إلى جانب الهند وبلجيكا[38].
ورغم رداءة سمعة الماس "الإسرائيلي"، فقد وصلت حصة صناعة الماس من الصادرات الصناعية إلى نحو 10%، بواقع 5 مليارات دولار سنوياً[39]، مع الاشارة إلى أن الرقم كان يتجاوز الست إلى سبع مليارات دولار سنوياً في السابق، ويُشغل هذا القطاع ما نسبته 8.% من العاملين في الصناعة، بواقع 4 آلاف عامل[40]، بعد أن كان العدد 30 ألف قبل عقد ونصف من الآن[41]، ليصبح تراجع عدد العاملين ونسبة الصادرات أمر مقلق لقطاعٍ صناعي، رافق الدولة منذ نشأتها.
مساهمة قطاع الصناعة في الاقتصاد "الإسرائيلي".
تعتبر الصناعة "الإسرائيلية"، أحد المركبات الهامة في الناتج القومي الإجمالي، ويتم وصفها على أنها سفينة الاقتصاد “الاسرائيلي” [42]حيث كانت تُساهم بما نسبته 15% من الناتج القومي[43]، لترتفع إلى 21% في العام 2019[44] وتعتبر ثاني أكبر مُشغل للعمال في الدولة بعد قطاع الخدمات العامة فيها، كما يوضح الجدول أدناه:
جدول رقم ( 6 )، الصناعة “الاسرائيلية” بالمقارنة مع القطاعات الأخرى[45]:
القطاع | نسبة اليد العاملة |
الزراعة | 1.4% |
الصناعة | 13.8% |
الكهرباء والماء | 8.% |
البناء والأعمال الهندسية | 5.4% |
التجارة | 13.3% |
خدمات الطعام | 4.6% |
البنوك وشركات التأمين | 3.9% |
خدمات تجارية | 14.2% |
التعليم | 12.7% |
الصحة | 10.1% |
إلى جانب ذلك فإن الصناعة “الاسرائيلية” ساهمت بجلب الكثير من المستثمرين، علاوة على كونها مدخل هام لعلاقة الدولة العبرية بالعديد من الدول[46]، والتي استطاعت "إسرائيل" بفضلها فتح آفاق جديدة، ليس اقتصادية فحسب، بل أيضاً سياسية، أمرٌ يدفعها باستمرار للعمل بشكل جاد وفعّال من أجل بقاء صناعتها في أوجها، أملٌ باتت تعتريه الكثير من المخاوف جرّاء التراجع المستمر فيها[47]، خاصة في السنوات الأخيرة.
من خلال قطاعات الصناعة “الاسرائيلية” المختلفة، يمكن ملاحظة أن قطاع الهايتك هو الأهم، حيث يُشكل غالبية الصادرات "الإسرائيلية"، ورغم الأهمية الكبيرة لذلك، إلا أنه يحمل العديد من المخاطر، ليس أقلها الضرر الكبير المحتمل لقطاع الصناعة في حال أي كبوة لهذا القطاع تحديداً، وفي ظل التطور التكنولوجي الكبير لكثير من دول العالم فإن هذا القطاع مرشح للتراجع، وبالتالي تحقيق تراجع ليس بالقليل.
علاوة على ذلك تعيش "إسرائيل" في الآونة الأخيرة غلاءً متزايداً في المعيشة[48]، الأمر الذي سينعكس بدوره على الصناعات بشكل عام، وكون متوسط العامل في قطاع الصناعة المتوسطة والتقليدية متدني بالمقارنة مع الصناعات العليا، فإن لهذا سيكون انعكاسات على تردي الانتاج وتراجعه، الأمر الذي سيسهم بدوره في تراجع قيمة الصادرات بشكل عام.
أما فيما يتعلق بالماس فإن فلسطين التاريخية لا تخبأ الموارد ذات العلاقة به، من هنا انتهجت "إسرائيل" سياسة استيراد المواد الخام والعمل على تصنيعه وتصديره إلى دول العالم، ولعلّ في ذلك اشارة واضحة إلى امكانية قيام أي كيان أو دولة بذلك في حال توافر شرطين أساس، الرغبة بذلك، وفنيين ذي خبرة في هذا المجال.
- الزراعة "الإسرائيلية".
يتميز القطاع الزراعي في “اسرائيل” بنظام إنتاجي مكثف يعود إلى ضرورة التعويض عن شح الموارد الطبيعية، ومنها المياه والأرض الصالحة للزراعة بوجه خاص. وترجع الزيادة المطردة للإنتاج الزراعي إلى التعاون الوثيق بين الباحثين والمزارعين والصناعات المرتبطة بالزراعة، حيث تقوم هذه الأطراف سوية بتطوير وتطبيق أساليب جديدة في جميع الفروع الزراعية، لتكون النتيجة زراعة عصرية في بلد تغطي الصحراء أكثر من نصف مساحته.
تعتبر الزراعة “الاسرائيلية” قصة نجاح تواكب كفاحا طويلا مريرا ضد ظروف قاسية واستغلال الأرض المنزرعة والمياه الشحيحة إلى أقصى الحدود، بما فيها مياه مشاريع التحلية العصرية التي أصبحت الخبرات “الاسرائيلية” فيها ورقة تصديرية رابحة. حين بدأ اليهود في أواخر القرن التاسع عشر، وجّه جهدهم الأول، ولأسباب جلها إيديولوجي، إلى تحويل الأرض القاحلة إلى حقول خصبة[49]. ويكمن سر نجاح “اسرائيل” الزراعي الحالي في التفاعل الوثيق بين المزارعين والباحثين المدعومين حكوميا والذين يتعاونون على تطوير وتطبيق الأساليب المتطورة في جميع الفروع الزراعية، بالإضافة إلى التقدم التكنولوجي وتقنيات الري الحديثة والميكنة الزراعية الابتكارية[50].
ومنذ نشأة “اسرائيل” في العام 1948 توسعت الأراضي المزروعة بنسبة 260% لتبلغ نحو 4.4 مليون دونم (حوالي مليون فدان). أما الأراضي المروية فبلغت مساحتها 8 أضعاف ما كانت عليه لتصبح نحو 0.6 مليون فدان (حوالي 2.4 مليون دونم) حتى أواسط الثمانينات، ولكن أزمة المياه المتفاقمة مضافا إليها التمدين المكثف أدت إلى تراجع هذه المساحة لتقل عن نصف المليون فدان (حوالي مليوني دونم). وخلال نصف القرن الأخير ازداد عدد القرى الزراعية من 400 إلى 750، ولكن نسبة سكانها إلى عدد سكان “اسرائيل” هبطت من 12 إلى أقل من 5% .[51]
ويتم إنتاج معظم الأغذية التي تستهلكها “اسرائيل” محليا ويجري استيراد الباقي، لا سيما الحبوب، البذور الزيتية، اللحوم، القهوة، الكاكاو والسكر، وهي واردات تقل قيمتها عن قيمة الصادرات الزراعية "الإسرائيلية". أما الإنتاج الحيواني فيتكون في معظمه من منتجات الألبان ولحوم الدواجن. ويتم أيضا زراعة تشكيلة متنوعة من الزهور والفواكه والخضراوات محليا، لا سيما في المناطق الدافئة التي توفر للمزارعين ميزة التبكير في الأسواق الأوروبية، حيث تعتبر “اسرائيل” دفيئة لأوروبا خلال فصل الشتاء، تصدر إليها الشمام والبندورة والخيار والفلفل والفراولة والكيوي والمانغو والأفوكادو وتشكيلة واسعة من الحمضيات والورود طويلة السيقان والقرنفل متعدد الأغصان.[52]
تراجع نصيب الناتج الزراعي من الناتج القومي الإجمالي من 11 في المئة إلى 1.5 في المئة بين عامي 1950 و-2006، فيما انخفض نصيب الصادرات الزراعية من مجمل الصادرات من 60 بالمئة إلى أقل من 2%، وذلك رغم الزيادة المطلقة في المعدل السنوي للصادرات من 20 مليون دولار عام 1950 إلى مليار دولار عام 2006[53]، ويمكن إعادة ذلك إلى الانتشار الواسع للأساليب الزراعية الإبداعية وطرق الري العصرية وتقنيات معالجة المياه والزراعة المعدة للتصدير، بين أمور أخرى.
وهذه أبرز المُعطيات عن قطاع الزراعة "الإسرائيلي"، ومساهمته في الاقتصاد "الإسرائيلي"، خلال العقد الأخير، خاصة بعد أن اعتمدت “اسرائيل” بشكل كبير على الصناعة، كركن أساسي في اقتصادها[54]:
- تُساهم الزراعة ب1.6% من الناتج القومي "الإسرائيلي"، المُقدر ب 366 مليار دولار.
- نسبة الزراعة من مجموع الصادرات يصل إلى 2%، من أصل 110 مليار دولار من الصادرات.
- حجم الإنتاج الزراعي في "إسرائيل"، يصل إلى 8.5 مليار دولار.
- البطاطا، الجزر والفلفل، تُشكل ما نسبته 89% من مجموع صادرات الخضروات إلى الخارج.
- الابوكادو، التمر والمانجا، شكلت 84% من صادرات الفواكه إلى الخارج.
- عدد العاملين في القطاع الزراعي، يُقدر بنحو 53 ألف عامل، وهذا العدد آخذ في التراجع في ظل التقنيات المتقدمة التي باتت تحل مكان الإنسان.
- تعتمد “اسرائيل” على وسائل متطورة فيما يتعلق بالري، حيث انتجت تكنولوجيا تحلية المياه، وتستغلها في النطاق الزراعي بشكل كبير.
- تُقدر المساحة الزراعية في “اسرائيل” نحو 2.7 مليون دونم.
- قطاع السياحة.
ينجذب السياح إلى “اسرائيل” بفضل التنوع الجغرافي لفلسطين التاريخية، ومعالمها الأثرية والدينية ومواردها الشمسية التي تكاد تكون لامتناهية ومنشآتها السياحية على البحر المتوسط وبحيرة طبريا والبحر الأحمر والبحر الميت، حيث في العام 2000 زار البلاد أكبر عدد من السياح، حيث بلغ 2.41 مليون سائح (مقابل 33 ألفا عام 1950؛ 118 ألفا عام 1960؛ 441 ألفا في 1970؛ 1.18 مليون في 1980؛ 1.34 مليون في سنة 1990).
وقد تزايد هذا الرقم سنة 2008، حيث فتحت “اسرائيل” خلاله أبوابها لأكثر من ثلاثة ملايين سائح. ولا تزال أرقام الزائرين تتزايد، حيث زار “اسرائيل” خلال النصف الأول من عام 2010 1.6 مليون سائح، أي بزيادة 39 في المئة عن نفس الفترة من العام السابق، وبزيادة 10% عن عام 2008. ويمثل الأمريكيون 21% من مجموع السياح، فيما تبلغ نسبة السياح الروس 15%، والكثير من المتبقين هم من الدول الأوروبية.
السنوات الأخيرة شهدت الارتفاع الأكبر بنسب السياحة، حيث بلغت في العام 2016 أكثر من ثلاثة ملايين سائح، وفي العام 2017 3.9 مليون سائح، وقفزت في العام 2018، 4.6 مليون سائح[55]، ووصلت التوقعات أنّ الرقم قفز عن 5 مليون سائح في العام 2019[56]، وكان الأمل أن يزيد الرقم في العام 2020، لولا أزمة الكورونا العالمية.
وبلغت العائدات السياحية بالعملة الأجنبية 2.8 مليار دولار في 2006، وهو ما يمثل 5% من العائدات المتحققة من مجمل الصادرات و 16.8% من الصادرات الخدمية. وفي النصف الأول من عام 2010، بلغت العائدات السياحية نحو 1.55 مليار دولار.[57]
ورغم كون هذا القطاع يساهم ما نسبته 3% فقط من الناتج المحلي الإجمالي، إلا أن قيمته المضافة بالعملة الأجنبية تبلغ 85 في المئة (ما يجعلها أكبر قيمة مضافة متحققة في قطاعات التصدير الإسرائيلية)، كما أن عدد مَن يشغلهم القطاع يبلغ نحو 80 ألف نسمة. ويشار إلى أن القطاع ما زال يملك طاقات كبيرة غير مستنفدة، حيث يعتبر من أهم عناصر برنامج النمو الاقتصادي "الإسرائيلي"[58] ويبلغ عدد العاملين في السياحة نحو 130 ألف عامل، وعدد الفنادق يتجاوز 431[59].
خلاصة.
لا يزال الاقتصاد “الاسرائيلي” قوّياً، يستطيع الصمود أمام الأزمات والتحديات على المستوى المتوسط والقصير من الزمن، حيث أنّ العامود الفقري للاقتصاد “الاسرائيلي” وهي الصناعة، سجلت خلال السنوات الأخيرة تراجعاً واضحاً في صادراتها، ومبيعاتها المحلية، الأمر الذي كان له تداعيات على الاقتصاد “الاسرائيلي” بشكل عام، ولولا القوّة التي يتمتع بها، والتي دعمته للصمود أمام المتغيرات، لكان حجم آثار التراجع الصناعي أكبر بكثير، لكن ما يمكن قوله، أن تراكم التراجع الصناعي في "إسرائيل"، قد تبدو آثاره أقوى بكثير في المستقبل القريب، الأمر الذي سيترك انعكاسات أقوى على السوق بشكل عام.
حيث تشير استطلاعات الرأي في منتصف العام 2016، التي أجرتها شركة روشنك- للبحث التسويقي والعمق الاستراتيجي، إلى أن 46% من المصانع الصغرى في "إسرائيل" ترى نفسها أمام خطر الاغلاق[60]، وهذا سيساهم في تسريح آلاف العمال، الذي لن يستطيع القطاع العام استيعابهم كما كان الحال سابقاً، خلال السنوات الخمس الأخيرة، والتي تمكنت خلالها الحكومة من توفير فرص عمل وفيرة لشريحة واسعة.
ومن المتوقع أن يكون تراجع الصناعة “الاسرائيلية” أكثراً عُمقاً خلال السنوات المقبلة، حيث مع العام 2020، ستزيد نسبة المصانع التي لها فروع في الخارج لتصبح 46 % من مجمل المصانع، وسيتم اغلاق 95 مصنعاً دون افتتاح أي مصنع جديد[61]، وسيكون لذلك انعكاسات كبيرة على سوق العمل “الاسرائيلي” بشكل عام، حيث سيفقد آلاف العمال وظائفهم، علاوة على تراجع دعم الصناعة للناتج القومي بشكل عام[62]، ويأتي ذلك في ظل المُعطيات المقلقة حول تراجع صناعة الهايتك، حيث في المؤتمر الاقتصادي في العام 2016، أشار آبي حسون، كبير علماء الاقتصاد في وزارة الاقتصاد، أن هناك نقصاً كبيراً في المهندسين في "إسرائيل"، وفي مهنية اليد العاملة بشكل عام[63]، والفجوة في ازدياد متسارع.
تراجع الصناعة "الإسرائيلية"، لم يكن بعيداً عن نقاش لجنة المال في الكنيست خلال العام 2016، وقد أكد رئيس اللجنة موشية جفني، بأن مستقبل الاقتصاد “الاسرائيلي” في خطر كبير في ظل تراجع الصناعة، بعد أن استمع لمعطيات رؤساء اتحاد الصناع و التجارة، واللذين أكدوا بأن قطاع الصناعة لم يعد بقدرته استيعاب يد عاملة جديدة، وسيبدأ بتسريح جزء من اليد العاملة لديه، جفني بدوره، أكد عدم قدرة الميزانية المُقرة لعامين 2017-2018، تخصيص جزء للصناعة "الإسرائيلية"[64]، رغم تأكيده أن الخطر المحدق بالاقتصاد “الاسرائيلي” مصدره تراجع الصناعة.
مقابل تلك المعطيات، كان امام الصناعة “الاسرائيلية” فرصة قوّية لانزال التكاليف التشغيلية، من خلال تقليل أسعار الغاز، بعد الاكتشافات المهولة خلال السنوات الأخيرة، إلا أن الاتفاق الموقع بين الحكومة وشركات الغاز لم يكن فيه ما يضمن نزول أسعاره، علاوة على وجود العديد من المعيقات التي ساهمت في تبخر فرصة انقاذ الغاز للصناعة، في ظل الاتهامات الموجهة للحكومة بتغليب المصالح الفئوية على مستقبل اقتصاد "إسرائيل"، كما جاء على لسان ميكي ليفي ويعقوب بري من حزب يوجد مستقبل، في تعليقهما على الاعفاءات والميزات الموجهة لأحزاب الائتلاف الحكومي، لذلك لم يعد الغاز المنقذ المتوقع لقطاع الصناعة الذي يعاني من التراجع والركود.
وفي ظل الحديث عن مخاوف اقتصادية كبيرة، رغم أنّ الصادرات جيدة، فإنّ ذلك ارتبط بارتفاع نسبة الفقر كذلك في الدولة العبرية وغلاء المعيشة الكبير، حيث وُجد أنّ نصف العائلات في “اسرائيل” تُعاني من الفقر، وأكثر من مليون طفل "إسرائيلي" تحت خط الفقر[65]، ويأتي ذلك في ظل مؤشرات انسحاق الطبقة الوسطى، وارتفاع نسبة الأغنياء بشكل طفيف، وارتفاع نسبة الفقراء، الأمر الذي بات يُحول الاقتصاد “الاسرائيلي” على أنّه اقتصاد قوي لفئة دون الأخرى.
الصناعة “الاسرائيلية” تواجه منذ صعوبات ومآزق ساهمت في تراجعها، وفي تراجع نسب نموها بشكل كبير، في ظل مؤشرات خطيرة عن تراجع قطاعات مهمة منها[66] ومن المعلوم بأنها محرك أساسي لبقية قطاعات السوق "الإسرائيلي"، ومُشغل رئيس لقطاع واسع من اليد العاملة، ومُدر كبير لميزانية الدولة، أمر تدركه الدولة العبرية، وإن كان هناك ما تستطيع الدولة ادراكه، فإنها لغاية الآن لم تتخذ الاجراءات اللازمة من أجل اعادة نموها، وفي الوقت ذاته فإن مُسببات أخرى وقفت عائقاً أمام نمو الصناعة، خارج قدرة الدولة على مواجهتها، الأمر الذي سيكون له تداعيات كبيرة على الاقتصاد “الاسرائيلي” خلال السنوات المقبلة، في ظل أن نسب النمو في الدولة بشكل عام في تراجع كبير منذ سنوات، رغم نسب البطالة المتدنية، التي تُشير مُعطيات مهمّة أنّها غير حقيقية.
[1] مركز التجارة الإسرائيلي. (2017). إسرائيل-احد الاقتصاديات المهمة في العالم. مركو التجارة. https://www.chamber.org.il/newslobby/press/76316/
[2] عيرين سوكول. (19.4.2018). بدون فلاتر، بالمقارنة مع دول او سي دي، أين إسرائيل. بزبورتال. https://www.bizportal.co.il/general/news/article/740739
[3] تسابي تسلر. (كانون ثاني، 2020). الصادرات “الاسرائيلية” تسجل قفزات جديدة. مفزاكيم. https://www.93fm.co.il/radio/583315/
[4] جلعادي دان. (1998). اقتصاد اسرائيل: التطور، الميزات، السياسات. القدس: وزارة التعليم.
[5] وفا. (2019). الاقتصاد الإسرائيلي. وكالة وفا. رام الله.
[6] نقابة العمال في "إسرائيل"
[7] دروري يجال. (كانون ثاني، 1985). بداية تنظم المهنيين في البلاد. كاتدرا، صفحة 174.
[8] زئيف رحباعام، و دورون جينيا. (1985). ( ناحوم ويلبوش: من صناعة تقليدية الى حديثة ). تل ابيب: يد يتسحاك بن تسيبي، متحف بلاد اسرائيل.
[9] بقايا الزيتون بعد استخراج الزيت منه.
[10] يوئاب جلبر. (1990). ( دور الهجرات من مركز اوروبا في بلورة المجتمع والسوق والثقافة ). تل ابيب: يد يتسحاك بن تسيبي، مهعد ليو باك.
[11] نفس المرجع السابق.
[12] اسم كان يُطلق على العملة الإسرائيلية، التي اصبحت فيما بعد تحمل اسم الشيقل، وكانت قيمتها آنذاك تُعادل ثلاثة دولارات.
[13] دود هيروبيتس. (1948). ( تطور الاقتصاد في البلاد ). تل ابيب: جامعة بن جوريون.
[14] المرجع رقم 7.
[15] سياسة إسرائيلية اتبعتها الحكومة منذ العام 1949 إلى 1959، لتقنين المصروفات بهدف التغلب على الحالة الاقتصادية السيئة مع بداية تأسيس الدولة.
[16] دان جلعادي. (1998). اقتصاد “اسرائيل” في سنواتها الأولى. وزارة الثقافة. القدس.
[17] د. دان جلعاد. (1998). اقتصاد اسرائيل: تطورات، ميزات، سياسات. تل ابيب: وزارة التعليم.
[18] اساف بار شاي. (5 أيار, 2014). (تعرفوا على صناعة السيارات الاسرائيلية. تم الاسترداد من همدريخ لتسرخنوت ريخب: http://www.icar.co.il/%D7%97%D7%93%D7%A9%D7%95%D7%AA_%D7%A8%D7%9B%D7%91/%D7%94%D7%9B%D7%99%D7%A8%D7%95:_%D7%AA%D7%A2%D7%A9%D7%99%D7%99%D7%AA_%D7%94%D7%A8%D7%9B%D7%91_%D7%94%D7%99%D7%A9%D7%A8%D7%90%D7%9C%D7%99%D7%AA/
[19] عودد لفيتان. (4 آذار, 1987). انعكاسات حرب الست أيام على السوق الإسرائيلي. سكيرا خودشيت.
[20] هرتسل بودنجر. (أيار, 2004). الصناعة العسكرية في اسرائيل: الماضي، الحاضر والمستقبل . تم الاسترداد من مؤتمر هرتسيليا: http://www.herzliyaconference.org/?CategoryID=226&ArticleID=1647
[21] اساف اجمون. (12 ايلول, 2004). مستقبل وتنظيم الصناعات العسكرية في اسرائيل. تم الاسترداد من معهد فيشر : http://www.fisherinstitute.org.il/?CategoryID=23&ArticleID=121
[22] عوزيا جليل