سيناريو الحرب القادمة على غزة

يوسف صلاح الأشقر
27-04-2022
تحميل المادة بصيغة PDF

تقدير موقف

سيناريو الحرب القادمة على غزة

يوسف صلاح الأشقر

المقدمة

بعد ما يقارب العام على الانتهاء من العدوان على غزة، عادت المواجهات في القدس إلى واجهة الأحداث، وهو ما تبعه إطلاق لعدة صواريخ من قطاع غزة تجاه الأراضي المحتلة، وهو ما قوبل بقصف عدة مواقع للمقاومة ردًا على إطلاق الصواريخ، أيضاً يأتي ذلك في ظل العمليات النوعية التي حدثت مؤخرًا في كل من بئر السبع و"تل أبيب" و"بني براك" والخضيرة والتي أدت لمقتل 15 من مواطني دولة الاحتلال والفشل الاستخباراتي في تحديد المنفذين وتوقعهم قبل تنفيذ العمليات العسكرية[1]، وما زاد الأمور تعقيدًا هو اتصاف المنفذين بالالتزام الديني، وهو ما أدى ببعض الأوساط الأمنية في "إسرائيل" لتسميتها بهجمات الإلهام.[2]

في نفس السياق  كانت  فصائل المقاومة الفلسطينية ودولة الاحتلال قد وافقت على وقف إطلاق النار، بتاريخ 21 أيار مايو 2021، بشكل متزامن. يأتي وقف إطلاق النار بعد أحد عشر يوماً من العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، إلا أن هذه المواجهة اتسمت  دون عن غيرها بأنها نوعية، ويرجع ذلك إلى أن فصائل المقاومة هي من أطلقتها تحت مسمى (سيف القدس) ردًا على المسيرات الاستفزازية التي تبناها المستوطنون في مدينة القدس تحت مسمى مسيرة الأعلام.

نقلت هذه المواجهة الصراع إلى مستويات استراتيجية أعلى من سابقتها من خلال إعادة تشكيل النضال الفلسطيني في مواجهة الاحتلال في كافة الأراضي الفلسطينية بما فيها الأراضي المحتلة عام 1948، التي شهدت تنوعاً بين الاحتجاجات السلمية والمسلحة[3]، فمن ناحية تم تبني إضراب شامل يعد الأكبر منذ إضراب عام 1936، شكل ضغطاً على الاقتصاد الإسرائيلي، ومن ناحية أخرى حدثت مواجهات عنيفة بين المواطنين الفلسطينيين والشرطة الإسرائيلية لحقها إطلاق نار على مقرات الحكومة والشرطة ورؤساء البلديات وحرق سيارات مسؤولين[4]، وهو ما واجهته الشرطة الإسرائيلية بارتكابها انتهاكات عدة بحق الفلسطينيين من خلال ممارسة حملات اعتقاليه واسعة وقمعية تقوم على أساس عنصري والذي أدانته منظمة العفو الدولية[5].

أنبأت هذه الممارسات عن الانقسام المجتمعي في "إسرائيل" والذي اعتبر بطبيعة الحال تهديداً لحالة وجود الدولة لما هو أشبه بحرب أهلية، وهو ما كشف عن هشاشة الجبهة الداخلية الإسرائيلية وفشل سياسة الأسرلة التي تتعبها دولة الاحتلال من خلال محاولة دمج الفلسطينيين في المجتمعات الإسرائيلية.

وعلى الرغم حجم الدمار والخسائر البشرية التي خلفتها الحرب؛ إلا أنها ساهمت في تسليط الضوء على القضية الفلسطينية بشكل عام وحصار غزة بشكل خاص، وإعادة تبي الرواية الفلسطينية على حساب الرواية الإسرائيلية في الأوساط الداعمة لدولة الاحتلال من خلال تغير مواقف شخصيات سياسية بارزة ومؤيدة "لإسرائيل" في الغرب خاصة في الولايات المتحدة الأمريكية، وذلك بعد سنوات من التراجع.

ومن ناحية أخرى، كشفت الحرب الأخيرة على غزة إعادة لدور مصر الإستراتيجي في القضايا التي تخص قطاع غزة، وهو ما يصعب من التنبؤ بشكل المواجهة القادمة.

تتبنى هذه الدراسة أربع سيناريوهات محتملة لأوضاع قطاع غزة في قادم الأيام في ظل المتغيرات الدولية والمحلية بسبب الحرب على أوكرانيا ودورها وانعكاسها في شن عدوان جديد على غزة.

يتمثل السيناريو الأول في رؤية رئيس الوزراء الإسرائيلي، نفتالي بينيت، المسماة "تقليص الصراع" في كل من الضفة وغزة، أما السيناريو الثاني فيتمثل في استقراء مدى إمكانية حصول  مواجهة عسكرية خامسة في قطاع غزة، ولا يختلف السيناريو الثالث عن سابقه إلا من حيث المساحة الجغرافية حيث يتكهن بحرب شاملة في الشمال والجنوب في نفس ذات الوقت بحيث تدخل جبهة لبنان في الحرب بالإضافة إلى المقاومة في غزة، أما السيناريو الرابع فهو يتمثل في ضغط حركة حماس على الاحتلال الإسرائيلي من خلال إعادة مسيرات العودة إلى الواجهة وتسليط الضوء عليها بشكل أكبر مع فعاليات مقاومة لا تصل إلى حد مواجهة شاملة.

سيناريوهات الحرب القادمة

السيناريو الأول/ تقليص الصراع.

تبنى رئيس الوزراء الإسرائيلي، نفتالي بينت، مفهوم تقليص الصراع منذ العام 2017[6]، ويعود هذا المصطلح إلى الكاتب والمحلل السياسي الإسرائيلي، ميخا جودمان، في كتابه مصيدة 67[7]، وهو مفهوم جديد لدى الساسة الإسرائيليين، من بينهم بينت الذي كان يرأس حزب البيت اليهودي، وبدأت هذه السياسية في العام 2012 للتعامل مع الفلسطينيين ووضع خطة شاملة للتهدئة، بعد تبنيها لعدة حلول منها "حل الصراع" و"إدارة الصراع".

تبنت النخبة الحاكمة في "إسرائيل" مفهوم "تقليص الصراع" بعد فشل إدارته، والتي تقوم على تسهيل حياة الفلسطينيين الاقتصادية بما يعزز الانطباع بالسيادة الفلسطينية ويؤدي إلى تقليل الاحتكاك بالاحتلال دون تفكيكه وهو ما سيؤدي إلى تقليل الصدامات الشعبية[8].

تقوم خطة جودمان على أساس براجماتي وليس أيديولوجياً، بحيث يتم إعادة ترتيب الصراع من خلال خطة التسوية ومبدأ الفصل، بحيث إن هذه الخطة لا تساهم في إنهاء الاحتلال ولا تساهم في التوصل إلى حل نهائي إنما الهدف منها تحقيق أمن وجودي[9]، وقد اتخذت حكومة بينيت- لبيد إجراءات عملية على الأرض لتعزيز السلطة الفلسطينية بعد لقاءات جمعت رئيس السلطة، محمود عباس، مع وزير دفاع الاحتلال بيني غانتس، ترتب من خلال هذه اللقاءات السماح بمعاملات لم الشمل للمواطنين[10] في كل من غزة والضفة الغربية بالإضافة إلى العديد من الامتيازات الاقتصادية وتصاريح التنقل وغيرها[11].

 ومن ناحية أخرى لعبت مصر  دورًا يثير تساؤلات عن تغيرات في سياستها الخارجية تجاه قطاع غزة من خلال تبنيها لمشاريع إعادة الإعمار بما يقارب 500 مليون دولار أمريكي، ولا تخفى على أحد أسباب التغير الجوهري في الرأي المصري تجاه قطاع غزة هو تعامل مصر مع حركة حماس كفاعل رئيس لا يمكن تهميشه، ويرجع هذا التغير في الموقف المصري نتيجة للاستقرار السياسي الهش للقاهرة والحالة الاقتصادية المثيرة للمخاوف وتأثير الموقف الخليجي، بالإضافة إلى تغير في سياسة الولايات المتحدة الأمريكية تجاه مصر بعد انتخاب الرئيس الأمريكي جو بايدن، كل تلك العوامل أدت بمصر للبحث عن موطئ قدم حقيقي وفاعل في المنطقة وهو ما وجدته في غزة حيث أشاد الرئيس الأمريكي جو بايدن بالدور المصري المحوري كشريك لتحقيق السلام وإعادة الأعمار في غزة[12].

السيناريو الثاني/ مواجهة عسكرية خامسة

لا تختلف الآراء على التطور المستمر في قدرات المقاومة في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي، فقد تبنت فصائل المقاومة نمطًا يعرف (بالهجين) من العقيدة العسكرية والذي يجمع بين كل من تنظيم الجيوش النظامية من حيث التشكيل والضبط العسكري والهرمية، وبين حروب العصابات التي دأبت عليها كل حركات المقاومة في العالم[13]، وقد أظهرت فصائل المقاومة في جولة القتال الأخيرة مدى انضباطها وفاعليتها، ويسبب هذا التطور المستمر لقدرات المقاومة الفلسطينية في قلق العديد من الجهات داخل "إسرائيل" من خلال دعوتها الى حرب جديدة بسبب فشل نتائج عدوان 2021 وعدم تحقيقه لأي إنجازات تذكر.

وأحد أهم الأسباب التي تعزز فرص مواجهة عسكرية خامسة هو فشل المنظومة الإسرائيلية الأمنية في التوصل إلى صفقة تبادل أسرى مع فصائل المقاومة الفلسطينية حيث ربطت "إسرائيل" ملف الأسرى بإعادة الأعمار والهدوء بين الطرفين وذلك فور إعلان وقف أطلاق النار في أيار/ مايو 2021، وهو ما ترفضه حركة حماس، حيث تتمسك في المقابل بإطلاق سراح الأسرى ذوي المحكوميات العالية، وهو ما يزيد من احتمال حدوث  فشل في صفقة التبادل في القريب العاجل.

يزيد من احتمال اللجوء إلى جولة حرب أخرى، أن الدوائر السياسية في "إسرائيل" اعتبرت صفقة وفاء الأحرار في العام 2011 - والتي قامت المقاومة الفلسطينية على أثرها بالأفراج عن 1027 أسيرًا من السجون الإسرائيلية- انتصارًا لحركة حماس، ووجهت اتهامات لرئيس الحكومة السابق، نتنياهو، بتحقيق مكاسب سياسية خاصة[14] وهو ما يضغط به الرأي العام الإسرائيلي من خلال عدم منح انتصار جديد لحماس.

علماً أن  فصائل المقاومة لم تستثمر هذه الجولة القتالية كما ينبغي (معركة سيف القدس)، فعلى الرغم من ازدياد جماهيرية حركة حماس، بحسب استطلاعات أجرتها مراكز بحثية مستقلة[15]، إلا أن مشاريع إعادة الإعمار تأخرت[16] -حيث وضعت "إسرائيل" لها شروطاً صعبة-، وفقدت حماس الملف لصالح السلطة الفلسطينية، وجرى الاتفاق على آلية جديدة لتوزيع المنحة القطرية عن طريق السلطة الفلسطينية وهو ما رفضته حركة حماس بشكل قاطع.

ويعزز هذا القول ما تتبعه "إسرائيل" في غزة من استراتيجية تطلق عليها اسم "جز العشب" وتقوم على أساس افتعال حرب بين الحين والآخر، وذلك لاستنزاف قدرات المقاومة الصاروخية حيث تقدر المخابرات الإسرائيلية أن فصائل المقاومة لازالت تملك ترسانة صاروخية لا يستهان بها على الرغم من إطلاقها لمئات الصواريخ خلال العدوان الأخير على غزة[17].

السيناريو الثالث/ حرب شاملة على كافة الجبهات

بتاريخ 13 أيار/ مايو2021، أطلقت ثلاث مقذوفات من جنوب لبنان باتجاه الأراضي المحتلة بشكل غير مسبوق في أي مواجهة سابقة مع فصائل المقاومة في غزة، وهو ما قوبل بالرد السريع من قبل "إسرائيل" على إطلاق تلك القذائف وذلك لطمئنة الجمهور الإسرائيلي بأن الجيش قادر على القتال على عدة جبهات.

يثير ذلك التساؤل في حال ما اندلعت موجة قتال جديدة حول اتساع المواجهة، خاصة وأن "إسرائيل" كانت قد أعلنت قبل بدء العدوان على غزة عن مناورة تبدأ بتاريخ 9 أيار/ مايو2021 تستمر شهرًا وتحاكي حرباً شاملة ضد حزب الله في لبنان والمقاومة في غزة وفي الضفة الغربية.

يبقى هذا السيناريو هو الأضعف بين السيناريوهات المطروحة، وذلك بسبب التغيرات الحاصلة على الساحة الدولية وأهمها انشغال روسيا، في الحرب على أوكرانيا، وهي صاحبة التأثير الأكبر في الساحة السورية ذات الصلة بالساحة اللبنانية.

على الرغم من الاجتماع الثلاثي لرئيس الوزراء بينت والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وولي العهد الإماراتي محمد بن زايد بتاريخ 22 آذار/ مارس 2022، لإيجاد حلف دفاعي أمني لمواجهة إيران إلا أن أحد أهداف الاجتماع كان هو الحفاظ على الهدوء في القدس ومنع تفجر الأوضاع والانزلاق لحرب شاملة، كما أن الجبهة الداخلية الإسرائيلية لا تحتمل في الوقت الراهن حربًا مفتوحة على مصرعيها على كافة الأصعدة بسبب ضعف حكومة بينت وما تواجهه من أحداث متلاحقة في الداخل المحتل.

السيناريو الرابع/ عملية محدودة في قطاع غزة

يستبعد هذا السيناريو عملية عسكرية كبيرة في غزة على غرار معركة سيف القدس 2021، ويرجع ذلك بسبب تصدر المقاومة الفلسطينية المشهد في تهدئة الأوضاع في الضفة والقدس وتدخل الوسطاء للحل مع المقاومة في قطاع غزة على حساب السلطة الفلسطينية وهو ما نتج عنه تراجع بعض التهديدات الصهيونية في القدس وأهمها ذبح القرابين في المسجد الأقصى.

وقد تلجأ دولة الاحتلال إلى هذا السيناريو لحرف الأنظار عن انتهاكات المستوطنين في القدس، وقد يكون هذا السيناريو مقبولاً لدى الحزب العربي الوحيد المشارك في الحكومة الإسرائيلية نظرًا لمحدودية العملية العسكرية، وهو ما قد لا يؤدي إلى انسحابه من الحكومة.

من ناحية أخرى يعزز هذا السيناريو التقلبات التي تعيشها الحكومة الإسرائيلية بعد إستقالة عضو الكنيست عيديت سليمان بتاريخ 6 نيسان/ إبريل 2022، حيث فقدت الحكومة أغلبيتها البرلمانية وجعلتها عرضة للسقوط في أي لحظة، بالإضافة إلى تهديدات عضو الكنيست نير أورباخ بالانسحاب، وهو ما يضع الحكومة في مهب الريح، والذي سيعمل الشركاء الرئيسيون في الحكومة على تجنبه وعدم عودة نتنياهو من خلال عدم الدخول مع غزة في مواجهة عسكرية واسعة.

ليس من السهل توقع شكل المواجهة العسكرية القادمة، وتبقى كافة السيناريوهات محتملة. إلا أن هذا السيناريو يبقى الأكثر رواجاً في الأيام القادمة.

  • المواد المنشورة في موقع مركز القدس تعبّر عن آراء أصحابها، وقد لا تعبّر بالضرورة عن رأي المركز.

 

[1] انظر موقع ويلا العبري، https://news.walla.co.il/item/3496359

[2] انظر إسرائيل اليوم، مقال بعنوان العمليات الفردية التي تشهدها إسرائيل، متاح على https://www.israelhayom.co.il/news/defense/article/9383123

[3] انظر، المركز الفلسطيني لأبحاث السياسات والدراسات الاستراتيجية- مسارات، متاح على، https://bit.ly/34KS94F   

[4] عدنان أبو عامر، هبّة في القدس وتصعيد في غزة وطوارئ في اللد .. هل تشهد فلسطين انتفاضة جديدة، عربي بوست، 13/5/2021: bit.ly/3h8Al6M

[5] العفو الدوليّة: الفلسطينيون في أراضي 48 تعرضوا لحملة قمعيّة تمييزيّة، مركز العودة الفلسطيني، 26/6/2021:  bit.ly/2VEeFHI

[6] انظر حساب نفتالي بينت على تويتر، https://www.facebook.com/NaftaliBennett/posts/1431701746851489

[7]  Micah Goodman, Catch-67: The Left, the Right, and the Legacy of the Six-Day War (New Haven: Yale University Press, 2018), 157

[8] المرجع السابق ص 157.

[9] المرجع السابق ص66.

[10] انظر، https://bit.ly/3Atvy8v

[11] انظر، وكالة الاناضول، https://bit.ly/3GYYffI

[12] انظر، متاح على موقع قناة الجزيرة الإخباري، https://bit.ly/3GAVUHB

[13] انظر، مركز الجزيرة للدارسات، بعنوان المتغيرات العسكرية في حرب غزة الرابعة، متاح على : https://studies.aljazeera.net/ar/article/4995

[14] انظر، نتنياهو تحت رحمة حماس، لماذا يصر رئيس الوزراء على صفقة تبادل أسرى مع غزة؟، عربي بوست، متاح على 5/1/2021: bit.ly/3fI5woz

[15] انظر، https://bit.ly/3ftU5jX 

[16] أنظر، مقال على قناة الجزيرة الإخبارية بعنوان " بايدن، سنقوم بإعادة أعمار غزة بشراكة مع السلطة وليس حماس" متاح على https://bit.ly/3GAVUHB

[17] انظر، مركز الجزيرة للدراسات، المتغيرات العسكرية في حرب غزة الرابعة، https://studies.aljazeera.net/ar/article/4995