قراءة في نتائج انتخابات نقابة المهندسين
رأي
قراءة في نتائج انتخابات نقابة المهندسين
مصطفى شتات
محام وكاتب فلسطيني
كانت انتخابات الجامعات والنقابات الفلسطينية ولا زالت مؤشرًا مهمًّا على مزاج الشارع الفلسطيني وتوجهاته، إذ تحمل هذه الانتخابات أهمّية كبيرة كونها تجري داخل مؤسسات نخبة الشعب الفلسطيني ومثقفيه، ولا يخفى على المتابع للشأن الفلسطيني أنّ شعبنا مثقّف ويولي أهمية للعلم وللمتعلّمين بشكل لافت.
حزب السلطة الحاكم "فتح" وعن طريق مسؤول النقابات فيه "توفيق الطيراوي" القادم من خلفية أمنية بحتة، وعضو اللجنة المركزية لفتح، يسعى جاهدًا لتحقيق نتائج مرضية لفتح، مسخرًا كل إمكانيات السلطة وأجهزتها الأمنية لهذا الهدف، كدفع المستحقات النقابية عن كثير من المهندسين ليستطيعوا المشاركة في العملية الانتخابية، مع أنّ هذا الأمر مخالف لقواعد النزاهة والشفافية وتكافؤ الفرص بين الكتل النقابية المتنافسة.
ومع ذلك، تأتي نتائج انتخابات نقابة المهندسين، أحد أكبر النقابات الفلسطينية وأهمها، والتي يزيد عدد منتسبيها وأصحاب حق الانتخاب فيها عن 12 ألف مهندس، لتشكل صدمة لفتح وأجهزتها المختلفة، كون فتح هي الحزب الحاكم في الضفة، وسخرت وتسخر، كل إمكانياتها المختلفة لإنجاز فوز، واستخدمت وتستخدم، أساليبها المعروفة بالترغيب تارة وبالترهيب تارات أخرى.
النتائج أظهرت فوز تحالف قائمة "العزم" برئاسة المهندسة نادية حبش، وهي مختطَفة سياسية سابقة، وهي القائمة المشكلة بالتحالف بين الجبهة الشعبية وحركة حماس، وذلك بفارق مريح عن مرشح حركة فتح لمنصب النقيب، في رسالة قوية لحزب السلطة ولرئيسه محمود عباس، الذي أجّل الانتخابات التشريعية التي كان من المزمع إجراؤها في شهر أيار/ مايو من هذا العام، متذرعًا بعدم القدرة على إجرائها في مدينة القدس المحتلة، الأمر الذي أثار حفيظة الشعب الفلسطيني ونخبته المثقفة على وجه الخصوص، إذ أجمعت هذه النخبة أنّ سبب التأجيل واهٍ ولم يأتِ إلا لخشية فتح من الخسارة.
فضيحة اللقاحات الأخيرة، وثبوت تورط السلطة فيها، وقتل الشهيد نزار بنات، ونتائج الحرب الأخيرة بين المقاومة في غزة والاحتلال الصهيوني، وغياب فتح عن مشهد الانتصار الذي صنعته المقاومة بالتفاف كامل من فئات الشعب الفلسطيني المختلفة حول مشروع المقاومة، كانت عوامل هامّة جدًّا في التسبب بخسارة حزب السلطة في انتخابات نقابة المهندسين وفوز مرشحي حماس والشعبية، وهما التنظيمان الفلسطينيان اللذان يتبنّيان مشروع المقاومة في فلسطين قولاً وفعلاً ميدانيًّا، على خلاف فتح التي بات يدرك الفلسطيني العادي مدى انحدار برنامجها التفاوضي وعبثيته، هذا فضلاً عن غرقها في مستنقع الفساد، بلا أية بوادر للخروج من ذلك المستنقع.
أخيرًا، الشعب الفلسطيني شعب حرُّ بطبعه، يمجّد قيم المقاومة والتحدي من جهة، وقيم الشفافية ونظافة اليد من جهة أخرى، وهي صفات إذا اجتمعت في أي جهة، فإن شعبنا، وفي أية انتخابات حرة ونزيهة، سينتخب هذه الجهة ويقدّمها لخدمته، وهذا ما فعله سابقًا، وفعله في انتخابات نقابة المهندسين، وفي ذلك دلالة على حيوية هذا الشعب الصامد ووعيه.
مبارك الفوز لقائمة "العزم" الهندسية برئاسة المهندسة نادية حبش، مسيحية الديانة، والمرشّحة من قبل حركتي حماس والجبهة الشعبية، في رسالة قوية أخرى للسلطة ولحزبها الحاكم وللتهم التي توجهها لمعارضيها السياسيين بإثارة النعرات الطائفية في فلسطين، متمنين لهم التوفيق في خدمة فئة المهندسين بشكل خاص، والشعب الفلسطيني بشكل عام، آملين أن ترفع السلطة وحزبها الحاكم "فتح" يدها عن حقّ الشعب الفلسطيني في اختيار ممثليه، بدءًا من النقابات والجامعات، وانتهاءً بالمجلس الوطني والتشريعي والرئاسة.