عملية جنين: سلسلة من الصعب مواجهتها
عماد أبو عواد
17-03-2018
عماد أبو عواد * مركز القدس لدراسات الشأن الإسرائيلي والفلسطيني
تأسست نظرية الردع الإسرائيلية تاريخياً، لمواجهة جيوش نظامية، كانت تعتقد "إسرائيل" أنّها ستشكل خطراً على وجودها، الأمر الذي دفعها لامتاك قوّة كبيرة، وتكنولوجيا متطورة، ساهمت بعلو قدمها، ربما ذلك لحقيقة امتلاكها تلك القوّة، أو على الأرجح بسبب ضعف محيطها وتخلفه، وتخليه عن امتلاك مقومات المواجهة، لمسببات معلومة اختلقها لنفسه.
بمنظور ما تأسست عليه سياسة ردع "تل ابيب"، يمكن القول أنّها نجحت إلى حد كبير، فقد حيّدت وجود أيّ تهديد نظامي عليها، من قبل أي نظام إقليمي يحُدّها، ولكن ما لم تتنبه له "إسرائيل"، أو على الأقل ارتأت سهولة مواجهته والقضاء عليه مع الوقت هو تهديد العمليات الفدائية، أو وجود تنظيمات تُشكل خطراً استراتيجياً عليها.
قبل نحو شهرين من الآن، كتب اللواء السابق والباحث في مركز بيجن -سادات للدراسات جرشون هكوهين- مقالاً مطوّلاً أشار فيه إلى أنّ النظرية الأمنية الإسرائيلية تُعاني عيوباً، توجب على صانعيها والواقفين على رأس الأمن فيها صياغتها من جديد، وحدد هكوهين تلك التحديات بأمرين، الأول بوجود تنظيمات على شكل دولة، في إشارة لحماس وحزب الله، يُشكلان تهديداً مستمراً، واستنزافاً يهدف لإيصال قناعة مفادها أنّ المشروع الصهيوني آيلً للسقوط.
والثاني، مرتبط بوجود العمليات الفردية، والتي ترسخ فكرة استحالة وجود أمن في الأراضي المحتلة، الأمر الذي سيؤسس لفكرة مراجعة المشروع ككل، في ظل استحالة التعايش مع هذه الحالة، إلى جانب فقدان قدرة مواجهتها، وإيجاد سبل ردع مناسبة لها.
ولعلّ الناظر إلى الموجات الفلسطينية المتكررة، خلال السنوات الأخيرة والتي لم ترقَ للوصول إلى انتفاضات شبيهة بالأولى في العام 1987، والثانية في العام 2000، إلّا أنّها تميزت بأمور مهمّة، علّ الانتفاضتان لم تملكانها، تلك الميزات تجعل من مواجهتها أمراً صعباً، حيث امتازت بوجود سلسلة عمليات مستمرة منذ ثلاث سنوات، حتى في ظل هدوء تلك الموجات شعبياً، ولعلّ ما يصعّبُ مواجهتها أمور موضوعية متنوعة، من بينها:
أولاً: وجود احتكاك مباشر بين المستوطنين والجيش الإسرائيلي مع جموع المواطنين الفلسطينيين في الضفة الغربية، الأمر الذي يسهل من تنفيذ عمليات الدهس والطعن، وربما إطلاق النار.
ثانياً: ما يحدث في الضفة هي عمليات غير منظمة، تتميز بالفردية في الغالب، ومن الممكن أن يقوم منفذيها بتخطيط لحظي غير طويل، الأمر الذي يحافظ على سرّية العمليات وإمكانية نجاحها، وعدم الحاجة لوجود تنظيمات وخلايا تنظيمية للتخطيط والتنفيذ في الغالب.
ثالثاً: غالبية منفذي العمليات هم من المستبعدين من دائرة تشكيل خطر أمني وفق التعريف الإسرائيلي، أي ليس لديهم سوابق أمنية تتعلق بمقاومة الاحتلال، الأمر الذي يجعل متابعة هذه الفئة صعب جداً، لأنها كبيرة بطبيعة الحال.
رابعاً: "اسرائيل" عملت من خلال سياستها التي تعتمد على التضييق الاقتصادي وقتل الأمل السياسي، لجعل خيار المقاومة، الخيار الوحيد للخلاص من الاحتلال وتحسين الظروف الفلسطينية.
خامساً: الجيل الفلسطيني الشاب الذي راهنت اسرائيل على نسيانه لقضيته وتراجع حسه الوطني والديني، بات أكثر شجاعة وأكثر قدرة على اتخاذ زمام المبادرة.
سادساً: باتت المقاومة نموذجا مؤثراً في الوعي الشبابي الفلسطيني، وباتت اسطورة المقاوم وشخصيته أكبر المؤثرات في وعي وطموح الجيل الشاب.
من هنا، فإنّ تحقيق الأمن في ظل المعطيات المذكورة أعلاه، يفنده تكرار العمليات والتي باتت أكثر ايلاماً مع مرور الوقت، ويفتح الباب أمام تساؤل بات متداولاً في الداخل الإسرائيلي، هل يستطيع المستوطن الإسرائيلي وتحديداً مستوطنو الضفة الغربية، التعايش مع هكذا واقع؟، أم أنّ هناك حاجة لإيجاد نظرية أمن جديدة وردع متطور للحد من العمليات.
وليس منّا من يُنكر، أنّ "إسرائيل" جرّبت الكثير من نظريات الردع للحيلولة دون وجود أعمال مقاومة ضدها، ولكنّها لم تفلح بالقضاء عليها، ورغم تفاخر الشاباك الإسرائيلي بإعلانات متكررة أنّه أحبط ما يزيد عن 70% من العمليات قبل وقوعها، إلّا أنّه اعتراف ضمني بفشله في مواجهة ثلث تلك العمليات.
هذا الثلث كان كفيلاً باستمرار حالة أمنية غير محتملة وفق المستوطن الإسرائيلي، والذي يطرب لسماع التصريحات النارية لقيادته، من التأكيد على تنفيذ قانون الإعدام، إلى تنفيذ هدم المنازل واعتقال أقارب منفذي العمليات، هي ذات السياسة وذات التصريحات، التي لم تُسهم في جعل المشهد أكثر أمامناً، بل على العكس جلبت السياسة القمعية المبنية على العقوبات الجماعية، وفق الأبحاث الإسرائيلية المزيد من العمليات والسخط الفلسطيني تجاه "إسرائيل".
ختاماً، سلسلة العمليات الفلسطينية استطاعت التأقلم مع إجراءات الاحتلال، بل باتت أكثر قدرة على تشكيل تهديد دائم له وبأدوات أبسط، هذا إلى جانب وجود تهديد استراتيجي متمثل بالمقاومة في غزة، الأمر الذي يدفع للتساؤل، هل ستُسهم هذه العمليات بدفع "إسرائيل" لاتخاذ قرارات سياسية حاسمة تدفع فيه ثمن احتلالها، الأمر الذي قد يبدو بعيداً في ظل حُكم اليمين، إلّا أنّ الواقع يقول، هو ذات اليمين الصقوري الأجرأ على اتخاذ قرارات من هذا النوع إن لم يكن على المدى المنظور، إلّا أنّه السبيل الوحيد لمواجهة التحدي الأمني، أو فإنّ على الاحتلال التعايش مع ظروف أمنية تُشير معطياته الداخلية إلى ضعف جبهته الداخلية وعدم قدرتها على احتماله.
تأسست نظرية الردع الإسرائيلية تاريخياً، لمواجهة جيوش نظامية، كانت تعتقد "إسرائيل" أنّها ستشكل خطراً على وجودها، الأمر الذي دفعها لامتاك قوّة كبيرة، وتكنولوجيا متطورة، ساهمت بعلو قدمها، ربما ذلك لحقيقة امتلاكها تلك القوّة، أو على الأرجح بسبب ضعف محيطها وتخلفه، وتخليه عن امتلاك مقومات المواجهة، لمسببات معلومة اختلقها لنفسه.
بمنظور ما تأسست عليه سياسة ردع "تل ابيب"، يمكن القول أنّها نجحت إلى حد كبير، فقد حيّدت وجود أيّ تهديد نظامي عليها، من قبل أي نظام إقليمي يحُدّها، ولكن ما لم تتنبه له "إسرائيل"، أو على الأقل ارتأت سهولة مواجهته والقضاء عليه مع الوقت هو تهديد العمليات الفدائية، أو وجود تنظيمات تُشكل خطراً استراتيجياً عليها.
قبل نحو شهرين من الآن، كتب اللواء السابق والباحث في مركز بيجن -سادات للدراسات جرشون هكوهين- مقالاً مطوّلاً أشار فيه إلى أنّ النظرية الأمنية الإسرائيلية تُعاني عيوباً، توجب على صانعيها والواقفين على رأس الأمن فيها صياغتها من جديد، وحدد هكوهين تلك التحديات بأمرين، الأول بوجود تنظيمات على شكل دولة، في إشارة لحماس وحزب الله، يُشكلان تهديداً مستمراً، واستنزافاً يهدف لإيصال قناعة مفادها أنّ المشروع الصهيوني آيلً للسقوط.
والثاني، مرتبط بوجود العمليات الفردية، والتي ترسخ فكرة استحالة وجود أمن في الأراضي المحتلة، الأمر الذي سيؤسس لفكرة مراجعة المشروع ككل، في ظل استحالة التعايش مع هذه الحالة، إلى جانب فقدان قدرة مواجهتها، وإيجاد سبل ردع مناسبة لها.
ولعلّ الناظر إلى الموجات الفلسطينية المتكررة، خلال السنوات الأخيرة والتي لم ترقَ للوصول إلى انتفاضات شبيهة بالأولى في العام 1987، والثانية في العام 2000، إلّا أنّها تميزت بأمور مهمّة، علّ الانتفاضتان لم تملكانها، تلك الميزات تجعل من مواجهتها أمراً صعباً، حيث امتازت بوجود سلسلة عمليات مستمرة منذ ثلاث سنوات، حتى في ظل هدوء تلك الموجات شعبياً، ولعلّ ما يصعّبُ مواجهتها أمور موضوعية متنوعة، من بينها:
أولاً: وجود احتكاك مباشر بين المستوطنين والجيش الإسرائيلي مع جموع المواطنين الفلسطينيين في الضفة الغربية، الأمر الذي يسهل من تنفيذ عمليات الدهس والطعن، وربما إطلاق النار.
ثانياً: ما يحدث في الضفة هي عمليات غير منظمة، تتميز بالفردية في الغالب، ومن الممكن أن يقوم منفذيها بتخطيط لحظي غير طويل، الأمر الذي يحافظ على سرّية العمليات وإمكانية نجاحها، وعدم الحاجة لوجود تنظيمات وخلايا تنظيمية للتخطيط والتنفيذ في الغالب.
ثالثاً: غالبية منفذي العمليات هم من المستبعدين من دائرة تشكيل خطر أمني وفق التعريف الإسرائيلي، أي ليس لديهم سوابق أمنية تتعلق بمقاومة الاحتلال، الأمر الذي يجعل متابعة هذه الفئة صعب جداً، لأنها كبيرة بطبيعة الحال.
رابعاً: "اسرائيل" عملت من خلال سياستها التي تعتمد على التضييق الاقتصادي وقتل الأمل السياسي، لجعل خيار المقاومة، الخيار الوحيد للخلاص من الاحتلال وتحسين الظروف الفلسطينية.
خامساً: الجيل الفلسطيني الشاب الذي راهنت اسرائيل على نسيانه لقضيته وتراجع حسه الوطني والديني، بات أكثر شجاعة وأكثر قدرة على اتخاذ زمام المبادرة.
سادساً: باتت المقاومة نموذجا مؤثراً في الوعي الشبابي الفلسطيني، وباتت اسطورة المقاوم وشخصيته أكبر المؤثرات في وعي وطموح الجيل الشاب.
من هنا، فإنّ تحقيق الأمن في ظل المعطيات المذكورة أعلاه، يفنده تكرار العمليات والتي باتت أكثر ايلاماً مع مرور الوقت، ويفتح الباب أمام تساؤل بات متداولاً في الداخل الإسرائيلي، هل يستطيع المستوطن الإسرائيلي وتحديداً مستوطنو الضفة الغربية، التعايش مع هكذا واقع؟، أم أنّ هناك حاجة لإيجاد نظرية أمن جديدة وردع متطور للحد من العمليات.
وليس منّا من يُنكر، أنّ "إسرائيل" جرّبت الكثير من نظريات الردع للحيلولة دون وجود أعمال مقاومة ضدها، ولكنّها لم تفلح بالقضاء عليها، ورغم تفاخر الشاباك الإسرائيلي بإعلانات متكررة أنّه أحبط ما يزيد عن 70% من العمليات قبل وقوعها، إلّا أنّه اعتراف ضمني بفشله في مواجهة ثلث تلك العمليات.
هذا الثلث كان كفيلاً باستمرار حالة أمنية غير محتملة وفق المستوطن الإسرائيلي، والذي يطرب لسماع التصريحات النارية لقيادته، من التأكيد على تنفيذ قانون الإعدام، إلى تنفيذ هدم المنازل واعتقال أقارب منفذي العمليات، هي ذات السياسة وذات التصريحات، التي لم تُسهم في جعل المشهد أكثر أمامناً، بل على العكس جلبت السياسة القمعية المبنية على العقوبات الجماعية، وفق الأبحاث الإسرائيلية المزيد من العمليات والسخط الفلسطيني تجاه "إسرائيل".
ختاماً، سلسلة العمليات الفلسطينية استطاعت التأقلم مع إجراءات الاحتلال، بل باتت أكثر قدرة على تشكيل تهديد دائم له وبأدوات أبسط، هذا إلى جانب وجود تهديد استراتيجي متمثل بالمقاومة في غزة، الأمر الذي يدفع للتساؤل، هل ستُسهم هذه العمليات بدفع "إسرائيل" لاتخاذ قرارات سياسية حاسمة تدفع فيه ثمن احتلالها، الأمر الذي قد يبدو بعيداً في ظل حُكم اليمين، إلّا أنّ الواقع يقول، هو ذات اليمين الصقوري الأجرأ على اتخاذ قرارات من هذا النوع إن لم يكن على المدى المنظور، إلّا أنّه السبيل الوحيد لمواجهة التحدي الأمني، أو فإنّ على الاحتلال التعايش مع ظروف أمنية تُشير معطياته الداخلية إلى ضعف جبهته الداخلية وعدم قدرتها على احتماله.