لماذا الشيخ العاروري؟
تكرر اسم الشيخ صالح العاروري مؤخراً في وسائل الاعلام كثيراً، ولكن ذلك لم يكن بالأمر الجديد أو المستحدث، بل على العكس العاروري حاضراً وبقوّة منذ فترة طويلة، الجديد أنّ التهديدات باغتياله ظهرت من أعلى مستوى سياسي في دولة الاحتلال، في رفعٍ لسقف التعاطي مع الأحداث في الضفة الغربية، وتأكيداً من الاحتلال أنّ الأمور باتت أكثر تنظيماً من ذي قبل، وأنّ جهات تنظيمية وشخصيات قيادية يتقدمها الشيخ صالح، هي من تُركز على ضرورة إبقاء جذوة المقاومة في الضفة الغربية في أفضل حالاتها، وصولاً إلى مرحلة أكثر تقدماً في مواجهة الاحتلال.
صحيح أنّ ما ذُكر أعلاه قد يكون السبب المباشر في استعداد "إسرائيل" أو على الأقل اعلان استعدادها لاغتيال العاروري، لكن الحقيقة أنّ هناك أسباب جوهرية لا تقل أهمية عن هذا السبب جعلت من الشيخ العاروري شخصية استراتيجية لم يعد بمقدور الاحتلال احتمال وجودها فترة أطول من ذلك، إذ أنّ استراتيجية الاحتلال قائمة على تغييب الشخصيات التي تحظى بإجماع كبير في أوساط مختلفة.
ويُمكن فهم أداء العاروري في هذا السياق في اتجاه كونه أثر في مسارين، الأول قدرته على توفير خطاب فلسطيني جامع، بحيث بات يُسمع من الغالبية العظمى من المهتمين والمتابعين وغيرهم، حيث امتلك طرحاً بعيداً عن الحزبية جامعاً لكل من يؤمن بالمقاومة، منصفا لحركة فتح وتاريخها، منتقداً أداء شريحة من السلطة ساهمت بانزلاق الحالة الفلسطينية إلى مرحلة التشتت والضعف، مبقياً يده ويد حركته مفتوحةً في اتجاه صياغة استراتيجية مواجهة ضد الاحتلال، منتقياً كلامه بعناية فائقة، وبروح إيجابية صادقة، يتخللها واقعية تبعث على نظرة معمّقة للأحداث، ومرحلية مواجهة تُعيد إلى الأذهان القدرة على تطبيقها والوصول إليها.
ولعلّ الأهم من ذلك، ما وصل إليه الشيخ صالح من مركزية كبيرة في محور المقاومة بقيادة إيران، حيث وفق الاعلام العبري فإنّ العاروري بات يحتل مكانة في الدائرة الأولى المقربة من المرشد الأعلى في ايران، وهو ما يوفر مزيداً من الدعم للمقاومة وأسس لمرحلة أكثر خطورة بالنسبة للاحتلال، وهو وضعه اساسيات العمل الفلسطيني من الساحة اللبنانية، وصحيح أنّ ذلك لن يكون دون موافقة واطلاع أو ربما رقابة حزب الله، لكنّه في النهاية يحمل مغازي كبيرة، وسيقود إلى منحنيات أكثر نجاعة في مواجهة الاحتلال.
من جانب آخر رسخ العاروري مساحة أوسع من الثقة داخل محور المقاومة، حيث في الوقت الذي كان قبل سنوات يُرمى المحور بحبال غليظة من الشك من قبل أبناء حماس، وربما من مؤيدي حزب الله وإيران، فإنّ سلوك العاروري، حراكه وخطابه المتكرر المؤكد على متانة العلاقة واستراتيجيتها، بدد الكثير من الشكوك، ودفع باتجاه الايمان أنّ العلاقات أبعد من كونها مصلحية مؤقتة، إنّما مصيرية استدعت وجود تنسيق دائم، وتخطيط مشترك، ومساحة أكبر من الدعم المُقدم للمقاومة الفلسطينية.
خلاصة القول أنّ العاروري يحمل هوية القائد الجريء المثقف، الذي بإمكانه تقريب وجهات النظر في اتجاه المصلحة العامة، وابعاد أو تسكين القضايا الخلافية التي من شأنها أن تؤزم الأمور، وإسرائيل لا ترى في مصلحتها وجود شخصية سياسية كاريزمية جامعة في أوساط الفلسطينيين، لأنّ ذلك من شأنه أن يُخفف من مساحة الردح الداخلي والتأزيم المستمر، الذي بعث على استمرار استعصاء الحالة الفلسطينية، ومراوحتها مكانها منذ سنوات طويلة. لذلك فلسطينياً على حماس أن تكون أكثر حرصاً للحفاظ على سلامته ووجوده، فكثير من القادة غابوا ولم تستطع الحالة الفلسطينية تعويضهم.