قراءة في مقالة أودي أديب "اليهود الشرقيون في إسرائيل الواقع واحتمالات المستقبل"

معتصم سمارة
11-09-2023

أسمه الكامل إيهود أودي أديب ولد في 21 يناير عام 1946، ولد في كيبوتس غان شموئيل بالقرب من حيفا، وهو أحد قلاه هشومير هتساعير، خدم في جيش الاحتلال الإسرائيلي وأنهى خدمته عام 1966، ناشط "إسرائيليوأسير سياسي سابق، ، اشتراكي انضم لحركة «ماتسبين»المعادية للصهيونية، وشكلّ مجموعة من العرب واليهود سميت "الشبكة الحمراء"  لتنفيذ عمليات ضدّ «إسرائيل»، وتلقى تدريبات في دمشق. القي عليه القبض مع افراد خليته عام 1973، وحكم عليه بالسجن لمدة 17 عام، أطلق سراحه عام 1985 ضمن التمهيد لصفقة جبريل.

 يعيش اليوم في مدينة حيفا، وهو دكتور في العلوم السياسية.

يوصف المجتمع الإسرائيلي بانه كثير الصدوع وبالرغم من ان الصدع الطائفي ليس الاعمق ولا الأكثر اثرا في هذا المجتمع، او على الأقل لم يعد كذلك، الا انه حظي بالكم الأكبر من الاهتمام والبحث والدراسة من قبل المهتمين والباحثين. وبالرغم من تراجع حدة الصدع الطائفي بعد كل هذه السنوات الا ان اثاره الاجتماعية والاقتصادية والسياسية مازالت ماثلة الى اليوم، في مقالته يتناول اودي اديب التوجهات النقدية في علم الاجتماع التي جاءت متأخرة لتفند التوجه البنيوي لعلم الاجتماع المرتبط بالسلطة.

في ادعائه الأساسي يقول اديب "ان إسرائيل هي دولة قومية تقيم شرعية حكمها على ايدولوجيا قومية اثنية استثنائية تحولت الى (ديانة مدنية)، والتي مثلت الركيزة الأساسية في المشروع الكولونيالي الاستيطاني"، الذي بموجبه تم نقل اليهود الشرقيين الى الأطراف بهدف ابعادهم عن المركز وابقائهم تابعين للطبقة الاشكنازية وفي ذات الوقت الاستفادة منهم بكثير من الأغراض [1].

يناقش اديب بأن المجتمع الإسرائيلي لم يجد وسائل الاجماع والدمج الضرورية لتكوينه، ولهذا لا يزال مجتمعا ممزقا من ناحية اجتماعية وثقافية،  مصرا على ان الشرقيين والفلسطينيين عانوا من نفس السياسات الاقصائية التي مارستها ضدهم النخبة الاشكنازية فيقول "ان فشل دولة القومية الإسرائيلية يكمن في عدم رغبتها في دمج او ضم المجتمع الفلسطيني المحلي وجاليات المهاجرين الشرقية التي وصلت بعد قيام الدولة"[2]، بينما في الحقيقة لا يمكن المقارنة بين تلك الإجراءات العنصرية الاقصائية التي مارستها النخبة الاشكنازية ضد اليهود الشرقيين وثقافتهم التي اعتبرتها متخلفة ورجعية، وبين تلك السياسات العدوانية العنصرية التي مارستها المؤسسة الإسرائيلية، مستخدمةً في معظم الأحيان الشرقيين كأدوات لتنفيذ تلك السياسات، ضد الأقلية العربية في داخل الدولة، التي نظرياً كانوا يعتبرون مواطنين متساوو الحقوق والواجبات فيها.

يفسر أديب الاختلافات التي طرأت على اجندة علم الاجتمال الإسرائيلي فيما يخص الهوية الشرقية موضحاً ان التوجه المؤسسي والذي ظل سائداً حتى نهاية السبعينات من القرن الماضي، رأى رواده أنفسهم شركاء في تكوين وصياغة القومية اليهودية للمجتمع في إسرائيل، وذلك ليس من زاوية نظر علم الاجتماع نفسه وانما وفقاً لما رآه قادة المجتمع في ذلك الوقت، وهم بالطبع الطبقة الاشكنازية المتنفذة والمسيطرة، "لاءمت وجهة النظر الوظيفية _ البنيوية لعلم الاجتماع المؤسسي في الخمسينيات والستينيات (الديانة المدنية) الإسرائيلية لأنها تشبّه المجتمع بـ (مبنى) ذي تركيب متكتل يقوم على تقسيم أدوار داخلية ووظيفتها المحافظة على الوجود الذاتي داخل البيئة الخارجية المحيطة به".[3]

ينتقد أديب بناءً على الكلام أعلاه ان السلطة السياسية من هذه الزاوية البنيوية تعتبر اداه مسؤولة عن تحديد اهداف التنظيم، وليس جسماً انتفاعياً يبلور المجتمع لاحتياجاته السلطوية، وهنا قد يبدو تصرف النخبة الاشكنازية في عزل الشرقيين على ما فيه من فوقية وعنصرية واحتقار للثقافة الشرقية، أمراً ضرورياً بهدف الحفاظ على الكيان الناشئ في مواجهة العداء الشرقي المحيط، فهي بذلك، أي النخبة الاشكنازية، حققت الاستفادة من الشرقيين في مواجهة العرب وفي نفس الوقت أبعدتهم عن المركز التي كانت ترى في وصولهم اليه خطراً كبيراً.

يستعرض أديب التوجهات النقدية في علم الاجتماع التي قابلت التوجه المؤسسي والتي بدأت فعلياً بالظهور بعد صعود اليمين عام 77، حيث ان الانقلاب ألغى فعلياً الانسجام الذي ساد بين المؤسسة الأكاديمية والسياسية، إضافة الى التحولات التي حدثت في المجتمع بعد هزيمة حركة العمل، حيث اسهم صعود اليمين في تعددية الحوار السياسي والاكاديمي في إسرائيل، والى جانب التوجه المؤسسي يستعرض أديب التوجه التعددي الذي تطور في نهاية السبعينيات على يد عالم الاجتماع العراقي الأصل سامي سموحة، مستعرضاً أنماط الدمج الأساسية في اجابته على السؤال الأساسي الذي يطرحه هذا التوجه، وهو ما هو شكل دمج الفئة الفرعية في الاطار الكلي؟، مبيناً ان سموحة يعتبر ان المجتمع الإسرائيلي يسوده دمج تفضيلي تقوده المجموعة الأوروبية، وقد كانت حركة العمل هي عبارة عن التعبير السياسي لفوقية وسيطرة هذه الفئة الأوروبية في نظام الحكم.

 اما التوجه النقدي الثاني الذي يتناوله أديب فهو التوجه الطبقي الماركسي، مستعرضاً آراء شلومو، سبيرسكي ودبورا برنشتاين في مقالتهما التي حملت عنوان "من عمل بماذا، لصالح من، مقابل كم؟ - تطور الاقتصاد الإسرائيلي وتشكل تقسيم العمل الطائفي"، حيث ادعى الاثنان ان التفضيل الاجتماعي بين الاشكناز والشرقيين ليس وليد عدم تلاؤم ثقافي بين قادمين تقليديين وبين مجتمع حديث وانما نتيجة الطبيعة الخاصة للتطور الاقتصادي في إسرائيل الذي ظهر من خلاله، وفي الوقت نفسه، طبقتان.

يرفض أديب ادعاء سبرسكي وبرنشتاين، مشدداً على ان الشرقيين كانوا بعد قيام الدولة جزءا لا يتجزأ من عملية تطور الاقتصاد الإسرائيلي السريع، وهذا يعني انهم شاركوا في جزء أساسي من تحويل الاقتصاد الى اقتصاد حديث. ان الطريقة التي تطور بها الاقتصاد بعد قيام الدولة مكنت من نمو وبلورة جهاز خدمات عامة كان بأغلبيته اشكنازيا وهو من حدد فعليا مصير الشرقيين.

أما التوجه النقدي الأخير الذي يستعرضه أديب فهو التوجه الجغرافي الاجتماعي، حيث يرى هذا التوجه ان سياسات التوطين كانت تهدف بالأساس الى ابعاد المهاجرين الشرقيين عن المراكز الجغرافية القائمة من خلال توطينهم في مدن وقرى جديدة أقيمت في الهوامش التي احتلت أو مكان الفلسطينيين الذين تم تهجيرهم، حيث ان هذه العملية أدت الى عزل وفصل الشرقيين وحالت دون دمجهم ومساواتهم في المبنى الاجتماعي الإسرائيلي، وبذلك فقد وجد اليهود الشرقيون أنفسهم على هامش المجتمع الإسرائيلي تحت غطاء طرد واستثناء الشعب الفلسطيني. عمليا حالت السياسة الاستيطانية دون دمج اليهود الشرقيين ومساواتهم في المبنى الاجتماعي الإسرائيلي.

يرى اورن يفتحئيل أحد أبرز وجوه هذا التوجه، ان نتيجة هذا التقسيم السياسي الاجتماعي أدى الى إقامة حكم اثنوقراطي اشكنازي، فبدلا من وحدة قومية في مجتمع استيطاني تم إيجاد فجوات وفوارق اجتماعية، فقد عززت سياسة التوزيع الجغرافي التي تبنتها الطبقة الاشكنازية من مكانة الشرقيين الدونية وعمقتها في المجالات الأخرى.

يشدد اديب انه لامجال للمساواة بين الشرقيين والفلسطينيين لان الشرقيين بخلاف الفلسطينيين ضموا الى المشروع الصهيوني وتحولوا من تلقاء انفسهم الى شركاء في مشروع تهويد الحيز الإسرائيلي – الفلسطيني . لكن الفئتين تضرروا، الشرقيون من خلال ضمهم الدوني الى الاثنية القومية المسيطرة، والفلسطينيون  من خلال استثنائهم المستمر من دوائر المدنية الإسرائيلية .

يثبت اديب ادعاءه بالقول انه لم يعد في علماء الاجتماع اليوم احد ذو قيمه لا يؤيد بصورة او بأخرى التوجهات النقدية، بل ان النقاش الدائر اليوم هو بين علماء الاجتماع النقديين انفسهم وليس بين علماء الاجتماع المؤسساتيين .

يختتم اديب مقالته بعبارة جدلية جدا في الواقع المعاش فيقول، "ان الصراع ضد النخبة الحاكمة في إسرائيل ليس صراعا اثنيا ثقافيا، انما هو صراع سياسي ديمقراطي – جمهوري . وهذا هو النضال المشترك للفلسطينيين والشرقيين وبقية المجموعات التي تعاني التمييز والاضطهاد"[4]. وهو الامر الذي يبدوا صعبا بصورة كبيرة، أي دمج الشرقيين والفلسطينيين معا في جبهه نضالية واحدة، بعد كل هذا الشوط الذي قطعته النخبة الحاكمة في دمج الشرقيين في دولة القمع والاقصاء ضد الفلسطينيين، وبقراءة بسيطة لأنماط التصويت لدى الشرقيين لحوالي أربعة عقود خلت، سنجد ان الغالبية الساحقة منهم تؤيد اليمين المتطرف الذي يمعن في تبني سياسات اقصائية عدوانية تجاه الأقلية العربية، إضافة الى عدم بقاء الشرقيين كما السابق على هامش النخبة الحاكمة، بل هم اليوم شركاء في تلك النخب السياسية والاقتصادية والأكاديمية والثقافية، وهم كذلك جزء أساسي في صياغة وتنفيذ تلك السياسات العنصرية تجاه الأقلية الفلسطينية .

 

 

[1] اودي اديب واخرون، "اليهود الشرقيون في إسرائيل الواقع واحتمالات المستقبل"، مركز دراسات الوحدة العربية ، (لبنان -بيروت، )2003. ص60.

[2] نفس المصدر ص21

[3] أودي أديب واخرون، ص24

[4] نفس المصدر 60