لا بديل للثعلب نتنياهو

عماد أبو عواد
20-01-2019
عماد أبو عوّاد\ مركز القدس لدراسات الشأن الإسرائيلي والفلسطيني

قد يبدو من غير الطبيعي وجود رئيس وزراء في دولة الاحتلال، يخضع للمساءلة القانونية في قضايا فساد، وبات من شبه المؤكد أنّه على أبواب لائحة اتهام، الأمر الذي فتح عليه من قبل أطياف واسعة من المعارضة الإسرائيلية، وحتى من شركائه في اليمين، وكذلك من قبل الإعلام الإسرائيلي والكثير من النخب، سيلاً من الانتقادات التي استهجنت تمسكه بالنصب حتى اللحظة، مطالبةً إيّاه بالاستقالة، ومغادرة الحلبة السياسية، لحين بت المحكمة في قضيته.

نتنياهو الذي تجاوز السبعين عاماً، والذي بات على بعد أربعة أشهر، ليصبح أكثر من ترأس الوزراء في دولة الاحتلال، متخطياً بذلك الأب الروحي للدولة ديفيد بن جوريون، تعامل بذكاء كبير مع قضايا الفساد التي واجهها، فتحت شعار "لم يكن ولن يكون"، في إشارة إلى انكاره مجريات التحقيق، استطاع أن يظهر بمظهر الهادئ، الذي لا يخشى شيء.

بعدها انتقل نتنياهو من مرحلة اللامبالاة إلى الهجوم، حيث استطاع بتكتيك مدروس، أن يضع الشرطة، الاعلام واليسار الإسرائيلي، في دائرة الاتهام، حيث بات عليهم مواجهة تهمة أنّ هذه الكيانات تُحاول الإطاحة بحكم اليمين من خلال القانون والقضاء، وليس الانتخابات العامة التي تُعطي اليمين أكثرية حالية ومتوقعة في الانتخابات القادمة.

بعد تحديد أعداءه، انتقل للمرحلة الثالثة والأهم، وهي زيادة التجاذبات في الساحة العبرية، حيث بات اليمين يدافع عن نتنياهو على أي حال كان، حتى لو وُجهت له لائحة اتهام، بل تعدى الأمر ذلك إلى قبوله في رئاسة الوزراء حتى لو كان متهماً أمام المحكمة، فتحت شعار هو الأنسب، لا يوجد بديل، لا يُمكن لليمن تشكيل الحكومة من دون نتنياهو، ونتنياهو حقق إنجازات كبيرة للدولة، أسس الرجل لفكرة بقاءه وإن كان فساداً، تحت عنوان، رئيس وزراء فاسد وقوي، خيرٌ من رئيس وزراء نقي وضعيف.

هذه الصورة انعكست على شركاء نتنياهو في الائتلاف الحكومي، فبعد أن صرح بعضهم لا يُمكن بقاء نتنياهو في رئاسة الوزراء في ظل لائحة اتهام، وجدوا أنفسهم أمام احتمالية انتخابات ستُعيد نفس الرجل للحكم، الأمر الذي سيعطيه فرصة الانتقام، تراجعوا إلى انتظار رأي الشرطة وتوصياتها، بعد توصيات الشرطة، قالوا فلننتظر رأي المستشار القضائي!!، وها قد صدر رأي المستشار القانوني، ربما كون الحكومة حكومة انتقالية لن نستطيع الحكم على طبيعة سلوك شركاء نتنياهو، لكن في نفس الوقت لم نسمع منهم أحداً طالبه بترك الحياة السياسية، بل على العكس الكل مقتنع بأنّه سيكون رئيس الوزراء المقبل.

السؤال الأهم لماذا لم يستطع أحد الوقوف بوجه نتنياهو، قد يبدو السؤال غريباً في دولة بالأصل تحكمها المؤسسات، وتتغنى بالديموقراطية، لكن ظروف "إسرائيل" الموضوعية، جعلت من نتنياهو الفاسد الذي لا غنى عنه، ولا بديل يُرجى بوزنه.

فمن الناحية الأولى لا يُمكن انكار أنّه حقق إنجازات كبيرة للدولة العبرية، فقد فتح باب التطبيع على مصراعيه، استطاع جرّ الإدارة الأمريكية لرؤية اليمين في حسم الصراع، حقق قفزات اقتصادية كبيرة، وعلى المستوى الأمني ناجح إلى حد كبير، وجسد الاستيطان واقعاً على الأرض، دفع حتى من وقع أوسلو من اليهود إلى التبرؤ منه.

في ساحة الليكود الداخلية، استطاع التخلص من أي قطبٍ قد يُشكل منافسةً وليس تهديداً، فقد أرسل داني دانون للأمم المتحدة، وأطاح بموشيه يعلون خارجاً، وقزّم جدعون ساعر الذي اعتزل السياسة وعاد لها صاغراً، ليُصبح الليكود متعلقاً بنتنياهو، فبدون نتنياهو قد لا يحكم الليكود، الذي تمنحه استطلاعات الرأي برئاسة نتنياهو 30 مقعدا وأكثر، ومن دون نتنياهو بحدود 22 مقعداً.

وفي ظل أنّ الليكود سيتراجع دون نتنياهو، فإنّ حكم اليمين كلّه في خطر، فالليكود يحوز على نصف مقاعد اليمين تقريباً، ولا يُمكن لليمين الحكم دونه، فيما يُمكن لليكود الحُكم دون اليمين بالتحالف مع بعض أحزاب المركز، الأمر الذي جعل اليمين يخطب ودّ نتنياهو، فالحاجة متبادلة وكرسي رئاسة الوزراء لنتنياهو، يعني بقاء اليمين في الحكم.

من هُنا استطاع نتنياهو أن يضع معادلة لليمين الإسرائيلي ومن قبله الليكود، بدوني سيحكم المركز واليسار، ولن تقوم لليمين قائمة، فإمّا بقائي في المنصب، وإمّا سيبتلعكم الطوفان من بعدي، فهو يدرك شعبيته الكبيرة لدى الجمهور الإسرائيلي، الذي يُعطيه أفضلية رغم فساده على كل منافسيه في الحكم والمعارضة، مانحاً نتنياهو وسامَ القائد التاريخي، بوزن بن جوريون، بيجن وكذلك رابين.

ختاماً، وجود نتنياهو في الحكم، وترأسه للحكومة القادمة على الأرجح، يضع "إسرائيل" في مأزق حقيقي، ورغم أنّ القانون يجيز لرئيس الوزراء العمل في ظل لائحة اتهام، لكن العرف الذي كان قائماً في الدولة، أن يستقيل من منصبه كما فعل أولمرت. إذا فقد تجاوزت "إسرائيل" مرحلة القيم التي تغنت بها، لتصل لمأزق عدم وجود قيادات في الدولة، لتتمسك بحكم الرجل الأوحد، وإن كان بصورة ديموقراطية!؟