لقد غَيَرَ الموساد وجهه.. المزيد من الحِيل والعمليات
ياسر مناع
25-08-2018
ترجمة: ياسر مناع ـــ مركز القدس لدراسات الشأن الإسرائيلي والفلسطيني
كتب "حاييم لوينسون" من صحيفة هآرتس مقالاً تحت عنوان " المزيد من العمليات، المزيد من الحيل، وغيّر الموساد وجهه، لم تكن هذه مجرد بشائر جيدة " تناول فيه الوسائل الجديد في عمل الموساد، وسلط الضوء على شخصية رئيس الجهاز " يوسي كوهين " والذي يرى أنه من القى الروح من جديد داخل الموساد.
وافتتح الكاتب مقالته بقوله : " في عهد كوهين أصبح " الموساد " ثاني أكبر جهاز إستخباراتي في الغرب، واليوم يُعد الهيئة الأكثر خبرةً وذكاء، لكن السؤال هل من يتربع على هرم الموساد قريب من نتينياهو؟".
وأضاف أنه وفي يوم 14/12/2016 إلتقى الشهيد محمد الزواري مع صحفي من هنغاريا من ذات أصول تونسية، ويذكر بأن الزواري مشترك مع حركة حماس في محاولاتها الرامية لتطوير الطائرات بدون طيار، حيث حرص دوماً على السرية ولم يكن صاحب شخصية معروفة للجمهور، لكن عندما توجه إليه الصحفي بهدف إجراء مقابلة حول شخصيات فلسطينية، أبتلع الطعم وتحولت المقابلة الى مصيدة الموت، فمنذ اللحظة الأولى التي إنتهت فيها المقابلة دخل الزواري تحت المراقبة.
في اليوم التالي وأثناء عودة الزواري الى بيته في مدينة صفاقص التونسية تم إعتراض سيارته من قِبل سيارة كانت تلاحقه، حيث خرج شخصان وأطلاقا النار على رأسه مما أدى الى إستشهاده على الفور، بعد عملية الإغتيال مباشرة أعلنت حماس بأن الزواري أحد رجالها.
في الليلة التي سبقت الإغتيال، عُلم بأن لجنة الخدمات المدنية تحقق فيما إذا كان رئيس الموساد " يوسي كوهين " قد تلقى إمتيازات من الملياردير الأسترالي جميس باكر، حينها خشي كوهين من أن يتلطخ إسمه بالفساد الذي يلاحق رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتيناهو المقرب من باكر، لكن إغتيال الزواري قد خلق الرضا في داخل كوهين.
في أعقاب عملية الإغتيال بدأت التحقيقات في تونس، وخلال وقت قصير تم العثور على سيارات ومسدسات كاتمة للصوت تم إستخدامها في عملية الإغتيال، وتم إعتقال الصحفي بعد عدم تمكنه من مغادرة تونس، حيث إعتقدت السلطات التونسية بأن إعتقال الصحفي س يؤدي الى الكشف عن الخلية المنفذة للعملية، لكنها كانت بعيدة كل البعد عن عناصر الموساد التي تزعم بأنهم قد نفذوا الإغتيال.
ويضيف الكاتب بأن السلطات التونسية عندما حاولت الوصول الى معلومات عن طريق كاميرات المراقبة لم تجد شيئاً، حيث تبين أنها لم تسجل أي شيء، وهذا ليس من قبيل الصدفة، مصدر في المخابرات قال لـ هآرتس " لقد تبدلت الكثير من العمليات، هنالك تفكير عملي وتكنولوجي في التعامل مع كاميرات المراقبة الأمنية، النتائج تتحدث عن نفسها، أي من عمليات الإغتيال التي نفذها الموساد قد وثقتها كاميرات المراقبة؟".
أسـالــيب جــديدة
سنتان ونصف السنة مضت على تعين " يوسي كوهين " رئيساً للموساد، حيث خضع الموساد لسلسة من التغييرات: حيث أصبح يتمتع الموساد بميزانية أعلى، بالإضافة الى شروعها و إستخدامها طرق جديدة في تنفيذ العمليات، حيث يستطيع أي شخص يمر من جانب تقاطع غليلوت أن يرى البنايات الشاهقة، وسيجد الصعوبة في معرفة عدد العمال هناك، كل ذلك بسبب التقدم في مجال التكنولوجيا والسايبر، يعمل اليوم قرابة 7.000 شخص في جهاز الموساد، هذا الرقم كفيل بأن يجعل الموساد في الترتيب الثاني لأجهزة المخابرات في العالم بعد وكالة المخابرات الأمريكية CIA.
يتطلب التطور التكنولوجي من أجهزة المخابرات العمل بطرق متنوعة، ولا يعد مقتصر على إرسال العملاء الى الدول المعادية فقط، بل على تدريب أفراد للعمل كعملاء دون علمهم بما يفعلون، واستخدام طرق جديدة مثل هجمات السايبر، كل ذلك من أجل تجاوز قدرات تحديد الهوية البيومترية مثل الكاميرات الأمنية، لذلك إضطرت أجهزة المخابرات في العالم للعمل أكثر فأكثر، ففي كثير من الأحيان تحتاج بعض العمليات المعقدة الى ارسال عدد من العناصر الى بلد العدو، كما تفعل المخابرات في كوريا الشمالية على سبيل المثال.
وُصِفَ الرئيس السابق للموساد" تامير باردو" بالحَذِر الشديد، أشارت مصادر مختلفة لمحلق هآرتس بأن الموساد كان أقل ميلاً للمغامرات خلال حقبة باردو، حيث قال أحد عناصر الموساد " كان الإنطباع العام في شعبة العمليات يعاني حالة من الشلل بسبب باردو الذي كان يخاف من إكتشاف عناصر الموساد، ينبغي أن يكون حذراً خاصة أن المسؤولية النهائية تقع على عاتقيه، لكن كان يوافق بصعوبة بالغة على تنفيذ العمليات ".
عندما تولى كوهن منصبه في أوائل عام 2016، بدأ في إعادة الروح داخل الموساد، والعمل على تنويع أساليب عمله، لقد تطلبت العمليات الجديدة إعدادًا أطول واشتملت على المزيد من القوى العاملة، ولكن في النهاية كانت هنالك نتائج، وقال مصدر كان قد شارك في العمل الاستخباراتي " كان هنالك أشخاص في الموساد يشككون في القدرة على تنفيذ مثل هذه العمليات المعقدة، لكن كوهين أقنعهم بأن ذلك ممكن ".
قبل أربعة أشهر من الان، نُسب إلى الموساد اغتيال المهندس في حماس " فادي البطش "، المنفذون تعقبوا البطش في العاصمة الماليزية كوالالمبور، وأطلقوا النار عليه من مسافة قريبة، حيث استشهد على الفور، هذا الاغتيال أيضاً لم يتم توثيقه من قبل الكاميرات الأمنية، ولم تكن هذه هي المرة الأولى التي ترتبط فيها ماليزيا بالاغتيالات المنسوبة إلى الموساد، قبل عام ونصف العام وفي قصة إغتيال الزواري في تونس كان الصحفي المجري يدعي بأن الفيلم تابع لشركة إنتاج ماليزية، وقال مصدر مشارك في العمل الاستخباراتي " لم تدّعي السلطات ووسائل الإعلام أن هناك إسرائيليًا واحدًا على الأرض، يبدو أن التزامن كان يعمل بشكل مثالي".
لــاـــ للـفشــل
من المحتمل أن يكون اغتيال الزواري مخططاً على أساس الدروس المستفادة من اغتيال محمود المبحوح في دبي، المبحوح القيادي في حركة حماس كان من الذين غادروا قطاع غزة بعد إشتراكه في خطف وقتل جنود إيلان سعدون وآفي سبورتس، حيث لعب دوراً رئيسياً في تهريب الأسلحة لحماس، حيث تم العثور عليه ميتًا في غرفته بإحدى الفنادق وبعد الفحص تبين أنه قد تم تسميمه، مما تطلب إجراء تحقيقات، في الواقع كانت هذه المحاولة الثانية لاغتياله وبذات الطريقة، كانت المحاولة الأولى حين تم وضع مادة سامة في غرفته ولكن عندما شعر بآلام في صدره وصل إلى المستشفى المحلي حيث تم إنقاذه، أما المرة الثانية فلم يكن للقتلة أي مجال للخطأ وحقنوا المادة السامة في جسده، الشرطة في دبي استجوبت جميع المشتبهين في العملية ، وخلال مؤتمر صحفي تم الكشف عن القتلة، وأنهم من حاملي جوازات السفر الأجنبية والهويات المزورة، خلال محادثات الداخلية قال كوهين بأن إغتيال المبحوح لم يفشل حيث قال: " إذا قتل الرجل، وإذا لم يتعرض الناس للاعتقال، وإذا عادوا جميع أعضاء الخلية الى المنزل بأمان، فهذا العمل ليس فشلاً "، على الرغم من أن هدف الاغتيال قد تم تحقيقه، إلا أن التحقيق المكثف الذي أجرته شرطة دبي أدى إلى إحراج دبلوماسي مع عدة دول التي تم تزوير جوازات سفرها وأدت الى كشف بعض أساليب عمل منسوبة إلى الموساد، وبالإضافة إلى ذلك يُزعم أنه قد تم نشر صور لبعض العملاء الذين شاركوا في العملية.
نعــــم للإغــتيــالات
في عهد كوهين تدفق الكثير من الماء والدماء إلى الموساد وذلك بعد أن تم إغتيال المبحوح، حيث تم إستخدام أساليب متنوعة وفعالة في العديد من الدول، أما نتنياهو من جانبه فهو يجعل كوهين ذات يدٍ حرة، لكي يرى الموساد بصورة مشرقة.
في عهد كوهين تم زيادة ميزانية الموساد، حيث لا يوجد أي طلب تقدم به ولم تتم الموافقة عليه، فمن المتوقع أن تبلغ ميزانية العمل الإستخباراتي في عام 2019 قرابة 10 مليار شيكل، أي ضعف الميزانية التي كانت قبل عقد من الزمن، في الواقع لا يتم الكشف كيف توزع الميزانية بين الشاباك والموساد، لكن من الواضح أن معظم الزيادة في ميزانية الموساد.
هل تشير الزيادة في الميزانيات والقوى العاملة والعمليات المتعددة الى قوة ونجاح الموساد؟ لا يوجد دائما رابط بين قوة الدفع وتحقيق الأهداف، فبعد سلسلة عمليات الاغتيال بحق علماء نوويين إيرانيين نسبت إلى الموساد، إعتقد خبراء دوليون أن عمليات الاغتيال أثبتت عدم فاعليتها وينبغي إيقافها، لكن السرية تجعل من الصعب إجراء أي نقاش عام سواء فيما يتعلق بكفاءة عمليات الموساد وفيما يتعلق بالزيادة الحادة في الإنفاق العام الذي يمول الأنشطة.
يعتقد كوهين أن السياسات الفعالة ضد الأهداف المختارة بعناية تؤدي إلى إنجازات كبيرة، ويجب أن تكون هذه الأهداف المختارة هي تلك التي تعمل على تطوير المنظمات المعادية بدرجة كبيرة.
صـديق بـاكــــر
ولد كوهين في القدس عام 1961 لعائلة دينية، درس في المؤسسات الصهيونية الدينية، خدم في قوات المظليين وانضم الى الموساد في عمر 22، بالإضافة إلى عمله في الموساد، أمضى كوهين الكثير من الوقت في رعاية ابنه المعاق الذي يعاني من شلل دماغي، حتى تم تجنيده في الجيش وأكمل شهادته في الجامعة.
كوهين رجل إجتماعي، مليء بالكاريزما والثقة بالنفس، يعتني بمظهره ويتبع نظام غذائي صحي، يوجد في سيارته دائما القمصان المكوية، يشرح باستمرار إلى مرؤوسيه أهمية مظهره ولكونوسيم ومنظم، كان يطلق عليه رون يارون محرر يديعوت أحرونوت " النموذج ".
تم إبعاد كوهين عن الموساد في عام 2013 بسبب خلافاته مع سلفه باردو، حيث قام نتيناهو بعتينه رئيساً لمجلس الأمن القومي، خلال فترة رئاسته لمجلس الأمن القومي إلتقى كوهين بسارة نتيناهو والتي من شانها أن تمكنه من رئاسة الموساد وامتثل كوهين لجميع مطالبها، ولم يكن هنالك مجال للخطأ وكان الشخص المناسب، وخلال رئاسته التقى أيضاً بالملياردي جيمس باكر وذلك عشية إنتخابات عام 2015 حيث نسق السفير الإسرائيلي في واشنطن رون ديرمر خطابا لنتنياهو أمام الكونجرس، بالطبع كان كوهين مرافقه في الرحلة، في العشاء الذي سبق الخطاب التقى كوهين بـ باكر، حيث قال كوهين لاصدقائه " لقد وقعت في الحب معه، إنه ذكي ، يحب إسرائيل" ، وبدأت بينهما علاقة اجتماعية وثيقة تجمع بين الهدايا والأعمال التجارية.
في الوقت نفسه، قدر كوهين أنه لن يحظى بمنصب رئيس الموساد، وبدأ يبحث عن مصدر رزق آخر، أراد باكر إنشاء شركة دفاع كبيرة في الهند وسيديرها كوهين بشكل طبيعي بالإضافة إلى أفكاره التجارية، تلقى كوهين أربعة تذاكر باهظة الثمن لمسرح ماريا كاري من باكر، وعندما استجوبته لجنة الخدمة المدنية قال كوهين: إن استلام التذاكر كان "خطأ و هراء" ، و قدم اعتذره وأعاد كوهين تكلفة التذاكر، و بذلك أنتهت هذه القضية.
الأقـربــاء فــالأقـــربــاء
الفرق الرئيسي بين كوهين وأسلافه هو العلاقة الوثيقة والحميمة بينه وبين رئيس الوزراء، حيث كان نتنياهو مرتاباً قليلاً حول مئير داغان وباردو الذي عينه في راسة الموساد من دون حماس ولم يكن لديه أي خيارآخر ، لكن هناك الكثير من الإنسجام بينهما، بينما العلاقة مع كوهين مختلفة فإن الاثنين يشتركان في وجهة نظر مشابهة بالنسبة للتهديد الإيراني، وكلاهما مقتنعان بأنه يجب القتال ضد إيران بكل طريقة، حيث دفع الاتفاق مع إيران بعض وكالات الاستخبارات إلى تسليط الضوء على مجالات أخرى، بافتراض أن البرنامج النووي إيران لم يعد مندرج ضمن جدول الأعمال، لكن نتنياهو استمر في معارضة الاتفاق وقرر كوهين وضع إيران على رأس خطة لمدة الثلاث سنوات، ساعد هذا القرار في البدء بعملية إحضار الأرشيف النووي الإيراني.
أيد كوهين الخطوة غير العادية التي اتخذها نتنياهو عندما اختار الكشف عن محتوى الأرشيف، وأعرب عن اعتقاده بأن الإعلان عن الأرشيف يمكن أن يسهم في تعزيز قوة الردع، لكن لم يكن كل شخص داخل الموساد مؤيد لرأي كوهين، وبشكل عام يتمتع كوهين بعلاقة مع عدد من الصحفيين ولاسيما الأجانب منهم وخصوصاً فيما يتعلق بنشر التلميحات والقرارات المتعلقة بالعمليات الناجحة، قبل حوالي ثلاثة أسابيع وبعد عملية اغتيال مهندس الصواريخ السوري " عزيز الأسبر " حيث وجعت أصابع الإتهام لـ " إسرائيل "، قال مسؤول استخباراتي رفيع في الشرق الأوسط قال لصحيفة نيويورك تايمز إن الموساد هو مسؤول عن عملية الاغتيال.
أما فيما يتعلق بالمسألة السورية ، يقف كوهين جنبا إلى جنب مع أعضاء كبار آخرين في المؤسسة العسكرية، حيث يعتقد أن " إسرائيل " تستطيع أن تتصرف بحرية وبقوة ضد الأهداف الإيرانية في سوريا دون خطر المواجهة مع حزب الله، ويرى أنه وفي أعقاب الاتفاق النووي استثمرت طهران العديد من الميزانيات في سوريا ، وبالتالي من الضروري العمل ضدها بشكل حاسم وثابت.
بالنسبة لنتنياهو يقوم كوهين بالعديد من المهام السياسية في أوروبا والولايات المتحدة وأفريقيا والدول العربية، فعلى سبيل المثال كان المسؤول عن الاتصالات بين " إسرائيل " ورواندا من أجل استيعاب طالبي اللجوء الإريتريين والسودانيين، ويحافظ ايضاً على علاقات وثيقة مع رؤساء منظمات الاستخبارات الأجنبية، وكثيراً ما يستضيفهم في " فيلا " الموساد المعزولة، أما في مصر والتي هي تحت رعاية رئيس الشاباك نداف ارجمان، عمل كوهين محل يتسحك مولخو كمبعوث شخصي لرئيس مجلس الوزراء.
النقاد لكوهين من مجلس الوزراء والكنيست يعتبرون بأن القرب من رئيس الوزراء يخلق ثقافة غير الصحية والتي من الصعب أن تلعب موقف مختلف، حيث يقول أحد الوزراء: " إنه بالكاد يتكلم في الحكومة "، ولا يعلم أحد ماذا يفعل، وما هي المهام التي يقوم بها، ولا يطلع عليها إلا رئيس الوزراء.
وختم الكاتب بمقولة عضوٍ في لجنة الشؤون الخارجية والدفاع الذي أجتمع مع كوهين عدة مرات : " لدى كوهين ونتنياهو ذات النظرة بالنسبة لإيران، وهو لا يرى نفسه رئيسا لجهاز مخابرات يعمل بشكل مستقل، ولكن كجزء من منظومة رئيس الوزراء، و آمل أن يعرف كيف يدق على الطاولة إذا كان يعتقد أننا سنذهب في اتجاه خطير ، كما فعل داغان".
كتب "حاييم لوينسون" من صحيفة هآرتس مقالاً تحت عنوان " المزيد من العمليات، المزيد من الحيل، وغيّر الموساد وجهه، لم تكن هذه مجرد بشائر جيدة " تناول فيه الوسائل الجديد في عمل الموساد، وسلط الضوء على شخصية رئيس الجهاز " يوسي كوهين " والذي يرى أنه من القى الروح من جديد داخل الموساد.
وافتتح الكاتب مقالته بقوله : " في عهد كوهين أصبح " الموساد " ثاني أكبر جهاز إستخباراتي في الغرب، واليوم يُعد الهيئة الأكثر خبرةً وذكاء، لكن السؤال هل من يتربع على هرم الموساد قريب من نتينياهو؟".
وأضاف أنه وفي يوم 14/12/2016 إلتقى الشهيد محمد الزواري مع صحفي من هنغاريا من ذات أصول تونسية، ويذكر بأن الزواري مشترك مع حركة حماس في محاولاتها الرامية لتطوير الطائرات بدون طيار، حيث حرص دوماً على السرية ولم يكن صاحب شخصية معروفة للجمهور، لكن عندما توجه إليه الصحفي بهدف إجراء مقابلة حول شخصيات فلسطينية، أبتلع الطعم وتحولت المقابلة الى مصيدة الموت، فمنذ اللحظة الأولى التي إنتهت فيها المقابلة دخل الزواري تحت المراقبة.
في اليوم التالي وأثناء عودة الزواري الى بيته في مدينة صفاقص التونسية تم إعتراض سيارته من قِبل سيارة كانت تلاحقه، حيث خرج شخصان وأطلاقا النار على رأسه مما أدى الى إستشهاده على الفور، بعد عملية الإغتيال مباشرة أعلنت حماس بأن الزواري أحد رجالها.
في الليلة التي سبقت الإغتيال، عُلم بأن لجنة الخدمات المدنية تحقق فيما إذا كان رئيس الموساد " يوسي كوهين " قد تلقى إمتيازات من الملياردير الأسترالي جميس باكر، حينها خشي كوهين من أن يتلطخ إسمه بالفساد الذي يلاحق رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتيناهو المقرب من باكر، لكن إغتيال الزواري قد خلق الرضا في داخل كوهين.
في أعقاب عملية الإغتيال بدأت التحقيقات في تونس، وخلال وقت قصير تم العثور على سيارات ومسدسات كاتمة للصوت تم إستخدامها في عملية الإغتيال، وتم إعتقال الصحفي بعد عدم تمكنه من مغادرة تونس، حيث إعتقدت السلطات التونسية بأن إعتقال الصحفي س يؤدي الى الكشف عن الخلية المنفذة للعملية، لكنها كانت بعيدة كل البعد عن عناصر الموساد التي تزعم بأنهم قد نفذوا الإغتيال.
ويضيف الكاتب بأن السلطات التونسية عندما حاولت الوصول الى معلومات عن طريق كاميرات المراقبة لم تجد شيئاً، حيث تبين أنها لم تسجل أي شيء، وهذا ليس من قبيل الصدفة، مصدر في المخابرات قال لـ هآرتس " لقد تبدلت الكثير من العمليات، هنالك تفكير عملي وتكنولوجي في التعامل مع كاميرات المراقبة الأمنية، النتائج تتحدث عن نفسها، أي من عمليات الإغتيال التي نفذها الموساد قد وثقتها كاميرات المراقبة؟".
أسـالــيب جــديدة
سنتان ونصف السنة مضت على تعين " يوسي كوهين " رئيساً للموساد، حيث خضع الموساد لسلسة من التغييرات: حيث أصبح يتمتع الموساد بميزانية أعلى، بالإضافة الى شروعها و إستخدامها طرق جديدة في تنفيذ العمليات، حيث يستطيع أي شخص يمر من جانب تقاطع غليلوت أن يرى البنايات الشاهقة، وسيجد الصعوبة في معرفة عدد العمال هناك، كل ذلك بسبب التقدم في مجال التكنولوجيا والسايبر، يعمل اليوم قرابة 7.000 شخص في جهاز الموساد، هذا الرقم كفيل بأن يجعل الموساد في الترتيب الثاني لأجهزة المخابرات في العالم بعد وكالة المخابرات الأمريكية CIA.
يتطلب التطور التكنولوجي من أجهزة المخابرات العمل بطرق متنوعة، ولا يعد مقتصر على إرسال العملاء الى الدول المعادية فقط، بل على تدريب أفراد للعمل كعملاء دون علمهم بما يفعلون، واستخدام طرق جديدة مثل هجمات السايبر، كل ذلك من أجل تجاوز قدرات تحديد الهوية البيومترية مثل الكاميرات الأمنية، لذلك إضطرت أجهزة المخابرات في العالم للعمل أكثر فأكثر، ففي كثير من الأحيان تحتاج بعض العمليات المعقدة الى ارسال عدد من العناصر الى بلد العدو، كما تفعل المخابرات في كوريا الشمالية على سبيل المثال.
وُصِفَ الرئيس السابق للموساد" تامير باردو" بالحَذِر الشديد، أشارت مصادر مختلفة لمحلق هآرتس بأن الموساد كان أقل ميلاً للمغامرات خلال حقبة باردو، حيث قال أحد عناصر الموساد " كان الإنطباع العام في شعبة العمليات يعاني حالة من الشلل بسبب باردو الذي كان يخاف من إكتشاف عناصر الموساد، ينبغي أن يكون حذراً خاصة أن المسؤولية النهائية تقع على عاتقيه، لكن كان يوافق بصعوبة بالغة على تنفيذ العمليات ".
عندما تولى كوهن منصبه في أوائل عام 2016، بدأ في إعادة الروح داخل الموساد، والعمل على تنويع أساليب عمله، لقد تطلبت العمليات الجديدة إعدادًا أطول واشتملت على المزيد من القوى العاملة، ولكن في النهاية كانت هنالك نتائج، وقال مصدر كان قد شارك في العمل الاستخباراتي " كان هنالك أشخاص في الموساد يشككون في القدرة على تنفيذ مثل هذه العمليات المعقدة، لكن كوهين أقنعهم بأن ذلك ممكن ".
قبل أربعة أشهر من الان، نُسب إلى الموساد اغتيال المهندس في حماس " فادي البطش "، المنفذون تعقبوا البطش في العاصمة الماليزية كوالالمبور، وأطلقوا النار عليه من مسافة قريبة، حيث استشهد على الفور، هذا الاغتيال أيضاً لم يتم توثيقه من قبل الكاميرات الأمنية، ولم تكن هذه هي المرة الأولى التي ترتبط فيها ماليزيا بالاغتيالات المنسوبة إلى الموساد، قبل عام ونصف العام وفي قصة إغتيال الزواري في تونس كان الصحفي المجري يدعي بأن الفيلم تابع لشركة إنتاج ماليزية، وقال مصدر مشارك في العمل الاستخباراتي " لم تدّعي السلطات ووسائل الإعلام أن هناك إسرائيليًا واحدًا على الأرض، يبدو أن التزامن كان يعمل بشكل مثالي".
لــاـــ للـفشــل
من المحتمل أن يكون اغتيال الزواري مخططاً على أساس الدروس المستفادة من اغتيال محمود المبحوح في دبي، المبحوح القيادي في حركة حماس كان من الذين غادروا قطاع غزة بعد إشتراكه في خطف وقتل جنود إيلان سعدون وآفي سبورتس، حيث لعب دوراً رئيسياً في تهريب الأسلحة لحماس، حيث تم العثور عليه ميتًا في غرفته بإحدى الفنادق وبعد الفحص تبين أنه قد تم تسميمه، مما تطلب إجراء تحقيقات، في الواقع كانت هذه المحاولة الثانية لاغتياله وبذات الطريقة، كانت المحاولة الأولى حين تم وضع مادة سامة في غرفته ولكن عندما شعر بآلام في صدره وصل إلى المستشفى المحلي حيث تم إنقاذه، أما المرة الثانية فلم يكن للقتلة أي مجال للخطأ وحقنوا المادة السامة في جسده، الشرطة في دبي استجوبت جميع المشتبهين في العملية ، وخلال مؤتمر صحفي تم الكشف عن القتلة، وأنهم من حاملي جوازات السفر الأجنبية والهويات المزورة، خلال محادثات الداخلية قال كوهين بأن إغتيال المبحوح لم يفشل حيث قال: " إذا قتل الرجل، وإذا لم يتعرض الناس للاعتقال، وإذا عادوا جميع أعضاء الخلية الى المنزل بأمان، فهذا العمل ليس فشلاً "، على الرغم من أن هدف الاغتيال قد تم تحقيقه، إلا أن التحقيق المكثف الذي أجرته شرطة دبي أدى إلى إحراج دبلوماسي مع عدة دول التي تم تزوير جوازات سفرها وأدت الى كشف بعض أساليب عمل منسوبة إلى الموساد، وبالإضافة إلى ذلك يُزعم أنه قد تم نشر صور لبعض العملاء الذين شاركوا في العملية.
نعــــم للإغــتيــالات
في عهد كوهين تدفق الكثير من الماء والدماء إلى الموساد وذلك بعد أن تم إغتيال المبحوح، حيث تم إستخدام أساليب متنوعة وفعالة في العديد من الدول، أما نتنياهو من جانبه فهو يجعل كوهين ذات يدٍ حرة، لكي يرى الموساد بصورة مشرقة.
في عهد كوهين تم زيادة ميزانية الموساد، حيث لا يوجد أي طلب تقدم به ولم تتم الموافقة عليه، فمن المتوقع أن تبلغ ميزانية العمل الإستخباراتي في عام 2019 قرابة 10 مليار شيكل، أي ضعف الميزانية التي كانت قبل عقد من الزمن، في الواقع لا يتم الكشف كيف توزع الميزانية بين الشاباك والموساد، لكن من الواضح أن معظم الزيادة في ميزانية الموساد.
هل تشير الزيادة في الميزانيات والقوى العاملة والعمليات المتعددة الى قوة ونجاح الموساد؟ لا يوجد دائما رابط بين قوة الدفع وتحقيق الأهداف، فبعد سلسلة عمليات الاغتيال بحق علماء نوويين إيرانيين نسبت إلى الموساد، إعتقد خبراء دوليون أن عمليات الاغتيال أثبتت عدم فاعليتها وينبغي إيقافها، لكن السرية تجعل من الصعب إجراء أي نقاش عام سواء فيما يتعلق بكفاءة عمليات الموساد وفيما يتعلق بالزيادة الحادة في الإنفاق العام الذي يمول الأنشطة.
يعتقد كوهين أن السياسات الفعالة ضد الأهداف المختارة بعناية تؤدي إلى إنجازات كبيرة، ويجب أن تكون هذه الأهداف المختارة هي تلك التي تعمل على تطوير المنظمات المعادية بدرجة كبيرة.
صـديق بـاكــــر
ولد كوهين في القدس عام 1961 لعائلة دينية، درس في المؤسسات الصهيونية الدينية، خدم في قوات المظليين وانضم الى الموساد في عمر 22، بالإضافة إلى عمله في الموساد، أمضى كوهين الكثير من الوقت في رعاية ابنه المعاق الذي يعاني من شلل دماغي، حتى تم تجنيده في الجيش وأكمل شهادته في الجامعة.
كوهين رجل إجتماعي، مليء بالكاريزما والثقة بالنفس، يعتني بمظهره ويتبع نظام غذائي صحي، يوجد في سيارته دائما القمصان المكوية، يشرح باستمرار إلى مرؤوسيه أهمية مظهره ولكونوسيم ومنظم، كان يطلق عليه رون يارون محرر يديعوت أحرونوت " النموذج ".
تم إبعاد كوهين عن الموساد في عام 2013 بسبب خلافاته مع سلفه باردو، حيث قام نتيناهو بعتينه رئيساً لمجلس الأمن القومي، خلال فترة رئاسته لمجلس الأمن القومي إلتقى كوهين بسارة نتيناهو والتي من شانها أن تمكنه من رئاسة الموساد وامتثل كوهين لجميع مطالبها، ولم يكن هنالك مجال للخطأ وكان الشخص المناسب، وخلال رئاسته التقى أيضاً بالملياردي جيمس باكر وذلك عشية إنتخابات عام 2015 حيث نسق السفير الإسرائيلي في واشنطن رون ديرمر خطابا لنتنياهو أمام الكونجرس، بالطبع كان كوهين مرافقه في الرحلة، في العشاء الذي سبق الخطاب التقى كوهين بـ باكر، حيث قال كوهين لاصدقائه " لقد وقعت في الحب معه، إنه ذكي ، يحب إسرائيل" ، وبدأت بينهما علاقة اجتماعية وثيقة تجمع بين الهدايا والأعمال التجارية.
في الوقت نفسه، قدر كوهين أنه لن يحظى بمنصب رئيس الموساد، وبدأ يبحث عن مصدر رزق آخر، أراد باكر إنشاء شركة دفاع كبيرة في الهند وسيديرها كوهين بشكل طبيعي بالإضافة إلى أفكاره التجارية، تلقى كوهين أربعة تذاكر باهظة الثمن لمسرح ماريا كاري من باكر، وعندما استجوبته لجنة الخدمة المدنية قال كوهين: إن استلام التذاكر كان "خطأ و هراء" ، و قدم اعتذره وأعاد كوهين تكلفة التذاكر، و بذلك أنتهت هذه القضية.
الأقـربــاء فــالأقـــربــاء
الفرق الرئيسي بين كوهين وأسلافه هو العلاقة الوثيقة والحميمة بينه وبين رئيس الوزراء، حيث كان نتنياهو مرتاباً قليلاً حول مئير داغان وباردو الذي عينه في راسة الموساد من دون حماس ولم يكن لديه أي خيارآخر ، لكن هناك الكثير من الإنسجام بينهما، بينما العلاقة مع كوهين مختلفة فإن الاثنين يشتركان في وجهة نظر مشابهة بالنسبة للتهديد الإيراني، وكلاهما مقتنعان بأنه يجب القتال ضد إيران بكل طريقة، حيث دفع الاتفاق مع إيران بعض وكالات الاستخبارات إلى تسليط الضوء على مجالات أخرى، بافتراض أن البرنامج النووي إيران لم يعد مندرج ضمن جدول الأعمال، لكن نتنياهو استمر في معارضة الاتفاق وقرر كوهين وضع إيران على رأس خطة لمدة الثلاث سنوات، ساعد هذا القرار في البدء بعملية إحضار الأرشيف النووي الإيراني.
أيد كوهين الخطوة غير العادية التي اتخذها نتنياهو عندما اختار الكشف عن محتوى الأرشيف، وأعرب عن اعتقاده بأن الإعلان عن الأرشيف يمكن أن يسهم في تعزيز قوة الردع، لكن لم يكن كل شخص داخل الموساد مؤيد لرأي كوهين، وبشكل عام يتمتع كوهين بعلاقة مع عدد من الصحفيين ولاسيما الأجانب منهم وخصوصاً فيما يتعلق بنشر التلميحات والقرارات المتعلقة بالعمليات الناجحة، قبل حوالي ثلاثة أسابيع وبعد عملية اغتيال مهندس الصواريخ السوري " عزيز الأسبر " حيث وجعت أصابع الإتهام لـ " إسرائيل "، قال مسؤول استخباراتي رفيع في الشرق الأوسط قال لصحيفة نيويورك تايمز إن الموساد هو مسؤول عن عملية الاغتيال.
أما فيما يتعلق بالمسألة السورية ، يقف كوهين جنبا إلى جنب مع أعضاء كبار آخرين في المؤسسة العسكرية، حيث يعتقد أن " إسرائيل " تستطيع أن تتصرف بحرية وبقوة ضد الأهداف الإيرانية في سوريا دون خطر المواجهة مع حزب الله، ويرى أنه وفي أعقاب الاتفاق النووي استثمرت طهران العديد من الميزانيات في سوريا ، وبالتالي من الضروري العمل ضدها بشكل حاسم وثابت.
بالنسبة لنتنياهو يقوم كوهين بالعديد من المهام السياسية في أوروبا والولايات المتحدة وأفريقيا والدول العربية، فعلى سبيل المثال كان المسؤول عن الاتصالات بين " إسرائيل " ورواندا من أجل استيعاب طالبي اللجوء الإريتريين والسودانيين، ويحافظ ايضاً على علاقات وثيقة مع رؤساء منظمات الاستخبارات الأجنبية، وكثيراً ما يستضيفهم في " فيلا " الموساد المعزولة، أما في مصر والتي هي تحت رعاية رئيس الشاباك نداف ارجمان، عمل كوهين محل يتسحك مولخو كمبعوث شخصي لرئيس مجلس الوزراء.
النقاد لكوهين من مجلس الوزراء والكنيست يعتبرون بأن القرب من رئيس الوزراء يخلق ثقافة غير الصحية والتي من الصعب أن تلعب موقف مختلف، حيث يقول أحد الوزراء: " إنه بالكاد يتكلم في الحكومة "، ولا يعلم أحد ماذا يفعل، وما هي المهام التي يقوم بها، ولا يطلع عليها إلا رئيس الوزراء.
وختم الكاتب بمقولة عضوٍ في لجنة الشؤون الخارجية والدفاع الذي أجتمع مع كوهين عدة مرات : " لدى كوهين ونتنياهو ذات النظرة بالنسبة لإيران، وهو لا يرى نفسه رئيسا لجهاز مخابرات يعمل بشكل مستقل، ولكن كجزء من منظومة رئيس الوزراء، و آمل أن يعرف كيف يدق على الطاولة إذا كان يعتقد أننا سنذهب في اتجاه خطير ، كما فعل داغان".