ضوء أحمر من الضفة الغربية

عماد أبو عواد
22-12-2018
عماد أبو عوّاد\ مدير مركز القدس لدراسات الشأن الإسرائيلي

حتى إن استطاعت "إسرائيل" قمع الأحداث الأخيرة، لكنّ ما حدث يُضيء ضوءً أحمر للحكومة الإسرائيلية لتغيير استراتيجيتها في الضفة الغربية. بهذه الكلمات استهل كوبي ميخال واودي ديكال الباحثان البارزان في معهد الدراسات الأمنية الإسرائيلي، تقريرهما الأخير حيال ما شهدته ساحة الضفة الغربية خلال الفترة الأخيرة.

فقد قامت السياسة الإسرائيلية وفق الكاتبان على "الوضع الراهن"، بمعنى أنّ "إسرائيل" اعتمدت على سياسة الرد على الأحداث، دون الوصول إلى استراتيجية طويلة المدى لمنع تكرارها، ومن الواضح أنّ هذه السياسة الآنية، والتي تأتي كردات فعل لن تكون صالحة في المستقبل، من هُنا يتوجب على الحكومة الإسرائيلية اتخاذ خطوات عملية على الأرض، لوأد العمل قبل خروجه إلى حيز التنفيذ.

من هُنا اقترح كوبي ورفيقه، خطة طريق استراتيجية تعتمد على أربع أسس، الأول، الحفاظ على حرية العمل الأمني الإسرائيلي في كامل الضفة الغربية مع الحرص على تقليص مساحة الاحتكاك ما بين المواطن الفلسطيني والمستوطن في الضفة الغربية، فيما الثاني، استمرار التعاون الأمني مع أجهزة الأمن الفلسطينية، وزيادة قدرتها على الحكم، والثالث، العودة للمفاوضات السياسية والوصول لحل انتقالي يشمل القضايا التي لا خلاف عليها مرحلياً، فيما الرابع والأخير، تعاون إسرائيلي مع المؤسسات الدولية لإعادة اعمار غزة، مع ضمان أن يكون الدور الرئيس في ذلك للسلطة الفلسطينية.

ما اقترحه الباحثان هُنا يصطدم بحقيقة مهمّة، أنّ الحكومة الإسرائيلية اليمينية لا تستطيع ضمن تركيبتها الحالية اتخاذ خطوات استراتيجية، فهي مرهونة بمزاج شخص واحد، إذا شاء انسحب فتسقط الحكومة التي تمتلك الحد الأدنى من أعضاء الكنيست، وقد كان ذلك واضحاً، عندما هدد بتسلال سموتريتس، واوري ارئيل، وهما عضوا الاتحاد القومي في البيت اليهودي، بالانسحاب في حال لم يُقدم نتنياهو على هدم بيوت منفذي العمليات، وتسوية أوضاع البؤر الاستيطانية.

بمعنى أنّ حكومة اليمين ستبقى تُنافس داخلياً، أيّها الأكثر تطرفاً، لكسب المزيد من أصوات المستوطنين اللذين باتوا يُشكلون ثقلاً انتخابياً، ليس فحسب لأنّهم يُشكلون 11% من مجموع اليهود في الدولة، ولكنّ بسبب مشاركتهم العالية في التصويت في الانتخابات.

من جانب آخر فإنّه عملياً على الأرض، ما تم اقتراحه هو ضمن الاستراتيجية العامة الإسرائيلية التي ترتكز على ضرورة حرق الوقت، وكسب المزيد من الزمن دون تقديم تنازلات حقيقية، فأوسلو على سوءاته فلسطينياً، ورغم قضمه غالبية الحق الفلسطيني، فإنّه مرفوض من الناحية الإسرائيلية، التي بات يُجمع طيفها من أحزاب المركز واليمين، أنّ التجمعات الاستيطانية الكُبرى لا يجوز المساس بها، بل باتت حتى أحزاب المركز، تتقرب لفكر اليمين لكسب جزءٍ من أصوات مؤيديه، ادراكاً منها أنّ المجتمع الصهيوني، بات يميل يميناً دون وجود توازن يحفظ للمركز هيبته.

والحقيقة الأكثر رسوخاً، أن "إسرائيل" لا زالت تُريد العمل على خلق سلطة فلسطينية مهزوزة، فمن الجانب الأول عديمة الصلاحيات، ومن الجانب الآخر سلطة منسقة أمنيا ومطبعة، الأمر الذي تعي "إسرائيل" استحالة استمرار تقبله فلسطينياً، فبالتالي من أراد خلق فرص استراتيجية، عليه الدخول في عقل الطرف الآخر، وتفهم متطلباته المرحلية، لكن هي ذاتها تل أبيب، لا زالت تؤمن بالأخذ دون العطاء.

والأكثر رسوخاً وما لا تُريد عقلية اليمين الإسرائيلي استيعابه، هو أنّ الضفة الغربية، وهي الساحة الأهم اسرائيلياً والأكثر خطورة من الجانب الآخر على الأمن الإسرائيلي، بالتأكيد لن تكون إلّا ساحة أخرى أكثر تطوراً في الصراع مع الاحتلال الأمر الذي سيجعل الوجود الاستيطاني فيها، فرصة مهمّة للمقاوم الفلسطيني لضرب المشروع الصهيوني، ومن الجانب الآخر عبئاً ثقيلاً على الاحتلال من حيث تكبده للخسائر، ونقش مسمار مهم في نعش الاحتلال.

وإن كانت "إسرائيل" تنجح في وأد الكثير من العمليات في مهدها، وتتبع الخلايا المُنفذة والوصول إليها، فإن ذلك لم يفي غرض القضاء على فكرة المقاومة، التي باتت تخرج للاحتلال من حيث لا يحتسب، وبالتالي فإنّ استمرار الحالة الراهنة وتطورها هو الأمر الطبيعي الذي يتوقعه الشاباك والجيش الإسرائيلي، لكنّ السياسي لا يُريد تصديقه، أو تحمل تبعاته سوى بمزيد من التطرف والتضييق على الفلسطيني، الأمر الذي سيكلّف الاحتلال كثيراً.

ختاماً، اعتاد اليمين الإسرائيلي على دفع الثمن بعد تكبد خسائر كبيرة، وما انفصال شارون عن غزة ببعيد، لقد تغولت "إسرائيل" كثيراً، فساهمت من حيث لا تشعر، بجعل المقاومة الخيار الأول فلسطينياً، كما هو في غزة هو في الضفة، الفرق أنّ الصوت في غزة عالياً وظروفه أكثر سماحا بتبني الخيار علناً، وإن اختلف الحال في الضفة، فإنّها الساحة التي تؤلم "إسرائيل" بأقل الإمكانات، وإن كانت الأوضاع لم تصل إلى انتفاضة عارمة، فإنها في نفس الوقت لم تصل للهدوء المطلوب اسرائيلياً، الأمر الذي يعني أننا أمام حالة انتفاضة وللانتفاضة، وهو بحد ذاته كافٍ لضرب المشروع الصهيوني الاستيطاني في الضفة.