قراءة مركز القدس في التحديث الاستراتيجي لمعهد دراسات الأمن القومي

عماد أبو عواد وياسر مناع
12-05-2018
عماد أبو عواد وياسر مناع  -  مركز القدس لدراسات الشأن الإسرائيلي والفلسطيني

شمل التحديث الاستراتيجي والذي يقدمه معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي[1]، التطرق لثمانية مواضيع متنوعة، تمس الأمن القومي الإسرائيلي، إلى جانب التطرّق للعديد من القضايا الإقليمية والعالمية، وفي هذه القراءة الموجزة، يستعرض مركز القدس أربعاً منها.

أولاً: تطوير التفكير الأمني -العسكري في الجيش الإسرائيلي

يُشير التقرير أنّه رغم امتلاك "إسرائيل"، التفوق العسكري المادي في العقود الأخيرة، إلّا أنّ هذا التفوّق لم يكن حاسماُ في المواجهات، التي بدت فيها "إسرائيل" ذات يد عليا، فعلى سبيل المثال، مواجهة حزب الله في العام 2006، وحماس في العام 2014، تُشير إلى عمق الأزمة، ما بين امتلاك الأدوات وعدم تحقيقها الفائدة المرجوّة.

وعلى الرغم من الفجوات المتنامية بين الجيش ومنافسيه، ورغم القوّة الاقتصادية والتكنولوجية التي يتمتع بها، كانت نتائج الجيش مخيبة للآمال، لذلك فإنّه بحاجة إلى تطوير وتأسيس التفكير العسكري لخلق التفوق الفكري، الأمر الذي سيخدم الجيش في الابتكار الفكري إلى جانب الابتكار التكنولوجي، حيث سيساهم هذا التفوّق الفكري من الإيحاء للأعداء، عدم إمكانية مواجهة وهزيمة "إسرائيل".

ويُشير التقدير أنّ التفوق الفكري على الخصوم، يكون من خلال خلق مؤسسة فكرية ذات صلة بالمؤسسة العسكرية، تجمع بين جنباتها الاختلافات الفكرية الموجودة على الساحة، ويكون هدفها الأساس خلق فكر عام، يُعطي التفوّق العملي والنظري ل "إسرائيل" على الأرض، كما كانت عليه الأحوال عند قيام الدولة العبرية، حيث أوصلت الخصوم لقناعة عدم جدوى المواجهة مع تل ابيب، لكن كاتب التقدير على ما يبدو تجاهل حقيقة أنّ الدولة العبرية عند تأسيسها واجهت تحديات أمنية، في الغالب كانت وهمية، وأنظمة لم ترد القتال في حينه، على عكس ما تواجهه اليوم، من تحدٍّ أمني حقيقي، رغم الفارق في الإمكانات.




ثانياً: اليوم التالي لتنظيم الدولة الإسلامية

في عام 2017 تم تحرير معظم المناطق التي كانت تحت سيطرة " الدولة الإسلامية " وتتميز هذه المناطق بوجود " فراغ سلطوي"، أي وجود فراغ في السلطة الحاكمة في تلك المناطق والتي تدار في بعض الأحيان على يد التحالف مع قوّات الأسد، والمليشيات الإيرانية، التي تقوم باضطهاد المسلمين السنة.

هذا الأمر ساهم في تنامي الوجود الإيراني، ومنح الشرعية للسلفية الجهادية، الذين يحاولون مقاومة التمدد الإيراني، وتوصي الدراسة بأنّه يجب العمل ضد هذا الاتجاه عن طريق تحويل الفراغ الحكومي مع الاستقرار على أساس تمكين الحكومة المحلية، التي تعتني بالمجتمع، وتراعي الفروقات الدينية والعرقية.

نزعة الشعور الإنساني من خلال السطور أعلاه، لا تُشير إلى أنّ "إسرائيل" حريصة على عدم وجود اقتتال في سوريا، أو حريصة على وجود تنوّع عرقي وثقافي، بل هي تريد منع وجود تهديدات أمنية قد تطالها في المستقبل، ويُمكن استشفاف ذلك من خلال تحذيرها أنّ الميلشيات الشيعية، وكذلك إيران تحاول السيطرة على الجولان.

فقد نصح الكتّاب "إسرائيل"، في ضوء هذه التهديدات، التصرف بطريقة وقائية وتوسيع نطاق المساعدات الانسانية وتشجع على إنشاء قوات محلية معتدلة. و يجب على إسرائيل أيضا التعاون مع حليفها الأردن من أجل مساعدة الجماعات المحلية و النظر في إمكانية تقديم أسلحة للدفاع عن النفس.

في الوقت نفسه ، يجب على إسرائيل استغلال علاقاتها الجيدة مع الولايات المتحدة ،وروسيا لضمان السلام والاستقرار في جنوب سوريا ومرتفعات الجولان ، وفقا للاتفاق بين موسكو وواشنطن لمنع تسلل القوات الإيرانية إلى المنطقة.

كما يجب على إسرائيل أن تكون حذرة في مشاركتها داخل الجولان السوري ويجب أن يكون هدف السياسة الإسرائيلية هو إنشاء مجتمع محلي، من المستقلين اللذين سيعتمدون على القوات المحلية في معارضة السيطرة الإيرانية، وعلى "إسرائيل"، الأردن واللاعبين الإقليميين الآخرين، اللذين يشتركون في الأهداف توحيد الجهود لإنشاء هياكل حكومية مفتوحة وشاملة، مدعومة بالتمكين المحلي الحقيقي الذي سيخلق الاستقرار.




ثالثاً: المنافسة بين القوى الإقليمية، توجب الحذر من انتشار السلاح

في السنوات الأخيرة، تركزت المنافسة في الشرق الأوسط بشكل أساسي على القوى الإقليمية

إيران والمملكة العربية السعودية وتركيا و"إسرائيل"، وإلى حد أقل مصر المنهمكة في التحديات

الداخلية، وينبغي أيضا حساب الإمارات العربية المتحدة التي تعمل جزئيا فقط بالشراكة مع السعودية ومصر.

ويُشير التقدير أنّ التنافس بين الدول المختلفة، قد خلق وجود الكثير من الترسانات العسكرية، التي يجب التعامل مع صعودها بحذر، فمن جانب أول إيران النووية تُشكل خطراً، وترسانتها العسكرية قد تُوّجه إلى تل ابيب، ومن جانب آخر الصعود التركي كذلك مخيف، وخلطة السلاح كلّها من الممكن أن تُشكل تهديد مستقبلي ل "إسرائيل".

وهنا لا بد من الإشارة، إلى أنّ مراكز البحث الإسرائيلية، تناولت في أكثر من بحث، خطورة امتلاك الجيش المصري للسلاح العصري المتطور، رغم الحلف العلني والعملي بين البلدين، لكن بنظرة إلى الأمام ترى تل أبيب أنّ الأحوال في مصر قد تتبدل، وبالتالي قد يُوجّه هذا السلاح اليها.




رابعاً: العلاقات الأسترالية – الإسرائيلية

على الرغم من أن التاريخ الموثق للعلاقات بين إسرائيل وأستراليا يشير إلى علاقات وثيقة بدأت مع إقامة دولة "إسرائيل"، إلا أن هذه العلاقات بعيدة كل البعد عن الوصول إلى الدرجة المرجوّة، ونظراً لتعدد المصالح الوطنية المشتركة والخبرة الفريدة في مجالات الزراعة، الابتكار، الأمن والتكنولوجيا، هناك مجال لتمتين العلاقات بين البلدين، ومع ذلك، فإن العلاقة لم تصبح شراكة مزدهرة، رغم كونها صداقة قوّية منذ زمن.

ويُشير التقدير، أنّه بالنظر إلى الأهداف التي تطمح إليها أستراليا وإسرائيل للوصول إلى علاقات ثنائية وثيقة، هناك حاجة للمزيد من العمل. بالاعتماد على:

أولا: الأحزاب السياسية في أستراليا يجب أن تلتزم بسياسة خارجية منطقية تجاه الصراع الإسرائيلي الفلسطيني وأن تبذل جهدا موجهاً لرفع مكانة إسرائيل.

ثانياً: أن تعمل استراليا على دعم "إسرائيل" في المحافل الدولية، وخاصة في الأمم المتحدة، من خلال التصويت الدائم لصالح الدولة العبرية.

بالنظر هنا إلى السعي الإسرائيلي الدؤوب لتوثيق العلاقات شرقاً وغرباً، يمكن القوّل أن "إسرائيل" باتت تحقق نجاحات كبيرة في ذلك، حيث استطاعت اختراق العديد من الساحات التي لطالما كانت محسومة في دعمها للملف الفلسطيني كالهند على سبيل المثال، لكن في نفس الوقت، يُمكن اعتبار السعي الإسرائيلي نحو هذه العلاقات، هو الشعور الإسرائيلي المتنامي والمتزايد، بفقدانها الشرعية، الأمر الذي بات يؤرقها، في زل ارتفاع الصوت الشعبي العالمي، ضد "إسرائيل" وممارساتها، رغم الحظوة التي تتمتع بها تل أبيب لدى أنظمة تلك الشعوب.




[1]  تم تصنيفه عام 2008، كواحد من أبرز عشرة مراكز في العالم، يتبع المعهد لجامعة تل أبيب، لكنه يتمتع باستقلالية مالية وإدارية. ويهتم بالقضايا ذات الصلة بالأمن القومي الإسرائيلي، ويقدم خدماته عبر العديد من الدراسات والمقالات والتقديرات الاستراتيجية، ويعقد مؤتمرا سنويا يلخص فيه الأوضاع الأمنية الاستراتيجية لإسرائيل. ويشارك في المؤتمر كبار رجالات الدولة، كرئيس الدولة ورئيس الحكومة، والعديد من الشخصيات السياسية العالمية. كما يقدم المركز سنويا لرئيس الدولة تقديرا استراتيجيا للقضايا الأمنية التي تمس "إسرائيل"، يرأس المركز اللواء السابق عاموس يدلين.