في حراك رام الله ضد العقوبات على غزة

ياسر مناع
12-06-2018
كتب: ياسر مناع

عملاً بالمثل الشعبي القائل "أن تأتي متأخراً خير لك من أن لا تأتي" كانت " مسيرة رام الله " - نسبةٍ الى المكان الذي نظمت فيه - المطالبة برفع العقوبات المفروضة على قطاع غزة ، فعلى الرغم من أنها جاءت متأخرة إلا أنه شكلت حدثاً هاماً على الصعيد الداخلي الفلسطيني وبارقة أمل لسكان قطاع غزة - الذي يحمل أثقال عقوبات حكومية جديدة مع أثقال حصار إسرائيلي مستمر منذ أكثر من أحد عشر عاما-، تلك السلسلة من الإجراءات العقابية ضد قطاع غزة كانت قد فرضتها السلطة الفلسطينية بدءً من خصومات لرواتب الموظفين وليس انتهاء بقطعها، بهدف الضغط على حركة حماس لإجبارها على تسليم قطاع غزة بكافة فروعه الحكومية والأمنية في آن واحد.

أما بالنسبة لــ "إسرائيل" فقد رأت في تلك العقوبات إرهاصات إنفجار وشيك، وعلامات لفوضى عارمة تسود القطاع أو نذير حرب ومواجهة عسكرية مجهولة التفاصيل، وغامضة المصير في حال سقط حكم حماس في غزة ليس حباً في الأخيرة، ولكن لضعف السلطة في أحكام السيطرة على القطاع، في ظل التغيرات الميدانية والتنظيمية من جهة أخرى فيه، وبالتالي ما انفكت المؤسسة العسكرية الإسرائيلية عن عقد الإجتماعات الأمنية و طرح الحلول والإقتراحات، ومستعينةً بالاسرة الدولية الرامية للحد من عجلة المواجهة القادمة حتى وصل الأمر بها الى تهديد السلطة الفلسطينية في رام الله بإقتطاع رواتب موظفي غزة من أموال عائدات الضرائب، ورأت فيه ايضاَ الفائدة والنفع الذي يعود عليها من خلال إضعاف الحالة السياسية الفلسطينية، وتعميق الانقسام بين شطري الوطن، مما يساعدها في تحقيق مخططاتها الهادفة الى تصفية القضية وإنهاء ملفي القدس واللاجئين، والسير في طريق تعزيز الإستيطان وتطبيق سياسات ضم الضفة الغربية جنباً الى جنب مع المضي قدماً في إستراتيجية إستنزاف غزة وإرهاقها من خلال الحصار الخانق.

وهنالك عدة أسباب يمكن لنا من خلالها أن نيقن مدى أهمية وقيمة ذاك الحراك – على الرغم من أن البعض بخس من قيمته - وتتلخص في التالي :

اولاً : رسخ الحراك مفهوم الوحدة الوطنية، وشوهد ذلك جلياً من خلال المشاركة الواسعة للنخب السياسية والإعلامية والمثقفة، وطلاب الجامعات وأسرى محررين وعامة الناس من كآفة الأطياف والطبقات، وأرى أن هناك ميزة جديرة بالذكر أيضاً تتمثل في خلوه من الصبغات الحزبية والتنظيمية مما يمنحه الإستمرار والتقدم حتى تحقيق أهدافه.

ثانياً : شكل الحراك سداً جديداً بعد مسيرات العودة في وجه مبلوري صفقة القرن، وبدد فكرة التوزيع والفصل الجغرافي والسياسي الضفة الغربية عن قطاع غزة، وأثبت مرة أخرى بأن الضفة وغزة هما وحدة اجتماعية وسياسية ومصيرية واحدة، لا تنفك عن بعضها البعض، رغم حالة الانقسام القاتم الذي يعيشه الشعب الفلسطينى.

ثالثاً : كشف الحراك عن الإرادة والقدرة التأثيرية التي تمتلكها النخب التي نجحت في إخراج تلك الجماهير إلى الشارع، وهذه تنعكس في المدى قريب - بُعيد تحقيق مفهوم الوحدة والشراكة السياسية بالإضافة إلى رفع العقوبات - على الاحتلال وسياساته العنصرية الرامية إلى تهجير الفلسطيني من أرضه، بالإضافة إلى أنه أظهر عن مدى الإدراك والوعي السياسي المتقدم والمنفتح الذي يتمتع به المواطن الفلسطيني.

رابعاً : أظهر الحراك المكانة العظيمة التي تحتلها غزة وما يُكن لها من إحترام وتقدير في قلوب الناس، ويُستقرئُ من ذلك مدى التأييد التي تتمتع به المقاومة في الشارع الفلسطيني بشكل عام.

خامساً : التأكيد على عدم امكانية إنهاء الانقسام أو رفع العقوبات من خلال الخطابات المنمقة والتصريحات الإعلامية فقط، بل أننا بحاجة الى مبادرات حقيقية تجمع الكل الفسطيني على أرض الواقع والعمل سوياًعلى إعادة الأمور السياسية إلى نصابها الطبيعي.

ختاماً، لن يسعف الفلسطينيين إلا أنفسهم ، إذاً فلا بد من الاستمرار في مثل هذه الحراكات والمبادرات الجادة والعاجلة لمنع انهيار قطاع غزة، وتعميم تلك الحالة على جميع المدن والمواقع الفلسطينية في الداخل والخارج، مع توضيح ضرورة توجيه البوصلة نحو الاحتلال والكشف عن مخططاته ومؤامراته، ولكن ينجح ذلك إلا من خلال إعادة  بلورة النظام السياسي توافقي يدعم ويسند المقاومة المسلحة والشعبية، مع ضرورة الاخذ بعين الإعتبار أهمية العمق العربي والإسلامي وضرورة الدعم الذي يقدمه بكآفة الأشكال وما له من أثر في تعزّز صمود الشعب الفلسطيني وإقامة دولته المستقلة.