قراءة وجولة في مراكز البحث الصهيونية (2)

عماد أبو عواد
22-07-2020



عماد أبو عوّاد\ مركز القدس لدراسات الشأن الفلسطيني والإسرائيلي

مع ازدياد مساحة النقاش الداخلي حول الحكومة الصهيونية، وادارتها لملف الكورونا وانعكاساته الاقتصادية، تظهر على سطح النقاش قضية الانتخابات الرابعة التي باتت تقترب في ظل انقسامها إلى تيارين غير متوائمين، إلى جانب تسارع الأحداث في الساحة الإقليمية، ما بين المأزق المصري فيما يتعلق بمياه النيل، الضربات في إيران، وتركيا ما بعد أعادة أيا صوفيا إلى مسجد.




أولاً: معهد دراسات الأمن القومي.

قدم المركز قراءة مطوّلة حول الخطوة التركية في إعادة أيا صوفيا من متحفٍ إلى مسجد، حيث تحتل تركيا مساحة واسعة من التغطية في الاعلام ومراكز البحث الصهيونية، حيث أنّ الدولة التركية الصاعدة، تُرى في تل أبيب على أنّها لاعب إقليمي بارز، سيكون لدوره انعكاسات إقليمية وعالمية، ومن المعلوم أنّ الدول القوّية، لا تحبذ وجود أخرى تنافسها في فضائها الإقليمي.

تحت عنوان، الإمبراطورية تضرب مرّة أخرى (فورلوب و لندشتراوس، 2020)، كتبت الباحثان في المعهد جاليا لندشتراوس واوريت فورلوب، بأنّ الخطوة التي تم إقرارها في العاشر من تموز الحالي، أدت إلى ردود فعل في العالم المسيحي، وأيضاً في الأوساط العربية السنية، التي اعتبرت ذلك بمثابة مبرر "لإسرائيل" من أجل المساس بالمسجد الأقصى.

وقد رأت الباحثتان أنّ خطوة اردوغان ورفضها من قبل بعض العرب، تأتي في سياق المخاوف العربية الداخلية، من ازدياد صورة اردوغان كقائد كبير يُريد إعادة أمجاد الدولة العثمانية، في ظل حقيقة زيادة تأثير الدولة التركية على الإقليم، بمعنى أنّ الباحثتان لم تريا في الخطوة رابط مع السلوك الإسرائيلي ضد المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس، والتي تعمل "إسرائيل" على انتهاكها بشكل مبرمج وواضح.

ورأت الباحثتان أيضاً أنّ ذلك يأتي في سياق محاولة اردوغان التغطية على التراجع الاقتصادي في الدولة التركية، من خلال اثارة المشاعر القومية الدينية في بلده. يُذكر أنّها ليست المرة الأولى التي تتحدث فيها المراكز البحثية الصهيونية عن تراجع الاقتصاد التركي، الذي رغم ذلك لا زال يُحافظ على استقرار، في ظل الأزمات العالمية.

أمّا الجانب الثالث والذي يبدو أكثر أهمية من وجهة النظر الإسرائيلية، أنّ المخاوف العربية من تنامي الدور التركي، وتحول تركيا إلى دولة قوّية، في ظل قيادتها الإسلام السياسي، بات يصب في مصلحة "إسرائيل" من حيث أنّ تركيا باتت عدواً للأنظمة العربية، أكثر من "إسرائيل"، التي باتت تستفيد من ذلك عبر حركة تطبيع كبيرة ومتزايدة. وربما ستشهد السنوات المقبلة المزيد من العداء العربي العلني لتركيا، على قاعدة أنّ نجاح هذه الدولة، عدا عن أنّه سيُشكل نموذجاً سيُطالب به العرب، فإنّها باتت تُشكل قوّة لا يُمكن تجاوزها.




ثانياً: المركز الإسرائيلي للدمقراطية.

تحت عنوان أزمة الثقة في الحكومة (هيرمان و عنبي، 2020)، كتب الباحثان البروفسور تمار هيرمان والدكتور اور عنبي، حيث عبّر 58% من مصوتي حوب الليكود الذي يقوده رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو، عن عدم رضاهم عن أداء الحكومة، فيما 40% أشاروا بأنّ وزير الجيش السابق نفتالي بنت هو الأجدر على قيادة دفة مواجهة الجائحة.

وحول نسب الثقة في المؤسسات المختلفة، فقد تراجعت الثقة كثيراً إذا ما قورنت مع بداية أزمة كورونا في كافة المؤسسات التي تتولى ملف مواجهة الجائحة، حيث تراجعت الثقة في المسؤولين المهنيين عن الجانب الطبي في الحكومة من 63% إلى 40%، وكذلك نتنياهو نزل من 56% إلى 27%، فيما وزير الصحة تراجع من 29% إلى 23%، أمّا المسؤولين في وزارة المالية فيحصلون على ثقة 23% فقط بالمقارنة مع 48% مع بداية الأزمة في شهر آذار الماضي.

لكن عند تحليل النتائج، وُجد بأنّها تُشير إلى المزيد من الشرخ داخل المجتمع الصهيوني، بحيث أنّ نسبة تراجع الثقة في نتنياهو لدى أوساط اليمين قليلة جداً، إذا ما قورنت عند الأحزاب الأخرى، حيث نسبة تراجع الثقة في نتنياهو كانت عند مصوتي الليكود 83% تراجعت إلى 55%، عند شاس من 76% إلى 68%، فيما عند أحزاب المعارضة كانت عند العمل 13% تراجعت إلى 2%، "إسرائيل بيتنا" تراجعت من 32% إلى 23%.

بمعنى أنّ هذه المُعطيات أعلاه تُفيد بشعور الكلّ الإسرائيلي بفشل الحكومة في إدارة الملف، لكن عند تأطير الموضوع إلى تكتلات، نجد أنّ الانحياز هو للشخص لا للسلوك، بمعنى أنّ نظرة اليمين كانت عالية منذ بدء الجائحة وانخفضت قليلاً لكن تبقى مرضية، فيما اليسار كانت منخفضة منذ البداية وانعدمت، أي أنّ الأحكام مسبقة بغالبيتها، وإن طرأ عليها تغيير.

هذا يُشير بشكل واضح أنّ الانقسامات في المجتمع الصهيوني ذات أبعاد آخذة في التوسع، ففي الوقت الذي يتظاهر الآلاف ضد نتنياهو، يخرج أيضاً اليمين للتظاهر دعماً لنتنياهو تحت شعر، نتنياهو مطلقاً لن نتركك تسير وحدك، فيما اليسار المحتج على أداء نتنياهو، فاحت الرائحة السياسية من احتجاجه أكثر من الاقتصادية، حيث تم تشخيص كلّ الموضوع في نتنياهو وليس الحكومة.

من هُنا فإنّ حالة التجاذب هذه لن تقود "إسرائيل" إلى الخلاص من سوء الواقع الداخلي الآخذ في التدهور، والانتخابات القادمة لن تكون حلّاً، بل ستُرسخ هذه الحالة، وربما تكون الانتخابات تلو الأخرى سيناريو أسود متوقع، سيعقبه المزيد من التجاذبات التي ستنعكس على نطاقات شتى في المجتمع الصهيوني أهمها الثقة في المؤسسة ككل.

ثالثاً: مركز بيجن سادات للدراسات

القيم التي تأسس عليها هذا الكيان، هذا ما يتم نقاشه مؤخراً بشكل كبير، خاصةً في ظل استمرار نتنياهو في الحكم رغم ملفات الفساد، وكذلك أخذ الدمقراطية الإسرائيلية الانحناء باتجاه كون الانتخابات أهم عناصرها، لكن القيم الأخرى مفقودة.

تحت عنوان مهم كتب الدكتور نحمان شاي، الثورة القضائية-الثقافية كتهديد لأمن "إسرائيل" القومي (شاي، 2020)، حيث أشار شاي بأنّ "إسرائيل" تأسست على الليبرالية الغربية كقيم تحكم المجتمع، ومحاولة المساس بذلك يُقسّم المجتمع "الإسرائيلي".

ومن المعلوم أنّ "إسرائيل" تشهد في العقدين الأخيرين تحديداً نقاشاً حاداً حول الصورة المرغوبة للدولة العبرية، هل هي دولة يهودية قومية، أم دولة ديمقراطية تحترم القيم اليهودية، وقد وصلت النقاشات ذروتها في ظل بدء المساس بالمؤسسة القضائية، واعتبارها أنّها لعنة على الدمقراطية وتقتل اختيار الشعب، بعد أن كانت لسنوات هي الحارس الأمين على دمقراطية "إسرائيل".

من وجهة نظر شاي، ورغم خطورة الحراك الراهن، فإنّ هذه الموجة ستوّلد ديموقراطية من نوع آخر، ويأمل أن تتشكل في الدولة العبرية تيارات تؤمن بالليبرالية بشكل موسع، كأن يظهر تيار ليبرالي واقعي، ديني وعلماني في مقابله تيار صغير من التكتلات الأخرى.

هذا الأمل ربما يصطدم بعقبات كبيرة جداً، أهمها أنّ الانقسام بات كبير، وفي "إسرائيل" باتت هناك ثلاث دول داخل الدولة الواحدة، دولة المستوطنين بتياراتهم الدينية الحريدية والصهيونية، ودولة تل ابيب ذات القيم الليبرالية، وما تبقى من دولة تحترم القيم الدينية وباتت تُسيطر عليها، وهذا يجعل من أمل شاي صعب التحقق، حيث أنّ النقاشات الداخلية ليست بهدف الوصول إلى حلول وسط، إنّما لوصول كلّ طرف وتحديداً الديني لرؤية تخدم أجندته، في ظل ايمانه المطلق بضرورة التغيير، وفي ظل كونه بيضة القبان في الحكومات، إلى جانب كتلته الانتخابية الصلبة الثابتة.

References


اوريت فورلوب، و جاليا لندشتراوس. (20 أيلول, 2020). الامبراطورية تضرب مرّة أخرى. تم الاسترداد من معهد دراسات الأمن القومي: https://www.inss.org.il/he/publication/hagia-sophia/

تمار هيرمان، و اور عنبي. (15 تموز, 2020). أزمة الثقة في الحكومة. تم الاسترداد من المركز الاسرائيلي للدمقراطية: https://www.idi.org.il/articles/32008

نحمان شاي. (14 تموز, 2020). الثورة القضائية-الثقافية كتهديد لأمن "إسرائيل" القومي. تم الاسترداد من مركز بيجن سادات للدراسات: https://besacenter.org/he/perspective-papers-he/%d7%9e%d7%94%d7%a4%d7%9b%d7%94-%d7%9e%d7%a9%d7%a4%d7%98%d7%99%d7%aa-%d7%aa%d7%a8%d7%91%d7%95%d7%aa%d7%99%d7%aa/