على لسان محررين.. معتقل جلبوع مقبرة حقيقية في ظل موجات الحرّ

رولا حسنين
18-05-2020



إعداد: رولا حسنين- مركز القدس




في كثير من الأحيان تصل الى مرحلة الصمت أمام كل ما يعيشه الشعب الفلسطيني بشكل فردي أو جماعي شعبي، ليس للصمت مبرراً، سوى الكم الهائل من المعاناة التي تمرّ على الشعب منذ سنوات، وأعتقد أن أسوء المراحل التي يعيشها هي الأيام الحالية، وربما الآتِ أسوأ، ولا مجال لترياق الأمل، لأن الكثير من الأمل دون جدوى يشكل صدمة شعورية كبيرة في نفس المتأمل.

وضمن العواصف التي يعيشها الشعب الفلسطيني حالياً، تكالب الاحتلال على قضية الأسرى بشتى وسائله، لإفراغ الموروث الثقافي لدى الشعب تجاه قضية الأسرى، رغم أن قضية الأسرى لم تعد موجودة على الطاولة الرسمية، إنما أصبحت ورقة يلوّح بها السياسيين للصعود أكثر على كتف الأسرى، متناسيين أن الصعود السياسي على قضية الأسرى أفرزت شخصيات لا يهمها إلا شخصها، وبعيدة كل البعد عن همّ الأسرى وعوائلهم. وفي الآونة الأخيرة بدأت قضية وقف الحسابات البنكية للأسرى بضغط مباشر من الاحتلال الذي يعمد على قتل الأسرى ببطئ، من خلال اذلالهم وقهرهم.

وفي شهر رمضان الذي اقتربنا على انتهائه، ومع موجةّ الحر الشديدة التي نحياها منذ أيام، كان الأسرى في مخيلتي حاضرين وسط كلام أصحاب التجربة عن كافة الطرق التي يحاول فيها الأسير مداراة الحرارة دون جدوى، وفي البحث عن أسوأ السجون الإسرائيلية التي يبلغ عددها 28 سجناً ومركز توقيف، تصدر سجن جلبوع قائمة السجون التي تشتد فيه معاناة الأسرى حيث ارتفاع درجات الحرارة والرطوبة الشديدة.

سجن جلوع، أنشأه الاحتلال –بإشراف خبراء إيرلنديين- على أراضي غور بيسان أقرب سجون الشمال "شطة ومجدو وسالم" الى الشمال الفلسطيني، بُني في نيسان 2004، ويتكون من 5 أقسام، وفي كل قسم 15 غرفة، وكل غرفة تتسع لـ 8 أسرى، ولكن الاحتلال الذي لا يلقي بالاً لأوضاع الأسرى، يرفع من عدد الأسرى في الأقسام مما يشهد اكتظاظ كبير.

ويضم سجن جلبوع مجموعة من قدماء الأسرى وأصحاب الأحكام المرتفعة جداً، في محاولة من الاحتلال لعزلهم عن باقي الأسرى، ويخضع السجن لتشديدات أمنية معقدة.

الأسير المحرر (أ.ح) لم يتسطع وصف معاناته في جلبوع في مثل هذا الطقس، فقال "جلبوع موت، قهر، ذل"، إن السجان كل هدفه هو إذلال الأسير نفسياً ومعنوياً مجسدياً، الأسرى في جلبوع لا يعانون ارتفاع الحرارة فحسب، إنما ما يضيق عليهم أكثر هو الرطوبة الشديدة فيه، بحيث لا يمكن للأسير أن يتعامل مع هذه الأوضاع لأنه لا امكانيات متوفرة لديه لذلك، لا نهاراً ولا ليلاً، بعد تحرري من الأسر، ما زال هاجس جلبوع في ذهني، ما زالت صورة الأسرى في مخيلتي وهم يضعون الملابس المبتلة على رؤوسهم وأكتافهم في محاولة للتخفيف من معاناتهم، لدرجة أن الأسير كان يستحم وهو يستحم كان عليه أن يستحم مجدداً بسبب التعرق الشديد.

أما المحرر (م.س)، فقال إن سجون الشمال عامة وجلبوع تحديداً يعتبر مقبرة شديدة الحرارة في الصيف، حتى الغبار تشعر أنه يتكالب عليك ضمن منظومة القهر التي تعيشها يومياً، تشعر أن الاحتلال والطبيعة متفقين عليك!.

وفي حديث محرر آخر نقلاً عن أسير يقبع حالياً في سجن جلبوع، يقول إن اشتداد الحرارة مع حلول شهر رمضان ضاعف معاناة الأسرى في المعتقل، حيث أن غالبية الأسرى توقفوا عن ممارسة الرياضة حتى لا يصيبهم الجفاف في ظل بذل مجهود أكبر وتعرق وراتفاع درجات الحرارة ورطوبة شديدة، وصيام رمضان.

وقفة مع أنفسنا وتذمرنا من موجات الحرّ التي نعيشها، ووسائل التخفيف منها، مقارنة بواقع الأسرى، نشعر أن الأسرى هم في مواجهة مستمرة مع الاحتلال، الأسرى ما زالوا خط الدفاع الأول عن قضيتنا وما زالوا هم الأحرار الذين يدفعون ثمن كرامة وطنهم، فأين نحن منهم؟!