عبورك إلى الوطن حلم (١)

علاء الريماوي
13-08-2020
علاء الريماوي
همس في أذني صديق جميل يحدثني عن الإمكانية لزيارة البحر... تعلقت بالوعد كطفل صغير يحلم بالعيد، حزمت الملابس وجهزت برنامجي للزيارة الثالثة في عمري للداخل المحتل .
منيتها خطو على الشاطئ، و متابعة لانكسار الشفق، ولعب بالماء و خلوة مع الموج، وهمس الاحاسيس.
سرنا اليه، عبر طرق متعرجة خشية المنع المعتاد و الملاحق للفلسطيني.
أفواج من الناس تسعى، عجوز وشاب وطفلة وامها، يتهامسون عن البحر، كأنه حلم الجائع بالطعام، وحلم المحروم بطفلة تضم الشوق اليه.
صعدنا وهبطنا خشينا وغالبنا، حتى بدأت الرحلة بدعاء تمام الحلم.
مضت العين من غير إغماضه، كي لا تضيع الصور، و لتسلم على الأمكنة.... يحزنها الحرف المشوه، المغتصبة، رؤوس الغرابيب وسحن الماكرين الذين اجتمعوا على حروف تاريخنا المسروق.
وصلنا سلسلة جبال الكرمل وقد دلتنا إليها خيوط الشمس المتكسرة جراء تشابك أغصان الأشجار في غابة لم تشاهد كجمالها، من قمتها تشتبك العين مع البحر والساحل وترى من على الأطلال تاريخ المكان المغتصب.
رفع الأذان سجدت الجباه على ترابه، الذي ما زال يحتفظ بالطيون، والزعتر، و عناقيد العليق، و"مكر" الماء، وشدو العصافير الناطقة بالعربية، فتبكي لربك تبتلا، بأن يجمعك ربك به من غير قهر ولا غربان.
حط بنا الرحال مع غياب الشمس في عكا، تجذب كعروس تحكي طهرها، وكجميلة تبعثر شعرها تعزف صبابة الهيام على ناي قلبها.
هممنا بها وهمت فانتحبنا، فاصعدتنا شوقا على اسوارها، تباهي بنا الغريب الصاغر تحت اقدامها، نهلل معها التاريخ اشرعة عودتها، تقسم بأن نابليون ما عبر موجها، وأنها الوفية لمحمد، فشق جلبة المكان أذان بلال الله اكبر.
شقراء اسدلت شعرها، وقفت إلى جانب امها تسمع حكاية عكا من والدها الثلاثيني قائلا" عند هذه الناحية ردت عكا غازيها مندحرا". اصرت على صورة مع التاريخ وابتسمت.
مضينا في طرقاتها العربية.... نقش الخلافة، حجارة التاريخ شواهد الأمراء وقبور الشهداء.
جلست على ناصية بحر عكا، وقد هبطت الشمس في بطنه، علا موجه، أزبد تراشقت ذراته غاضبا، يدفعني عنه حوار استنكاري، من اي أمة انت؟
قرن من الغربة، قرن من القهر والعهر، والصبر .... من اي أمة انت.
كيف تتركون شوقنا، تاريخنا، حلمنا، مجدنا؟
أنسيتم من اكون؟
انسيتم كيف انتفضت على حملات الصليب، وسفن المستعمر التي ابتلعتها معكم.... لماذا كل هذه القسوة منكم.
عجزتم عذرت، هزمتم فهمت، تقهقرتم دعوت، لكن لم اصدق أنكم انسلختم عني واسلمتموني إلى عدوكم لتسمونني بحر عدوكم.
حاولت الإجابة استحلفته، رجوته، زاد الغضب بكيت وما عذر ... صرخ ... بكائي العربي لم تسمعوه... انا الغاضب على أمة شذت عن تاريخي العربي.
تحاملت على خيبتنا ومضيت .... وإذا بشاب عشريني، يبتسم ..... رددت السلام المتثاقل، شدني نصاعة وجهه، عرفني على نفسه بأحمد العكاوي طالب طب، ناشط مجتمعي، ومتطوع يحدث الناس عن عكا.
حدثته هواجسي، حوار الخذلان، غضب البحر، وعجز الروح ، سار بي كطفل بين يديه، يذكرني بجميل عكا والأمل.
ختم قائلا ... صاحبي البحر والاسوار منيعة لا تقهر، لكن الأهم سيدي منعة الفلسطيني اهم، كونه حارس البيدر.