فلسطين حدودها مسيطر عليها...ولم يتدخل حزب الله في "السور الواقي"

سري سمور
20-09-2022
تحميل المادة بصيغة PDF

رأي

فلسطين حدودها مسيطر عليها...ولم يتدخل حزب الله في "السور الواقي"

سري سمور

 

استكمالاً للمقالة السابقة حول الفروق المركزية الحاسمة بين وضع لبنان وحزب الله، ووضع المقاومة الفلسطينية في الضفة والقطاع أخطّ هذه السطور، وأثناء كتابتها تصاعد التراشق الإعلامي بين "إسرائيل" وحزب الله، على خلفية ترسيم الحدود البحرية وحقل (كاريش) للغاز في البحر الأبيض المتوسط، وقد يتم الوصول إلى تسوية يرى كل طرف أنه ربح فيها، ولو بالحد الأدنى، وقد تقع مواجهة لا نستطيع التكهن بحجمها ومداها الزمني وتوسعها المكاني.

ولكن هذا يدل على أن الحزب حين يهدد دولة يتملقها كبار قادة العالم وصغارهم، يستند إلى قوة يستطيع بها النكاية بالعدو، عمادها الدعم الإيراني النوعي والكمي، ولنقارن ذلك بحالة المقاومة في غزة مثلاً، سواء ما يتعلق بالحصار الجائر المفروض على غزة منذ 2007 أو نهب "إسرائيل" للغاز قبالة قطاع غزة، ومنع الفلسطينيين من الاستفادة من حقل غاز(غزة مارين) مع أن هناك اتفاقًا يتيح للجانب الفلسطيني الانتفاع من هذه الثروة التي تسد حاجة الضفة والقطاع  للطاقة مدة ربع قرن متواصلة، ولكن كعادة "إسرائيل" لا تنفذ إلا ما تراه مناسبًا لها، مرتكزة إلى قوتها ودعم الغرب لها، ولا يمكن للمقاومة في غزة أن تخوض في الوقت الحالي حربًا بسبب هذا الغاز لاعتبارات مفهومة ومنطقية.

أما الحصار فمع أن المقاومة في غزة خاضت ملحمة بطولية في 2014 ومعركة أذلت كبرياء العدو في 2021 إلا أن الحصار ما زال مفروضًا على غزة، التي صارت الحياة فيها قاسية جدًّا، هذا مع الأخذ بالاعتبار أن المقاومة في الأعوام الأخيرة انتقلت نقلات نوعية، لا تقارن بما كانت عليه في الفترة التي نتحدث عنها (انتفاضة الأقصى) فهل هناك دليل أوضح على أن الفرق بين وضع لبنان وحزب الله من جهة والمقاومة الفلسطينية من جهة أخرى لا يمكن المرور عليه كأنه شيء بسيط لا تأثير له؟

 

حدود محكمة الإغلاق والرقابة

وعودة إلى مسألة الحدود، وكنت في المقالة السابقة تحدثت عن حدود لبنان وحرية الحركة فيه التي استفاد ويستفيد منها حزب الله، ماذا عنّا؟

إن العصفور لا يستطيع دخول فلسطين المحتلة دون قرار الاحتلال الإسرائيلي، والضفة الغربية محصورة تمامًا، فليس لها بحر يطل عليها، وحدود الضفة الغربية مع الأردن تمر عبر منطقة الأغوار المسيطر عليها برقابة أمنية وعسكرية غاية في الدقة، والجانب الأردني يلتزم منذ عقود بعدم السماح بأي عمل عسكري ضد الكيان الصهيوني انطلاقًا من أراضيه، وبعض المحاولات القليلة التي نجح فيها مقاومون بالتسلل من شرق النهر، لم تسفر عن خسائر كبيرة في صفوف العدو، مع أن أطول خط مواجهة هو تلك الحدود، فالضفة منطقة مغلقة الحدود، ولا يخرج منها أحد أو يدخل إلا بموافقة وإشراف أمني إسرائيلي، وقد أشرت إلى هذه الحالة الصعبة في بداية هذه السلسلة.

وأما غزة فمسموح للغزيين الذين يشاطئون البحر المتوسط التحرك تحت رقابة مشددة لصيد السمك بعمق بضعة كيلومترات، ويتم منع صيد الأسماك (تكرر هذا مرات كثيرة في انتفاضة الأقصى وحتى الآن) كعقاب جماعي عند وقوع أي عملية، وعندما جرى كشف محاولة تهريب سلاح نوعي نسبيًّا باستخدام السفينة (كارين_أ) واعتقال المسئولين عن العملية، أقامت "إسرائيل" الدنيا ولم تقعدها وحمّلت عرفات شخصيا المسئولية، وتبعها في ذلك الولايات المتحدة ودول غربية أخرى. وحدود القطاع مع مصر أيضًا مسيطر عليها من الجانبين المصري والإسرائيلي، ومع أن قدرة المقاومة على تهريب السلاح والأفراد عبر الحدود المصرية كانت دومًا أفضل مما عليه حال الضفة الغربية، فإنها لا تقارن بحالة حزب الله، فمصر ليست سورية فيما يتعلق بحدودها مع لبنان (منع النظام السوري إطلاق رصاصة واحدة من الجولان منذ 1973)  والأمن المصري لم يجعل الحبل على الغارب، وما تم تهريبه قبل 2005 محدود جدًّا وبكلفة عالية.

وكان الاحتلال يفصل القطاع الصغير عن حدود مصر بما يسمى (محور فيلادلفي) بطول 13 كم، ولم يتغير حال الحدود المصرية مع القطاع إلا بعد انسحاب الكيان من داخل غزة بما في ذلك المحور المذكور.

 بينما حزب الله عبر الظهير الإيراني والحليف السوري يهرّب السلاح ويجلب الخبراء ويراكم القوة بحريّة تامة، وهو ليس مسؤولاً عن التعليم والصحة والبنى التحتية، فتلك مسؤولية دولة ضعيفة؛ الحزب عسكريًّا أقوى منها كما تبين في أكثر من حدث. إن حالة حزب الله تكاد تشبه حالة ثوار فيتنام الذين كان يأتيهم الدعم السوفييتي والصيني ويتخفون في غابات وأدغال.

 

إصرار على استنساخ الحالة

ومع ذلك أصرّ الحزب على أن نموذجه يمكن أن يطبق في فلسطين المحتلة، وهذا الإصرار داعب عواطف فصائل فلسطينية وشريحة شعبية لا يستهان بها، وفتح الحزب خطوط دعم عبر وسطاء لمختلف الفصائل؛ فالحزب لم يكن مهتمًّا بالبعد الطائفي أو الأيديولوجي مثلما يحاول بعضهم تفسير الدعم، ولكن الاحتلال عبر مخابراته المتمرسة استطاع وضع يده على تلك الخطوط واعتقال وقتل معظم المنخرطين في تلك النشاطات.

 

الجمهور الفلسطيني علق آمالا كبيرة على حزب الله

حزب الله رفع معنويات الجمهور والفصائل الفلسطينية بعملية هي الأولى بعد الانسحاب الإسرائيلي من جنوب لبنان في أيار/ مايو 2000 حيث تمكن مقاتلو الحزب من أسر ثلاثة جنود إسرائيليين (يهوديان وبدوي من الجليل) فاطمأنت النفوس إلى أن هذا صيد ثمين سيمكن الحزب من إبرام صفقة تبادل تحرر أسرى المؤبدات وغيرهم في السجون الإسرائيلية، ومعهم من سيتم اعتقالهم بسبب انخراطهم في انتفاضة الأقصى، فتشجع كثير من الشباب المقاومين، وصار لسان حالهم: "إذا نلنا الشهادة فبها ونعمت، وإذا اعتقلنا فلن يطول مكوثنا في السجن لأن صفقة تبادل ستشملنا"، لكن تبيّن لاحقًا أن الجنود الثلاثة قتلى وظلّ الحزب يخفي مصيرهم وتم استبدالهم بمعظم الأسرى اللبنانيين ومجموعة من الفلسطينيين ذوي الأحكام الخفيفة في 2004، ومعهم ضابط إسرائيلي برتبة عقيد قام حزب الله بأسره ونقله إلى لبنان بعملية أمنية معقدة، وحين أعلن أمين عام حزب الله حسن نصر الله عبر وسائل الإعلام في تشرين أول/ أكتوبر، أي بعد أيام من عملية أسر الجنود الثلاثة، "نعلن عن أسر ضابط إسرائيلي برتبة عقيد، وأردف ضاحكًا باللبنانية الدارجة:زقفوا مالكن؟!"، عمّت حالة من الابتهاج والفرح التي لا توصف في الشارع الفلسطيني، لأن (غلّة) الحزب من الأسرى ضامن لصفقة تبادل جيدة، والحزب على لسان أمينه العام وغيره من قادته أعلنوا أن الهدف من أية صفقة ليس فقط الأسرى اللبنانيين بل معهم فلسطينيون وعرب آخرون.

أضف إلى ذلك تصريح حسن نصر الله الذي سيظل لازمة لقناة المنار فترة طويلة موجها كلامه للشعب الفلسطيني "نحن معكم ويمكنكم في الشدائد أن تراهنوا علينا وكفى..!".

ولكن هذا الوعد من الحزب وعلى لسان أمينه العام، لم يجد ترجمة على الأرض عند الحدث الأخطر في انتفاضة الأقصى، وهو قيام الكيان بشن عملية عسكرية واسعة على الضفة الغربية أطلق عليها اسم (السور الواقي) والمعروفة شعبيًّا عندنا بـ(الاجتياح الكبير) حيث اقتحم جيش العدو جميع المناطق المصنفة (أ) ودمر كل مقرات السلطة الفلسطينية الأمنية والعسكرية، وشن عمليات اعتقال لم يسبق لها مثيل، ممزوجة بأعمال قتل وتصفية واسعة أسفرت عن مئات الشهداء خاصة في جنين ونابلس، واقتحم المجمع الرئاسي (المقاطعة) في مدينة رام الله وحاصر الرئيس عرفات فيما تبقى من المجمع الذي هدم معظمه وسويت مبانيه بالأرض أمام شاشات الكاميرات.

وردة فعل حزب الله على تلك العملية الصهيونية الواسعة، سأتحدث عنها وعن أمور أخرى في المقالة القادمة بعون الله تعالى.

  • المواد المنشورة في موقع مركز القدس للدراسات، تعبّر عن آراء أصحابها وقد لا تعبّر بالضرورة عن رأي المركز.