شمال الضفة الغربية إلى أين؟

فريق المركز
06-02-2023

في الحالة الفلسطينية ربما من الأفضل وضع تصورات لسيناريوهات الأحداث وفق مدد زمنية قصيرة نسبيا، وبسبب سيولة الأحداث، الأفضل أن تكون المدة لا تتجاوز بضعة أشهر.

شمال الضفة الغربية على حاله منذ 2021 حيث هناك حالة من المقاومة المسلحة، أخذت طابعا يجمع بين العلنية بالظهور المكشوف، والسرية بالخروج باللثام.

وأبرز تمظهرات الفعل المقاوم هي وجود (كتيبة جنين) وأخواتها، في  محافظة جنين، وعرين الأسود في نابلس.

وحين نتحدث عن شمال الضفة الغربية فالمقصود هو نابلس باعتبارها مركز وبوابة شمال الضفة وجنين وطولكرم وقلقيلية.

ولكن الحالة الجديدة للفعل والعمل المقاوم، محدودة ونادرة في طولكرم، وتقريبا غير موجودة في قلقيلية، وبالتالي ربما كان يمكن أن نقول جنين ونابلس لا (شمال الضفة).

مع التذكير أن وسط وجنوب الضفة ما زال غير منخرط إلا بمشاركات(فردية) في موجة المقاومة موضع حديثنا.

رمضان ساخن

شهد شهر رمضان الماضي (1443هـ، الموافق 2021م) تصاعدا ملحوظا ونوعيا في المقاومة، وقد خرج من جنين شبان نفذوا عمليات نوعية في الداخل المحتل أدت إلى وقوع قتلى وإصابات.

ولكن لاحقا تراجعت العمليات في الداخل، بسبب إحكام سلطات الاحتلال رقابتها المشددة على الجدار والفتحات التي كانت قد خرقته في السنوات الماضية.

فهل سيكون رمضان 1444هـ الذي سيوافق أواخر آذار والأسابيع الأولى من نيسان 2023م ساخنا؟

الجواب:هو وضع القدس والعدوان عليها من قبل الاحتلال في الشهر المبارك.

في حال حدثت اعتداءات واستفزازات تمس المسجد الأقصى أو سكان مدينة القدس،  فإن الشهر الفضيل سيكون ساخنا ربما ليس في شمال الضفة بل في كل فلسطين، كما  كان الحال في 2021 ولكن لأن حديثنا مركز على شمال الضفة الغربية فلنتحدث بشيء من التفصيل.

مقاومة محدودة القدرات

الاحتلال مع أنه عبر منابر إعلامية، يتحدث عن قلق بالغ من وضع الضفة الغربية ونابلس وجنين خاصة، إلا أنه يدرك أن لديه سيطرة استخباراتية بحكم مراقبة المواطنين بشريا(عبر الجواسيس) أو إلكترونيا(بطائرات الاستطلاع ومراقبة الإنترنت وأجهزة الهواتف الخلوية).

وأن قدرته العسكرية الضخمة، لا تقارن بما لدى بضع عشرات من الشبان، وبالتالي فإن الاحتلال حتى الآن يستطيع الدخول إلى أي مكان، وحتى مخيم جنين (عش الدبابير) تمكنت قوات كبيرة من جيش الاحتلال من اقتحامه فجر الخميس 19-1- 2023  بعد امتناع عند دخوله شهورا طويلة، بل هناك بعض الأحياء التي اقتحمت في المخيم لم يقتحمها منذ سنة.

الفارق هو تصدي شباب المقاومة ومن يساعدهم من الفتية والأهالي للعدوان والاقتحام.

في مخيم جنين تتطور القدرات وتؤخذ العبر والدروس بعيد كل عملية اقتحام، وتوضع الحواجز والحراسات الليليلة، وتنصب الشوادر لتضليل القناصة وطائرات الاستطلاع، وتزداد المعنويات ارتفاعا.

 ولكن هذا يبدو غير موجود في نابلس، أو أنه قليل ومحدود، ناهيك عن بقية المناطق.

إجرام الاحتلال يتحكم بحجم التصعيد

من الملاحظ أن قوات الاحتلال أحيانا تتعمد استخدام الذخيرة الحية بإفراط، وتوجه الرصاص نحو رؤوس وصدور المواطنين الفلسطينيين، وأحيانا تتجنب ذلك وتكتفي بإصابة الأرجل، وتكثيف استخدام الرصاص المطاطي والقنابل الغازية والصوتية.

ولا شك أن حجم إجرام الاحتلال تاريخيا كان له دور حاسم في تصاعد الأحداث، وزيادة التوتر.

يبدو بأن قوات الاحتلال تنوي تصعيد عمليات القتل المبرمجة، في الأسابيع المقبلة وفي شهر رمضان تحديدا، ولن يمنعها من ذلك سوى مواقف إقليمية ودولية لا تلوح في الأفق أو تغير دراماتيكي في مسار المواجهة والأحداث.

قبر يوسف والمقاومة في نابلس

أهمية ومركزية مدينة نابلس، وبلدتها القديمة غنية عن التعريف، وكان من المبالغة الحكم على (عرين الأسود) بأنها ظاهرة خرجت فجأة واختفت فجأة، كما من المبالغة القول أن العرين بخير، ولم يتضرر.

الحقيقة أن استشهاد شباب العرين، واعتقال السلطة للقيادي البارز مصعب اشتية، ألحق جراحا بالغة، لم تتعافى منها المقاومة في نابلس، ولا يبدو أنها ستتعافى منها قريبا، إلا في حال تعامل الاحتلال مع نابلس كمنطقة خارجة عن سيطرة السلطة(هكذا يعتبرون مخيم جنين) وهو أمر متوقع ولو ضمنيا في الأشهر المقبلة، خاصة إذا استمر المقاومون بالظهور والتصدي للاقتحامات واستهداف النقاط والحواجز العسكرية المحيطة.

وعند الحديث عن نابلس، فلا بد أن نتطرق إلى موضوع(قبر يوسف) فدخول المستوطنين إليه ولو تحت حراسة كبيرة من قوات الاحتلال، هو من أهم اختبارات حجم وقوة المقاومة، وقد نجحت المقاومة ولفترة قصيرة في إلغاء الاقتحامات، ولكن الاقتحامات عادت إلى المنطقة.

والقبر يقع في شارع عمان قريبا من مخيمي عسكر وبلاطة وفي منطقة سكنية وتجارية، وبالتالي فإن اقتحامه يعطي إشارة على نوايا الاحتلال في مناطق أخرى تزعم أن لها فيها (مزارات مقدسة) مثل عورتا وحارس وسبسطية وغيرها، وهي مناطق أقل مقاومة-خاصة المسلحة-من نابلس وأقل عدد من السكان وغير ذلك.

ولكن الملاحظ أن قوات الاحتلال عند اقتحام قبر يوسف تلجأ إلى نشر قوات كبيرة مع إطلاق قنابل الغاز بكثافة، وتتجنب إجمالا إطلاق الذخيرة الحية على الناس بحيث يرتقي شهداء.

من المتوقع الحفاظ على هذه السياسة في الفترة المقبلة، أي ألا تكون عملية اقتحام قبر يوسف مناسبة لسفك الدماء، ولكن أيضا حسب قوة وكثافة المقاومة المسلحة في نابلس ومخيماتها، والتي يبدو أنها تحافظ على نفس الوتيرة.

السلطة تعمل والاحتلال رفض التسويات

في المدى المنظور لن تغير السلطة سياستها، وستستمر بالعمل على محاولة احتواء الظاهرة أو ربما الاصطدام معها ولو بحذر وفي نطاق جغرافي وزمني محدد.

وبعد الحديث عن (تسوية ملفات) للشبان المقاومين، والذي ظهر إلى الإعلام وأحاديث الناس، اختفى هذا الحديث، والسبب المؤكد هو رفض الاحتلال للفكرة، وإصراره على اعتقال المقاومين، وتصفية من يرفض منهم، ولا حل وسط، ولكن ربما بتدخلات أمريكية وأوروبية وعربية يكون هناك(تسويات) لحالات محدودة جدا، ولا تؤثر على مجمل الحالة.

لا تدخل قوات السلطة مخيم جنين، وهو المنطقة الوحيدة التي يظهر فيها مقاومون من كتائب القسام علنا بسلاحهم ولباسهم وعتادهم، ويشاركون بقية الفصائل في التصدي لقوات الاحتلال.

ولكن السلطة تنشط وتعتقل في كل المناطق الأخرى، ولن تعجز عن اعتقال أي شخص من مخيم جنين عندما يغادر المخيم إذا أرادت.

وما زال تشدد السلطة في إجراءاتها يستهدف حركة حماس بالدرجة الأولى، وبذات الزخم والتشدد الذي كان في بواكير الانقسام...ومخيم جنين استثناء لأسباب لا مجال لشرحاها، أهمها أنه في مواجهة مفتوحة  مع الاحتلال وحالة وحدة مميزة.

ولكنها حاليا تتجنب الاصطدام المباشر مع المخيم، الذي يبدي تحفزا وغضبا وحساسية عند اعتقال أو التعرض لأي من أبنائه، ولذا تنشط عبر مندوبيها المعروفين والسريين المنتشرين بكثافة ملحوظة في المخيم وبين شبابه وفي مناسباته وفعالياته ومكوناته الاجتماعية.

ولكن هناك من عناصر الأجهزة الأمنية من ينضم فعلا للحالة، أو يبدي تعاطفا معها، ولكن هذا يبدو غير مكشوف

الخلاصة وفق المعطيات...صورة الوضع في الفترة المقبلة

مخيم جنين هو البؤرة المشتعلة التي تجمع مقاومين من شتى الفصائل، وتتجنب السلطة العمل فيه بشكل مباشر، ولكن ظاهرة المخيم لم تتمدد إلى مناطق أخرى، اللهم إلا إنشاء بعض المجموعات(كتيبة قباطية وكتيبة جبع) ولكنها ليست بذات قوة وتركيبة ما في المخيم، ولذا فإن الظاهرة معرضة للاندثار عندما تنتهي في مخيم جنين!

وثمة عدة توقعات للفترة المقبلة:-

  • شهر رمضان المبارك سيشهد تصعيدا وتوترا وارتفاعا في عدد الشهداء، خاصة في جنين ومخيمها وقراها ونابلس ومحيطها.
  • عربدة المستوطنين ستزداد وسيواصلون اعتداءاتهم، وسيزيدون من رقعة الأماكن التي يزعمون أنها (يهودية مقدسة) ومؤخرا شمل هذا منطقة الحفيرة في جنين، علما أن جنين توراتيا ليست مهمة عندهم.
  • مقاومو مخيم جنين سيواصلون تصديهم لأي اقتحام بقوة واكتساب خبرات بعد كل اقتحام، ولن تنتهي الظاهرة في مخيم جنين في المدى المنظور حتى لو انتهت في كل المناطق الأخرى.
  • إذا لم يحصل المقاومون على خبرات تدريبية وأسلحة نوعية فإن قدرتهم على إصابة جنود الاحتلال المحصنين مركبات مصفحة، ستظل ضئيلة، وسيظلون ينزفون ويرتقي منهم شهداء ويعتقل آخرون دون خسائر تذكر في صفوف قوات الاحتلال.
  • عدم قدرة المقاومين على إلحاق ضرر ملحوظ بجيش الاحتلال، تزامان مع ارتفاع عدد الشهداء، سيدفع مقاومين إلى تنفيذ عمليات في الداخل أو القدس أو المستوطنات تلحق إصابات وقتلى في صفوف المستوطنين.
  • السلطة لن تغير مسارها وسياستها الحالية، حتى مع وجود تيار إسرائيلي سياسي وأمني وأكاديمي متصاعد يدعو إلى إنهائها أو تحجيم دورها السياسي، بل حظره، واقتطاع مزيد من أموال الضرائب المستحقة وغير ذلك، وعليه لا يتوقع مثلا أن تفرج السلطة عن مصعب اشتية من تلقاء نفسها، أو أن تتوقف عن ملاحقة النشطاء، خاصة من حركة حماس والكتلة الإسلامية، مهما كان حجم استفزاز الاحتلال للسلطة والذي سيظل حذرا وطابعه إعلامي غالبا، ولكن سيزداد عدد المقاومين الذين يلتحقون بالظاهرة من الأجهزة الأمنية.
  • الاحتلال يفسر انضمام عناصر أجهزة أمنية للمقاومة بأنه (إحباط) بسبب عدم استلامهم كامل رواتبهم المستحقة، ومن عادة الاحتلال تجنب ذكر وجوده وجرائمه كمسبب لأي ظاهرة مقاومة، وهذا سيزيد الجدل داخل أروقة المؤسسات الأمنية للاحتلال، والذي ينقسم إلى تيارين أحدهما مع الحفاظ على السلطة ومنع انهيارها وزيادة وتمتين التنسيق معها، والثاني مع الاستغناء عن دورها، بما في ذلك الدور الأمني...الغريب أن التيار الثاني يصعد ولو ببطء.
  • ما لم تقع عملية نوعية كبيرة في داخل الأراضي المحتلة لن يقدم الاحتلال على عملية عسكرية واسعة في جنين أو نابلس وسيستمر بما يقوم به الآن، مع تغييرات تكتيكية محدودة.

وفي كل الأحوال نقول الأسرى والمسرى عاملا تفجير وقلب وتغيير كل المعادلات والتاريخ شاهد.

-انتهى-