فتح بين الثورة والثورة المضادة
رأي
فتح بين الثورة والثورة المضادة
إسلام حامد
أسير فلسطيني
ليست كل الثورات ثورة "لكنها تأتي مثل قدر لا يرد حينما يتعذر الإصلاح الجذري الجاد. أليس هناك دعاة للثورة؟ فالقمع والظلم والفساد والتخلف والفقر وحدها داعية للثورة[i].
بالنسبة لحركة فتح فإنّها تعتبر نفسها صاحبة الفضل والسبق في العمل الثوري وتأسيس مبادئه في الساحة الفلسطينية، ولدى الجمهور الفلسطيني حيثما وُجِد، حتى أنها أصدرت مؤلفًا بعنوان "المسلكيات الثورية"، وهو عنوان فضفاض يضم الكثير من المبادئ الثورية والأخلاقية، وعليه انبرت هذه الحركة وتصدرت المشهد الفلسطيني، وفرضت نفسها كأم الجماهير الفلسطينية.
لكن في صميم الثورة "والتي هي تغيير في مفاهيم مستقرة، وانفتاح على إنجازات غير مسبوقة في خدمة الإنسان، والثورة بهذا المعنى هي بناء على ما مضى، وتطوير ومراجعة، وليست هدمًا أو تقويضًا سياسيًا"[ii]، هذه المعاني تعني على النقيض من السلوك الممارس من قبل سلطة رام الله -كونها الواجهة الأمنية والسياسية المعبرة عن شخصية حركة فتح- ففي سلوكها تشتيت للمفاهيم المستقرة كالاحتلال الصهيوني للأرض الفلسطينية، والإبقاء عليه كذلك من خلال تجديد مفاهيم لطالما حاربها الشعب الفلسطيني في كل جولات قتاله ضد المنظومات الاستعمارية المتعاقبة على البلاد، كالعمل لصالح العدو والتخابر معه، وأصبح يطلق عليه التنسيق الأمني المقدس.
وبدلًا من الانفتاح على الإنجازات غير المسبوقة للمقاومة الفلسطينية في خدمة الفلسطيني كإنسان، يتم إيجاد شخصية فلسطينية هجينة ومشوهة، والتي تؤمن بحق اليهود في البقاء على الأرض الفلسطينية، وتعمل أيضًا على قتل وإنهاك كل من يقاوم ذلك، كما حصل مؤخرًا مع "نزار بنات".
وعليه، إن لم تكن حركة فتح وسلطتها الامتداد الثوري الحقيقي، فما هي إذًا استنادًا للتعريف السابق؟ ليس هنا الحديث عن المقاربات التي اتخذتها فتح لنفسها أو إصدار الأحكام بقدر ما هو إعادة تعريف الصورة للحالة الراهنة في الساحة السياسية الفلسطينية بعد كل المستجدات الأخيرة.
في نظرة نقدية للواقع يجب البحث في حقيقة المسارات التي أوجدتها حركة فتح، وأوقعت الشعب الفلسطيني فيها من جهة، ومن جهة أخرى ننظر مقدار ما حققته من أعمال وإنجازات لتحرير الذات الفلسطينية من التبعية للجهل ومنه للاحتلال، حتى يصبح ذلك "الشيخ" الفلسطيني إنسانًا.
لنعد في مقارنة بين ما حققته المقاومة في غزة من إيجاد الذات المسلوبة، وبين ما حققته فتح وسلطتها في الضفة من زيادة لقهر الذات وسحق الوعي الجمعي لصالح تثبيت فلسفة الحكم الغاشمة "مؤسسة الرئاسة"، من خلال الانصياع الكامل لرغبات الاحتلال الصهيوني في الكيفيات والآليات التي يجب أن تدار المنظومة الأمنية والسياسية في الضفة الغربية من خلالها.
وكما هي كل جولات الاستعمار في التاريخ، فإن "العالم المستعمَر منقسم إلى عالمين، والحدود الفاصلة إنما هي ثكنات ومراكز الشرطة، الدركي والشرطة في المستعمرات -كناية عن المناطق المحتلة- هما المرجع القيم الشرعي الذي يستطيع المستعمِر -المحتل- أن يرجع إليه ويخاطبه، وهي الجهة التي تنطق بلسان المستعمِر -الاحتلال نفسه- ونظام الاضطهاد"[iii].
وصولًا إلى أن "في المناطق المستعمَرة -المحتلة، وهنا فلسطين نموذجًا- فإن الدركي والشرطي بحضورهما المباشر وتدخلاتهما السريعة الكثيرة، يضلان على اتصال بالمستعمَر، وينصحانه بالعصا أو بالمواد المحرقة ألا يتحرك. وهكذا نرى أن وسيط السلطة الحاكمة يستعمل هنا لغة هي عنف صرف -كما نشاهد من قمع وسحل وضرب للجمهور الفلسطيني على مداد الضفة الغربية-، إن الوسيط -هنا سلطة رام الله- لا يخبئ هنا الاضطهاد ولا يسدل على السيطرة حجابًا، إنه يعرضهما ويظهرهما. إن الوسيط يحمل العنف هنا إلى بيوت المستعمَر -هنا الشعب الفلسطيني- وإلى أدمغته"[iv].
واستنادًا إلى ما سبق، وإسقاطًا لكل ما ذكر على السلطة الحاكمة في مقاطعة رام الله، نتساءل هل هذه السلطة كامتداد لحركة فتح والمنظمة من بعدها تعتبر امتدادًا للثورة الفلسطينية في وجه كل المستعمرين؟ أم أنها تعتبر ثورة مضادة للثورة الفلسطينية؟
[i]. أسئلة الثورة، للدكتور سلمان العودة، ص11.