قراءة في المشهد السياسي الصهيوني لشهر آذار.. الانتخابات تُعمّق الأزمّة

عماد أبو عواد
06-04-2021
قراءات سياسية

قراءة في المشهد السياسي الصهيوني لشهر آذار

الانتخابات تُعمّق الأزمّة

عماد أبو عوّاد

حمل الملف BDF

مقدمة

شهد شهر آذار/ مارس الماضي، انتخابات صهيونية حافلة بالتجاذبات الداخلية، وكان المأمول، صهيونيًّا، من تلك الانتخابات أن تؤدّي إلى حلّ الأزمات المتراكمة على خلفية العجز عن تشكيل حكومة مستقرة، وقد ساهم هذا الواقع في زيادة حدّة التجاذبات والوصول إلى زاوية ضيقة بالكاد يُرى منها سبيلٌ للخروج من هذه التناقضات.

أفرزت الانتخابات الصهيونية ذات النتائج التي كانت في المرة السابقة، وإن كانت نسبة اليمين قد ازدادت في البرلمان الصهيوني، فإنّ الانقسام إلى تكتلين بقي على حاله، فقد استطاع تكتل "نريد نتنياهو" الحصول على 52 مقعدًا واضحًا، فيما تيار "لا نريد نتنياهو" حصل على 57 مقعدًا، ليبقى حزب "يمينا" إلى جانب "القائمة الموحدة" العربية هما بيضة القبان في الكنيست.

هذه النتائج التي لم تكن مفاجئة، وفتحت شهية بعض السياسيين للتفكير بانتخابات خامسة، قد تؤدي إلى تحسين واقعهم الانتخابي، في ظل غموض الصورة وعدم وضوحها، إلى جانب الخوف من اتخاذ قرارات مصيرية تحديدًا من التيار المعارض لنتنياهو.

في هذه القراءة سنقف عند العديد من العناوين، والتي من بينها حجم التجاذبات خلال الدعاية الانتخابية، وكيف ستؤثر النتائج وتنعكس على التركيبة الداخلية في المجتمع الصهيوني، محاولين الوصول إلى سيناريوهات مُحتملة.

ما قبل الانتخابات

شهدت مرحلة ما قبل الانتخابات ذروة التجاذبات الداخلية والتي قفزت درجات إلى الأمام، فإلى جانب ما يُعرف بتحريم بعض الأحزاب الجلوس مع أخرى، وصلت سفينة الحرب الداخلية إلى الشتائم والقذف غير المسبوق، لتعمّق الخلافات وتزيد من تقسيم المجتمع الصهيوني إلى طوائف أقرب للتناحر منها للشراكة ولتخلخل الوضع الذي سارت عليه "إسرائيل" منذ ما يزيد عن 6 عقود.

أفيجدور ليبرمان زعيم حزب "إسرائيل بيتنا" وصف الحريديم بالقمامة، وذلك على الهواء مباشرة وإجابة على سؤال إن كان سيجلس مع نتنياهو إذا تخلّى عن حلفه مع الحريديم، فقال "يجب وضع كلا الطرفين في عربة وإلقاؤهم في القمامة"[1]، الأمر الذي ولّد ردود فعل قويّة من الحريديم وغيرهم في الساحة السياسية.

لم يكن التناقض المُستمر فقط بين الحريديم وليبرمان، بل ازدادت الفجوة ما بيت تيار نتنياهو وتيار لا لنتنياهو، فقد اعتبر بيني جانتس، (والذي رضخ ودخل حكومة نتنياهو السابقة)، أنّ نتنياهو خطير على الدولة، وبأنّه يعمل لمصلحته الشخصية، واصفًا إيّاه بالحثالة الذي يُعطّل كلّ شيء[2]، الأمر الذي زاد من حدّة الفجوة، وقد اعترف جانتس بخطئه التاريخي بدخوله حكومة نتنياهو واعتذر عن ذلك.

هذا النفور ساهم في إباحة محرّمات تاريخية، فقد دفع ذلك نتنياهو، (من أجل تحشيد شركاء داعمين له)، إلى دعم توحيد قائمة ضمت المتطرف سموترتش مع الإرهابي بن جفير، واللذين يوصفان داخليًّا في الكيان بالتطرف، وقد دعمهما نتنياهو حفاظًا على تكتله اليميني، الأمر الذي قاد تكتل نتنياهو للمزيد من التطرف، وقاد تكتل لا نريد نتنياهو إلى ترسيخ موقفهم في رفضه.

الانقسام حول نتنياهو، قاد أيضًا إلى وجود يمين معارض لنتنياهو لكنّه في ذات الوقت معارض لأحزاب المركز واليسار المعارضة أيضًا لرئيس وزرائهم، فإلى جانب جدعون ساعر الذي انشق عن الليكود، خرج نفتالي بنت زعيم حزب "يمينا" ليغرد خارج سرب نتنياهو، معلنًا نفسه مرشحًا لرئاسة الوزراء ومؤكدًا ضرورة العمل على تغيير نتنياهو.

المشهد الحالي ما بعد الانتخابات

الانتقام ربما هي الكلمة الأكثر تعبيرًا عن المشهد الحالي، ففي الوقت الذي لم يحسم أيّ من الطرفين نتائج الانتخابات بوضوح لصالحه، رغم وجود ما يزيد عن 75 مقعدًا لليمين في الكنيست الحالي، نجد أنّ البحث عن الانتقام هو سيد الموقف في الساحة الصهيونية، إذ يُحاول ليبرمان وساعر ولبيد الانتقام بأيّ ثمن من نتانياهو، حتى لو كلّفهم الأمر تمليك زعيم حزب "يمينا" نفتالي بنت والذي لم يحصل سوى على 7 مقاعد، أي دعمه ليكون هو رئيس الوزراء بالرغم من عدد مقاعده المحدود.

الفوضى والجمود وعدم القدرة على خلق مساحة يُمكن من خلالها حلّ الأزمات، ذلك كلّه يضفي بظلاله على المشهد، وإن كان أمل المجتمع الإسرائيلي بأن تكون الانتخابات الأخيرة حاسمة في اتجاه التخلص من المأزق السياسي، سواء بتشكيل نتنياهو وحلفه الحكومة أم الطرف الآخر، فإنّ النتائج جاءت لتبعث اليأس وتُرسخ الشغور بالعجز، ليس للمستوى السياسي فحسب، بل أيضاً لدى الشريحة الأكبر من الجمهور الصهيوني.

وفي هذا السياق يمكن فهم تصريحات الرئيس الإسرائيلي رؤوبن ريبلين في هذا الاتجاه، فقد أشار إلى أنّه لن يمنح مهمة تشكيل الحكومة إلّا لمن يشعر أنّه قادر على ذلك[3]، وفي هذا رسالة إلى نتنياهو بأنّ حصولك على العدد الأكبر من الموصين بك لتشكيل الحكومة ليس شرطًا لتكليفك بها، وفي هذا رسالة أيضًا إلى الأحزاب الصغيرة التي ربما لم تحصل على 7 مقاعد، أنّه بإمكانكم العمل من أجل تشكيل ائتلاف حكومي، وعدم الانصياع لرغبات نتنياهو.

الانتخابات التي أوجدت تقريبًا ذات النتائج، أعطت كلّ طرف المُبرر للتمسك بمواقفه، حيث التصلّب في رفض الآخر، ورغم ما سبق الانتخابات من رائحة داخلية كريهة، فإنّ الجماهير بقيت على مواقفها، الأمر الذي يُعطي السياسيين من الأحزاب المزيد من الشعور بضرورة التمسك بتلك المواقف، حرصًا على عدم خسارة الشرائح الداعمة لهم، وفي الوقت الذي تلا الانتخابات الثلاث السابقة حراك سريع لتشكيل الحكومة، فإنّ هذه الانتخابات تُعطي مؤشرات سلبية دفعت رؤساء الأحزاب إلى الجمود والترقب، والشعور باستحالة إتمام المهمة.

العمل الآن في الساحة الصهيونية السياسية، هو تفعيل مكنة الاصطياد والضغط على أعضاء كنيست للانسحاب من أحزابهم، هذه الظاهرة التي تفجرت خلال الانتخابات الثالثة مع انسحاب ابكسيس من تكتل "العمل-ميرتس"، أدخلت الشكوك إلى كلّ الأحزاب حول احتمالية وجود شخصيات قد تنسحب وتنقلب على أحزابها، من هنا فإنّ الترقب الآن من الشخص الذي سيغدر بحزبه، في منحنى رفع نسبة عدم الثقة داخل كلّ الأحزاب، تحديدًا تلك الصغيرة منها، والتي يسعى بعض أعضائها ليصبحوا في مناصب مهمة.

نتنياهو يترقب ويعمل بهدوء من تحت الطاولة، إلى الآن لم تتبين نوايا الرجل في أيّ اتجاه سيتحرك، فيما خصومه منشغلون في المعركة الداخلية بينهم، من منهم سيكون الرأس الذي يجب أن يتلقى التكليف بتشكيل الحكومة، هل صاحب عدد المقاعد الأكبر كما جرت العادة، أم التنازل لشخصية مثل نفتالي بنت من أجل منعه من العودة لحضن نتنياهو وبالتالي إبقاء الأمل من أجل القضاء عليه، ليبقى الانتقام سيد الموقف بين الفرقاء في الساحة الصهيونية.

السيناريوهات المُحتملة

في الساحة الصهيونية نحن أمام سيناريوهات متعددة، إمّا تشكيل حكومة ائتلافية بسيناريوهين أو الذهاب إلى انتخابات خامسة في أيلول المقبل، وهنا الثلاثة سيناريوهات الأبرز:

  1. الذهاب إلى انتخابات خامسة


في ظل استحالة تشكيل حكومة خالصة من أيٍّ من المُعسكرين دون الاعتماد على القوائم العربية، لو على الأقل من خلال التغيب عن التصويت، يُمكن القول إنّ الانتخابات الخامسة هي الأقرب، فرغم امتلاك نتنياهو 52 مقعدًا، واحتمالية انضمام نفتالي بنت له ليصبح الرقم 59، فإنّ الصهيونية الدينية لا زالت ترفض الاعتماد على تغيّب قائمة عربية (منصور عباس) عن التصويت لتمرير الحكومة.

وعلى الجهة الأخرة فإنّ تكتل لا لنتنياهو غير متفق داخليًّا، فرغم امتلاكه على الورق 57 مقعدًا، فإنّ من بينها 6 للعرب، فالتناقض الداخلي كبير، الأمر الذي يُصعّب من احتمالية تشكيل حكومة من قبلهم، ليبقى سيناريو الانتخابات الخامسة هو الأكثر ترجيحًا، بنسبة ليست بعيدة عن السيناريو الثاني.

  1. تشكيل حكومة ائتلافية بزعامة نتنياهو.


السيناريو الثاني والذي يحوز على نسبة جيدة، هو أن يستطيع نتنياهو تشكيل حكومة ائتلافية تضم 59 من اليمين التقليدي مع نفتالي بنت، مع إقناعه حلفاءه في الصهيونية الدينية بضرورة الموافقة على الاعتماد على القائمة العربية الموحدة بزعامة منصور عباس، التي يكفي أن تتغيب عن التصويت لتمرير الحكومة 59 مقابل 57 معارضًا.

أو ربما ينجح نتنياهو في اقناع بعض الشخصيات الموجودة في قوائم اليمين بالانسحاب والانضمام له، أو عودة الليكودي المُنشق جدعون ساعر إلى مُعسكر اليمين مقابل امتيازات كبيرة خاصة أنّ حزبه لم يُحقق سوى ستة مقاعد في انتكاسة كبيرة له، ويُمكن لهذه العودة أن تُمكن ساعر من لعب دور أبرز، والعودة مستقبلاً لصفوف الليكود ليكون وريثًا محتملاً لنتنياهو، خاصة أنّه كان الشخصية رقم "2" في الحزب بعد نتنياهو.

هذا السيناريو قد يدفع له تخوف نفتالي بنت وجدعون ساعر من الانتخابات، خاصة أنّ التجاذبات القادمة إذا أعيدت الانتخابات ربما ستقضي على ساعر نهائيًّا، وستُقلل من حظوظ بنت من الحصول على سبعة مقاعد.

إلى جانب ذلك فبإمكان نتنياهو العمل على تغيير تحالفاته كلّها، على سبيل المثال أن يستغني عن الحريديم، مقابل ضم ساعر، لبيد ونفتالي بنت، وهو خيار ترى فيه شريحة واسعة مخرجًا للأزمات الداخلية التي على رأسها التقوقع والتشرذم، والابتزاز الدائم الذي يُمارسه الحريديم على أي حكومة يُعتبرون فيها بيضة القبان.




  1. تشكيل حكومة من معسكر "لا لنتنياهو"


يأتي في المرتبة الثالثة من بين السيناريوهات، ولكن بنسبة بعيدة عن السيناريوهات أعلاه، أن يستطيع معسكر لا نريد نتنياهو أن يُشكل حكومة، ومن المُمكن ذلك من خلال التحالف مع نفتالي بنت وبهذا يجمع المعسر 58 مقعدًا، وأن تتغيب القائمة العربية المشتركة عن التصويت، حينها تمر هذه الحكومة التي ستكون انتقالية لفترة وجيزة، يُمكن بعدها تشكيل حكومة مستقرة بعيدًا عن نتنياهو ومن المُمكن أن تضم حزب الليكود أيضًا بعد توسيعها.

التلويح بهذا السيناريو قد يدفع حلفاء نتنياهو الحريديم للتخلي عنه، فهم لا يستطيعون العيش خارج الحكومة، في ظلّ احتياجاتهم المرتبطة بالمُخصصات المرتفعة، والتي تأتي على خلفية نسبة البطالة العالية لدى شبابهم الذين يتفرغون لتعلّم التوراة بدل العمل أو التجنيد في الجيش الصهيوني. من هنا فإنّ شعور الحريديم بإمكانية وجود حكومة بعيدة عنهم، قد تدفعهم للذهاب باتجاهات أخرى، خاصة أنّه بإمكانهم التعايش مع اليمين والمركز واليسار.

هذا السيناريو هو الذي يُحفز نفتالي زعيم "يمينا" والذي يمتلك فقط 7 مقاعد، للعمل بجد واجتهاد للحفاظ على كلّ الخيوط، وعلى علاقات مع كلا المعسكرين وهذا ما يتضح خلال الأيام الأخيرة، فبسبع مقاعد يُمكن أن تكون رئيسًا للوزراء، فرصة ربما لن تتكرر بالنسبة لنفتالي بنت الذي سيسير بحذر شديد من أجل تحقيق هذا الهدف، وليصبح رئيسًا للوزراء حتى ولو لأشهر قليلة.




خاتمة

المشهد السياسي الصهيوني بات يتعقد بشكل كبير، وربما يُمكن القول أنّنا بتنا أمام ثلاثة معسكرات في الدولة العبرية بدل اثنين، فما بين يمين نتنياهو وتيار لا نريد نتنياهو، ظهر تيار يقف على الحياد بينهما ويبحث عن مصلحته الخاصة أينما وجدها، حزب "يمينا" بزعامة بنت، وجزء من حزب "يهدوت هتوراة" بزعامة جفني.

ويُمكن القول إنّ استمرار نتنياهو على رأس السلطة التنفيذية في دولة الاحتلال سيُعمّق الشرخ، فوجوده يمنع التلاقي بين المعسكرات، خاصة أنّ زعاماتها ترى في سلوك نتنياهو سلوكًا إقصائيًّا، واستمراره إعاقة لإيجاد قيادة بديلة، وهذا ما سيجعل العمل دؤوبًا من معسكر لا لنتنياهو من أجل محاولة الخلاص منه إن أمكن ذلك.

وفي حال الاقتراب من إمكانية تشكيل حكومة دون نتنياهو، فإنّ لذلك سيكون ارتدادات كبيرة وسريعة، أهمها ربما تخلي جزء من مؤيديه عنه، وثانيها سعيه المباشر نحو تسوية ملفاته مع الادعاء العام والوصول إلى صفقة معينة مقابل الخروج المشرف من المشهد السياسي، وهذا السيناريو مقبول حتى على خصوم نتنياهو تحديدًا اليمينيين منهم، والذين لا يُنكرون فضله، ولكن يرفعون شعار كفى.

[1]  القناة الثانية، 13.03.2021، ليبرمان: يجب القاء الحريديم في القمامة. القناة الثانية، https://www.mako.co.il/news-politics/2021_q1/Article-9b0d10ff74d2871027.htm

[2]  سيروجيم، 16.03.2021، جانتس يصف نتنياهو بالزبالة، سيروجيم، https://www.srugim.co.il/545318-%D7%90%D7%99%D7%91%D7%93-%D7%90%D7%AA-%D7%96%D7%94-%D7%92%D7%A0%D7%A5-%D7%9B%D7%99%D7%A0%D7%94-%D7%90%D7%AA-%D7%A0%D7%AA%D7%A0%D7%99%D7%94%D7%95-%D7%96%D7%91%D7%9C-%D7%91%D7%A9%D7%99%D7%93%D7%95

[3]  أريك بندر، 31.03.2021، ريبلين: الشعب يريد شراكة عابرة للطوائف وتحالفات غير تقليدية. معاريف. https://www.maariv.co.il/elections-2021/Article-830911