شعاع أمل بخيار المقاومة قادم من الشمال!

سري سمور
04-05-2022
تحميل المادة بصيغة PDF

رأي   

شعاع أمل بخيار المقاومة قادم من الشمال!

سري سمّور

سبق وأن ذكرت في مقال سابق أن عمليات المقاومة المنطلقة من الضفة وقطاع غزة قد تراجعت، والسلطة وجهت ضربات شديدة للخلايا التابعة لحماس والجهاد الإسلامي، وضعفت إلى حدّ الشلل قدرة الحركتين على تنفيذ عمليات عسكرية ضد الكيان، وحالة تراخي أو إحباط أصابت نشطاء العمل الإسلامي، الذين انحسر وجودهم تقريبًا في الجامعات التي كان فوزهم في كبرياتها (النجاح وبيرزيت) يحمل رسائل سياسية كما ذكرت آنفًا، ومجموعة من المؤسسات الخيرية هنا وهناك، وفي السجون الإسرائيلية حيث تمكنوا تلك الفترة أن يأخذوا التمثيل الاعتقالي الذي ظل حكرًا على حركة فتح منذ عقود.

إضافة إلى ما ذكرته عن الفرق الفنية الإسلامية (النشيد) التي انتشرت وصارت ظاهرة عامة تقريبًا، وما عدا ذلك لا يوجد حضور ملموس للحركة الإسلامية في الضفة والقطاع.

 ومشروع أوسلو مع عثراته وما لحق به من تعطيل إسرائيلي متواصل، استمر. وبصراحة لعل المعارضة فوجئت باستمراره وانتشاره، فالأمر لم يقتصر على غزة-أريحا بل امتد إلى مدن أخرى، وحتى في مرحلة نتنياهو توسع بعد اتفاق واي ريفر.

والرهان على سقوط سريع للمشروع وانهياره بدا خاسرًا، وهو ما دفع بعض الشخصيات والقيادات إلى القفز من سفينة المعارضة، ودفع قيادات أخرى إلى تغيير خطابها وأسلوبها، وأشد الثابتين على خيار الرفض والمعارضة مضطر للتكيف مع الواقع الجديد الذي شمل مناحي الحياة أمنيًا واجتماعيًا واقتصاديًا وتعليميًا وووو....!

فمشروع التسوية بين الكيان الصهيوني و م.ت.ف كان مسنودًا ومدعومًا من الأمريكان والروس والأوروبيين والصينيين والعرب، كما ذكرت سابقًا، وليس بمكنة الدول العربية المعارضة للمسار(سورية والعراق)، ولا إيران، وقف شيء بمثابة نقطة إجماع دولي.

والإدارة الأمريكية في عهد كلينتون (قطب العالم الوحيد) تبنت سياسة في المنطقة تقوم على:

  • ضمان أمن وتفوق "إسرائيل".
  • ضمان تدفق إمدادات النفط الخليجي بسعر يناسب الأمريكان دون منغصات.
  • الاحتواء المزدوج لكل من العراق وإيران.

ولتحقيق هذه الأهداف يجب أن تستمر (عملية السلام) ولو دون تحقيق تقدم ملموس، المهم أن تستمر العملية، وفي ظل جو الذي بدا فيه العرب في أكثر مراحل الذلّ والهوان، حيث (أسرلة) علنية، واعتداء على العراق وتجويعه وحصاره وقصفه بمجرد تقرير كتبه (ريتشارد باتلر) كبير المفتشين عن (كذبة) أسلحة الدمار الشامل في العراق، ووصل بهم الحال إلى تفتيش حتى قصور صدام الرئاسية بطريقة مذلة مهينة.

وإصرار حركتي حماس والجهاد الإسلامي على التمسك بخيار المقاومة والمطالبة بتبنيه ودعمه في كل منبر أتيح لهما هو بمثابة إعلان حرب على النظام العالمي القائم بكل ما لديه من هيمنة وسطوة وتأثير!

وفي ظل حالة عربية مستسلمة مستكينة، وحالة فلسطينية ترسخ فيها خلاف متصاعد حول جدوى المقاومة بل حتى مشروعيتها، وتغوّل صهيوني، وتمدد تهويدي استيطاني. كان هناك شعاع أمل يكبر شيئًا فشيئًا، ترنو إليه الأعين حين تنظر إلى الشمال. إنه المقاومة اللبنانية.

لبنان:شيء من تاريخ قريب وبعيد

لبنان أساسًا جزء من سورية وسلخته فرنسا عن وطنه الأم، ورسخت فيه الطائفية السياسية، بحيث توزع المناصب بين الطوائف المختلفة (رئيس جمهورية ماروني ورئيس وزراء سني ورئيس برلمان شيعي)، وبحكم الجغرافية احتضن لبنان عددًا مهمًا ومؤثرًا من اللاجئين الفلسطينيين بعيد نكبة 1948، وصارت الأراضي اللبنانية هي المقر الرئيسي لقوات م.ت.ف وأجهزتها بعد الخروج من الأردن.

وبعد تراكمات عدة اندلعت الحرب الأهلية اللبنانية في 1975، وكان العامل والوجود الفلسطيني حاضرًا في تلك الحرب، ودخلت القوات السورية إلى لبنان بقرار من الجامعة العربية في 1976.

"إسرائيل" نفذت اعتداءات كثيرة على لبنان بهدف ضرب قوات م.ت.ف والقوى الوطنية اللبنانية، ولكن العدوان المفصلي كان في 1982 حيث وصلت القوات الإسرائيلية إلى بيروت ونفذت برفقة العملاء من حزب الكتائب، مجزرة صبرا وشاتيلا، بعيد انسحاب المقاتلين الفلسطينيين؛ وهنا ثمة درس قاس وعبرة يجب ألا يهملها أحد: لا أمان ولا ثقة بكل العهود والتعهدات، وسلاح الفلسطيني هو الذي يحميه ويذبّ عنه ويزرع في نفس عدوّه هيبة تردعه عن الإمعان في اعتداءاته وعربدته وغدره المجبول عليه، والدليل جرح صبرا وشاتيلا الذي لن يمسح من الذاكرة الفلسطينية، حتى تحرير فلسطين، كل فلسطين.

وفشلت "إسرائيل" في إقامة نظام متعاون معها ويتولى حراسة حدودها وملاحقة المقاومين في لبنان، مع أنها سعت إلى ذلك علنًا بتوقيع ما يعرف باتفاق 17 أيار، وكونها أخرجت عددًا كبيرًا من مسلحي م.ت.ف وتم توزيعهم على عدة دول عربية، لم ينه مشكلتها باعتبارها قوة احتلال غاشمة؛ في فكر ووعي وممارسة قطاعات مهمة فاعلة في لبنان، فقد غرّها وجود متعاونين من بعض القوى والأحزاب والطوائف ممن رأوا ونظّروا أن العدو هو الفلسطيني (أو السوري)، والصديق أو الحليف هو الصهيوني، متذرعين ببعض التصرفات أو الأخطاء، ولكن وجدت كتلة وطنية لبنانية ترفض التصهين وتحاربه بكل ما تستطيع، واستطاعت تثبيت معادلاتها ورسم خطوط حمراء لم يتمكن الكيان الصهيوني من اجتيازها.

وبالتأكيد ضعفت الدولة اللبنانية ولم تعد تسيطر على قطاعات جغرافية عدة، وصار لبنان مرتعًا وساحة لتصفية حسابات ومصالح عدة دول وأجهزة مخابرات وعصابات دولية، ومنظمات وأحزاب وجمعيات وغير ذلك، وهذا الضعف هو الذي قوّى وعزز شوكة المقاومة في حقيقة الأمر، وهنا التقاء نقيضين، أو لنقل هو صناعة الشراب الحلو من الليمون الحامض!

استنتاج آخر قد يبدو مؤلمًا: المقاومة يجب أن تكون محتضنة من دولة ترعاها وتدعمها (مثلاً كما دعمت باكستان الثوار الأفغان فترة من الزمن، وكما دعمت مصر الثورة الجزائرية) أو ألا تكون للدولة قدرة فيزيائية على السيطرة على المقاومة، ولعل سبب نكبة أو نكبات فلسطين، هو حرص عربي محموم على الحفاظ على الدولة القُطرية ولو أدّى إلى قيام "إسرائيل" فوق أرض فلسطين، فصارت تلك الدولة حالة ابتزاز أو إنجازًا يجب الحفاظ عليه ولو بمنع ومحاربة ومطاردة مقاومي المشروع الصهيوني، بناء على اتفاقيات مع الغرب أو مساعدات من الأمريكان.

والعجب أن هناك من الفلسطينيين، ولا أتحدث عن نخب سياسية بالضرورة، فقد تسمع هذا من كثير من الناس العاديين، بأن الدولة القُطرية إنجاز ويجب أن تكون قوية ولها قدرة شاملة على السيطرة، مع إبداء الإعجاب بمظاهر مثل تلك السيطرة في بعض الأقطار.

وبصراحة لو كان للدولة اللبنانية قدرة فعلية لما كان هناك في لبنان لا مقاومة فلسطينية ولا لبنانية استطاعت تمريغ أنف الكيان في تراب الهزيمة.

وقد يقال: هذا كلام ليس دقيقًا؛ فالدولة السورية، ضعفت كثيرًا، ولكن أين هي المقاومة والعمليات التي تستهدف شمال فلسطين انطلاقًا من جنوب سورية؟ أليس المشهد هو دمار وخراب دولة كانت قوية مسيطرة، وعربدة إسرائيلية دون مقاومة؟

المشهد كذلك فعلاً ولكن كم سيدوم هذا الوضع؟ وأيضًا جرى ترتيب الأمور في جنوبي سورية وكأن النظام في دمشق لم يفقد أي شيء من سطوته وقوته، وظلت حدود الكيان آمنة، كما كان عليها أمانها بعد حرب 1973.

بالعودة إلى لبنان فإن سقوط نظام الشاه في إيران قلب دور الطائفة الشيعية في لبنان وتأثيرها، فمن استقبال بعضهم لأرتال الدبابات الإسرائيلية في عدوان 1978 إلى تصاعد النفس المقاوم في أوساط الطائفة وصولاً إلى وجود أقوى الأحزاب منها مقاومة وبأسًا.

المقاومة الوطنية اللبنانية، ضمت في مراحلها الأولى فئات عدة شملت كل التلاوين السياسية والطوائفية اللبنانية؛ من قوميين وإسلاميين وناصريين وغيرهم، لينسحب جميع هؤلاء (طوعًا أو كرهًا أو يأسًا أو إفلاسًا ماديًّا) ويظلّ حزب الله هو الحزب المقاوم الوحيد في جنوب لبنان.

لقد أنشأت "إسرائيل" ما يسمى بالحزام الأمني في جنوب لبنان وهو شريط محتل يحوي حوالي 10% من مساحة لبنان بعمق يتراوح ما بين 10-30كم ليحمي المستوطنين في شمالي فلسطين من هجمات الفدائيين (وفق المزاعم المعلنة)، ولتقليل فاعلية الضربات بقذائف الهاون والمورتر، نظرًا لأن مديات المدافع والصواريخ (باستثناء الكاتيوشا) قصيرة جدًّا في ذلك الوقت، وفاعلية الكاتيوشا كانت تتناقص بسبب هذا الشريط أيضًا.

 ولقد صدر قرار من مجلس الأمن يحمل الرقم (425) يطالب الكيان بالانسحاب من جميع الأراضي اللبنانية، في أعقاب ما يسمى (عملية الليطاني) في 1978، ليكون هذا ورقة التوت التي سيحاول فيها الكيان تغطية سوءة هزيمته الواضحة في أيار 2000.

استطاعت المقاومة الشيعية، بفعل ضربات موجعة منع الكيان من فرض أمر واقع في جنوب لبنان، خاصة بتنفيذ (أحمد قصير) عملية نوعية قتل فيها الحاكم العسكري الصهيوني في صور، مما جعل حلم الكيان بالسيطرة على تلك المدينة هباء منثورًا وجعلها تتراجع إلى الخلف.

كان الوضع معقدًا وصعبًا؛ فالدعم الإيراني المقدم إلى حزب الله في ظل الحرب مع العراق كان محدودًا، كما أن حزب الله خاض لسنوات عدة حربًا طاحنة مع حركة أمل، التي يتزعمها (نبيه بري) رئيس مجلس النواب وحليف سورية، أي كان الشارع الشيعي يشهد تجاذبًا عنيفًا بين النفوذ السوري والإيراني، مع أن هناك تحالفًا بين طهران ودمشق منذ سقوط الشاه ولكن نظام الأسد حرص بكل قوة على ألا يكون لغيره كلمة الفصل والنفوذ الأوسع في الساحة اللبنانية.

في المقال القادم بمشيئة الله سنتحدث أكثر عن تطور المقاومة اللبنانية وتأثيرات ذلك على الحالة الفلسطينية.

  • المواد المنشورة في موقع مركز القدس تعبّر عن آراء أصحابها، وقد لا تعبّر بالضرورة عن رأي المركز.