كيف يرى الكيان الصهيوني مستقبل غزة؟

عماد أبو عواد
07-04-2018
كتب: عماد أبو عوّاد    *مركز القدس لدراسات الشأن الإسرائيلي والفلسطيني

انتهجت "إسرائيل" ومنذ سنوات طويلة، سياسة إدارة الصراع في الضفة الغربية وغزة، حيث استطاعت خلال هذه الفترة، توسيع استيطانها، ومصادرة المزيد من الأراضي، في ظل مفاوضات التسوية احياناً، وفي أحيان أخرى في ظل جمود في الملف السياسي، كما هو الحال منذ سنوات طوال.




ولعلّ من يقرأ في مذكرات شامير، وهو رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق، حينما أشار إلى أنّ "إسرائيل"، ذهبت لمسار التسوية، بعد أن أخذت ضمانات أمريكية، ضمنت لـ "إسرائيل"، أن يكون لهذه المفاوضات بداية، وألّا يكون لها نهاية، كلمات تتجسد الآن على الأرض، حيث قَبرت "إسرائيل" اتفاق السلام مع الفلسطينيين، رغم المظلومية الكبيرة الواقعة على الفلسطينيين في هذا الاتفاق.




قبل أيام قليلية، عقد معهد دراسات الأمن القومي في "إسرائيل"، يوما دراسيا تحت عنوان، مستقبل العلاقات الفلسطينية – الإسرائيلية، وكان جانب التركيز في النقاش على الضفة الغربية، وكان الاجماع العام أنّ "إسرائيل"، تتجه نحو ضم الضفة الغربية بالكامل لـ "إسرائيل"، وأنّ البديل هو بقاء السلطة الفلسطينية لإدارة مناطق الضفة، على أن تكون شريكا كاملاً لتل ابيب، بما يضمن كذلك حرية العمل الإسرائيلي في الضفة.




وأردف المجتمعون أنّ على "إسرائيل"، العمل من اجل تحسين ظروف حياة الفلسطينيين الاقتصادية في الضفة، أملاً بتحقيق سلام اقتصادي، وتهيئة الأوضاع في حال غياب السلطة لتملأ "إسرائيل" الفراغ، في إشارة واضحة أنّ الظروف على الأرض باتت تقود لهذا السيناريو، ورغم إقرار المجتمعون أنّ غالبية المجتمع الإسرائيلي تفضل حلّ الدولتين، إلّا أنّ الغالبية أيضاً تريدها دولة ذات حدود ضيقة، منزوعة السلاح، وتسيطر فقط على جزء لا يتجاوز 40% من الضفة الغربية.




سياسة تتدرج في الضفة الغربية، وتسير نحو تحقيق هدفها سواء بالضم الكامل للضفة، أو بقاء الأوضاع على حالها وهو المفضل اسرائيلياً، ليبقى السؤال المفتوح كيف تخطط "إسرائيل" لمستقبل غزة، وكيف ترى مستقبل القطاع في ظل جغرافيته المنفصلة عن الضفة الغربية؟.




غزة التي لم يبتلعها البحر، والتي تقرّ تل ابيب حالياً بأنّها أحد التحديات الاستراتيجية، والتي تقر أيضا استحالة نزع سلاحها، او القضاء على مقاومتها، لست أبالغ حين أقول بأنّها المعضلة الأكثر سيطرة على التفكير السياسي، والأمني الإسرائيلي، في ظل ما تستطيع ابداعه من أساليب مقاومة، ابتدأت بالصمود، ثم المقاومة المسلحة، والآن مقاومة شعبية سلمية عرّت الاحتلال واعادت للقضية الفلسطينية محوريتها.




أمام ذلك، فقد انصرت الخيارات الإسرائيلية مؤخراً تجاه القطاع، محصورة في العديد من السيناريوهات، والتي بات من الواضح تبدد بعضها:

أولاً: سيناريو استمرار خنق غزة، بهدف دفع الغزيين للثورة ضد حكم حماس هناك، خيار فشل، ورأت "إسرائيل" أسباب فشله، بعدم وجود بيئة فساد، تمهد نحو حنق الشعب على الحكم في غزة، رغم وجود أخطاء إدارية في الحكم.

ثانياً: استغلال المصالحة الفلسطينية والتي انفجرت مؤخراً، من أجل سيطرة السلطة على القطاع، وبالتالي الدفع نحو اقتتال داخلي متجدد، يكون الهدف منه، سلاح المقاومة، من حيث تقليل عتادها ومنع تطوره، والعمل الإسرائيلي الدؤوب للقضاء عليه، الخيار الذي بات وراء الظهر، بعد الخلاف الفلسطيني الداخلي.




ثالثاً: الخيار العسكري تجاه القطاع، وهو خيار وإن كان على طاولة النقاش دائما، إلّا أنّ الاجماع الإسرائيلي، بأنّ تل ابيب لن تستطيع حسم المعركة، ليس هذا فحسب بل من الممكن أن تتعرض لمفاجئات كبيرة، قد تؤدي إلى سيطرة المقاومة على غلاف غزة، كما قال عاموس يدلين، رئيس معهد دراسات الأمن القومي، الأمر الذي دفع الكثير من السياسيين إلى اعتبار أي حرب قادمة على غزة، بأنّها ليست أولوية وفيها الكثير من المخاطرة.

رابعاً: استمرار العمل من أجل تطبيق صفقة القرن، والذي يقضي بأن تكون غزة بؤرة الدولة الفلسطينية، على أن يكون توسعها نحو سيناء، سيناريو يُمكن القول أنّه بات يضعف في ظل الحراك الغزي، وربما يتم قبره قريباً، مع استمرار الحراك في غزة، ويمكن الجزم بذلك إذا توّسع الحراك ليشمل مناطق أخرى.




خامساً: وهو السيناريو الأكثر ترجيحاً، أن يتم العمل اسرائيلياُ، لمحاولة إيجاد حلول للقطاع تضمن عدم انفجاره في وجهها، بعد فشل الرهان على انفجار غزة في اتجاهات أخرى، ويبدو أنّ هذا التيار بات يتوسع في أروقة متخذي القرار الإسرائيلي، فبعد ان كانت اقتراحات وزير المواصلات، بأن يتم منح غزة، مطار وميناء مراقب، مضحكة من قبل البعض في "إسرائيل"، باتت تُرى على أنّها الخيار الأمثل، لتحييد الخطر الأمني الغزة، ولو مرحلياُ.




تطبيق السيناريو الخامس، قد يسبقه جوّلة من المواجهة، ليست بالضرورة أن تكون، لكن على مرارة هذا الاتفاق غزّيّاً، من جانب أنّه عملياً، يجسد الفصل الداخلي الفلسطيني، ولكن لا يُمكن سوى القول، أنّ من حق غزة، أن تقلع شوكها بيدها، كما يرى كثيرون، في ظل الحصار الخانق على غزة، وتجدر الإشارة هنا، أنّ "إسرائيل" باتت تتعامل مع قطاع غزة، على أنّه ليس ضمن الحدود التاريخية الفلسطينية التي تًسيطر عليها "إسرائيل"، ففي الوقت التي أبدت فيه جهات تخوفها، من العامل الديمغرافي بعد تساوي اعداد الفلسطينيين والإسرائيليين، داخل الحدود التاريخية لفلسطين، علا صوت إسرائيلي واضح أنّه لا يجب اعتبار سكان غزة ضمن تلك الحسبة، كون "إسرائيل"، خرجت من غزة ولن تعود.




حتى وإن تم اللجوء للسيناريو الخامس اسرائيلياً، فإنّ ما قدمته غزة، من تضحيات جسام، سيبقي ثقل القضية الفلسطينية فيها، ففيها تتجسد كلّ معاني التضحية، وفيها ثمرة تضحيات الشعب الفلسطيني من مقاومة قوّية، باتت تُمثل الحلم الفلسطيني في تحقيق تطلعاته بالاستقلال والحرية ولو بعد حين.