سر عدم اندلاع حرب في الشمال

عماد أبو عواد
03-09-2019



عماد أبو عوّاد\ مدير مركز القدس لدراسات الشأن الإسرائيلي والفلسطيني

لا يُمكن انكار حقيقة أنّ حزب الله يُشكل خطراً كبيراً على الدولة العبرية، وأنّه في ذات الوقت خاض مواجهات شرسة ضد الكيان، وبأنّ "إسرائيل" تعتبر أنّ ذلك الخطر إن تعاظم من خلال زيادة قوته، سيُعتبر في سياق التهديدات الاستراتيجية، التي تُهدد استمرار وجود الكيان في الأراضي الفلسطينية التاريخية.

الحزب الذي حظي على شعبية جارفة، في الأوساط العربية والإسلامية المختلفة، بتنوع مشاربها الفكرية وتنوعها الطائفي، خسر جزءاً لا يُستهان به منها، بعد تدخله في الحرب على الأراضي السورية، ولعلّ هذه الحقيقة الثانية التي يجب حين استحضارها عدم انكار الحقيقة الأولى أعلاه.

منذ بدء الأحداث في الساحة السورية، سحبت اليها بعد فترة وجيزة تدخلات خارجية، أدت إلى تحويل الشعب السوري رهينة آلة القتل من نظام استبدادي يسعى للبقاء، مدعوماً من قبل إيران وروسيا وحزب الله، وفي الجهة المقابلة تنظيم داعش الإرهابي، الذي صُنع مخابراتياً لأهداف متنوعة، ليكون دم الأبرياء في سوريا في عنق جميع تلك المكونات، رغم حساباتهم المختلفة، الأمر الذي لا تغفره الإنسانية ولن يغفره التاريخ.

"إسرائيل" اللاعب الذي يُحسن الاصطياد في الماء العكر، لم تتوانى للحظة عن بدء خطة مدروسة، تهدف إلى تحقيق أكبر مكاسب في ظل تعقيد المعادلة على الأراضي السورية، فبدأت تستهدف الأرض والبشر، تحت حجة ابعاد الخطر الإيراني من الجنوب، ومنع زيادة تسليح حزب الله، الذي لا زالت "إسرائيل" على قناعة بأنّ سلاحه في نهاية المطاف سيوجه إليها.

تواصل الإستهدافات الإسرائيلية، دون وجود ردود من قبل المستهدفين، فتح شهية الكيان لأبعد من ذلك، فاستطاع مع روسيا الصديقة والولايات المتحدة الحليفة، تثبيت معادلين مهمتين، الأولى سمحت له باستمرار استهداف كل ما يُشكل خطر عليه ومنع الوجود الإيراني في الجنوب، والأهم استثناء الجولان من أي ترتيبات داخلية في سوريا، وإقرار حق "إسرائيل" بالسيطرة عليه، وهذا تجلى باعتراف ترامب مؤخراً.

غالبية الإستهدافات الإسرائيلية، كانت تبقى ضمن سياق سياسة الغموض الإسرائيلية، والتي لم تكن تتبنى أو تنفي، وكانت دائماً ما تضع علامة الاستفهام، أين رد حلف الممانعة؟، ولماذا وصلت السطوة الإسرائيلية في الشمال إلى هذا الحد، والاجابة البديهية كانت التعقيد في الساحة السورية، وكثرة اللاعبين، والأهم كثرة توجهاتهم.

الإعلان الإسرائيلي عن الاستهداف مؤخراً في الضاحية، وضع الأطراف أمام تساؤل كبير، هل نحن أمام تغييرات في المشهد، وهل ستبقى "إسرائيل" تستبيح المنطقة دون ردود، وهل سيقبل تحديداً حزب الله باستمرار العنجهية الإسرائيلية، التي لن تتوقف عند هذا الحد.

في الجانب التحليلي الاعتيادي كانت هناك فرضية بأنّ الحزب لن يُرد، وذلك اعتماداً على قاعدة تعقيد الجبهة الشمالية، حيث أنّ موازنات روسيا وإيران تتطلب الهدوء في المنطقة، كما أنّ الرد قد يجر إلى حرب شاملة، ربما "إسرائيل" لا تُريدها، ولكن الحزب مضطر أكثر لتجنبها، من مُتطلق رغبته عدم تعريض لبنان لدمار واسع، إلى جانب ادراكه عدم قدرته مخالفة التوجه العام لحلفائه الإيرانيين والروس.

خطاب الأمين العام للحزب، إلى جانب وجوب الرد على "إسرائيل"، أكدت أنّ هناك ردّاً قادماً، لكن الرد وطبيعته، كانت يجب أن تتماهى تماماً مع رغبة الأطراف عدم وجود الحرب، الأمر الذي كان يهدف الوصول إلى أمرين، حفظ حالة توازن الردع بين الطرفين، والأهم حفظ مصداقية الحزب أمام قاعدته الجماهيرية.

من هُنا كانت القناعة الراسخة، أنّ الرد سيكون حذراً، منضبطاً ومدروساً للحد الذي يعبر بالمنطقة حقل الألغام. بمعنى أنّ الرد الذي توقعته "إسرائيل" استعدت له من خلال تفريغ حدودها مع لبنان من أي أهداف، الأمر الذي من شأنه أن يجعل رد حزب الله، في إطار المقبول الذي لن يدفع نتنياهو وحكومته للحرب، وهذا ما كان من وجهة نظر "إسرائيل"، على الجانب الآخر فإنّ حزب الله، حقق ما أراد، فقد استهدف موثقاً ذلك آلية عسكرية متحركة، أكدت مصداقية الحزب داخلياً، وثبتت معادلة الردع التي رسخها الطرفان.

الصورة هذه أخرجت كل طرف مُحققاً ما أراد، فمن الجانب الإسرائيلي على الأقل وفق ما أعلن جيشها، كان الرد مجرد إصابة لآلية، ردت "إسرائيل" حتى عليه باستهدافها الجنوب اللبناني، بعد أن كانت لسنوات تستهدف الأراضي السورية وتستبيحها وغيرها، ومن جانب حزب الله فقد رد، وظهر داخلياً بصورة اليد العليا ضد الاحتلال، وهكذا تجنب كلا الطرفين الحرب، بأنّ صورة كلٍّ منهما أمام جمهوره كانت بأنّه من حقق التقدم.