قراءة في إصدارات المراكز البحثية الإسرائيلية الثلث الثاني لشهر شباط/ فبراير 2021
كتب: عماد أبو عوّاد\ مركز القدس
في "إسرائيل" تتنوع المراكز البحثية والفكرية التي تهدف إلى تقديم قراءات وحلول، ووضعها أمام متخذي القرار، وإن كان لا يزال الخلاف موجودًا حول حجم تعاطي الحكومات الصهيونية مع قراءات تلك المراكز وإصداراتها، لكن الوجود النخبوي فيها، والذي يضمّ ساسة ورجال أمن سابقين، يجعل لما يكتب فيها قيمة إضافية.
هذه القراءة ستُغطي أبرز ما صدر عن تلك المراكز، خلال الثلث الثاني من شباط / فبراير 2021، وتتمحور حول توجهات الناخبين خلال الانتخابات القادمة في آذار/ مارس القادم، وتتناول كذلك تركيا ما بين القومية والعثمانية من وجهة نظر الاحتلال، وتُختتم القراءة بواقع المجموعات والطوائف في القدس، وعلاقتهم مع الدولة في ظل جائحة الكورونا.
أولاً: المركز الإسرائيلي للديمقراطية
الثابت والمتحول في اتجاهات التصويت داخل دولة الاحتلال في الانتخابات القادمة
المركز الإسرائيلي للديمقراطية قدّم استطلاعًا مهمًّا حيال الحيرة التي تعتري الناخبين في تصويتهم المُقبل في الثالث والعشرين من آذار/ مارس القادم، فقد نشر تحت عنوان "هل تعرف لمن ستصوت في الانتخابات المُقبلة"، اتجاهات التصويت داخل دولة الاحتلال من حيث ثبات توجهات الناخبين وتحولاتها، ومن ذلك أنّ 42% من المصوتين العرب متأكدون إلى أين سيذهب صوتهم، ونفس النسبة كانت لدى تيارات المركز واليسار، فيما 70% من اليمينيين وُجهة تصويتهم واضحة.
وعند تحليل عينة الاستطلاع تبين أنّ اليمين أكثر قدرة في المُحافظة على جمهور ناخبيه، فغالبية اليمينيين سيصوتون لذات الأحزاب التي صوتوا لها سابقًا، مقابل نسبة أقل من النصف لتلك التي تتبع المركز واليسار، وذلك على النحو التالي، من جهة ثبات اتجاهات جمهور الأحزاب الذين صوتوا لها سابقًا:
- 87% من الذين صوتوا سابقًا ليهدوت هتورا سيصوتون لها أيضًا.
- 72% لشاس.
- الليكود 61%.
- القائمة المشتركة 52%.
- "إسرائيل بيتنا" 52%.
- يمينا 37%.
- 36% للعمل وميرتس.
- 33% أزرق ابيض ويوجد مستقبل.
لاحظنا أنّ نسبة الثقة في إعادة التصويت لذات الحزب تقلّ في جانب أحزاب المركز واليسار، ويُمكن إرجاع ذلك إلى مجموعة عوامل؛ أهمها فقدان أحزاب المركز واليسار الثقة بمُمثليها، وذلك يعود إلى تفكك حزب أزرق أبيض، ونكث بيني جانتس تعهداته للجماهير بأن لا يجلس تحت نتنياهو في حكومة، إلى جانب عدم وجود برنامج واضح سوى "لا نريد نتنياهو".
وهذا لا يعني أنّ مصوتي تلك الأحزاب سينقلون صوتهم إلى اليمين، لكن قد تذهب بعض هذه الأصوات إلى اليميني جدعون ساعر الذي يُمثل إمكانية لإسقاط نتنياهو كونه من اليمين، إلّا أنّ غالبية هذه الأصوات ستبقى في إطار المركز واليسار، وإن اختلفت اتجاهات التصويت داخل نفس المُعسكر، إلى جانب احتمالية نزول نسب التصويت لدى هذه التيارات.
ما ينطبق على اليسار والمركز ينطبق إلى حد ما على الأحزاب العربية، فعدم نجاحها في الإسهام في إسقاط نتنياهو، وانتشار الفوضى داخل القائمة المشتركة وانقسامها مؤخرًا على خلفية الاختلاف على التشريعات المرتبطة بالقيم الدينية والشرقية، إلى جانب انتشار الجريمة في الوسط العربي وعدم تحقيق الكثير من المكاسب للوسط الفلسطيني، كلّ ذلك سيُساهم، ليس فقط في تبعثر الأصوات، بل أيضًا في تراجع نسبة التصويت في الوسط الفلسطيني.
أمّا اليمين، وتحديدًا أحزاب الحريديم، فلهؤلاء كتلة صلبة تصوت على أساس ديني وليس برامج انتخابية، وهذا الحال ينسحب، وبنسبة أقل، على بقية أحزاب اليمين، فداعمي الليكود يرون بأنّ نتنياهو واستمراره يعني استمرار الليكود، هذا الحزب التاريخي، إلى جانب قدرة هذا الحزب على ضم شرائح دينية وصهيونية دينية، رأت به بيتًا يستطيع تحقيق المكاسب لهم.
ثانيًا: معهد دراسات الأمن القومي
النموذج الأردوغاني: دراسة في البعدين العثماني والقومي في السياسة الخارجية التركية
في تحديثه الاستراتيجي، والذي يصدر كلّ أربعة شهور، تناول معهد دراسات الأمن القومي في "إسرائيل" القضية التركية، الحاضرة بشكل مستمر في المعهد، فقد تناول كلّ من جاليا لندنشتراوس ورامي دانيال وتحت عنوان "الأردوغانية كنموذج: السياسة الخارجية التركية بين الماضي العثماني والإرث الكمالي، وتأثير عدم الاستقرار في الإقليم".
يرى الكاتبان أنّ أردوغان انتهج منذ العام 2013 سياسة خارجية تجمع ما بين القومية التركية، وما بين البعد الديني المأخوذ من الإرث العثماني، فمن الناحية القومية يتعامل أردوغان بشك مع كلّ الأطراف الدولية، ومن الناحية العثمانية يأخذ البعد الديني والبعد المُحافظ، ورغم أنّه في أحيان كثيرة يغلب أحد الطابعين على الآخر، فإنّ سياسة أردوغان أدت إلى عدم الاستقرار في المنطقة.
ويُضيف الكاتبان، أنّ تركيا استطاعت أن تربط نفسها بأقاليم أخرى غير الشرق الأوسط رغم ثقلها الكبير هنا، وهذا التوجه بخلاف ما نشأت عليه الجمهورية التركية الكمالية، والمُثير للقلق في سياسة أنقرة أنّها أقامت علاقات عسكرية من خلال بنائها قواعد لها في دول كالصومال وقطر، وفي ذلك إشارات إلى ترك تركيا سياسة الحفاظ على الوضع القائم، رغم احترامها حدود كلّ الدول المحيطة، لكنّها تنتهج سياسة ذات تأثير داخل تلك الدول.
ويرى الكاتبان أنّه حتى في حال غياب أردوغان عن المشهد، فإنّ سياسة تركيا ربما لن تختلف كثيرًا، رغم احتمالية وجود مراجعات في الكثير من الملفات. وأضافت جاليا ورفيقها بأنّ سياسة تركيا وتقاربها مع دول في الشرق، كانت على حساب العلاقة مع "إسرائيل" والتي وصلت إلى مستويات متدنية جدًّا، وربما هذا ما دفع أعداء تركيا من دول الخليج، وكذلك مصر، لمزيدٍ من التقارب مع "إسرائيل".
ويختتم الباحثان قراءتهما بالتأكيد على أنّ العلاقات التركية- الإسرائيلية لا يُمكن أن تعود لسابق عهدها، فمن حيث البعد الديني؛ يزداد العداء، خاصة مع دخول "إسرائيل" إلى ساحة الصراع من خلال علاقاتها بدول عربية سنية، وكذلك من الناحية القومية فإنّ تركيا على صدام مع حلفاء لـ "إسرائيل" كاليونان وقبرص، ولا يبدو أنّ الرئيس الأمريكي الجديد جو بادين، سيستطيع كبح جماح السلوك التركي.
الموضوع التركي يحتل، ربما، المرتبة الأولى من بين القضايا التي تُناقش في أروقة مراكز البحث الصهيونية المختلفة، وتحديدًا في سياق الحديث عن خسارتها حليفًا استراتيجيًّا مُهمًّا، وتحولها إلى دولة ذات ثقل كبير، تتصادم مصالحها مع مصالح الدولة العبرية في العديد من الملفات، وهنا يجدر الإشارة إلى جنوح منهج البحث الإسرائيلي إلى أنّ تركيا حتى لو حكمها غير الإسلاميين، قد لا تعود بالضرورة لحلفها القديم مع "إسرائيل"، وذلك لتناميها دولة قومية أيضًا، تتعارض مصالحها مع دولة الاحتلال.
ثالثًا: معهد القدس لبحث السياسات
العلاقات في القدس في ظلّ جائحة كورونا
تحت عنوان "العلاقات بين المجموعات في القدس في ظل جائحة كورونا"، كتب مريك شترين وخيني فايزر، بحثًا تركّز في الأساس على العلاقة مع الفلسطينيين، وكذلك الحريديم اليهود اللذين يسكنون المدينة بكثرة، وتبين وفق الباحثين أنّ التعامل مع الحريديم والفلسطينيين لم يتغير رغم الجائحة، ورغم احتياجاتهم الكثيرة، خاصة أنّهم يعيشون في المناطق المكتظة، وبحاجة إلى المزيد من المساكن والمساحات.
وأضاف البحث أيضًا، أنّ حياة المقدسيين الفلسطينيين في القدس تزداد تعقيدًا بسبب الجدار العازل، ولعدم قدرة السلطة تقديم مساعدات لهم، وتعمّد السلطات تجاهل مطالبهم، ورغم ذلك فإنّ جائحة كورونا ساهمت في وجود نوع تقبل لدى المقدسيين لقرارات السلطات، فقد مثلت الجائحة خطرًا تطلّب التوافق على بعض السياسات.
على الجانب الحريدي، أظهرت الجائحة عُمق الفجوة بين الحريديم، الذين لا يوجد تغيّر في نمط حياتهم، وبين بقية شرائح المجتمع، وزادت الجائحة من تمايزهم وكأنّهم دولة داخل الدولة، الأمر الذي زاد من مساحة سوء العلاقة بين الجانبين.
قضية المتدينين الحريديم في "إسرائيل" ظهرت بقوّة خلال جائحة كورونا، فقد اتضح حجم انصياعهم للقراءة الدينية للأحداث، ولأوامر رجالات الدين عندهم، وليس للقوانين العامة التي تُلزم الجميع، بمعنى أنّ النظرة السلبية للحريديم التي كانت تأتي على خلفية نمط حياتهم الرافض للعمل والتجنيد في الجيش، يُضاف إليها، الآن، تشددهم في اتجاه رفض تعاليم الدولة، وتفضيل تعاليم الحاخامات، الذين اضطر نتنياهو رئيس وزراء الاحتلال، إلى التواصل مع حفيد كبيرهم، من أجل محاولة إلزام اتباعهم بتعاليم الدولة.