صورة النضال الفلسطيني في الإعلام الأمريكي (مسيرات العودة الكبرى نموذجا)
لقد غدا الإعلام اليوم من أهم الوسائل المستخدمة للتخاطب مع الأفراد والحكومات، وكافة طبقات المجتمع على حد سواء، والذي يسهم في إيصال القضايا المختلفة في المجتمع وفي كافة المجالات، وله تأثير كبير في أفراد المجتمع وحياتهم، وللإعلام دور هام في إبراز القضية الفلسطينية والعمل على خلق حالة من التضامن الدولي.
تنتشر في الولايات المتحدة ألفين وستمائة وخمسة وأربعين شبكة بث تلفزيوني وحوالي ثلاثة عشر ألف محطة إذاعية، وقد افتتحت أول محطة بث تلفزيوني في معرض نيويورك الدولي عام ألف وتسعمائة وتسعة وثلاثين. وتعتبر الشبكات الأمريكية CNN وABC وCBSوNBC من أشهر شبكات البث التلفزيوني في العالم أجمع.
تأتي أهمية شبكات التلفزة الأمريكية من حقيقة مفادها أن المواطن الأمريكي يستقي ثقافته اليومية من خلال وسائل الإعلام، ويحتل التلفزيون المرتبة الأولى فيها من حيث اعتماد الأمريكي عليه كوسيلة للحصول على معلوماته اليومية.
تٌجمع الكثير من الإحصائيات على أن ثلث الأمريكيين يحصلون على معلوماتهم الإخبارية والسياسية من البرامج الترفيهية التي تتبارى في تقديم معلومات سطحية ومغلوطة ولكنها تصل إلى شريحة واسعة من الأمريكيين بل والأوربيين أيضا، إذ تمثل المواد الترفيهية الأمريكية ثلاثة وخمسون بالمائة من البرامج المقدمة في القنوات الأوروبية، ويعزو الكثيرون ضحالة المتابعة السياسية لدى المواطن الأمريكي إلى اكتفائه برؤية العالم عبر إعلامه القومي وحده.
وسائل الإعلام الأمريكية تتدخل في عملية صياغة السياسة الخارجية، ولكنها تبقى مجرد جزء في آلة صنع القرار وليست المصدر الذي تُشتق منه السياسات، فضلاً عن اعتماد الدبلوماسية الأمريكية على وسائل الإعلام لدرجة إن عدداً كبيراً من التقارير الدبلوماسية تتكون من التحليلات التي يكتبها الصحفيون في هذا المجال، بل يمكن القول "ان وسائل الإعلام هي عيون وآذان الدبلوماسية".
وفي هذا الصدد يشير وزير الخارجية الأمريكي الأسبق هنري كيسنجر الى "إن تنفيذ السياسة الخارجية يجب أن ترتبط على نحو لم يسبق له مثيل بأجهزة الإعلام الجماهيرية، فهي الى حدٍ كبير سياسة خارجية إعلامية جماهيرية أو شعبية.
لكن يفتقد الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي في الولايات المتحدة الأمريكية المصداقية والحيادية في التغطية الإعلامية والصحفية، ويلاحظ الانحياز الإعلامي الأمريكي لدولة الاحتلال، وتحاول بعض وسائل الإعلامية وخاصة في الحروب على غزة أن تكون إخبارية (محايده) من خلال نقل ما يحدث في قطاع غزة، واحيانا تكون هنالك بعض الموضوعية، وهنا لابد من التنبيه إلى آن هناك بعض وسائل الإعلام الأمريكية ( سي ان ان مثالا) لها نسختين، نسخه عالمية ونسخه امريكية ، وما ينشر في العالمية مختلف تماما عن ما ينشر في الامريكية ، وبالتالي لا يتابع المواطن الامريكي ما تبثه العالمية . ، بالإضافة الى ملاحظه أخرى متعلقة بتوقيت البث ونسبة المشاهدة لقناة اخبارية في ذلك الوقت، فقد تكون نسب المشاهدةفي ساعات ما بعد منتصف الليل قليلة جدا بل تقترب من الصفر.
وقد تناول كتاب (الصراع العربي –الاسرائيلي في استطلاعات الرأي الأمريكية) مجموعة من استطلاعات الرأي الأمريكية فيما يتعلق بالصراع العربي الإسرائيلي، وأظهرت هذه الاستطلاعات مقدار وحجم التعاطف الأمريكي مع إسرائيل بالمقابل اظهرت نسبة عالية من الامريكيين الذين ينظرون للفلسطينيين على انهم إرهابيين (70% وجدوا أن النضال الفلسطيني ضد الاحتلال سلوك إرهابي، بينما 24% وجدوه سلوك شرعي).
الصحفي «آل تومبكينس» أستاذ الإعلام المرئي في جامعة بوينتر بفلوريدا المتخصصة في الصحافة يجيب على سؤال: كيف ترى تغطية الإعلام الأمريكي لقضايا الشرق الأوسط؟
"لا أفتخر بتغطية وسائل الإعلام الأمريكية لشؤون الشرق الأوسط.. فتغطيتنا سطحية كما أنها تركز على الكوارث وهو أمر مخجل واعترف بجود ازدواجية في تعامل وسائل الإعلام الأمريكية مع قضاياكم وهو ما ينعكس على الانطباع والرأي العام الأمريكي الذي ينغمس في أغلب الأحيان بقضاياه الداخلية ولا يعرف أين تقع تلك الدول العربية وحتى وان تابع أخبارها فهو لا يرى إلا الجانب السيئ فقط وهي إشكالية كبيرة. "
النضال الفلسطيني ضد الاحتلال الإسرائيلي له سائله واشكاله وأساليبه المختلفة والقابلة للتجدد من زمن لآخر، فقد مارسها الثوار في مختلف الازمنة، احيانا اضطرارياً لانعدام الإمكانيات لمواجهة والعدو، واختيارياً في أحيان أخرى، بناءً على قناعات وفلسفة خاصة بكيفية شكل ووسائل الصراع، وتعد مسيرات العودة الكبرى التي لجأ اليها اهالي غزة شكل من أشكال النضال الفلسطيني في موجهة المحتل.
في كتاب (عايش 2006) امريكا الإسرائيلية وإسرائيل الأمريكية وكتاب (ديوك 2002) الصحوة. النفوذ اليهودي في الولايات المتحدة الامريكية.
يتحدث الكتابان عن الانحياز الإعلامي الأمريكي لكيان الاحتلال وهيمنة اليهود على عدد من الصحف والاذاعات المهمة في أمريكا، وتأثير هذه الهيمنة على القرار السياسي الأمريكي، بالإضافة إلى التأثير على المواطن الأمريكي، وتشكيل رأي عام وقولبته حسب المصلحة الإسرائيلية، وذكر مجموعه من الأمثلة التي تثبت الانحياز الأمريكي، كما تناول الكتابان صورة العربي والفلسطيني في الاعلام الامريكي وكيف يتم تزوير الحقائق والاحداث بناءً على المصالح الإسرائيلية.
الإعلام الأمريكي اقتصرت تغطيته لمسيرات العودة على الاخبار الكبيرة فقط، كاستشهاد عدد كبير من الفلسطينيين في يوم واحد، وعلى الرغم من ذلك تم شيطنة الفلسطيني، ولعل لتصريحات بعض الفصائل الفلسطينية أن عدد من الشهداء هم من عناصر التنظيم، بل ونشر صور للشهداء لباس عسكري مع حملهم للسلاح، أحداث مسيرات العودة وتفاعلاتها على الساحة المحلية والدولية، تقودنا للبحث في تناول الإعلام الأمريكي لمسيرات العودة ومعرفة هل أثرت هذه المسيرات على صورة النضال الفلسطيني في الإعلام الأمريكي.
كيف أثرت مسيرات العودة الكبرى في غزة على الصورة النمطية للنضال الفلسطيني في الإعلام الأمريكي
(خلال الفترة من شهر مارس 2018 الى شهر اكتوبر 2018)
هنالك تباين بين الإعلام الأمريكي في ما يتعلق بالنضال الفلسطيني، ولكن وبالرجوع إلى استطلاعات الرأي الأمريكية نلاحظ أن نسبة التعاطف مع اسرائيل أعلى بكثير منها مقارنه بالتعاطف مع الفلسطيني ، إذ أظهرت الاستطلاعات عام 2010 أن نسبة التعاطف مع اسرائيل بلغت 57,5% مقابل 10,25 % للفلسطيني ،وبالعودة إلى أهم مؤثر في تعاطف الأمريكيين مع إسرائيل ونظرتهم السلبية للفلسطينيين وجدنا أن وسائل الإعلام الأمريكية كان لها نصيب الاسد (35% ) مقابل (21% للمعتقدات الدينية ، لذا فان الإعلام الإمريكي هو أكثر العوامل المؤثرة في اتجاهات التعاطف لدى الرأي العام الأمريكي .
في دراسة للباحث وائل المبحوح (المقاومة الشعبية الفلسطينية خيار الواقع أم استراتيجيه وطنيه؟ مسيرات العودة الكبرى نموذجا ) ، كتب عن تناول الإعلام الأمريكي لمسيرات العودة ، وأن مسيرات العودة ما زالت غير قادرة على اختراق الرواية الصهيونية في الإعلام الأمريكي ، وأن الإعلام العالمي والأمريكي لا يعد المقاومة الشعبية جزءاً من نضال تحرري، بل هو إحداث احتجاجات على سياسات معينة، كما إنه يرتكز على أحداث تعكس كثيراً من القضايا ذات طابع حقوق الإنسان، ولا يرتكز على البعد السياسي للحدث، والأخطر هو أن يتم تصوير المقاومة الشعبية على أنها حركات احتجاج كما هو في العالم العربي إبّان الربيع العربي، أو هو صراع بين مدنيين فلسطينيين ومستوطنين، وتصوير الجيش الإسرائيلي كطرف محايد يفصل في هذا الصراع المدني.
يرى الدكتور سليم علي أن مدى قوة اللوبي الصهيوني وتأثيره على الإعلام الأمريكي تعود الى عدة مصادر هي:
- التغلغل الإعلامي: من خلال وصول أعداد كبيرة من الموالين لهذا اللوبي الى مراكز إعلامية هامة وسيطرتهم على عدد كبير من غرف التحرير في الصحف والمجلات والقنوات التلفزيونية.
- القوة الإعلانية: فالقدرة المالية التي تملكها الشركات المرتبطة بهذا اللوبي لها القدرة على استخدام الوسائل الإعلانية كوسيلة ضغط لتحقيق أهداف فكرية وسياسية، ونظراً لأن أغلب وسائل الإعلام الأمريكية مؤسسات ربحية بالدرجة الاولى، فان الإعلام يُعد اهم مصدر من مصادر التمويل والربح لهذه الوسائل الإعلانية.
- ملكية وسائل الإعلام: من خلال سيطرة التيارات الصهيونية على العديد من الصحف ووسائل الإعلام الاخرى، وإخضاعها بصورة أو اخرى لأهداف التيارات بشكل غير مباشر.
- جهل الرأي العام: فالمجتمع الأمريكي بطبيعته لا يهتم بقضايا العالم الخارجي، ولا يُعنى بصراعات اخرى لا تؤثر على حياته اليومية، ولذلك نجح اللوبي الصهيوني في استغلال هذا الجهل العام لإعادة توجيه الرأي العام الأمريكي تجاه أولوياته وأهدافه الرئيسة.
مطلوب من الفلسطينيين مواصلة الطرق على الأبواب الإعلامية، لنشر روايتهم التاريخية والسياسية حول كونهم شعبًا مضطهدًا وتحت احتلال غير شرعي وعدواني مخالف للشرائع الدولية الأساسية التي تُحَرِّمُ الاحتلال وتُجَرِّمُه؛ ولفعل هذا بصورة ناجعة أكثر، يحتاج الفلسطينيون إلى كادر كفؤ يعرف اللغات والثقافات، ويعرف كيف يخاطب ويحاور ويتحاور مع هذه الثقافات بصورة منطقية وعقلانية، وإنسانية فوق كل ذلك.