قراءة في إصدارات المراكز البحثية "الإسرائيلية" ...الثلث الأول لشهر شباط

عماد أبو عواد
13-02-2021



عماد أبو عوّاد\ مركز القدس




في "إسرائيل" تتنوع المراكز البحثية والفكرية التي تهدف إلى تقديم قراءات وحلول، ووضعها أمام متخذي القرار، وإن كان لا يزال الخلاف موجودًا حول حجم تعاطي الحكومات الصهيونية مع قراءات تلك المراكز وإصداراتها، لكن الوجود النخبوي فيها، والذي يضمّ ساسة ورجال أمن سابقين، يجعل لما يكتب فيها قيمة إضافية.

هذه القراءة ستُغطي أبرز ما صدر عن تلك المراكز، خلال الثلث الأول من شباط 2021، وتتمحور حول ارتدادات قرار الجنائية الدولية على "إسرائيل"، إلى جانب قراءة الانتخابات الإسرائيلية من وجهة نظر الاحتلال، كما تتناول القراءة انعكاسات جائحة كورونا على جيب المواطن الإسرائيلي، وفي الجانب الأمني تناولت القراءة انعكاس اعتماد "إسرائيل" على القبة الحديدية على قدرتها في اتخاذ القرار.




أولاً: معهد دراسات الأمن القومي[1].

تطرق معهد دراسات الأمن القومي لقضيتين أساسيتين مرتبطتين بالواقع الفلسطيني، وتنعكسان على "إسرائيل"، الأولى اعتزام السلطة الفلسطينية إجراء انتخابات عامة في أيّار القادم، فيما الثانية قرار الجنائية الدولية بأنّ ولايتها تشمل الأراضي الفلسطينية، وإمكانية فتح ملفات جنائية لقيادات "إسرائيلية".

  1. الانتخابات الفلسطينية، مقامرة، أمل أم مناورة سياسية[2].


تطرق الكاتبان كوبي ميخال ويوحنن تسورف، إلى الانتخابات الفلسطينية التي من المُقرر أن تجري في شهر أيّار/ مايو من هذا العام، فقد أشار كوبي ورفيقه إلى أنّ الانتخابات يُنظر إليها فلسطينيًّا على أنّها أمل كبير في تجديد القيادات والوصول إلى مصالحة فلسطينية داخلية، في ظل إشارات تُشير إلى احتمالية مشاركة كلّ الفصائل الفلسطينية بما في ذلك الجهاد الإسلامي[3].

أشار الكاتبان إلى وجود عدّة معيقات جعلت الانتخابات رهينة إلغائها في أي لحظة، وحُصرت في النقاط التالية:

  • تصويت سكان شرقي القدس، إذ يحتاج هذا الموضوع إلى موافقة "إسرائيلية".

  • تخوفات قوى المعارضة من احتمالية مشاركة حماس وفتح في قائمة واحدة، الأمر الذي ورد على لسان العديد من قيادات الحزبين.

  • نفور الكثير من الشرائح تحديدًا الشبابية منها، وشعورهم بفشل قيادتي فتح وحماس وضرورة إيجاد جسم سياسي بديل.

  • الغضب الكبير على خلفية الواقع الاقتصادي، واحتمالية عقاب الجماهير للسلطة الفلسطينية.

  • احتمالية مشاركة دحلان وانضمام مروان له، الأمر الذي قد يجد أيضًا صدى لدى قيادات أخرى قد تنضم لهما، وهذا قد يدفع عباس إلى إلغاء الانتخابات.


ومن أجل التغلّب على أية مخاوف يرى ميخال وتسورف أنّ عباس التف قضائيًّا، بتطويعه القضاء بما يتناسب مع رغباته الانتخابية، من حيث احتمالية إلغاء الانتخابات نفسها أو حتى إلغاء نتائجها، فقد بات القضاء يتبع له بشكل مباشر ويسير وفق رغباته، ونوّه الكاتبان إلى أنّ عباس اتخذ خطوتين متناقضتين، الأولى إعادة التنسيق الأمني مع "إسرائيل"، ورغبته بالمصالحة مع حماس، وهو الأمر الذي يعني أنّ دعواته لتجديد المفاوضات ليست جادة، كون حماس ترفض شروط التخلي عن سلاحها والاعتراف بـ "إسرائيل"، أو أنّ توجهاته الداخلية بالمصالحة مع حماس غير حقيقية، إنّما مناورة سياسية للضغط على الأطراف الخارجية ورسالة للنظام الأمريكي الجديد برئاسة بايدن.

ويُخلص الباحثان إلى أنّ عباس على الأرجح سيجد الذرائع لإلغاء الانتخابات، وهذا يتوافق تمامًا مع الرغبات الإسرائيلية التي لا تريد الانتخابات، فبالرغم من الواقع السيء في الساحة الفلسطينية فإنّ حماس تبدو بحال أفضل من فتح انتخابيًّا، وقد نصح الكاتبان دولتهما بعدم التدخل في الانتخابات إن أُجريت، والعمل على خلق مسار سياسي جديد مع السلطة لمنحها نقطة قوّة، وتحسين الواقع الاقتصادي للفلسطينيين لأنّ ذلك يُساهم باستمرار السلطة وتقويتها الأمر الذي سيصب في مصلحة "إسرائيل".

  1. ضوء أخضر لفتح تحقيق جنائي دولي ضد "إسرائيل"[4].


تناولت بنينا باروخ القضية التي أخذت حيّزًا واسعًا من النقاش الداخلي في "إسرائيل"، وسط اتهامات واضحة لنتنياهو رئيس وزراء الاحتلال بالفشل في هذا الملف، وقد تناولت باروخ الانعكاسات التي ستكون على خلفية قرار الجنائية الدولية بولايتها على الأراضي الفلسطينية، الأمر الذي قد يُمهد لتحقيقات ومحاكمات بحق قيادات وجنود الاحتلال.

باروخ أشارت إلى أنّ هناك قضيتين أساسيتين لقرار المحكمة، هما ملاحقة جيش الاحتلال والملف الاستيطاني، وأشارت باروخ أنّه بإمكان "إسرائيل"، فيما يتعلق بالجيش وأعماله، تقديم بيانات للمحكمة، بأنّها (أي "أسرائيل") تُباشر هذا الموضوع بنفسها، الأمر الذي سيدفن الملف من بدايته، أمّا فيما يتعلق بالاستيطان فسيطرة "إسرائيل" في مناطق "ج" ليست مخالفة للقانون، وهنا تقصد باروخ بأنّ الاتفاق السياسي مع الفلسطينيين لم يصل إلى نهايته حتى يُمكن للمحكمة التدخل.

وأضافت باروخ أنّ المحكمة ومنذ تأسيها قبل 19 عامًا لم تتخذ قرارات سوى بحق 46 شخصية، الأمر الذي يُشير إلى تعقيد هذه المسألة وعدم إمكانية تطبيقها فيما يتعلق بـ "إسرائيل"، ونصحت باروخ دولتها بالعمل في اتجاهات ثلاثة:

  • العمل على فتح تحقيقات جدية ضد أي أعمال مخالفة للجيش في مناطق الضفة الغربية.

  • عمل سياسي دؤوب مع الأصداء في الخارج، واللذين لهم مصالح مشتركة مع "إسرائيل".

  • إعادة احياء المسار السياسي مع الفلسطينيين، لأنّ ذلك يمنع تدخل الجنائية ويُقلل من احتمالية وصول الملفات وأخذها على محمل الجد.


من الناحية العملية يُمكن فهم الاستياء الإسرائيلي تجاه قرار الجنائية، ليس من ناحية المخاوف من تطبيقه ومحاكمة قيادات أو جنود الاحتلال، ولكن "إسرائيل" وصلت إلى مرحلة القناعة بأنّها فوق المتابعة أو التحقيق، أو حتى اللوم أو الاتهام بالاحتلال، فهي باتت ترى أنّ كل أعمالها شرعية، ويجب أن يقتنع العالم بكل ما تقوم به، وألّا تظهر بصورة المحتل المجرم، بل واحة للديمقراطية واحترام حقوق الانسان، بمعنى أنّ "إسرائيل" لم تعد تحتمل تشويهًا ولو قليلاً في صورتها وهي التي تُنجز في كل يوم، مسارًا سياسيًّا جديدًا مع العرب!

ثانيًا: المركز الإسرائيلي للديمقراطية[5].

أعدّ مركز الديمقراطية الإسرائيلي، استطلاع رأي بعنوان "من إغلاق إلى إغلاق.. لم يتبقى في جيب المواطنالإسرائيلي" الكثير من المال"[6]، وذلك في سياق البحث عن آثار جائحة كورونا الاقتصادية.

أشار في ذلك الاستطلاع واحد من كل ثلاثة أشخاص إلى عدم امتلاكهم المال الكافي لسد احتياجاتهم، بينما كانت النسبة في الإغلاق الأول (بسبب جائحة كورونا) واحد إلى أربعة، أمّا في الوسط الفلسطيني في الداخل فكانت النسبة واحد إلى اثنين.

ووفق الاستطلاع أيضًا تبين أنّ اليهود الحريديم يُعانون بذات النسبة قريبًا من الفلسطينيين، فـ48% منهم لا يمتلك مالاً كافيًّا لسد احتياجاتهم، الأمر الذي بات يؤثر سلبًا على طريقة تفكيرهم وتخطيطهم للمستقبل، وعند تحليل العينات، تبين أنّ أصحاب الدرجات العلمية العُليا هم الأقل تضررًا، فقد عبّر 27% فقط عن قلّة المال لديهم، مقابل 38% من أصحاب التعليم المتوسط، و40% من منخفضي التعليم.

وبتحليل الأرقام أعلاه نجد أنّ الضائقة التي يُعاني منها الفلسطينيون مرتبطة بالواقع العنصري، الذي يحرمهم من الوصول إلى الوظائف المتقدمة ذات الدخل المرتفع، فيما بالنسبة للحريديم فيُمكن ربط الأرقام بكونهم يرفضون الاستمرار في التعليم الأكاديمي لفترة طويلة، ويتفرغون لتعلّم التوراة والأمور الدينية، إلى جانب أنّ دخولهم سوق العمل يأتي متأخرًا، وفي وظائف متدنية.

لكن ما تمنحه الدولة للمواطنين من منح، يُسهل بالغالب على غالبية هؤلاء المواطنين، فقد قامت حكومة الاحتلال بمنح مواطنيها منحًا للمرة الثالثة على التوالي، منها منح للمواطنين بشكل مباشر وتزداد مع ازدياد عدد أفراد الأسرة، ومنها ما يُمنح للأعمال المختلفة خاصة المتوسطة والصغيرة منها، من أجل تجاوز الآثار السلبية للكورونا.

ثالثًا: مركز بيجن – سادات للدراسات[7].

تناول مركز بيجن - سادات للدراسات قضية حساسة في الداخل الإسرائيلي، وهي لجوء "إسرائيل" إلى امتلاك القبّة الحديدية، محاولة الاعتماد عليها في مواجهة التحدي القادم من قطاع غزة، فقد كتب اللواء شاي شبتاي، الباحث البارز في المركز تحت عنوان "التسلح بالقبة الحديدية كدليل فشل في اتخاذ القرارات القومية"[8].

يقول شبتاي إنّ اختيار "إسرائيل" التسلّح بالقبة الحديدية، والعمل المستمر على تحسينها وإنفاق الكثير من الأموال عليها، يُشير إلى أنّ "إسرائيل" اتخذت قرارًا بعدم الحسم في مواجهة التحديات الأمنية على حدودها، في إشارة من شبتاي إلى ترددها في خوض حرب واضحة وحاسمة، وهذا الأمر وفق شاي سينسحب على مناح أُخرى في الدولة، والتي يبدو أنّها ستُفضل عدم الحسم في الكثير من القضايا، الأمر الذي سيحولها إلى دولة متوسطة وضعيفة مع مرور الزمن.

ويُضيف شبتاي على أهمية القبة الحديدية وحمايتها للسكان المدنيين، إلا أنّ القوى المقاومة لـ "إسرائيل" في غزة، وعند إطلاق أي صاروخ، تشوش حياة المدنيين، وتبث فيهم الرعب والخوف، بمعنى أنّ حماية المدنيين من الضرر الجسدي ليست كافية.

يتخوّف شبتاي من أنّ حكومته، باتت تميل إلى إستراتيجية الامتناع، بدلاً من اتخاذ قرار بعمل بري، الأمر الذي سيكون له انعكاسات كبيرة.

لكن شبتاي لم يتطرق إلى قضية النقاش الدائر داخليًّا بضرورة عدم الوصول إلى حرب برية وتعريض حياة الجنود للخطر، فقد أظهرت نتائج الحافزية للتجنيد إلى رفض غالبية الشباب وأهاليهم الانضمام إلى وحدات القتال البرية والمدرعات، في الوقت الذي سجلت حافزيتهم للانضمام إلى الوحدات التكنولوجية أرقامًا كبيرة، كونها تحميهم من خطر المواجهة وتفتح لهم آفاق عمل مستقبلية.

ورغم فارق الإمكانات الكبير بين "إسرائيل"، وقوى المقاومة. فإنّ معادلة الردع باتت متقاربة، ففي الوقت الذي تخشى المقاومة من آلة الدمار "الإسرائيلية" باتت "تل ابيب" تخشى من قدرات المقاومة وتصاعدها ومدى تأثيرها على جبهتها الداخلية، الأمر الذي ألجأها إلى البحث عن السلاح التكنولوجي البديل ولو المؤقت عن القتال البري، في وسيلة لمنع النقد الداخلي من آثار التهديد للمقاومة، وكذلك منع النقد الذي قد يجلبه دخول بري للقطاع خاصة في ظل مؤشرات عدم القدرة على الحسم، وهذا يُبقي "إسرائيل" في دائرة عدم القرار، أو الخوف من اتخاذ قرار استراتيجي.










[1]  يُعتبر من أبرز المراكز البحثية في "إسرائيل"، ويهتم المركز تحديدًا بالقضايا الأمنية والسياسية. تأسس في العام 2006، ويستقطب أبرز الباحثين محليًّا وعالميًّا، ويُعتبر من المراكز الأبرز؛ ليس على الساحة المحلية فحسب، بل أيضًا على الساحة العالمية، فقد صُنِف في العام 2008، من  ضمن أبرز عشرة مراكز عالميًّا.

يتبع المعهد لجامعة "تل ابيب"، لكهن يحتفظ لنفسه باستقلالية مالية وإدارية. يهتم المركز بالقضايا ذات الصلة بالأمن القومي الإسرائيلي، ويقدم خدماته عبر العديد من الدراسات والمقالات والتقديرات الاستراتيجية، بالإضافة إلى عقده مؤتمرًا سنويًّا، يلخص فيه الأوضاع الأمنية الاستراتيجية لـ "إسرائيل"، ويشارك في المؤتمر كبار رجالات الدولة، كرئيسها ورئيس وزراءها، والعديد من الشخصيات السياسية العالمية، كما يقدم المركز سنويًّا لرئيس الدولة تقديرًا استراتيجيًّا للقضايا الأمنية التي تمس "إسرائيل"، ويرأس المركز اللواء السابق عاموس يدلين.




[2]  يوحنن تسورف وكوبي ميخال، 2.2.2021. الانتخابات الفلسطينية، مقامرة، أمل أم مناورة سياسية، معهد دراسات الأمن القومي. https://www.inss.org.il/he/publication/pa-elections/?offset=1&posts=1417&type=219

أعلنت حركة الإسلامي لاحقًا أنّها لن تشارك في هذه الانتخابات. [3]

[4]  بنينا باروخ، 8.02.2021، ضوء أخضر لفتح تحقيق جنائي دولي ضد "إسرائيل. معهد دراسات الأمن القومي، https://www.inss.org.il/he/publication/icc-decision/

[5]  معهد مستقل غير حزبي وغير حكومي، تأسس في العام 1991، ويقدم أبحاثًا في مجالات الأحزاب، والديمقراطية، والأمن والمجتمع، ومن أبرز اصداراته السنوية، "قياس الديمقراطية في إسرائيل"، ويتبع للمعهد 5 مراكز بحثية مستقلة، ويرأسه يوحنن فلسنر.

[6]  يردان كيدار، 8.2.2021، من إغلاق إلى إغلاق لم يتبقى مال في جيوب المواطنين، مركز الديمقراطية الإسرائيلي. https://www.idi.org.il/blogs/special-economic-survey/december-2020/33686

[7]  مركز سمي بهذا الاسم نسبة لرئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق مناحم بيجن، ورئيس مصر الراحل أنور السادات، تيمنًا بما حققاه من سلام بين البلدين في العام 1978. المركز لا يتبع لأي جهة سياسية، هدفه تقديم عملية السلام في الشرق الأوسط، من خلال أبحاث في قضايا الأمن القومي في الشرق الأوسط، يعمل المركز إلى جانب قسم العلوم السياسية في جامعة بار ايلان، حيث يقدم إلى جانبها خدمات تعليمية، ويرأس المركز البروفيسور، أفرايم كارش.




[8]  شاي شبتاي، 9.02.2021، التسلح بالقبة الحديدية كدليل فشل في اتخاذ القرارات القومية، مركز بيجن-سادات للدراسات. https://besacenter.org/he/perspective-papers-he/%d7%9b%d7%99%d7%a4%d7%aa-%d7%91%d7%a8%d7%96%d7%9c-%d7%91%d7%99%d7%98%d7%95%d7%99-%d7%9b%d7%a9%d7%9c/