قراءة في الإحصائيات الإسرائيلية لأعمال المقاومة - أيار/ مايو 2022
ورقة تحليلية
قراءة في الإحصائيات الإسرائيلية لأعمال المقاومة
أيار/ مايو 2022
ساري عرابي
خاص- مركز القدس للدراسات
تشير إحصائيات جهاز الأمن العام "الشاباك" الإسرائيلي، إلى وقوع 208 عمل مقاومة في فلسطين، في شهر أيار/ مايو 2022، 171 منها من الضفة الغربية، و37 منها في القدس (لا تشمل الإحصائية القذف بالحجارة)[1]. وذلك في حين بلغت في الشهر الذي سبقه 259 عملاً مقاومًا، كانت 217 عملاً من الضفّة الغربية، و42 من القدس، و9 من قطاع غزّة، وبالنظر إلى منسوب أعمال المقاومة منذ مطلع العام 2022 وحتى شهر أيار/ مايو، بحسب الإحصائيات الإسرائيلية، يتبين الأمر على النحو التالي، من حيث منحنى التصعد وعدد أعمال المقاومة:
- (نموذج 1): إحصاء أعمال المقاومة في الشهور الخمسة الأولى من سنة 2022
أي أن نسبة شهر أيار/ مايو من مجمل أعمال المقاومة، كانت 21٪ في الدرجة الثانية بعد شهر نيسان/ إبريل الذي بلغت نسبته 27٪، كما يبين النموذج التالي:
- (نموذج 2): النسب المئوية لأعمال المقاومة في الشهور الخمسة الأولى من سنة 2022
وحين النظر إلى المناطق، فإنّ أعمال المقاومة المنطلقة من قطاع غزّة، منذ مطلع العام 2022، كانت في أشهر: شباط/ فبراير بواقع عمل واحد، ونيسان/ إبريل بوقع 9 أعمال، وذلك في حين تشير إحصائيات مركز القدس للدراسات إلى رصد 224 عملاً مقامًا في شهر أيار/ مايو في مجمل أماكن وجود الفلسطينيين حتى في السجون[2]، بيد أنّ آلية الرصد والتسجيل تختلف، حيث يحصي مركز القدس للدراسات أنماطًا من الأعمال المقاومة لا يحصيها جهاز "الشاباك" الإسرائيلي، والذي بدوره يدقق في الأعمال النوعية، كعمليات إطلاق النار والطعن وإشعال الحراق وقذف الزجاجات الحارقة، وهو ما يعني أنّه حين أخذ مختلف أنماط الإحصاء، فإنّ عدد أعمال المقاومة يزيد على إحصاء أيّ من الطرفين.
- هذه الأعمال النوعية بحسب إحصائية جهاز "الشاباك" الإسرائيلي، كانت في شهر أيار/ مايو على النحو التالي:
- 3 عمليات طعن في أيار/ مايو في مقابل 2 في شهر نيسان إبريل.
- 13 عملية إضرام نيران مقابل 11 عملية.
- 12 عملية إطلاق نيران مقابل 17.
- 30 عبوة أنبوبية مقابل 35. (والعبوة الأنبوبية، هي عبوة ناسفة بدائية الصنع، يسميها الفلسطينيون "كوع" حيث تُحشى أكواع مواسير المياه بالكبريت أو ما يتوفر من مواد قابلة للاشتعال، ثم تقذف على دوريات الاحتلال).
- 145 زجاجة حارقة مقابل 187.
- وقد أسفرت هذه العمليات النوعية عن:
- مقتل أربعة إسرائيليين في عملية مستوطنة "إلعاد" المقامة على أراضي قرية المزيرعة الفلسطينية المهجرة عام 1948، وأصيب في العملية إسرائيليان آخران. وقعت العملية في 5 أيار/ مايو، واعتقل منفذا العملية في محيط مستوطنة "إلعاد" بعد ثلاثة أيام من ملاحقتهم من مختلف التشكيلات الأمنية والعسكرية الإسرائلية، وتبين أنهما الشابان: صبحي صبيحات (20 عامًا)، وأسعد الرفاعي (19 عامًا)، من قرية رمانة قضاء جنين. وقد جاءت هذه العملية كما قال منفّذوها، ردًّا على اقتحامات المستوطنين للمسجد الأقصى.
- مقتل ضابط إسرائيلي (تصفه إحصائيات "الشاباك" بأحد أفراد قوات الأمن)، في عملية إطلاق نار في بلدية برقين قضاء جنين في 13 أيار/ مايو. تبين أن الضابط القتيل هو ناعوم راز (47 عامًا)، وبحسب بيان للجيش والشرطة الإسرائيلية فهذا الضابط "محارب من قوات الوحدة الشرطية الخاصة"، وقتل أثناء تنفيذ قوات الاحتلال وشرطته الخاصة مداهمة لقرية برقين بهدف اعتقال أحد المطاردين الفلسطينيين. وقع أثناء هذه المداهمة اشتباك مع المقاومين الفلسطينيين[3].
- إصابة شرطي إسرائيلي بجروح في رقبته، في عملية طعن نفذها فلسطيني (19 عامًا) في باب العمود في القدس في 8 أيار/ مايو، أصيب الشاب الفلسطيني بجراح خطيرة، وذلك في حين استشهد فلسطيني آخر في اليوم نفسه. وهو معتصم محمد طالب عطا الله (17 عامًا) داخل مستوطنة "تقوع" شرق بيت لحم، بزعم التسلل إليها، ومحاولة تنفيذ عملية[4].
- إصابة ثلاثة إسرائيليين بجروح نتيجة رمي الحجارة في منطقة حوارة قرب نابلس وذلك في 24 أيار/ مايو.
يقابل حالة المقاومة هذه استنفار أمني إسرائيلي، أفضى إلى استشهاد 14 فلسطينيًّا، من مناطق: غزة وبيت لحم والقدس ورام الله وجنين ونابلس وأريحا وقلقيلية[5]، وذلك في حين كان عدد الشهداء في نيسان/ إبريل 23 شهدًا[6]، وأما عدد المعتقلين فقد بلغ في أيار/ مايو 425 حالة اعتقال[7]، وذلك في حين أنها بلغت في نيسان 880 حالة اعتقال[8] نصفها من داخل المسجد لأقصى أثناء اقتحام قوات الاحتلال ومستوطنوه للمسجد في فترة "عيد الفصح اليهودي" التي تزامنت مع الأسبوع الأول من النصف الثاني من رمضان.
- خلاصة
مثل شهر نيسان/ إبريل قفزة في العمل المقاوم كمًّا ونوعًا[9]، بالرغم من أن نتائج العمليات الفلسطينية، ظلّت متقاربة بين شهري نيسان/ إبريل وأيار/ مايو، فقد قُتل أربعة إسرائيليين في شهر نيسان/ إبريل، بينما قُتل خمسة في أيار/ مايو، وفي حن جُرح أحد عشر إسرائيليًّا في نيسان/ إبريل، فقد كان عدد جرحى الاحتلال في أيار/ مايو ستة إسرائيليين.
لا يمكن القول، والحالة هذه، إنّ شهر أيار/ مايو مثل تراجعًا في العمل المقاوم، بقياسه على نيسان/ إبريل، فقد ظلّ شهر أيار/ مايو أعلى من حيث العدد؛ من الشهور الثلاثة الأولى من مطلع العام 2022 منفردة، مما يعني أنه لا تراجع إلى الوراء، لاسيما وأن القضية ليست حسبة رياضية تقتضي تصاعدًا مستمرًا في العدد، فهذا غير ممكن في أي حالة نضالية مهما امتلكت من الأدوات وبلغت من العنفوان، وإنما تحكم ذلك مجموعة من العوامل المتعددة، فمستوى التحفّز في نيسان/ إبريل كان الأعلى لتزامنه مع شهر رمضان المبارك، وكثافة الاقتحامات للمسجد الأقصى، كما أن جانبًا من ارتفاع العمل المقاوم متصل بحصول المواجهة التي يفتعلها الاحتلال، فعمليات الاقتحام والمداهمة ودخول القرى والمدن والمخيمات تواجه بالتصدي من الشبان الفلسطينيين الذي قد يستخدمون من الأدوات، وينفذون من الأعمال، ما تهتم الأجهزة الإسرائيلية بإحصائه.
يمكن هنا الأخذ بعين الاعتبار، أنّ هذ النمط المتصاعد منذ مطلع العام، يتفوق على مستويات العمل المقاوم في كل من النصف الأول والثاني من العام الماضي 2021، حيث كانت الذروة فيه في شهر أيار/ مايو في "معركة سيف القدس"[10]، مما يعني أن ما تشهده الضفة الغربية والقدس هو انبعاث متجدد في سياق حالة تأخذ بالتكرس في واقع الضفة والقدس، وقد يكون من تلك الانبعاثات صعودًا فارقًا لارتباطه بعامل متغيّر غير ثابت.
تلاحظ كذلك الأعمار الصغيرة لمنفذي العمليات، كذلك أعمار الشهداء، فمن بين 14 شهيدًا، 9 شهداء أعمارهم دون الـ [11]25. وإذا كان ذلك غير مستغرب بالنسبة للتاريخ الكفاحي للفلسطينيين، فهذه هي الأعمار الاعتيادية للمنخرطين في الفعل المقاوم المباشر، إلا أنّ دلالتها من حيث ظرف التجريف العام الذي عانته الضفة، مما حرم هؤلاء الشباب من أطر التعبئة التنظيمية، مما يعني من جهة تأثرهم بحالة الإلهام التي أوجدتها المقاومة في غزّة، ومن جهة أخرى بداهة التجدد الكفاحي لدى الشعب الفلسطيني، وهو ما يعني من جهة ثالثة تآكل سياسات الهندسة الاجتماعية التي كانت تهدف إلى خلق جيل فلسطيني جديد منصرف عن واجبه النضالي، ثم يمكن أخذ عامل رابع في هذا السياق وهو أثر المراكمة والتوليد للعمليات المتوالية، بالإضافة للأجواء النضالية التي تتسع عمومًا، وتتكثف خصوصًا في بعض المناطق كجنين، مع استمرار عوامل أخرى في التثوير كالمسجد الأقصى والحالة الاستيطانية.
يمكن الاستخلاص من ذلك أن ثمّة تأييدًا هائلاً للمقاومة بوصفها خطًّا سياسيًّا في فلسطين أخذ يتعزز منذ العام 2014، ويتكرس من بعد العام 2021. وإذا كان هذا غير جديد من حيث غلبة الخطّ المقاوم بالنسبة للتاريخ العام لفلسطينيين، فإنّه جديد بالنظر إلى واقعة الانقسام في العام 2007.
وعلى هذا، فإنّ هذه الحالة ما تزال في طور التكرّس لا التراجع، بالرغم من التحفّز الأمني الإسرائيلي العالي، والهوّة الكاسحة في فارق القوّة ما بين "إسرائيل" والفلسطينيين، وافتقار العمل المقاوم في الضفّة والقدس للتنظيم الكافي بحيث يمكن تصعيده وفق برامج ورؤى وإرادات واعية، بينما تبقى وتيرة العمل غير المنظم متفاوتة. في مقابل ذلك يمثل التحدّي الإسرائيلي الظاهر في الاقتحامات المهينة للمسجد الأقصى، والاستفزازات الاستيطانية المستمرّة، والاعتداءات الممنهجة التي ترفع من أعداد الضحايا الفلسطينيين، أسبابًا ثابتة لتغذية الروح الكفاحية للفلسطينيين.
[1]. إحصائية جهاز "الشاباك" الإسرائيلي: أيار/ مايو 2022: https://bit.ly/3zhs8a7
[2] . إحصائية خاصة بمركز القدس للدراسات، لم تكن قد نشرت بعد حين كتابة هذه الورقة.
[3]. خبر في وكالة الأنضول، 13 أيار/ مايو 2022، https://bit.ly/3PTXOrX
[4]. خبر في موقع عرب 48، 8 أيار/ مايو 2022، https://bit.ly/3NehjcX
[5]. بحسب إحصائية لمركز القدس للدراسات، لم تكن قد نشرت بعد حين كتابة هذه الورقة.
[6]. إحصائية خاصة بمركز القدس للدراسات، 6 أيار/ مايو 2022، https://bit.ly/3zd0wTr
[7]. بحسب إحصائية لمركز القدس للدراسات، لم تكن قد نشرت بعد حين كتابة هذه الورقة.
[8]. إحصائية خاصة بمركز القدس للدراسات، 6 أيار/ مايو 2022، https://bit.ly/3tbVKlu
[9]. راجع القراءة السابقة: ساري عرابي، قراءة في الإحصائيات الإسرائيلية لأعمال المقاومة - نيسان/ إبريل 2022، مركز القدس للدراسات، 10 أيار/ مايو 2022، https://bit.ly/3GPzjs0
[11]. رجع إحصائية مركز القدس للدراسات عن الشهداء لشهر أيار/ مايو.