غزة وإسرائيل.. اتفاق أم حرب ؟
ياسر مناع
08-08-2018
كتب: ياسر مناع – مركز القدس
تعتبر المناورة من على طاولة المفاوضات على صعيد واحد من حيث الخطورة مع المناورة في ميدان المعارك المسلحة، أو إن صح لنا القول فإنها الوجه الآخر لأزيز الرصاص ودوي المدافع، كيف لا وهي المقيدة والمحددة والضابطة للكثير من الوقائع والمجريات على الأرض، فعلى الرغم من التجربة المريرة والمؤلمة للشعب الفلسطيني مع المفاوضات والاتفاقيات، إلا أن التفاؤل تسلل إلى الداخل الفلسطيني بشكل عام، والغزيِّ على وجه الخصوص أملاً في تحقيق بعض التطلعات الوطنية في ظل ارتفاع جدران الحصار أكثر من ذي قبل، جاء ذلك كله في أعقاب انطلاق قطار الحوارات سواء بين حماس - مصر من جهة، أو في أروقتها الداخلية على المستويين السياسي والعسكري أو مع فصائل المقاومة من جهة أخرى.
"إسرائيل" أيضاً دخلت في دوامة من الجدل والنقاش، حيث عقد المجلس الوزاري المصغر "الكبينيت" اجتماعاً مطولاً رافقه نتائج مبهمة لم تخلُ من التهديد باستخدام القوة، والتي بقيت هي الأخرى في إطار المناروة، والجدير بالذكر أنه لا يمكننا الاعتماد على تصريحات الوزراء وقادة الأحزاب، لأن اتخاذ القرار لا يخرج إلا من بين يدي " ثلاثي اللعبة السياسية " وهم: رئيس الحكومة "نتنياهو"، وزير الدفاع "أفغدور ليبرمان"، ورئيس هيئة الأركان "غادي أيزنكوت".
في الواقع إن الخوض في هذه القضية شائك جداً لأمرين، أولاً لارتباطه بطبيعة العلاقة العدائية غير المنقطعة مع الاحتلال والوقوف في وجه أهدافه وتطلعاته من جهة، ثانياً التداخل التام مع ملف المصالحة الفلسطينية -التي إتخذت منها "إسرائيل" مبرراً للهروب من أي التزام أو اتفاق يُمكنُ حماس من تعزيز قوتها العسكرية أمام ناظريها-، لاسيما بعد التباين الواضح في المواقف الفلسطينيية، حيث رأت السلطة في أي اتفاق قد يبرم -بتجاوزها- يُعدُّ بمثابة التجاوز غير المسموح وأنه يعمل على ترسيخ الانقسام والفصل المصيري بين شقي الوطن.
ولذلك ضغطت باتجاه إنهاء المسألة كلياً -ليس تصحيحاً لمسارها عبر اتفاق مصالحة جديد والذي أرى أنه أولوية قصوى قبل إبرام أي اتفاق قصير أو طويل المدى-، فبات من غير الممكن الإحاطة بجميع جوانب الصورة في هذه الأسطر القليلة، فرغبتُ في تسليط الضوء على جزئية هامة، تدخل ضمن عملية تزييف الوعي والإدراك لدى الجمهور الفلسطيني -الذي ضاق ذرعاً بالوضع القائم-، كان قد تداولها الإعلام الإسرائيلي وتلقفتها الكثير من الألسن وطوعتها بما يخدم المناكفات السياسية، والأجندات الحزبية.
بات من المعلوم بالضرورة أن الإعلام الإسرائيلي -الذي للأسف يحظى بمصداقية لا بأس بها في أوساط الشارع الفلسطيني- مارس ولا زال يمارس سياسة تضليل الإعلامي بالإضافة إلى أنه يعاني من حالة انفصامية واضحة، وخصوصاً في تناوله في الآونة الأخيرة من أهمية إبقاء حماس في سدة حكم قطاع غزة، متذرعاً بالخوف من الجماعات المتشددة -حسب إدعائه- منَ السيطرة على القطاع، بيد أنها أكذوبة باهتة لا يمكن أن تنطلي على عقل، إلا أنه ما فتئ يرددها.
ولا نستطيع فهمها إلا من خلال تحليل المنهج والطريقة التي تتبعها "إسرائيل" مع حماس انطلاقاً من استراتيجية "الهدم البَنّاء" أي أن نعي جانباً صغيراً من هذه المسألة، حيث ترى " إسرائيل" أن وجود حماس على سدة الحكم في ظل الحصار والعقوبات المفروضة هو عبءعلى كاهلها، وبالتالي فإنها تسخِّر كل اهتماماتها وتفكيرها في البحث عن الحلول وإيجاد الكيفيات للخروج من الأزمات المتتالية، والسعي الحثيث في توفير أدنى مقومات الحياة للمواطن الغزيّ.
أضف إلى ذلك جانباً آخر من الضروري أن يُفهم في إطاره الصحيح لا التنظيري، حيث أن "إسرائيل" لاتحبذ وجود السلطة الفلسطينية في هذه المرحلة الحالية -مع أنها ستحقق لها حالة مشابهة تماماً أو ربما أقل قليلاً من الوضع القائم في الضفة الغربية- لأنها ما زالت تعض أصابع الندم على خطيئة الاعتراف بالضفة والقطاع أنهما وحدة واحدة على أوراق أوسلو، وبالتالي تحاول عدم تكرار إسطوانة حل الدولتين في الأروقة الدولية مما يعيق -ولو معنوياً- ما تمضي به على الأرض في الضفة الغربية من عمليات استيطان وتهويد، وبذلك يمكننا فهم لجوء "إسرائيل" إلى هكذا رواية من منطلق علمها التام بتعذر عودة السلطة إلى الحكم في غزة خلال المرحلة الحالية، أضف إلى ذلك السياسة التي تنتهجها "إسرائيل" ضد الحركة الوطنية جمعاء بهدف إضعافها وتشتيت أي قوة تأثير قد تمتلكها في الشارع الفلسطيني.
وبالعودة إلى ما يجري على ساحة غزة نستطيع القول بأن أقرب وصف لِما يمكنُ لنا أن نسمي المناورة الإسرائيلية الحالية " نحو لا حرب و لا إتفاق"، حيث تحاول "إسرائيل" أن تعود بالأوضاع إلى ما قبل "30 مارس"، أي إلى ما قبل مسيرات العودة، بالتزامن مع السعي لتطبيق جزء من تفاهمات وقف إطلاق النار عام 2014 مقابل تقديم بعض التسهيلات الاقتصادية والحلول الترقيعية للوضع المعيشي المتفاقم في القطاع، مما يكفل الهدوء الظاهري على الجمر الخفي.
ختاماً لا أعتقد بأن الجهود انتهت عند هذه النقطة، على الرغم من أن حماس قد تمكنت من تحقيق بعض المكاسب على الأرض، أدناها فتح معبر رفح ولم شمل مكتبها السياسي لأيام معدودة، ولكن التساؤل الذي يحتاج إلى إجابة دقيقة: هل تصنع مصر هذه السياسات بهدف إيجاد أوراق تستخدمها للضغط على "إسرائيل" مستقبلاً إن لزم الأمر، مما يساعد على استعادة مكانتها المتآكلة في المنطقة؟ أم أنها أداة من أدوات الحد من قوة الردع التي تمتكلها غزة؟ إذ يبدو واضحاً أنها آخذة بالازدياد!
تعتبر المناورة من على طاولة المفاوضات على صعيد واحد من حيث الخطورة مع المناورة في ميدان المعارك المسلحة، أو إن صح لنا القول فإنها الوجه الآخر لأزيز الرصاص ودوي المدافع، كيف لا وهي المقيدة والمحددة والضابطة للكثير من الوقائع والمجريات على الأرض، فعلى الرغم من التجربة المريرة والمؤلمة للشعب الفلسطيني مع المفاوضات والاتفاقيات، إلا أن التفاؤل تسلل إلى الداخل الفلسطيني بشكل عام، والغزيِّ على وجه الخصوص أملاً في تحقيق بعض التطلعات الوطنية في ظل ارتفاع جدران الحصار أكثر من ذي قبل، جاء ذلك كله في أعقاب انطلاق قطار الحوارات سواء بين حماس - مصر من جهة، أو في أروقتها الداخلية على المستويين السياسي والعسكري أو مع فصائل المقاومة من جهة أخرى.
"إسرائيل" أيضاً دخلت في دوامة من الجدل والنقاش، حيث عقد المجلس الوزاري المصغر "الكبينيت" اجتماعاً مطولاً رافقه نتائج مبهمة لم تخلُ من التهديد باستخدام القوة، والتي بقيت هي الأخرى في إطار المناروة، والجدير بالذكر أنه لا يمكننا الاعتماد على تصريحات الوزراء وقادة الأحزاب، لأن اتخاذ القرار لا يخرج إلا من بين يدي " ثلاثي اللعبة السياسية " وهم: رئيس الحكومة "نتنياهو"، وزير الدفاع "أفغدور ليبرمان"، ورئيس هيئة الأركان "غادي أيزنكوت".
في الواقع إن الخوض في هذه القضية شائك جداً لأمرين، أولاً لارتباطه بطبيعة العلاقة العدائية غير المنقطعة مع الاحتلال والوقوف في وجه أهدافه وتطلعاته من جهة، ثانياً التداخل التام مع ملف المصالحة الفلسطينية -التي إتخذت منها "إسرائيل" مبرراً للهروب من أي التزام أو اتفاق يُمكنُ حماس من تعزيز قوتها العسكرية أمام ناظريها-، لاسيما بعد التباين الواضح في المواقف الفلسطينيية، حيث رأت السلطة في أي اتفاق قد يبرم -بتجاوزها- يُعدُّ بمثابة التجاوز غير المسموح وأنه يعمل على ترسيخ الانقسام والفصل المصيري بين شقي الوطن.
ولذلك ضغطت باتجاه إنهاء المسألة كلياً -ليس تصحيحاً لمسارها عبر اتفاق مصالحة جديد والذي أرى أنه أولوية قصوى قبل إبرام أي اتفاق قصير أو طويل المدى-، فبات من غير الممكن الإحاطة بجميع جوانب الصورة في هذه الأسطر القليلة، فرغبتُ في تسليط الضوء على جزئية هامة، تدخل ضمن عملية تزييف الوعي والإدراك لدى الجمهور الفلسطيني -الذي ضاق ذرعاً بالوضع القائم-، كان قد تداولها الإعلام الإسرائيلي وتلقفتها الكثير من الألسن وطوعتها بما يخدم المناكفات السياسية، والأجندات الحزبية.
بات من المعلوم بالضرورة أن الإعلام الإسرائيلي -الذي للأسف يحظى بمصداقية لا بأس بها في أوساط الشارع الفلسطيني- مارس ولا زال يمارس سياسة تضليل الإعلامي بالإضافة إلى أنه يعاني من حالة انفصامية واضحة، وخصوصاً في تناوله في الآونة الأخيرة من أهمية إبقاء حماس في سدة حكم قطاع غزة، متذرعاً بالخوف من الجماعات المتشددة -حسب إدعائه- منَ السيطرة على القطاع، بيد أنها أكذوبة باهتة لا يمكن أن تنطلي على عقل، إلا أنه ما فتئ يرددها.
ولا نستطيع فهمها إلا من خلال تحليل المنهج والطريقة التي تتبعها "إسرائيل" مع حماس انطلاقاً من استراتيجية "الهدم البَنّاء" أي أن نعي جانباً صغيراً من هذه المسألة، حيث ترى " إسرائيل" أن وجود حماس على سدة الحكم في ظل الحصار والعقوبات المفروضة هو عبءعلى كاهلها، وبالتالي فإنها تسخِّر كل اهتماماتها وتفكيرها في البحث عن الحلول وإيجاد الكيفيات للخروج من الأزمات المتتالية، والسعي الحثيث في توفير أدنى مقومات الحياة للمواطن الغزيّ.
أضف إلى ذلك جانباً آخر من الضروري أن يُفهم في إطاره الصحيح لا التنظيري، حيث أن "إسرائيل" لاتحبذ وجود السلطة الفلسطينية في هذه المرحلة الحالية -مع أنها ستحقق لها حالة مشابهة تماماً أو ربما أقل قليلاً من الوضع القائم في الضفة الغربية- لأنها ما زالت تعض أصابع الندم على خطيئة الاعتراف بالضفة والقطاع أنهما وحدة واحدة على أوراق أوسلو، وبالتالي تحاول عدم تكرار إسطوانة حل الدولتين في الأروقة الدولية مما يعيق -ولو معنوياً- ما تمضي به على الأرض في الضفة الغربية من عمليات استيطان وتهويد، وبذلك يمكننا فهم لجوء "إسرائيل" إلى هكذا رواية من منطلق علمها التام بتعذر عودة السلطة إلى الحكم في غزة خلال المرحلة الحالية، أضف إلى ذلك السياسة التي تنتهجها "إسرائيل" ضد الحركة الوطنية جمعاء بهدف إضعافها وتشتيت أي قوة تأثير قد تمتلكها في الشارع الفلسطيني.
وبالعودة إلى ما يجري على ساحة غزة نستطيع القول بأن أقرب وصف لِما يمكنُ لنا أن نسمي المناورة الإسرائيلية الحالية " نحو لا حرب و لا إتفاق"، حيث تحاول "إسرائيل" أن تعود بالأوضاع إلى ما قبل "30 مارس"، أي إلى ما قبل مسيرات العودة، بالتزامن مع السعي لتطبيق جزء من تفاهمات وقف إطلاق النار عام 2014 مقابل تقديم بعض التسهيلات الاقتصادية والحلول الترقيعية للوضع المعيشي المتفاقم في القطاع، مما يكفل الهدوء الظاهري على الجمر الخفي.
ختاماً لا أعتقد بأن الجهود انتهت عند هذه النقطة، على الرغم من أن حماس قد تمكنت من تحقيق بعض المكاسب على الأرض، أدناها فتح معبر رفح ولم شمل مكتبها السياسي لأيام معدودة، ولكن التساؤل الذي يحتاج إلى إجابة دقيقة: هل تصنع مصر هذه السياسات بهدف إيجاد أوراق تستخدمها للضغط على "إسرائيل" مستقبلاً إن لزم الأمر، مما يساعد على استعادة مكانتها المتآكلة في المنطقة؟ أم أنها أداة من أدوات الحد من قوة الردع التي تمتكلها غزة؟ إذ يبدو واضحاً أنها آخذة بالازدياد!